المسارات القانونية لملاحقة جرائم الحرب الإسرائيلية في لبنان


2023-12-22    |   

المسارات القانونية لملاحقة جرائم الحرب الإسرائيلية في لبنان
المشاركون في النقاش

73 يومًا على 7 تشرين الأوّل، 73 يومًا، ولا تزال إسرائيل مستمرّة بشن حرب شاملة تستهدف الفلسطينيين من دون تمييز، حرب تستهدف أهل غزة كمجموعة بشرية، فيصبح التطهير العرقي، والإبادة الجماعية، جنبًا إلى جنب مع الفصل العنصري، جرائم متعددة ضمن نكبة واحدة مستمرة منذ 75 عامًا. ومنذ 8 تشرين الأوّل، ومع اشتعال جبهة جنوب لبنان، ونحن نشهد على هجمات إسرائيلية، قتلت جدّات وأمّهات وأطفال لنا، وخطفت منا شبّان وشابات وكهول، وأحرقت أكثر من 40 ألف من أشجار زيتوننا، وقضت على مئات الهكتارات من المساحات الحرجية، وتسبّبت بنزوح عشرات الآلاف، وقتلت 3 من زملائنا فرح عمر وربيع معماري وعصام عبدالله، نضع صورهم ونذكر أسماءهم في كلّ مرة، ضمن وعدنا لهم بأنّ العدالة لهم آتية.

بالتزامن، يبرز حراك في لبنان، يسعى إلى الاستفادة من مسارات قانونيّة مختلفة، من أجل توثيق جرائم الحرب المرتكبة في لبنان، والحشد دوليًا من أجل إدانتها، تحت عنوان تحقيق العدالة. خلال الفترة الأخيرة، افتتحت مسارات في ملاحقة الجرائم المرتكبة ضد الصحافيين، قادها تجمّع نقابة الصحافة البديلة، وصدرت تقارير عن منظمات حقوقية دولية أبرزها “هيومن رايتس ووتش” و”العفو الدولية”، حول هجمات عدّة نفّذتها إسرائيل ضدّ المدنيين والصحافيين. كما برز نشاط في غرف البرلمان، حيث أنجزت النائبة حليمة القعقور عن حزب “لنا” ورقة توصيات للحكومة ينتظر أن تناقشها لجنة الإدارة والعدل الأسبوع المقبل، حول الإجراءات القانونية التي يمكن للحكومة اللبنانية اتخاذها في وجه الاعتداءات الإسرائيلية المرتكبة على أراضيها.

وبين دور المنظّمات، وواجبات لبنان الرسميّ، عقد جلست نقاش شارك فيها ممثلون وممثلات من هذه الجهات في مقرّ جريدة السفير يوم الإثنين 18 كانون الأوّل، حيث نوهّت النائبة القعقور إلى ضرورة توثيق التحريض على الإبادة الجماعية، على لسان مسؤولين إسرائيليين ضد اللبنانيين إضافة إلى مسارات قانونيّة دوليّة عدّة ينبغي على الحكومة سلوكها خصوصًا أن مجلس الأمن معطّل من قبل الدول الخمسة التي تتحكّم بقراراته بموجب حقّ الفيتو. كذلك استعرض رمزي قيس، الباحث في “هيومن رايتس ووتش”، ورينا وهبي، مسؤولة الحملات المعنيّة بشؤون لبنان في منظّمة العفو الدوليّة، نتائج تحقيقات منظّمتيهما حول 3 جرائم حرب: استهداف الصحافيّين في علما الشعب، جريمة قتل الطفلات وجدّتهن على طريق عيترون، القصف المدفعيّ بالفوسفور ضدّ المدنيين، وكذلك نمط قتل الصحافيّين الذي أدّى إلى استشهاد الصحافية فرح عمر والمصور الصحافيّ ربيع معماري ومعاونهما حسين عقيل. بالتوازي، أكّد المحامي فاروق المغربي، المستشار القانونيّ لتجمّع نقابة الصحافة البديلة، أهمّية الدعم الحكومي للمسارات غير الحكومية، وأشكال هذا الدعم، مستعرضًا تجربة التحقيقات المستقلّة في قضيّة استهداف الصحافيّين في علما الشعب، والعقبات التي واجهتها. 

تضمّنت الجلسة أيضًا شهادتين من الزميلين الصحافيّين إبراهيم الزيّات وآرثر سريّ الدين حول أثر استهداف الصحافيّين على عملهم، وتوثيقهم لجرائم الحرب ضدّهم والمدنيّين، إضافة إلى مداخلات من الحضور الذي تنوّع بين صحافيين وباحثين وناشطين حقوقيين. 

شهادات الصحافيين: التوثيق تحت التهديد والاستهداف المباشر 

شارك الزميل آرثر سري الدين في شهادته، نتائج تحقيق عمل عليه ونشره في جريدة “لبيراسيون” الفرنسية، حيث جمع بقايا قذائف فوسفورية كانت قد سقطت في أماكن مدنية في قرية الضهيرة الحدودية، وتواصل مع خبراء في فرنسا والولايات المتحدة وبريطانيا استطاعوا الجزم بأنّها قذائف فوسفور أبيض. 

وبعد تواصل “ليبراسيون” مع الجيش الإسرائيلي، لم ينف الأخير حيازة أسلحة فوسفور أبيض وإذ ادّعى أنّه لا يستخدم مثل هذه القذائف في “مناطق مكتظة بالسكّان”، أقرّ بوجود “استثناءات” وهو ما يعتبر الاعتراف الإسرائيلي الأوّل باستخدام الفوسفور ضدّ المدنيين. 

وجاء في نص مقالة سري الدين حرفيًا: 

Jointe par Libération, l’armée israélienne n’a pas nié posséder des armes au phosphore blanc, mais a assuré «ne pas les utiliser dans des zones densément peuplées», avant d’ajouter, «sous réserve de certaines exceptions».

وتحدث سري الدين عن عرقلة الاستهداف الإسرائيلي للعمل الميداني للصحافيين، وهو ما يصعّب قدرتهم على توثيق الجرائم، فضلًا عن الصعوبات التي يواجهونها لتمويل تحقيقاتهم. وأخيرًا، عن الحملات التي تُشنّ ضدهم بعد نشرها: “نتعرض لحملات من مسؤولي الجيش والحكومة الإسرائيليين، من خلال اتهامنا بأننا شركاء حماس لمجرد قيامنا بعملنا”.

شهادة الزميل إبراهيم الزيّات قدّمت صورة عن الاستهداف الإسرائيلي للزملاء الصحافيين، كاشفًا عن وصول تهديدات إسرائيلية مباشرة للعديد منهم عبر رسائل نصية، إضافة إلى الاتهامات بالإرهاب لتبرير قتلهم، ومن ثم الاستهداف المباشر الذي نراه يتكرّر. “لعلّ تجربة استشهاد فرح عمر كانت الأصعب عليّ، لأنني خسرت صديقة وليس فقط زميلة.. نتحدث عن الإجراءات الاحترازية، لكن حينما يأتي الصاروخ المباشر، وحينما يستهدف الزملاء بطائرة مسيّرة، تعرف أنّ الاستهداف مباشر.. نحتاج للتحقيقات، لكن المتهم والجاني واحد هو إسرائيل”، يقول إبراهيم. وكانت “المفكرة القانونية” رصدت أشكال متعددة من الاستهداف المعنوي والجسدي الإسرائيلي للصحافيين في مقالة بعنوان: إسرائيل ترتكب إبادة جماعية بيد وتطفئ الأضواء بيد أخرى.

وكان للباحثة زينة الحلو مداخلة أكدت فيها وجوب الحفاظ على السياق الذي ترتكب فيه الجرائم الإسرائيلية: “نحن لسنا أمام دولة ودولة مقابلة، بل هذه الجرائم ترتكب في سياق صراع وجودي، ومن قبل كيان احتلال وفصل عنصري عمره 75 سنة مستمر، وإبادة جماعية مستمرة لم تبدأ في 7 تشرين، ولن تنتهي بمجرد وقف إطلاق نار”، فيما أكدت القعقور على هذا السياق “حيث نرفض التطبيع مع هذا الكيان والاعتراف به، وأن الأساس في مواجهته هو بناء مجتمع وحكومة وسلطة واقتصاد يقاومون هذا الكيان”، موضحة أن “القانون الدولي الإنساني هو لصالحنا، لكن العدالة تحتاج إلى القوة، والأقوى اليوم هو من يمنع تحقيق العدالة، ولن يتحقق النص القانوني إلا بقوة تشمل التسلح كما الفكر والاقتصاد والتحرر واستقلالية القرار والسيادة، فالقانون وسيلة من وسائل القوة طبعا لا تكتمل من دون عناصر أخرى”. 

بدوره أكد رمزي قيس أن “الأسباب الجذرية للصراع هي بنظام الفصل العنصري القائم منذ 75 عامًا والاحتلال الذي يتوسع كل يوم، لكن هذا لا يعني أننا لن نستمر في توثيق وملاحقة كل انتهاك يرتكب وأن نستمر بالمطالبة بالعدالة”. وقالت رينا وهبة، أنه وأمام الإفلات المستمر من العقاب: “علينا توثيق هذه الجرائم ووضعها على طاولة العالم والاستمرار بجهود الضغط وحملات المناصرة، وإلى أن تتحقق العدالة، تبقى هذه التوثيقات شاهدة على الجريمة”، ليذكر رمزي قيس هنا بالخلاصة التي تضمنها التحقيق الأخير بشأن استهداف الصحافيين في علما الشعب، بأن على حلفاء إسرائيل الرئيسيين، الولايات المتحدة وكندا وألمانيا والمملكة المتحدة، وقف تسليح إسرائيل.

مخرجات الجلسة: واجبات للحكومة لا يمكن تجاوزها ودور للمنظّمات يجب دعمه

طرحت جلسة النقاش عددًا من النقاط أبرزها: التأكيد على أهمية جمع الأدلة وتوثيق جرائم الحرب الإسرائيلية المرتكبة في لبنان، وضرورة أن تجري الدولة اللبنانية تحقيقاتها، وأن تتعاون مع المسارات غير الحكومية من خلال دعم التحقيقات وتسهيل الوصول إلى الأدلة. كما أكدت المداخلات على  ضرورة أن تأخذ الدولة بالمسارات القانونية المتاحة لها (ورقة التوصيات)، وأن توظف جهودها الدبلوماسية في المعركة على الساحة الدولية. وفيما يلي عرض لأبرز ما تناوله النقاش من أجل توثيقه والمراكمة عليه في مسارات تستكشف نفسها في لبنان اليوم على وقع الحرب القابلة للتوسّع في الجنوب.

أ – في واجبات الحكومة: آليات مجلس حقوق الإنسان

استعرضت القعقور الورقة التي أعدّتها مع فريق لبناني من المحامين المختصّين في القانون الدولي، على ضوء تكليفها من قبل لجنة الإدارة والعدل دراسة وإعداد المسارات التي يمكن للحكومة سلوكها. وهو ما نتج عنه ورقة تحمل عنوان: “الإجراءات القانونية التي يمكن اتخاذها للتصدي للمخالفات الجسيمة من الجانب الإسرائيلي للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني في جنوب لبنان”. 

وقد رفعت القعقور الورقة إلى لجنة الإدارة والعدل التي ينتظر أن تناقشها في جلستها المقبلة، لتُصدر توصياتها للحكومة بدورها. وتتضمن الورقة مسارات عدّة أوّلها تقديم بلاغات عبر/إلى المقرّرين الخاصين لدى الأمم المتحدة المعيّنين من قبل مجلس حقوق الإنسان، حيث تقع المسؤولية بالدرجة الأولى على الحكومة اللبنانية، في ظلّ عدم تصديق لبنان على البروتوكول المعني بالشكاوى الفردية. وتوصي الورقة بتقديم بلاغات عبر/إلى (1) المقرّر الخاص المعنيّ بحالات الإعدام خارج القضاء أو تعسّفًا، موريس تيدبال بنز، بشأن قتل المدنيين واستهداف سيارات الإسعاف المحميّة، (2) والمقرّرة الخاصة المعنية بحقوق الإنسان للمشرّدين داخليًا، باولا غافيريا بيتانكور، بشأن التشريد الداخلي للبنانيين من منازلهم، (3) والمقرّرة الخاصة المعنية بتعزيز وحماية الحق في حرية الرأي والتعبير إيرين خان، بشأن الاعتداءات والهجمات على الصحافيين.

كما توصي الورقة باللجوء إلى “الإجراء 1503“، وهو أقدم آلية لدى مجلس حقوق الإنسان لتقديم شكوى ضدّ انتهاكات حقوق الإنسان والحريات الأساسية. وتسمح هذه الآلية بتقديم شكوى ضدّ أي دولة من دون الحاجة إلى التحقق ممّا إذا كانت قد صادقت على معاهدة معيّنة أو حدّدت التزاماتها بموجب الصكّ، ويجب توجيهها إلى مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان، وأن تتضمن أقصى قدر ممكن من التفاصيل. وتنوّه الورقة أنّ هذا المسلك قد يستغرق وقتًا طويلًا.

وتوصي الورقة كذلك بالطلب من مجلس حقوق الإنسان إنشاء لجنة تحقيق أو بعثة تقصي حقائق، للتحقيق في الخروقات الخطيرة التي طالت جنوب لبنان، وينبغي على الحكومة هنا طلب دورة استثنائية بطلب يقدّم من أحد أعضاء المجلس ويوافق عليه ثلث الدول الأعضاء. وهو ما يتطلّب من الحكومة أن تبذل جهودها الدبلوماسية بهذا الخصوص لحصد موافقة الثلث لجلسة استثنائية والتصويت على لجنة تقصي حقائق، كما توصي بإرسال شكوى إلى اليونسكو بما يخصّ قتل واستهداف الصحافيين، لما لصلاحية اليونسكو بحماية الصحافيين. 

ب – توثيق نوايا الإبادة الجماعية ضدّ لبنان

ترصد ورقة القعقور أيضًا “تحريض المسؤولين الإسرائيليين على الإبادة الجماعية ضدّ المدنيين اللبنانيين”، وذلك استنادًا إلى التهديدات بتدمير حياتهم بالكامل أو جزئيًا، موصية الحكومة بالذهاب إلى محكمة العدل الدولية لتفسير هذه النوايا. وبموجب المادتين 8 و9 من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، هناك واجب على الدول لمنع وقوع الإبادة الجماعية ومعاقبة “التحريض المباشر والعلني على ارتكاب الإبادة الجماعية”. وتشرح القعقور أنّه يُستدلّ من تهديدات المسؤولين الإسرائيليين بتدمير حياة اللبنانيين في بيروت ولبنان، على وجود أحد عناصر نيّة التدمير، كلّيًا أو جزئيًا، لمجموعة وطنية أو عرقية أو دينية. وبالتالي يمكن أن يؤدي ذلك إلى تكييف هذا العمل بالتحريض على القيام بالإبادة الجماعية، داعية إلى أن تتم عملية توثيق كلّ التصاريح والتقارير التي تصدر عن العدو فيما يخص الإبادة وقتل اللبنانيين وتدمير لبنان وبيروت أسوةً بغزة.

هذا وتقترح الورقة تفعيل اختصاص المحكمة الجنائية الدولية من خلال تصديق مجلس النواب على نظام روما أو إعلان الحكومة اللبنانية اختصاص المحكمة بموجب نص البند 3 من المادة 12 من نظام روما. كما تشير الورقة إلى الاختصاص العالمي للمحاكم الوطنية، في حالات الشكاوى الفردية، عملا بالمسؤولية الجنائية الفردية لمرتكبي الجرائم الدولية، مؤكدة حاجة الضحايا وعائلات الشهداء إلى دعم من الحكومة والإدارات والجيش اللبناني لما تقتضيه الإجراءات من توثيق كافة الجرائم والخروقات الجسيمة التي ارتكبت في حقهم.  

وتشير الورقة كذلك إلى مبدأ “مسؤولية حماية المدنيين”، الذي يركز على مسؤولية المجتمع الدولي تجاه حماية السكان المدنيين من الجرائم الجماعية، بما في ذلك الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والتطهير العرقي والجرائم ضد الإنسانية. وهو ما يتيح للحكومة اللبنانية اللجوء إلى مجلس الأمن، ثم إلى الجمعية العامّة، في حال تقاعس الأول، لتقوم الجمعية العامة بهذا الدور بموجب قرارها “الاتحاد من أجل السلام” رقم 377/5. هذا على الرغم من غياب السوابق في هذا الإطار، فتكون الجمعية العامّة ساحة للجهود الدبلوماسية وبناء التوافق والتعبير عن القلق الدولي حيال العدوان الإسرائيلي ضد لبنان. 

في الأدوار غير الحكوميّة وما وثّق حتى اليوم

يمكن القول إنّ كلّ ما تمّ إنجازه في هذه المسارات حتى الساعة، جاء بجهود غير حكومية. وقد تصدّى تجمّع نقابة الصحافة البديلة لمتابعة التحقيقات والدفع بالمسارات الدولية، وتنسيق التعاون معها، حيث تمّت مراسلة مقرّري الأمم المتحدة الخاصين المعنيين بشأن استهداف الصحافيين واستشهاد عصام عبدالله في علما الشعب. وكذلك تمّت مراسلتهم مرّة ثانية بشأن استشهاد فرح عمر وربيع معماري والمتعاون حسين عقيل في طير حرفا. ووجهت  المراسلات إلى إيرين خان، المقرّرة الخاصة بتعزيز وحماية الحق في حرية الرأي والتعبير، وموريس تيدبال بينز، المقرّر الخاص بحالات الإعدام خارج القضاء أو بإجراءات موجزة أو الإعدام التعسّفي، وريم السالم، المقرّرة الخاصة المعنية بالعنف ضد النساء والفتيات، خصوصًا أنّ من بين الشهداء والجرحى صحافيات. وتطلب المراسلات من هؤلاء المقرّرين الخاصين المعيّنين من مجلس حقوق الإنسان، إدانة الجريمتين ودعم إجراء تحقيقات دولية مستقلّة بها بإشراف مفوّض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان. ومن المتوقع، أن يصدر في 12 كانون الثاني المقبل موقف مشترك عن المقررين الثلاثة بشأن استهداف علما الشعب، بحسب ما أعلموا تجمّع نقابة الصحافة البديلة وبعد انتهاء فترة المراسلات التي يجرونها (المقررون) مع مختلف الأطراف، فيما تستمر المراسلات بشأن القضيّة الثانية استهداف طير حرفا. 

وكشف المحامي فاروق المغربي عن إدماج القضيتين في العريضة الموجّهة إلى مفوّض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان لمطالبته بفتح تحقيق مستقلّ سواء عبر مكتب بيروت أو عبر مبعوث خاص، إضافة إلى عريضة اليونسكو لدعم هذا المطلب. وقد وقعت العريضتين “المفكّرة القانونية”، إلى جانب مؤسسات حقوقية وإعلامية دولية ومحلية.

بدوره استعرض رمزي قيس، الباحث في “هيومن رايتس ووتش”، أبرز ما خلص إليه تحقيق منظّمته في استشهاد ثلاث طفلات مع جدّتهن في غارة جوية إسرائيلية في أطراف بلدة عيناتا الجنوبية، في 6 تشرين الثاني. وقد اعتبرت المنظمة أنّ الغارة “غير قانونية ويجب اعتبارها جريمة حرب على ما يبدو”. كما حققت المنطمّة في استهداف الفرق الصحافيّة في علما الشعب يوم 13 تشرين الأول 2023، والذي استشهد فيه المصور الصحافي عصام عبدالله وأصيب معه 6 من الزملاء، وخلص التحقيق إلى أنّه “هجوم متعمّد مفترض ضد مدنيِّين ما يعني جريمة حرب”. وقال قيس: “نقول مفترض وعلى ما يبدو لأنّنا منظمة حقوقيّة نصدر تقاريرنا بناء على الأدلّة بحوزتنا ولسنا محكمة قانون”. كما أشار قيس إلى وضع استشهاد الصحافية فرح عمر والمصور الصحافيّ ربيع معماري ضمن نمط من استهداف الصحافيين في الجنوب اللبناني وفي قطاع غزة. 

بدورها تتناول رينا وهبي من العفو الدولية الأدلة على استخدام إسرائيل غير القانوني للفسفور الأبيض في جنوب لبنان، واستعرضت نتائج تحقيق منظمتها بشأن إطلاق الجيش الإسرائيلي قذائف مدفعية تحتوي على الفسفور الأبيض بين 10 و16 تشرين الأول، والذي خلص إلى ضرورة التحقيق في الهجوم على بلدة الضهيرة في 16 تشرين الأول باعتباره جريمة حرب. كما أشارت إلى تحقيق منظّمتها بشأن جريمة علما الشعب، والذي رجّح أن يكون هجومًا مباشرًا على مدنيين يجب التحقيق فيه كجريمة حرب. وأشارت وهبي إلى أن “كمّ الأدلّة الكبير الذي توفّر لنا في جريمة عصام، والمتمثّل بساعات من التصوير المتواصل من مصادر عدّة وثقت الجريمة والظروف التي سبقتها وتلتها، هو ما سهّل التحقيق في الجريمة، وهو ما لم يتوفّر بعد في استهداف فريق الميادين”.

في واجبات الدولة تجاه دعم التحقيقات

اختار المغربي الانطلاق من موقف الجيش اللبناني من التحقيقات غير الحكومية ليبيّن واجبات الدولة وأهمية دورها هنا. واستند إلى ما أشار إليه المتحدّثان من “العفو الدولية” و”هيومن رايتس ووتش” بأنّ الجيش اللبنانيّ لم يرد على أسئلة منظّمتيهما خلال التحقيق بجريمة علما الشعب. وكان قيس كشف أنّ التواصل مع مديرية القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان في الجيش اللبناني كان إيجابيًا في البداية “كانوا متفاعلين معنا ولمسنا إرادة بمشاركتنا نتائج التحقيق الذي يجري من قبل الجيش”. لكن الرسالة الرسمية التي وجهت إلى قائد الجيش، والتي كانت تتضمن أسئلة، ظلّت من دون جواب لغاية اليوم “ولمسنا ترددًا لاحقًا”، بحسب قيس. وقد تحفّظ الجيش اللبنانيّ على تقريره الفني ومعلوماته وتوثيقاته، ولم يشاركها لا مع “هيومن رايتس ووتش” ولا مع أي من الأطراف غير الحكومية الأخرى. 

ويعدّ التوثيق في صلب مهام مديرية القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان، التي يتوجب عليها “مراقبة مدى تقيّد العدو الإسرائيلي بقوانين وأعراف الحرب واحترامه اتفاقيات القانون الدولي الإنساني التي وقّعها، وتوثيق الإنتهاكات ورفع تقرير عند الحاجة.” 

وكشف المغربيّ وهو إضافة إلى كونه مستشار تجمّع النقابة البديلة، ساهم  في إعداد ورقة التوصيات للحكومة المرفوعة إلى لجنة الإدارة والعدل مؤخرًا من قبل القعقور، أنّ عدم تجاوب الجيش اللبناني مع “النقابة البديلة” أدّى إلى تأخير الرسالة إلى المفوض السامي لحقوق الإنسان، ودفعها إلى انتظار التحقيقات المستقلة: “نعيش في دولة تتعرض للقصف فنجد أنفسنا ننتظر تحقيقات المنظّمات الدوليّة كي ندعم مراسلاتنا بحجج موثّقة”. وأكّد المغربي الحاجة إلى التقرير الفنّي للجيش اللبناني في استهداف طير حرفا، ليبيّن لنا نوع السلاح المستخدم وليوثّق مسؤوليّة إسرائيل عنه “رغم معرفتنا بأن إسرائيل قصفت الصحافيين بمسيّرة، لأن هناك فرقًا بين ما نعرفه وبين ما نوثقه بالدليل”. ويؤكد المغربي أنّ الجيش اللبناني كما شعبة المعلومات لديهما القدرات التقنية للتوثيق والقيام بالتحقيقات، لكن “هناك حاجة لقرار حكومي للتوثيق والتحقيق ومشاركة النتائج.” بدوره أكّد رمزي قيس أنّ على الحكومة اللبنانية واجب حماية الأدلة أيَضًا، “حيث شهدنا عدم إقفال مسرح الجريمة عقب استهداف علما الشعب، والذي تم تركه مفتوحًا ما قد يفتح المجال للعبث به”. 

وتقول القعقور “التوثيق ثم التوثيق ثم التوثيق” في إشارة إلى أهمية توثيق كافّة الهجمات، وجمع الأدلة حولها، تماما كما توثيق التصريحات الإسرائيلية التي تكشف نوايا الإبادة الجماعية: “هذه الجرائم لا تسقط بتقادم الزمن، وسيأتي يوم المحاسبة عليها”. بدوره يذكّر المغربي بأن “محاكمة النازيين استمرت لعقود بعد سقوط هتلر، لأن جرائمهم كانت موثقة”، وقال: “نحن نعرف أن النظام العالمي الآن لا يسمح بمحاكمة إسرائيل على جرائمها، لكن حتى هذا النظام سيأتي يوم ويتغير”. وتلفت القعقور إلى أن الذهاب إلى مؤسسات الأمم المتحدة لا يعني التوقف عن التأكيد على ضرورة إصلاح مؤسساتها وهياكلها وآليات التصويت فيها، مؤكدة أن الإدانة هي ليست لمعايير حقوق الإنسان، بل لمن يدعي تطبيقها. 

انشر المقال

متوفر من خلال:

تحقيقات ، منظمات دولية ، تشريعات وقوانين ، لبنان ، مقالات ، فلسطين



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني