ناصيفة مزرعاني الشهيدة التي لم تغادر حولا يومًا


2023-12-16    |   

ناصيفة مزرعاني الشهيدة التي لم تغادر حولا يومًا

تمثل ناصيفة مزرعاني (67 عامًا) التي استشهدت في 1 كانون الأول مع ابنها محمد (35 عامًا) في قصف إسرائيلي على منزلها في بلدة حولا الحدودية، حكاية الجنوب اللبناني بأسره. ناصيفة أحبّت الأرض وجعلتها مصدر رزقها، وعرفت الاحتلال الإسرائيلي وجرّبت زنازين معتقل الخيام وخبث السجّان فيه. وطيلة ثلاثة وثلاثين يومًا من القصف الإسرائيلي في تمّوز عام 2006 بقيت في بيتها. ولم يكن بقاؤها في منزلها في العام الحالي منذ بداية العدوان الإسرائيلي على قرى الجنوب، سوى استمرارًا لهذه الحكاية التي ختمتها ناصيفة باستشهادها.   

ناصيفة بحسب ابنتها منال “اعتقلت لنحو شهر في معتقل الخيام أواخر التسعينيات كان كافيًا ليؤثر على صحتها النفسية طيلة حياتها”. وتُضيف: “حين خرجت من المعتقل لم تخبرنا ما حصل معها، لكننا نعرف أنّها تعرّضت للتعذيب، ومنذ ذلك الحين وهي تتلقّى العلاج”. وتتابع منال: “اعتقالها لم يكن سوى تأديب لعائلتنا على نهجها المقاوم، إذ اعتقل والدي في العام نفسه وبقي 4 سنوات، وعمّي أيضًا لنحو عامين”. 

خلال فترة اعتقال زوجها، عاشت ناصيفة وأولادها من زراعة الدخان “كنّا نزرع الدخّان مع والدتي ونعيش ممّا ننتجه، طوال العام” تقول منال. وبعد تحرير الجنوب بعامين، بدأت العائلة بتربية الماشية من دون أن تتوقّف عن زراعة الدخان. “زراعة الدخان لم تتوقف سوى بعد انهيار العملة حين بات مردودها متدنيًا، ومنذ ذلك الوقت اكتفينا برعاية الماشية”، تضيف.

يقول عارفوها إنّ الحاجة ناصيفة “مصيوتة” بشجاعتها وبمثابرتها واصفين إيّاها بـ “الشغّيلة. “كانت كريمة كتير وكانت تقسم اللقمة مع جارها إذا محتاج”، وكانت “أخت رجال” بتعبيرهم في إشارة إلى عملها في زراعة الدخان والاهتمام بالماشية وملاحقة أمور المزرعة مع زوجها.  

النزوح لم يكن يومًا في قاموس “ناصيفة” ولا عائلتها التي لم تغادر قريتها يومًا حتى في أيام الاحتلال حين كان المنزل قريبًا من مركز تابع لجيش لحد، كلّ ما فعلته العائلة يومها أنّها سكنت في منزل آخر ولم تغادر. وبقيت العائلة أيضًا في المنزل في كلّ العدوانات الإسرائيلية على الجنوب وصولًا إلى العدوان الحالي.

تقول منال إنّ والدتها كانت تزورها بشكل يومي، لكن في تلك الليلة غيّرت عادتها ولم تأت. “في تلك العشيّة، كان شقيقي يزور والدتي وقد جلسا على الشرفة بعد مغيب الشمس”. تتابع: “أنا كنت في منزلي (الذي يبعد نحو 5 دقائق في السيارة عن منزل العائلة)، يومها لمحت وهج القذيفة التي مرّت من فوق بيتنا”. ولم تفكّر منال بأنّ تلك القذيفة كانت ستقتل والدتها وشقيقها بعد أن اعتادت منذ شهرين على القصف الإسرائيلي الذي يستهدف القرية بشكل يومي. ولكن لم تمرّ سوى دقائق حتى وصلها الخبر: “قالوا لنا إنّ القصف استهدف منزل أهلي، وبعدها أخبرونا أنّ والدتي وشقيقي استشهدا”.  

حين وقعت الضربة التي أصابت منزل “ناصيفة” اهتزّت الضيعة كلّها. عرف من بقوا في حولا يومها إنّ الضربة أصابت منزلًا، “الضربة وقت تجي بالباطون بتعمل صوت كبير وغير” تقول إحدى المقيمات في حولا التي غادرت في اليوم التالي. وتضيف: “كانت أول مرة من بداية العدوان بحس بالخوف”. 

لم تغادر منال ابنة الحاجة ناصيفة حولار لكي تبقى قريبة من والدها الذي يرفض المغادرة. وهي تعيش اليوم مع ذكرياتها مع أمّها: “أنظر حولي أتذكرها، هنا كانت تجلس على هذه الكنبة، هنا كانت تحبّ شرب الشاي. تتراءى أمامي أحيانًا وهي توصيني بأولادي كما كانت تفعل كلّما غادرت منزلها أو غادرت هي”.

انشر المقال

متوفر من خلال:

تحقيقات ، الحق في الحياة ، لبنان ، مقالات



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني