ماذا يعني قرار الجمعية الأممية في وقف إطلاق النار في غزة؟


2023-11-02    |   

ماذا يعني قرار الجمعية الأممية في وقف إطلاق النار في غزة؟
من الموقع الرسمي للأمم المتحدة

“أين القانون الدولي؟” السؤال الذي فرض نفسه بقوة مؤخرا. كما تزامن مع قيام مجموعة من الأكاديميين العرب الذين يدرسون مادة القانون الدولي الإنساني بتقديم اعتذاراتهم لطلبتهم والاعتراف بأن قانون القوة الذي يسود وليس قوة القانون. ما بين فشل مجلس الأمن باتخاذ قرار ودور الجمعية العامة من خلال الاتحاد من أجل السلام ما تزال أعداد الضحايا المدنيين في غزة في ارتفاع مطّرد فيما المجتمع الدولي يدعو لوقف المجازر من خلال وسائل الاعلام.

قرارات مجلس الأمن بموجب الفصل السابع

يبدأ الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة بنص المادة (39) التي جاء فيها “يقرر مجلس الأمن ما إذا كان قد وقع تهديد للسلم أو إخلال به أو كان قد وقع عملٌ من أعمال العدوان، … ما يجب اتخاذه من التدابير لحفظ السلم والأمن الدوليين أو إعادتهما إلى نصابهما”. الفصل السابع من الميثاق، منح مجلس الأمن الحق بفرض التدابير العسكرية وغير العسكرية لصالح المجتمع الدولي وحماية لأمنه واستقراره، أي أنه يملك الصلاحية والقدرة على تنفيذ قرارته الملزمة. وبحسب الميثاق، مجلس الأمن يتصرف باعتباره نائبا عن الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، وهذه القرارات تلزم الدول غير الأعضاء بالأمم المتحدة[1].

فشل مجلس الأمن 4 مرات في إصدار قرار بموجب الفصل السابع بشأن الحرب على غزة؛ الولايات المتحدة حاولت التأكيد على حقّ إسرائيل بالدفاع عن النفس لكن قابل ذلك رفض روسي، في حين حاولت روسيا أن تضع عبارات مثل وقف فوري للنار وإدانة هجوم حماس و هجوم إسرائيل على المدنيين لكن الفيتو الأمريكي كان بالمرصاد. الأمر الذي جعل مجلس الأمن، الأداة التنفيذية لهيئة الأمم المتحدة، عاجزا عن العمل، وهي ليست المرة الأولى بالتأكيد خاصة في إطار القضية الفلسطينية؛ حيث أن كل قرارات مجلس الأمن الخاصة بهذا الصراع كانت بموجب الفصل السادس وليس السابع، أي لا تحمل طابع الإلزام من حيث التطبيق.

الجمعية العامة والاتحاد من أجل السلام

بعد فشل مجلس الأمن في اتخاذ قرار مؤثر بخصوص الحرب على غزة، انتقلتْ هذه المسألة إلى الجمعية العامة التي تمثّل جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة ولا مجال لاستخدام الفيتو.

قرار الجمعية العامة رقم (A/ES-10/L.25) الصادر في 26 تشرين أول 2023، وان كانت كلمة قرار لا تعني أنه يحمل صفة الإلزام، أوصى بهدنة إنسانية فورية ودائمة ومستدامة تؤدي إلى وقف الأعمال العدائية، والامتثال الفوري والكامل من قبل جميع الأطراف لالتزاماتهم بموجب القانون الدولي، وتمكين وتسهيل الوصول الإنساني للإمدادات والخدمات الأساسية إلى جميع المدنيين المحتاجين في قطاع غزة ورفض أيّة محاولات للترحيل القسري للسكان المدنيين الفلسطينيين، وإلغاء قرار إسرائيل المتمثل في إخلاء شمال غزة والانتقال إلى جنوب القطاع من قبل المدنيين وموظفي الأمم المتحدة والعاملين في المجال الطبي والإنساني. كما دعا القرار إلى الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المدنيين المحتجزين بشكل غير قانوني، كما تمّ إدانة جميع أعمال العنف التي تستهدف المدنيين الفلسطينيين والإسرائيليين. وحظي القرار بتأييد 120 دولة، في حين عارضت 14 دولة القرار وامتنعت 45 دولة عن التصويت وغابت 14 دولة عن الحضور. وبذلك، تحقّق شرط الأغلبية لاعتماد القرار بحسب ميثاق الأمم المتحدة الذي يتطلب أغلبية ثلثيْ الأعضاء الحاضرين المشتركين في التصويت.

وما يميّز هذا القرار هو صدوره في إطار آلية الاتحاد من أجل السلام، وهو أمر لم ينص عليه الميثاق، بل تمّ اعتماده بموجب قرار صادر عن الجمعية العامة في العام 1950 الذي ينص على أنه في أية حالة يخفق فيها مجلس الأمن، بسبب عدم توفر الإجماع بين أعضائه الخمسة دائمي العضوية، في التصرف كما هو مطلوب للحفاظ على الأمن والسلم الدوليين، يمكن للجمعية العامة أن تبحث المسألة بسرعة وأن تصدر أيّ توصيات تراها ضرورية من أجل استعادة الأمن والسلم الدوليين. وإذا لم يحدث هذا في وقت انعقاد جلسة الجمعية العامة، يمكن عقد جلسة طارئة وفق آلية الجلسة الخاصة الطارئة (Emergency Special Session -ESS)

ويجب أن يتوفر شرطان حتى يصدر قرار من الجمعية العامة بهذه الصفة، الأول هو وهو فشل مجلس الأمن في اعتماد قرار بسبب عدم وجود إجماع بين الأعضاء الخمسة الدائمين، والثاني يشبه إلى حدّ كبير ما جاء في المادة 39 من الميثاق المشار إليها أعلاه أي وجود تهديد أو إخلال بالأمن والسلم الدولي.

ولغايات تيسير قيام الجمعية العامة بهذه المهمة، تمّ إنشاء الآلية المعروفة باسم الجلسة الطارئة الخاصة. ولغاية الآن، تمّ عقد إحدى عشرة جلسة من هذا القبيل، آخرها في شباط 2022 وهي تتّصل بالغزو الروسي لأوكرانيا. أما الجلسة العاشرة الخاصة بالقضية الفلسطينية فقد بدأت في العام 1997 وما زالت مستمرة حتى الان بمعنى أن قرار الجمعية العامة الأخير قد صدر تحت مظلة هذه الجلسة، علما بأنه تم الحصول على رأي استشاري من محكمة العدل الدولية حول قانونية الجدار العازل في العام 2003 من خلال الجلسة الطارئة العاشرة للجمعية العامة [2], كما صدر قرار آخر في العام 2004 من الجمعية العامة وتحت ذات الجلسة الطارئة الخاصة يطالب إسرائيل بتنفيذ الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية بموافقة 150 دولة واعتراض 6 دول فقط.

وبالرغم من أن قرارات الجمعية تحت غطاء الاتحاد من أجل السلام ليس لها طابع ملزم، لكنها محاولة للتخفيف من الآثار التعطيلية للفيتوات في مجلس الأمن من خلال تخويل الجمعية اتخاذ قرارات تدخل ضمن صلاحياته. ولها أن توصي بفرض عقوبات غير عسكرية أو تدابير عسكرية، لكن ذلك يكون دوما على سبيل التوصية فقط.

وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أن الجمعية العامة لا تستطيع النظر في أي مسألة إذا كانت معروضة على مجلس الأمن بحسب المادة 12 من الميثاق؛ حيث يجب الانتظار حتى ينتهي مجلس الأمن حتى تتمكن الجمعية العامة من التدخل.

العودة إلى مجلس الأمن مرة أخرى

بعد صدور قرار الجمعية العامة، دعتْ الصين والإمارات إلى جلسة طارئة لمجلس الأمن بعد أن توسعت إسرائيل في عمليتها العسكرية من خلال الهجوم البري على قطاع غزة. احتمالية إصدار قرار من مجلس الأمن تبدو ضئيلة بسبب الولايات المتحدة الأمريكية وبخاصة أن الهجوم البري الإسرائيلي ما زال في بدايته. ولا يوجد ما يدعو للتفاؤل خاصة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أنه سبق للولايات المتحدة الأمريكية أن استخدمت الفيتو في مواجهة 34 مسودة قرار متعلق بالقضية الفلسطينية.


[1] تنص المادة (2/6) من الميثاق على أنه: “تضمن المنظمة أن تعمل الدول غير الأعضاء فيها وفقاً لمبادئ الميثاق بما يكون ضرورياً لحفظ السلم والأمن الدوليين” وثار خلاف فقهي حول مدى التزام الدول غير الأعضاء بقرارات مجلس الأمن. عارض اتجاه في الفقه مثل هذا الالتزام سنداً للطبيعة الرضائية لميثاق الأمم المتحدة، بينما أيد اتجاه آخر سلطة المنظمة في فرض قراراتها على الدول غير الأعضاء على أساس فكرة الضرورة؛ إذْ أنَّ الضرورة العملية تبيح للمنظمة الحق في إلزام الدول كافة وذلك على الأقل في نطاق حفظ الأمن والسلم الدوليين ودعم الاستقرار الدولي. وتشير الممارسات الدولية أن الدول التي ليست أطراف في الميثاق تشارك في العقوبات الاقتصادية التي فرضها مجلس الأمن، فعلى سبيل المثال شاركت سويسرا (قبل ان تصبح طرفا في الميثاق) في العقوبات الاقتصادية على العراق وليبريا وسيراليون ويوغسلافيا السابقة وغيرها من الدول.

[2] The General Assembly of the United Nations on 8 December 2003 at its Tenth Emergency Special Session

انشر المقال

متوفر من خلال:

منظمات دولية ، الحق في الحياة ، مقالات ، فلسطين



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني