مجلس الأزمات الكبرى 2018-2022 (2): حصيلة عمل الهيئة العامة

مجلس الأزمات الكبرى 2018-2022 (2): حصيلة عمل الهيئة العامة
رسم رائد شرف

نشر المرصد البرلماني تقريرا عن أعمال المجلس النيابي للولاية السابقة ما بين 2018-2022، قيّم فيه نتاج المجلس النيابي من جوانبه المختلفة. وقد حاولنا في هذا التقرير الذي يجسّد مرحلة متقدّمة من عملنا الرصدي الإضاءة على عمل الهيئة العامة واللجان والكتل والنواب. وفي حين نشرنا سابقا التقرير كاملا بنسخة PDF، ننشر تباعا فصولا منه بهدف الإضاءة على جزئيات العمل البرلماني وتسهيل الوصول إليها، وهي جزئيات قد لا يتنبه إليها القارئ في سياق تصفّحه التقرير في شموليته. ننشر هنا الحلقة الثانية منه، وهي تتصل بحصيلة عمل الهيئة العامة للمجلس النيابي، يتبعها حلقة ثالثة لخلاصات حول الهيئة العامة ومن ثم حلقات أخرى عن أداء اللجان والكتل والنواب. 

نعمد هنا إلى حوصلة العمل التشريعي خلال ولاية المجلس المنصرمة، انطلاقاً من القوانين التي أقرّتها الهيئة العامة للمجلس التي أصبحت نافذة. وبالطبع، لا يجسّد الإنتاج التشريعي نشاط الهيئة العامة وحدها، طالما أنّه غالباً ما يأتي تكملةً للجهد الذي بذلته اللجان النيابية والحكومة. وهذا ما سنعود إليه في خلاصة هذا التقرير.

وكان نِتاج الجلسات الحاصلة خلال ولاية 2018 – 2022 التصديق على 225 قانوناً، انخفض عددها إلى 219 منها نافذاً. ويتحصّل هذا الأمر من إبطال أحدها في المجلس الدستوري وممارسة رئيس الجمهورية صلاحيته بِرَدِّ مقترحات قوانين إلى المجلس النيابي، من بينها 5 لم يتمّ إدراجها مجدَّداً على الهيئة العامة. وتتوزّع هذه القوانين وفق سنة إقرارها وفقاً للآتي: 

بعد تبيان عدد القوانين النافذة سنة بسنة، نعمد إلى مقاربة القوانين التي تمّ إقرارها من زاويتين:

– حجم النشاط المبذول في مجال تعزيز القواعد والمؤسسات،

– المجالات التي شملتها هذه القوانين وما تكشفه من اهتمامات للمجلس.

– حجم النشاط المبذول على صعيد القواعد والمؤسسات الاجتماعية

هنا، سنحاول أن نحدّد حجم النشاط الذي بذلتْه الهيئة العامة في اتجاه تعزيز القواعد والمؤسسات الاجتماعية، وذلك انطلاقاً من تصنيفات معتمدة لهذه الغاية من المرصد البرلماني، تؤدّي إلى تقسيم القوانين إلى ثلاث فئات وفق مفعولها على بنيان القواعد والمؤسسات: فئة سلبية (-) وفئة إيجابية (+) وفئة تبقى قوانينها من دون أثر على هذا البنيان. وننبّه هنا إلى أنّنا سنكتفي بالهدف المُعلَن من التشريع بمعزل عن مدى ملاءمته. وعليه مثلاً، إذا تمّ تعديل مواد قانون العقوبات في اتجاه إضافة جرم جديد، فإنّنا نحتسب هذا التعديل إضافةً (+) على صعيد القواعد النافذة بمعزل عن مدى ملاءمته. في المقابل، إذا تمّ تخفيض غرامة أو منح عفو عام، فإنّنا نحتسب ذلك على أنّه تعطيل للقواعد الموجودة أو المعمول بها، وتالياً على أنّه تقليص (-) لهذه القواعد بمعزل عن مدى ملاءمته. أمّا إذا تناولتْ هذه القوانين الشؤون المالية أو الإدارية لأجهزة الدولة من دون وضع قواعد أو إنشاء مؤسسات جديدة (فتح اعتماد مثلاً أو منح مساعدة استثنائية للموظفين العامين)، أو إذا كان لها مفعول رمزي أو شكلي بحت (كتغيير اسم قرية)، فإنّنا نحتسب مفعولها على أنّه معدوم (صفر) على صعيد بناء القواعد والمؤسسات الاجتماعية. 

كما ننبّه إلى أنّ هذا التقييم سيقتصر على القوانين الداخلية فقط، بمعنى أنّه لا يشمل القوانين التي يقرّها المشرِّع للإجازة للحكومة إبرام اتفاقية أو معاهدة دولية (وهي القوانين الخارجية وقد بلغ عددها 55 قانوناً)، حيث تبقى عموماً مساهمة مجلس النواب في صنع هذه القوانين جِدّ محدودة، وهي تنحصر عملياً في مادة واحدة، مادة الإجازة للحكومة إبرام هذه الاتفاقية، كما أنّ هذه القوانين غالباً ما تُقَرّ من دون أيّ نقاش في الهيئة العامة.

عليه، وبمراجعة القوانين الأخرى (عددها 164) التي أقرّها المجلس النيابي وأصبحت نافذة، يُسجَّل أنّ:

  • القوانين التي تناولت الشؤون المادية أو الإدارية لأجهزة الدولة (صفر) بلغت 34 قانوناً؛
  • القوانين التي أدت إلى إبطال أو تعليق العمل بقوانين نافذة سابقة لها (-) قد بلغ عددها 51؛
  • القوانين التي أضافت إلى البناء التشريعي أو المؤسساتي، بغضّ النظر عن مدى ملاءمتها (+)، قد بلغ عددها 79 فقط.

وعليه، يظهر أنّ المجلس النيابي انتهى إلى صناعة قانون تعطيلي لقوانين سابقة مقابل كل قانون ونصف تقريباً من شأنه أن يُرسِي قواعد جديدة للمستقبل. وكأنّه يمشي خطوة إلى الوراء مقابل كل خطوة ونصف إلى الأمام. ولهذا الأمر دلالة هامة تتجاوز مسألة الإنتاجيّة وتتصل بمفهوم القانون، وبخاصة لجهة طابعه الملزِم. فأن يتدخّل المشرِّع بانتظام وبكثرة لتعطيل قوانين نافذة إنّما يعطي انطباعاً عامّاً بأن القوانين هشّة وبإمكان المواطن عدم الالتزام بها طالما أنّ ثمة احتمالاً كبيراً بتعليق العمل بها أو إعفاء المخالفات لها، وهذا ما ينطبق بشكل خاص في المسائل الضريبية حيث برزت الإعفاءات والتسويات بشكل كبير في القوانين التي أُقِرَّت خلال هذه الولاية بخاصة في قوانين الموازنة وتعليق المُهَل، وهو ما اعتبره المجلس الدستوري منافٍ لمبدأ المساواة في قراره 2/2018.

  • المجالات التي تناولتها هذه القوانين

لهذه الغاية، سنعتمد تصنيفاً ثانياً، اعتمده المرصد البرلماني لتصنيف القوانين وفق نوعها. يعتمد التصنيف 17 فئة، هذه الفئات هي الآتية:

وعليه، يُمكن استخلاص الأمور التالية: 

  • على صعيد الاتفاقيات الدولية (بلغ عددها 55)، أمكن تقسيمها إلى ثلاث فئات. الأولى، وهي الأكبر، تضمّ 27 اتفاقية قروض أو هبات، ستّ منها تتصل بالأزمات والكوارث و21 تتصل بالخدمات العامة والتنمية. من بعدها تأتي فئة اتفاقيات التعاون الثنائي أو الدولي، وقد بلغ عددها 22، منها ستّ تتصل بالأمن والدفاع. أخيراً، نجد الفئة الثالثة التي تشمل الاتفاقيات التي تترتّب عليها التزامات دولية لحماية الحقوق أو حماية البيئة، وقد اقتصر عددها على ستّ اتفاقيات، خمس منها تتصل بحماية البيئة. 

وُيسجَّل على صعيد أصول التشريع، بروز توجُّه جديد في المصادقة على الاتفاقيات الدولية. فبخلاف المسار المُعتمَد، الذي يفترض أن تتقدّم الحكومة بمشروع قانون يجيز لها إبرام اتفاقية ما، تمثّلت المبادرة التشريعية خلال هذه الولاية لإجازة إبرام اتفاقيَّتَيْن باقتراحَيْ قانون، وهو الأمر الذي تحوم حوله شبهة عدم دستوريّة وفق اعتراض النائب سمير الجسر. هاتان الاتفاقيتان هما: اتفاقية حقوق ذوي الإعاقة واتفاقية لتعديل اتفاقية قرض دولي للسكن.

كما يُسجَّل في هذا السياق أنّ الحكومة أرفقت بمشروع القانون المتصل بإبرام اتفاقية دولية مع البنك الدولي حول شبكة الأمان الاجتماعي ملحقاً محرراً منها بدون أن يحظى باتفاق رسمي من البنك الدولي. وهو الأمر الذي أخّر تنفيذ الاتفاقية وفرض تقديم مشروع قانون جديد لإزالة الخلل الحاصل. 

يبقى أنّ أبرز هذه الاتفاقيات الدولية تمثّلت في اتفاقية حقوق ذوي الإعاقة والبروتوكول الاختياري. ومن شأن هذه الاتفاقية أن تُمأسِسَ حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وتُمَنهِجَ التطبيق ومبادئ ومعايير الدمج، ويمنح بروتوكولُها آلية واضحة لمشاركة أصحاب الحقوق والأطراف ذات العلاقة بالمراقبة والمساءلة والمشاركة في تطبيقها وهذا أساسي. كما يُلزِم البروتوكول لبنانَ وضعَ تقرير سنوي عن عملية التطبيق، وبالتالي أن يوفي بالتزاماته بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة. كما ينصّ البروتوكول على وجود لجنة دولية يمكن تقديم الشكاوى إليها في حال عدم الالتزام بالاتفاقية ومندرجاتها. ويُلحَظ هنا أنّ إقرار هذه الاتفاقية تأخّر منذ 2007، إذ رفض المجلس النيابي تلقّي مشروع القانون المتصل بها والوارد من حكومة فؤاد السنيورة بفعل اعتبارها، من قِبل رئيس المجلس، حكومة بتراء وغير شرعية. ومن الاتفاقيات الهامة أيضاً الاتفاقيات المتصلة بالبيئة، ومنها الانضمام إلى اتفاقية باريس الملحقة باتفاقية الأمم المتحدة حول التغيُّر المناخي واتفاقية MarPol حول التلوُّث من السفن واتفاقية كيغالي حول حماية طبقة الأوزون وغيرها.

  • إنّ الفئة الغالبة من بين القوانين الداخلية اتصلت بالأزمات المتعددة (وقد بلغ عددها 28 يضاف إليها ستّ اتفاقيات دولية متصلة بها). وفي حين ارتبطت بعض هذه القوانين بشكل مباشر بالأزمة الناشئة عن الجائحة وتدابير الحجر الصحي، فإنّ بعضَها الآخر هدف إلى التخفيف من تداعيات الأزمات مجتمِعةً (تعليق المُهَل وبطاقة الدعم الإلكترونية). كما صدرت قوانين عدة اتصلت بمعالجة تداعيات تفجير المرفأ (4) أو تفجير التليل (1).

وأهم ما نلحظه هنا أمران:

الأوّل، أنّ مجمل هذه القوانين هدفت إلى معالجة تداعيات الأزمة المالية من دون صدور أيّ قانون يهدف إلى معالجتها أو التمهيد لتجاوزها. فلا نجد أيَّ قانون بشأن إعادة هيكلة المصارف أو السرية المصرفية أو الكابيتال كونترول أو حتى الاقتصاد المنتج، وإنْ توفّرت مبادرات نيابية في هذا الخصوص. وبذلك، يستمرّ المجلس في النهج المُعتمَد نفسه لجهة تجاهُل أسباب الأزمات والتعامل معها على أنّها قدر يقتضي التخفيف من آثاره من دون إمكانية درئه أو معالجة أسبابه أو تجاوزه. 

الثاني، أنّ القوى السياسية سعت إلى استغلال الأزمة لتمرير قوانين تخدم مصالحها أو تدعم ما تصبو إليه. هذا ما حصل مثلاً من خلال تعليق مهلة التصريح عن الثروة أو أيضاً وضع قانون تعليق المهل القانونية والتعاقدية من دون استثناء المهلة المعطاة للمعتدين على الأملاك البحرية لمعالجتها، أو أيضاً تعليق الانتخابات النقابية. وفي حين كانت موازنة 2020 منعتْ “جميع المؤسسات العامة والبلديّات واتحادات البلديّات والهيئات والمجالس والصناديق والمصالح المستقلّة والمصارف والشركات وأشخاص القانون العام” من الإقدام على نفقات معيّنة، لا سيما التبرّعات والمساهمات والرعايات والخدمات بهدف التخفيف من الهدر والزبائنية، عاد المشرِّع ليرفع مع بروز الجائحة هذا المنع إيذاناً لهذه الهيئات بتقديم الهبات والمساعدات في مواجهة فيروس كورونا. ولم يترافق هذا التعديل مع أيّ معايير أو ضوابط للحؤول دون رواج الممارسات السابقة بما يتخلّلها من محاباة وتمييز واستغلال سياسي. أخيراً، يُسجَّل أنّ بعض القوى السياسية (بخاصة أمل وحزب الله والمستقبل) استمدّت من الجائحة مبرّرات إضافية لتمرير العفو العام من دون أن تولي أيّ اهتمام للتخفيف من اكتظاظ السجون تبعاً لتعثُّر العفو العام.

  • القوانين المتصلة بتنظيم الحياة المدنية

وقد بلغ عددها (25)، يرتفع إلى 36 إذا جمعنا معها قوانين تنظيم المهن القانونية (11).

ومن أبرز القوانين الإيجابية في هذا الإطار قانون المنافسة بعد مساعٍ دامت سنوات لتمريره. ولعلّ أهم ما انتهى إليه هذا القانون هو توسيع حظر الوكالات الحصرية ليشمل كل ما يتصل بالأدوية والمعدات الطبية، بالإضافة إلى المواد الغذائية. كما انتهى القانون إلى إنهاء نظام حماية الوكالات الحصرية في سائر المواد، بحيث أجاز عمليّاً لكلّ شخص لبناني طبيعي أو معنوي استيراد أيّ سلعة من بضاعة لها ممثل حصري في لبنان سواء كان ذلك لاستعماله الشخصي أو للإتجار بها، من دون أن تكون للممثّل أو الوكيل الحصري إمكانيّة أن يمنع ذلك. في المقابل، فإنّ القانون يقبل النقد لجهة تعريفه للممارسات المخلّة بالمنافسة وفق ما أسهبت “المفكّرة” في بيانه. ومن أهم المواضيع التي أثارت النقاش في هذا الخصوص هو تعريف “الوضع المهيمن” بأنّه وضع (مَن) “كانت حصّته في السوق المعني لا تقلّ عن 35%”، وهو الأمر الذي يجيز أن يتولى ثلاثة أشخاص أو شركات احتكار السوق كما هي حال شركات الإسمنت الثلاث مثلاً.

  • ومن القوانين المهمة أيضاً الآتية:
    • قانون تشريع زراعة القنّب الهندي لغايات طبية وصناعية: وقد تمّ إبراز هذا القانون كحلّ أساسي للتنمية، بخاصة في منطقة البقاع، كل ذلك ارتجالاً ومن دون أيّ دراسة للمفاعيل المتوخّاة منه. وفي حين أُقِرَّ القانون على عجل، فإنّ الحكومات المتعاقبة أهملت تماماً تنفيذه. وهكذا، حتى الآن، لم تُتَّخذ أيّ خطوة لتشكيل هيئة ناظمة للقطاع وهو شرط ضروري لوضع القانون موضع تنفيذ.
  • قانون المعاملات الإلكترونية: إذ نظّم هذا القانون أصول الكتابة والإثبات بالوسائل الإلكترونية، والتجارة والعقود الإلكترونية، والنقل إلى الجمهور بوسيلة رقمية، وأسماء المواقع على شبكة الإنترنت، وحماية البيانات ذات الطابع الشخصي، فإنّه تضمّن ما يكون اعتباره مسّاً بحرية التعبير. تمّ ذلك من خلال، أوّلاً، توسيع مفهوم وسائل النشر التي تعدّدها المادة 209 عقوبات (بموجب المادة 118 البند 3 من قانون المعاملات الإلكترونية) لتضيف إليها “الوسائل الإلكترونية”. وثانياً، توسيع صلاحيات النيابة العامة – في معرض الجرائم المرتكبة على الشبكة العنكبوتية – تُمكّنها من الضغط على المواقع الإلكترونية من خلال سلاح العقوبة الفورية وهو توقيف الصفحات لمدة 30 يوماً قابلة للتجديد وقبل أيّ محاكمة.
  • في المقابل، انتهى مجلس النواب إلى المصادقة على ثلاثة قوانين شكّلت استثناءات أو تعديلات على قوانين البناء. منها قانون تسوية مخالفات قانونية، الذي أتاح المجال أمام تسوية مخالفات بناء حصلت طوال خمسة عقود من 1971 حتى 2019. ومنها أيضاً القانون المعروف بقانون “طابق الميقاتي” (أو قانون طابق المرّ الجديد) الذي يسمح بإضافة طابق جديد على الأبنية في كل المناطق اللبنانية بدون احتسابه ضمن عوامل الاستثمار، شرط أن يكون ذا سقف منحدر ومغطّى بالقرميد، من دون إيلاء الكثافة السكانية والخدمات العامة والبيئة أيّ اهتمام. ومنها أيضاً القانون الهادف إلى تشريع ممارسات غير قانونية ومنها تمكين سكان الأرياف من إنشاء بناء وفق رسم نموذجي
  • وبمراجعة القوانين المتصلة بتنظيم المهن، نلحظ أنّ قوانين عدّة نَظَّمت مهناً مثل المهن البصرية، تقويم النطق، العلاج النفسي الحركي، الكايروبراكتيك، والتمريض أو أنشأت نقابات جديدة لأصحاب مهن أخرى، تحديداً نقابتَيْ اختصاصِيِّي علم التغذية والنفسانيين. كما يُسجَّل هنا أنّ عدداً من هذه القوانين اتصل أيضاً بمعالجة تداعيات الأزمة، مثل القوانين المهنية الهادفة إلى تفعيل صناديقها أو تعزيز مواردها (المحامون والأطباء البيطريون والممرضون).
  • القوانين المتصلة بالموازنة والمالية (وعددها 20)

خلال هذه الولاية، أمكن المجلس المصادقة على موازنتَيْن فقط لسنتَيْ 2019 و2020. ولهذَيْن القانونين قواسم مشتركة عدة: (1) أنّ كليهما صدرا خارج المواعيد الدستورية، حيث صدر الأوّل في 31/7/2019 والثاني في 28/1/2020؛ (2) أنّ كليهما صدرا من دون قانون قطع حساب خلافاً للمادة 87 من الدستور، وقد تمّ تبرير ذلك بتأخُّر ديوان المحاسبة عن إنجاز قطع حساب السنوات السابقة ابتداء من 1993. وتبريراً لموقفه هذا، عمد البرلمان إلى وضع قانون موازٍ لموازنة 2019 كلّف فيه الحكومة تأمين الموارد اللازمة لتمكين ديوان المحاسبة من إنهاء عمله المذكور من دون أن يستتبع ذلك أيّ خطوات حكومية أو مراقبة منه؛ (3) أنّ كليهما تضمّنا كمّاً كبيراً من الإعفاءات والتسويات الضريبية وفرسان موازنة، وأنّ المجلس الدستوري أبطل العديد من مواد موازنة 2019 وبخاصة المواد التي تمسّ حقوق القضاة. وفي حين سعت موازنة 2019 إلى التخفيف من الهدر من خلال تدخّلات بقيت محدودة، فإنّ موازنة 2020 الحاصلة على وقع انتفاضة 17 تشرين والانهيار (التي لا تزال سارية المفعول) سعتْ هي أيضاً إلى حماية عائدات الدولة ومداخيلها (وبخاصة عائدات الخليوي والمرفأ) ودرء هدرها. كما سعتْ إلى منع ممارسات طالما استُخدمتْ لهدر المال العام، ومنها تقديم هيئات عامة هبات إلى الأفراد. إلّا أنّ المشرِّع عدَلَ في قوانين لاحقة عن بعض هذه الأحكام بما أسميناه أعلاه استغلالاً للأزمة. 

ويعود عجز المجلس عن إقرار موازنة 2021 إلى الفراغ الحكومي الحاصل نتيجة استقالة حكومة حسان دياب والتأخُّر في تعيين حكومة محلّها حتى أيلول 2021. أمّا العجز عن إقرار موازنة 2022 رغم المصادقة عليها من قِبَل حكومة ميقاتي في 10/2/2022، فيعود على الأرجح إلى تضمينها مواد غير شعبية في زمن الانتخابات.

أمّا القوانين الأخرى فقد اتصلت عموماً بمعالجة الآثار المترتّبة على التأخُّر في وضع قانونَيْ الموازنة العامة أو عدم إقرارهما. وبذلك، عاد المجلس النيابي ليحيي مجدداً القاعدة الاثنَيْ عشرية التي تشكّل مخالفة دستورية، أربع مرات خلال ولايته (112/2019، 134/2019، 213/2021، 276/2022). ولمعالجة زيادة الأعباء المالية بالنسبة إلى تلك الموازنة، عمد المجلس في 2021 إلى زيادة احتياطي الموازنة بقيمة 1200 مليار ليرة ليمكّن بذلك السلطة التنفيذية من تخصيصها على النحو الذي تراه مناسباً من دون تحديد وجهة الإنفاق. ومن شأن ذلك أن يمنح الحكومة هامشاً واسعاً من الاستنسابية وحرية التصرُّف في هذه الأموال مع ما يُستتبَع من احتماليّة هدر لهذه الأموال. كما أصدر قوانين عدة لتأمين اعتمادات لمؤسسات عامة (الكهرباء، أوجيرو، الإسكان) أو لتأمين تغطية الأدوية المستعصية والمزمنة أو لتمكين وزارة الداخلية إقامة الانتخابات. 

  • القوانين المتصلة بمكافحة الفساد وتعزيز الشفافية (وعددها 12): 

برز عنوان مكافحة الفساد وتعزيز الشفافية تحت عنوان الإيفاء بالتزامات الدولة الناشئة عن اتفاقية مكافحة الفساد. وبقيَ ماثلاً في الخطاب الرسمي للمجلس، وبخاصة في خضمّ انتفاضة 17 تشرين. وهذا مثلاً ما نستشفّه من الدعوة التي وجَّهها رئيس المجلس نبيه برّي إلى الهيئة العامة لمجلس النواب في 12 و19 تشرين الثاني 2019 للنظر في جدول أعمال تضمّن العديد من البنود المتصلة بمكافحة الفساد. وقد تمّ إنشاء لجنة مشتركة بين لجنتَيْ الإدارة والعدل والمال والموازنة لإنجاز دراسة مقترحات قوانين مكافحة الفساد. 

ومن أهم القوانين الصادرة في هذا الخصوص، القوانين الآتية: 

  • قانون مكافحة الفساد في القطاع العام، وهو القانون الذي عرّف الفساد واعتبر القيام بالأفعال المندرجة تحت خانته جرائم جزائية وأنشأ هيئة إدارية تُسمّى “الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد”. وتلعب الهيئة دوراً محورياً في تطبيق عدد من مجموعة قوانين مكافحة الفساد. ومن هذه القوانين، قانون حماية كاشفي الفساد، وقانون حق الوصول إلى المعلومات، وقانون الشفافية في النفط، وقانون استعادة الأموال “المنهوبة”، وقانون الإثراء غير المشروع، وقانون مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب. إلّا أنّ عند النظر في تشكيلة أعضاء الهيئة الستة، يتبيّن أنّ لمجلس الوزراء هامش واسع في تعيين أربعة من أعضاء الهيئة، ويكون لجمعية المصارف هامش واسع لفرض تعيين أحد هؤلاء، وهو ما يقوّض استقلالية الهيئة. وبعد طول انتظار، تمّ استكمال عضوية الهيئة بموجب مرسوم اتُّخذ في مجلس الوزراء وصدر في تاريخ 28/1/2022 بعدما كان القضاة قد دُعيوا لانتخاب اثنين من قضاة الشرف المتقاعدين. 
  • قانون الحدّ من حصانة الموظفين العامين، صدر هذا القانون بناء على الاقتراح المقدَّم من النائب حسن فضل الله، بعدما عدّلته لجنة الإدارة والعدل وأفرغته عملياً من مضمونه. ففي حين ذهب الاقتراح في نسخته الأساسية في اتجاه إلغاء شرط الإذن المُسبَق لملاحقة الموظف في الجرائم الناشئة عن الوظيفة، واضعاً على القضاء فقط موجب إعلام الإدارة المعنية بالإجراءات القانونية المُتَّخذة بحقه، أعادتْ لجنة الإدارة والعدل تكريس ضرورة الحصول على إذن مُسبَق لملاحقة الموظف، مكتفية بوضع مُهَل لإعطاء الإذن أو حجبه. كما كرّس التعديل اعتبار صمت الإدارة المعنية أو النائب العام التمييزي رغم انقضاء المهلة بمثابة موافقة ضمنية على منح الإذن بالملاحقة. وقد حالت ضرورة الإذن المُسبَق دون ملاحقة عدد من الموظفين العامين من قِبَل المحقق العدلي في قضية المرفأ طارق بيطار. 
  • تعديل قانون الإثراء غير المشروع، يعمد التعديل إلى جعل الإثراء غير المشروع جرماً مستقلاً. وهو يوسّع مفهوم الموظف العمومي ليشمل الأشخاص الذي يؤدّون عملاً لصالح الدولة. ويعتمد مراقبة مستمرة لتطوُّر الثروة من خلال إقرار دورية التصريح عن عناصر الذمة المالية؛ ويوسّع مضمون هذا التصريح ليشمل المصالح بما فيها الديون والالتزامات؛ ويعزّز فعالية موجب الامتثال إلى التصريح بربط صرف الحقوق المالية كافّة بذلك؛ ويسهّل الملاحقة من خلال توضيح أن جرم الإثراء لا يدخل ضمن مفهوم الإخلال بالوظيفة ما يؤدّي إلى استبعاد الحصانة الوزارية بشأنه، كما يخفّض الكفالة لتقديم شكوى من 25 إلى ثلاثة ملايين ل.ل. ويلغي غرامة الـ 200 مليون ل.ل. المترتّبة عن خسارة الدعوى، ويوسّع سلطات الملاحقة، ويقرّ عدم مرور الزمن على جرم الإثراء كما على استعادة الأموال الناتجة عنه. وهذا التعديل الأخير بالغ الأهمية طالما أنّ قاضي التحقيق في بيروت شربل أبو سمرا ردّ الدعوى ضدّ الأخوَيْن ميقاتي ورفاقهما بحجّة مرور الزمن (وهو الأمر الذي انتقدته “المفكّرة”).

لكن، بقيتْ فيه ثغرات أساسية أبرزُها عدم معالجة سرية التصاريح، التي تبقى ضمن غلاف مغلق، وإنْ منحَ الهيئةَ الوطنية لمكافحة الفساد صلاحيةَ التدقيق في تصريحات الذمة المالية وفقاً لأحكام قانون الإثراء غير المشروع.

  • حماية كاشفي الفساد، وهو قانون أُقِرّ في العام 2018 بعد أن قُدِّم كاقتراح في العام 2010. أوجد القانون منظومة من التدابير والضمانات التي تقرّر لكاشف الفساد وذلك من أجل حمايته، من جهة، ومن أجل تحفيزه على كشف الفساد، من جهة أخرى. وفي ما يتعلق بالحماية، نصّت المادة 8 فقرة أ من القانون على أنّ لـ “الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد” (لم تكن قد نشأت حينها) أن تتخّذ قرار الحماية عفواً أو بناءً على طلب كاشف الفساد. وتجدر الإشارة إلى أنّ القانون تضمّن حماية الكاشف من الأضرار الوظيفية، في حال كان موظفاً، والأضرار غير الوظيفية كالتعرّض للكاشف أو لأحد أفراد عائلته أو لأحد العاملين لديه، بسبب تقدّمه بالكشف، وما قد يحصل في حال تعرُّضه لضغوطات أو إجراءات ثأرية أو تهديدات. وللهيئة أن تطلب من النيابة العامة أو القوى الأمنية المختصة اتخاذ الإجراءات الأمنية المناسبة لحماية الكاشف وأحد أفراد عائلته والعاملين لديه أو الخبراء والشهود. ويضع القانون على عاتق النيابة العامة والقوى الأمنية في هذه الحالة وجوب الاستجابة إلى طلب الهيئة فور استلامه. أمّا بخصوص الضمانات الممنوحة لكاشف الفساد، فهي تشمل، إلى جانب السرية التي أقرّها القانون في ما يتعلق بهويّة هذا الأخير، إمكانيّة منحه مكافآت أو مساعدات في حال أدّى الكشف إلى حصول الإدارة على مبالغ أو مكاسب مادية، مثل تحصيل الغرامات واستعادة الأموال، أو إلى تجنيب الإدارة خسارة أو ضرراً مادياً. كما مُنِحَ كاشفُ الفساد عذراً مخفَّفاً أو عذراً مُحِلّاً في بعض الحالات.
  • قانون الشراء العام. وكان المرصد البرلماني قد قيَّم حسنات القانون في الصيغة التي انتهى إليها مبيِّناً التصوُّر الجديد لكيفيّة إجراء الشراء العام من اعتماد لا مركزية الشراء ومركزية التنظيم والرقابة وتوحيد المبادئ التي ترعاه. كذلك ألقى الضوء على أبرز ما يعتري القانون من شوائب متعلقة بسرية بعض الصفقات والخلل في نظام حوكمته كما تقليص ضمانات الاستقلالية المتعلقة بهيئة الشراء العام وهو ما يهدّد الدور المرجو منها. ففي حين أنّ نجاح تطبيق هذا القانون يبقى مرتبطاً باستقلالية الهيئة المُنشَأة بموجبه، فإنّه يُخشى على ضوء أحكامه أن يخضع تعيين أعضائها لآليات المحاصصة المُعتمَدة على نطاق واسع. وقد زادت المخاوف في هذا الخصوص تبعاً للقرار الصادر عن المجلس الدستوري في تاريخ 15/9/2021.
  • قانون “استعادة الأموال المتأتّية عن الفساد” (الذي ينظّم بالفعل هذه الآلية التي سبق إقرارها في قوانين سابقة). وقد وضعت “المفكّرة” ملاحظاتها على هذا الاقتراح مُبَيِّنة أسباب عدم تأديته للوظيفة التي وَعَد بها.
  • تعديل قانون الوصول إلى المعلومات الذي انتهى إلى إضافات تُشدِّد على هذا الحق من دون أن تضيف شيئاً جديداً عليه. أهم هذه الإضافات، التشديد على أنّ الاستفادة من هذا الحق لا تستدعي توفُّر أيّ صفة أو مصلحة خاصة، ولا تتطلّب تبيان أسباب الطلب أو وجهة استعماله. وكان مجلس شورى الدولة قد حسم هذه المسألة في قرارات صدرتْ عنه في وقت سابق. وما يزيد العمل التشريعي قابلية للنقاش هنا هو تراجع لجنة الإدارة والعدل عن حذف أحد أهم التحسينات التي كان تضمّنَها الاقتراح الأساسي. فقد حُذِف منه بقرار منها وجوب إعطاء معلومات بشأن تلك التي لا يتمّ الإفصاح عنها (مثلاً أسرار الدفاع الوطني أو السر المهني أو حياة الأفراد الخاصة أو محاضر الجلسات السرية لمجلس النواب أو مداولات مجلس الوزراء التي يعطيها الطابع السري، إلخ.) رغم استثنائها مبدئياً من حق الوصول إلى المعلومات، كلما “كانت المصلحة العامة تقتضي نشرها، أو في حال عدم التناسب بين المصالح المُراد حمايتها (بعدم نشرها) والغاية من طلب الوصول إلى المعلومات”.
  • إلى ذلك، أقرّ المجلس قانوناً يتصل بتعليق أحكام السرية المصرفية لمدة سنة في كل ما يتصل بالتدقيق الجنائي على حسابات هيئات القطاع العام وضمناً حسابات مصرف لبنان وذلك لحاجات التدقيق حصراً. وقد انتهى المجلس إلى وضع هذا القانون بضغط من رئيس الجمهورية (الذي وجّه كتاباً إلى مجلس النواب في هذا الخصوص) تبعاً لفسخ شركة التدقيق المُعيَّنة عقد التدقيق الجنائي على خلفية رفض مصرف لبنان إعطاء المعلومات عملاً بقانون السرية المصرفية. وهذا القانون يقبل النقد من زوايا عدة، أبرزها أنّ تعليق السرية المصرفية تمّ لسنة واحدة، والأخطر أنّه تمّ لصالح شركة التدقيق ولحاجات التدقيق حصراً. فكأنّما المشرِّع اعتمد التدقيق الجنائي غايةً بحدّ ذاته من دون تمكين القضاء (الذي يبقى مكبَّلاً بالسرية المصرفية) من الاستناد إلى نتائجه لإجراء الملاحقات اللازمة. يُضاف إلى ذلك أنّ رغم مرور أشهر من دون إعادة إحياء التدقيق الجنائي تنفيذاً للقانون، بحجّة أنّ الحكومة حكومة تصريف أعمال، فإنّ المجلس النيابي لم يحرّك ساكناً ولم يعمد إلى تمديد مهلة السنة إلّا بعد انقضائها. وحتى اللحظة تبقى نتائج التدقيق الجنائي على مصرف لبنان مجهولة، علماً أنّ الحكومة لم تُجرِ أيّ تدقيق جنائي على حسابات أيّ هيئة عامة أخرى. 

وفي حين زايد مجلس النواب على رئيس الجمهورية في 2020، من خلال توسيع إطار رفع السرية المصرفية لحاجات التدقيق الجنائي ليشمل هيئات القطاع العام كافة، فإنّه عاد ليزايد على نفسه بتوسيع هذا الإطار ليشمل شركات من القطاع الخاص (الشركات المستفيدة من الدعم بالدولار الأميركي)، كل ذلك من دون أن يقوم بأيّ جهد من أيّ نوع كان لتفعيل هذا التدقيق الجنائي. وما يزيد من المزايدة في التدقيق الجنائي قابليةً للنقد هو أنّ المجلس بات يلجأ إليها كتعويض عن فشله وفشل مجمل مؤسسات الدولة (ومنها ديوان المحاسبة) عن إعمال رقابة حقيقية على الصفقات العامة وسياسات الدعم. فبدل أن يعمل على تفعيل الآليات التقليدية، تراه يعتمد بصورة منهجية مساراً استثنائياً (التدقيق الجنائي من شركات خاصة) ويوسّع مداه إلى درجة يصبح معها اللجوء إليه شبه مستحيل. من هذه الزاوية، بدت التشريعات المتصلة بالتدقيق الجنائي بمثابة تخلٍّ عن المسؤولية. 

هذا فضلاً عن أنّ إعلان نِيّة المجلس مكافحة الفساد تتعارض تماماً مع استباحة ملكية الدولة (التخلي عن ملكية الأسهم لحامله) والتخلي تماماً عن مسؤوليته في أيّ مساءلة. يضاف إلى ذلك أنّ الهيئة العامة أعرضت عن إقرار اقتراحات قوانين جوهرية لمكافحة الفساد، أبرزها رفع السرية المصرفية عن العاملين في القطاع العام، الذي كان رئيس الجمهورية قد ردّه إلى المجلس النيابي عملاً بالصلاحية الممنوحة له في المادة 57 من الدستور. وكانت لجنة المال والموازنة أنجزت في 21/10/2021 دراسة ملاحظات رئيس الجمهورية لتضع اقتراحاً مجرّداً من أيّ قيمة مضافة كما بيّن المرصد البرلماني. كما تتشارك الهيئة العامة مع اللجان النيابية في التقاعس عن إقرار قوانين جوهرية، لا سيما قانون استقلالية القضاء وشفافيته (ولم ينتهِ درسه في لجنة الإدارة والعدل سوى في تشرين الثاني 2021) الذي يُعتبَر حجر الزاوية لأيّ مساع إصلاحية.

  • القوانين المتصلة بالموظفين العامين (عدد 12):

في هذا الخصوص، صدر 12 قانوناً نافذاً خلال هذه الفترة، منها سبعة اتصلت بتسوية أوضاع فئة مُعيَّنة من الموظفين أو بمنحهم ترقيات أو درجات مُعيَّنة. ونلحظ أنّ بعض هذه القوانين مشوبة بمخالفة دستورية فادحة، بحيث تشكّل تعدياً من السلطة التشريعية على صلاحيات السلطة التنفيذية وفق ما جاء في القرار السابق رقم 2/2012 للمجلس الدستوري. ومن أهم القوانين التي تقع في هذه الخانة، تسوية أوضاع رتباء وأفراد الضابطة الجمركية وتعديل توزيع الرتب داخل الملاك العام، وترقية مفتشين في المديرية العامة للأمن العام من حَمَلة الإجازة اللبنانية في الحقوق إلى رتبة نقيب، وترقية رتباء في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي إلى رتبة ملازم، وتسوية أوضاع مفتّشين في المديرية العامة للأمن العام.

ويستدعي عمل المجلس في هذا السياق الملاحظات الآتية: 

أوّلاً، أنّ أهم القوانين المنجزة منه في هذا الخصوص، القانون الرامي إلى وضع آلية لتعيين الموظفين من الفئة الأولى، قد أبطَلَهُ المجلس الدستوري بموجب القرار رقم 4 الصادر عنه في تاريخ 22/7/2020، وقد علّل المجلس الدستوري موقفه بإيلاء صلاحيات إجرائية (آلية التعيينات) لسلطة غير السلطة التنفيذية (الحكومة)، بما يحدّ من صلاحيات هذه الأخيرة الدستورية. وقد انتقدت “المفكّرة” القرار على خلفية أنّه يغلّب سلطة الحكومة الدستورية على مبادئ الكفاءة والنزاهة والمساواة بين المواطنين في تَوَلّي الوظائف العامة. 

ثانياً، أنّ المجلس قد تهرّب من مناقشة كتاب رئيس الجمهورية بشأن مدى إلزامية المعادلة الطائفية في تعيين الموظفين من الفئات ما دون الفئة الأولى، على ضوء المادة 95 من الدستور التي تحصر العمل بالمناصفة في تعيين الموظفين من الفئة الأولى والفقرة ي من مقدمة الدستور التي تتناول التعايش والوفاق الوطنيَّيْن. فقد ألغى رئيس المجلس الجلسة التي كانت مخصصة لهذه المناقشة في 17 تشرين الأوّل 2019، مرجئاً إيّاها إلى 27 من الشهر المذكور من دون أن تُعقدَ في حينه بفعل اندلاع الاحتجاجات الشعبية. 

ثالثاً، أنّ الموازنة العامة لسنتَيْ 2019 و2020 تضمّنتا العديد من المواد المتناقضة لجهة تشجيع الموظفين العامين على التقاعد المبكر أو على العكس من ذلك لجهة تأخير تقاعدهم. وقد بدت هذه الاتجاهات مبرَّرةً تارةً بإرادة التخفيف من الأعباء المالية الناجمة عن التقاعد، وطوراً (وبخاصة بعد 2019) بإرادة التخفيف من عديد الموظفين العامين.

وفي حين وضع المشرِّع في 2017 قوانين لتطوير أداء الموظفين (تقييم، مسح الإدارات وحاجاتها)، فإنّه أغفل أيّ عمل رقابي لإرغام الحكومة على إعمال هذه الإصلاحات. كما امتنع عن اتخاذ أيّ إجراء لمتابعة التحقيق الذي أجرتْه لجنة المال والموازنة في قضايا التوظيف العشوائي. 

  • القوانين المتصلة بالحقوق (وقد بلغ عددها 11) يضاف إليها قانون حقوق ذوي المخفيين قسراً والمفقودين: 

بمراجعة أبرز القوانين التي وضعها المجلس في ولايته 2018-2022، نلحظ أنّ أهمّها على الإطلاق اتصل بإقرار قانون المفقودين والمخفيين قسراً بالنظر إلى أبعاده السياسية والاجتماعية والحقوقية. وقد كرّس هذا القانون حق المعرفة لذوي هؤلاء بمصائرهم واضعاً آليات لتفعيل هذا الحق من خلال إنشاء هيئة وطنية للمفقودين والمخفيين قسراً. وقد شكّل هذا القانون أحد القوانين النادرة للاعتراف بضحايا الحرب وحقوقهم، والأهم لمعالجة ذيولها. ورغم إنشاء هذه الهيئة بعد أكثر من سنة ونصف من إصدار القانون، فإنّها لا تزال من دون موارد وغير قادرة على القيام بمهامها. 

أمّا القانون الثاني من حيث الأهمية، فقد تمثّل في تعديل المادة 47 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، وقد حصل ذلك عقب انتفاضة 17 تشرين التي شهدت العديد من التجاوزات خلال التحقيق الأوّلي. ومن أبرز الحقوق التي تضمّنها القانون الحق في الاستعانة بمحامٍ وفي حضوره التحقيقات الأوّلية بما يمنع الاستفراد أو الاستقواء على المشتبه فيه. واللافت أنّ النص ذهب إلى حدّ إعلان حق المتقاضي الذي لا تمكّنه أوضاعه المالية من تكليف محامٍ، في مساعدة محامٍ مجاناً، بالتنسيق مع نقابتَيْ المحامين. يُضاف إلى هذا الحق جملةٌ من الحقوق الأخرى مثل حق المشتبه فيه في معرفة ماهيّة الشبهات القائمة ضدّه والأدلّة والقرائن المؤيّدة لها، وحقه في معاينة طبية مجانية (النفسية والجسدية) وحقه في الترجمة، فضلاً عن تسجيل إجراءات التحقيق بالصوت والصورة. كما نصّ الاقتراح على ضمانات تمثّلت في فرض الالتزام بالأحكام الواردة فيه، من خلال تجريم عدم مراعاتها أو تخويل المشتبه فيه المطالبة بإبطال محضر التحقيق. إلّا أنّ هذا القانون لم يخلُ من الأخطاء، حيث وردت فيه موادٌّ تشرّع إبقاء الموقوف أكثر من أربعة أيام في نظارات المخافر. كما أنّه لم يتضمّن موادَّ من شأنها التعديل من الضمانات في الجرائم شديدة الخطورة بهدف إحداث توازن بين حقوق المجتمع وحق الدفاع. وأخيراً، والأهم، أنّ هذا القانون وُضِع من دون تأمين الاعتمادات والموارد الضرورية له، الأمر الذي شكّل ذريعة لتطبيقه بشكل مجتزأ أو لتعليق العديد من مواده بقرارات غير قانونية، مثل إرجاء الأحكام المتصلة بإجراءات التحقيق بالصوت والصورة. 

إلى ذلك، أقرّ البرلمان عدداً من القوانين المتصلة بفئات معيَّنة:

أهم هذه القوانين، قانون إعطاء إجازة للحكومة لإبرام اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة والبروتوكول المُرفَق بها، كما سبق بيانه.

أمّا على صعيد حقوق النساء، فقد وضع المشرِّع قانونَيْن هامَّيْن: 

الأوّل، تجريم التحرُّش الجنسي وتأهيل الضحايا للمرة الأولى في لبنان. إلّا أنّ “المفكّرة” سجّلت عدداً من الثغرات فيه لجهة تعريفه التحرّش الجنسي، أو تعميمه الممشى العقابي للردّ على مختلف أعمال التحرّش، فضلاً عن اعتماده مقاربة أخلاقية في توصيف الأفعال المتصلة به مقابل جعل استغلال السلطة مجرّد عامل مشدِّد للعقوبة وليس عنصراً مكوِّناً للجرم. 

أمّا القانون الثاني فهو تعديل قانون حماية النساء وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري. أهم ما تضمّنه هذا القانون هو تعديل تعريف العنف الأسري، بحيث بات يشمل العنف الاقتصادي والنفسي والجسدي، حتى لو لم يكن جُرماً بمفهوم قانون العقوبات. في المقابل، رُبِطَ تعريف العنف الأسري بالعنف الحاصل أثناء الرابطة الزوجية، ممّا يولّد بلبلة لجهة تطبيقه على حالات العنف الأخرى التي قد تُرتَكَب ضد الأخوة أو الفروع والأصول. كما زايد القانون من خلال تعميم تشديد العقوبة على مجمل أفعال العنف، ولكن، بالأخص الأفعال المُخِلَّة بالآداب العامة كالدعارة والحضّ على الفجور بالنسبة لأيّ شخص لم يبلغ بعد 21 سنة، وهي الأفعال التي غالباً ما تُستخدَم تقليدياً لممارسة العنف ضد المرأة. وعليه، وفيما تتجه معظم القوانين إلى إلغاء عقوبة الدعارة على اعتبار أنّ العاملين فيها هم ضحايا الإتجار بأجسادهم أكثر ممّا هم مسؤولون، ذهب المجلس النيابي إلى تشديد العقوبة على الدعارة من سنة إلى ثلاث سنوات، بما يفتح باب احتجاز العاملات في هذا المجال احتياطاً لمدة تصل إلى أربعة أشهر. 

أمّا الالتفاتة الوحيدة في اتجاه الأحداث المخالفين للقانون فاقتصرت على الحد من استعمال السلاسل والأصفاد وأيّ من وسائل التقييد الأخرى عليهم، إلّا في حالات الضرورة القصوى ولأقصر مدّة ممكنة، وفقاً لظروف يحدّدها القانون مثل مَنْع الحدث من الفرار أو تعذُّر ضبطه بوسائل أخرى، لا سيما لمنعه من إيذاء نفسه، كما لنقله من مكان احتجازه وإليه بعيداً عن فضول الجمهور. وينصّ القانون على نقل الحدث بوسائل تختلف عن نقل الراشدين عملاً بمبدأ فصلهم.

أمّا القوانين الأخرى فقد بقيت في غالبها محدودة ومجتزأة، وأحياناً منفصلة تماماً عن الواقع أو مفرغة من أيّ مضمون حقيقي. 

هذا ما نلمحه بشكل خاص بشأن مَنْحِ فئات جديدة إمكانية الاستفادة من الضمان الاجتماعي، رغم تراجع تقديماته للفئات المستفيدة حالياً منه نتيجة خسارة جزء كبير من ودائعه وموارده. بمعنى أنّنا نُحمِّل الصندوق مسؤوليات إضافية في حين أنّه بات في حالة عجزٍ عن مواجهة مسؤولياته الحاضرة، وكل ذلك بمعزل عن أيّ تفكير حول التغطية الصحية الشاملة. 

الأمر نفسه نلمحه بشأن إعفاء المتضررين من التفجير من رسم التقاضي. فعلى أهميته، يحصل هذا الأمر في ظل تعطيل التحقيق العدلي عبر تدخُّلات وتجاوزات سافرة من قيادات المجلس النيابي نفسه. وعليه، يذهب المجلس هنا في اتجاهات متناقضة في التعامل مع ضحايا التفجير والمتضررين منه.

  • القوانين المتصلة بالأملاك العامة والضرائب والموارد العامة (وقد بلغ عددها 10): 

من القوانين الإيجابية في هذا الخصوص، تعديل الإجراءات الضريبية الذي أقرّه المجلس في نهاية سنة 2018، والذي عدّل بعض مواد قانون الإجراءات الضريبية. أتى هذا القانون من باب استكمال الإجراءات التي اتخذها لبنان للالتزام بالمقتضيات الدولية في مجالات الشفافية الضريبية ومكافحة الإرهاب وتبييض الأموال (لا سيما مقتضيات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OCDE). فعرّف القانون المعدَّل صاحب الحقّ الاقتصادي (beneficial owner) على أنّه الشخص الذي يسيطر فعليّاً في المحصلة النهائية، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، على نشاط يمارسه أيُّ شخصٍ طبيعي أو معنوي آخر على الأراضي اللبنانية. غير أنّ القانون، وفي سياق مختلف، قام بإلغاء الاستثناء الممنوح إلى مَن يخضعون للسرية المهنية من التعاون مع السلطات الضريبية، ما يهدّد علاقة مزاولي المهن المعنيّة بزبائنهم، خصوصاً المحامين منهم. ويأتي هذا الاستثناء مخالفاً للمنحى المُتَّبع في الشرع الفرنسي الذي يُخضِع موجب التعاون إلى ضوابط تحمي السرية المهنية كما للاجتهادات الصادرة عن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان ومجلس شورى الدولة الفرنسي.

إلى ذلك، سعى المشرِّع في موازنات 2017- 2020 إلى زيادة الموارد المالية من قطاعات معيَّنة، أهمها المرفأ وشركتا الخليوي (موازنة 2020) والكسارات (موازنة 2019). إلّا أنّ أيّاً من هذه المساعي لم تؤتِ ثمارها فعلياً، وبخاصة بعد انهيار قيمة العملة الوطنية. ففي حين تعرّض المرفأ للتفجير، ممّا أعاق ترشيد الموارد فيه وتخفيف الهدر الحاصل في إدارته، تراجع المجلس النيابي عن الضوابط التي وضعها على النفقات التشغيلية لشركتَيْ الخليوي بما يفتح الباب لمزيد من الهدر. ولم تُنَفَّذ الأحكام المتصلة باحتساب كميات الصخور المُستخرَجة من الجبال. 

كما لم يتم استرداد الأملاك العامة المعتدى عليها وفق أحكام القانون رقم 64/2017، بل مُنِحَتْ الجهات المعتدية المهلة تلو المهلة بما يعكس غطاء تشريعياً لتأبيد المخالفة. هذا ما نستشفّه من تمديد المهلة القانونية لمعالجة التعديات بقانون خاص. كما نستشفّه من الغموض في قوانين تعليق المُهَل الصادرة في 2020 الذي منح الجهات المعتدية على الملك العام إمكانية التذرُّع بها لإرجاء تقديم ملفات المعالجة. ورغم أنّ هذه الذريعة انتفت منذ بداية 2021، لم تسترد الدولة حتى الآن أملاكها المعتدى عليها من دون أن يبادر مجلس النواب إلى أيّ إجراء. 

أخيراً، تجدر الإشارة إلى أمرَيْن سلبيَّيْن جداً: 

أوّلاً، القانون الذي أقرّه المجلس بتجريد الدولة من ملكيتها على الأسهم لأمر والأسهم لحامله بدون مقابل. فرغم انتهاء مهلة السنتَيْن التي تسقط من بعدها الأسهم لأمر والأسهم لحامله غير المستبدَلة ضمن ملكية الدولة حسب القانون 75/2016 في 3/11/2018، فإنّ المشرِّع ارتأى تمديد هذه المهلة بصورة رجعية على نحو يؤدّي إلى تجريد الدولة من ملكية أسهم انتقلت إليها حكماً بموجب قانون 2016. واللافت في النقاشات النيابية في الهيئة العامة بروز خطاب “شديد العدائية” من قِبَل جزء كبير من النواب والوزراء تجاه الملكية العامة ودور الدولة، بما يُنذر بمضيِّ هؤلاء في تحاصص جيفة “الدولة”. وقد تولّى هؤلاء ذلك من خلال حفلة مزايدة في سرديات “فزّاعة التأميم” (إيلي الفرزلي) وضرورة انسحاق الدولة أمام “الملكية الفردية المصانة في الدستور” (هادي حبيش) وأنّ “مصادرة الدولة أملاكاً خاصة مخالَفة دستورية” (سيزار أبي خليل). كما كان لافتاً اعتذار النواب عن أيّ توجُّه أتى في اتجاه تكريس ملكية الدولة أو تطبيق المصادرة كعقوبة (عن عدم استبدال الأسهم لحامله ولأمر) على أنّه “توجُّه ليس على خاطر النواب” بل فرضه المجتمع الدولي ضمن الإصلاحات المطلوبة (علي حسن خليل).

ثانياً، أنّ المجلس تبنّى خلال ولايته 2018-2022 سلسلة من التدابير التي يُستشَفُّ منها تخلي الدولة عن إيراداتها. وقد شملت هذه التدابير تعليق المهل لتسديد المبالغ المُستحَقَّة لها وتقسيطها والإعفاء منها أو من غرامات التأخير المتوجِّبة بحجّة أو بأخرى، هذا فضلاً عن احتساب الضرائب وفق سعر صرف بات يقلّ نحو 20 مرة عن سعر الصرف الحقيقي. وقد أدّت هذه التدابير في أغلب الحالات إلى تخفيض الأعباء الضريبية على الطبقات الميسورة بنسب عالية جداً، وتالياً إلى ضياع إيرادات مؤكَّدة كان من شأنها أن تخفِّف من صعوبات المَرافق العامة.

  • القوانين المتصلة بالسلطات والهيئات العامة (وعددها 9): 

في هذه الولاية، ذهب التشريع في ثلاث اتجاهات في هذا الخصوص:

التوجُّه الأوّل: إنشاء هيئات مستقلة أو متخصصة من دون ضمان حسن سيرها أو استقلالها فعلياً

شهدنا نشوء هيئات ومجالس إدارية عدة. بعض هذه الهيئات هيئات إدارية مستقلة تماماً، كالهيئة الوطنية للمفقودين والمخفيين قسراً والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد وهيئة الشراء العام. يضاف إليها هيئات ومجالس ذات صلاحيات تنظيمية هامة، منها الهيئة الوطنية للمنافسة والهيئة الوطنية لإدارة النفايات الصلبة والهيئة الناظمة للدواء، التي مُنِحَتْ صلاحيات تنظيم قطاع الدواء وإدارته. وفي حين يرمي إنشاء هذه الهيئات مبدئياً إلى تحرير مجالات معيَّنة من تعسُّف المصالح السياسية من خلال إنشاء هيئات متخصصة تتمتع باستقلالية ولو بدرجات مختلفة، فإنّ إصرار القوى السياسية على تعيين أعضاء هذه الهيئات على أساس المعادلة الطائفية والسياسية الاعتيادية غالباً ما أدّى ويؤدّي إلى نقل الحسابات السياسية والتعسُّف السياسي إلى داخل هذه الهيئات. وإذ برزت محاولات لدرء هذه الممارسة سواء في تعيين أعضاء بعض هذه الهيئات (هيئة الشراء العام) أو في ضمان استقلاليتها، أصدر المجلس الدستوري القرار رقم 5/2020 بإبطال مواد في قانون الشراء العام رقم 244/2021، بما يعزّز هامش السلطة التنفيذية، وتالياً القوى السياسية الممثَّلة في تعيين أعضائها. مهما يكن، فإنّ غالبية هذه الهيئات لم تنشأ بعد في حين أنّ الهيئات الأخرى تعاني رغم إنشائها من عدم تخصيص موارد لها تخوّلها القيام بعملها وهذا هو حال الهيئتَيْن الوطنيَّتَيْن للمفقودين والمخفيين قسراً ولمكافحة الفساد، فضلاً عن الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان المُنشَأة في 2016. وقد سعى المشرِّع علاوة على ذلك إلى إعطاء غطاء لاستمرار الحكومة في تعطيل الهيئة الناظمة للكهرباء منذ إنشائها في 2002 (وهي الهيئة التي تتولّى منح تراخيص وأذونات إنتاج الطاقة).

التوجُّه الثاني: تدخُّلات محدودة لضمان استقلالية القضاء

أهم التدخُّلات في هذا الخصوص تَمَثَّل في إقرار قانون بتعديل المادة 419 من قانون العقوبات. وقد انتهتْ هذه المادة في نصها الجديد إلى تشديد عقوبة التدخُّل في القضاء من غرامة بسيطة لتصل العقوبة إلى ثلاث سنوات حبس ومائة ضعف الحد الأدنى للأجور.

في المقابل، فشل المجلس خلال ولايته 2018-2022 من النظر في اقتراح قانون استقلالية القضاء الذي قُدِّم إليه في أيلول 2018، وهذا ما سنعود إليه في سياق الحديث عن نتاج لجنة الإدارة والعدل. 

التوجُّه الثالث: تطييف المجلس الدستوري

أخيراً، أقرّ المجلس في سنة 2019 اقتراح قانون يرمي إلى تمديد مهلة الترشُّح إلى عضوية المجلس الدستوري 15 يوماً، في المنحى نفسه الذي سلكه قانون سابق صُدّق سنة 2018 ومدَّد المهلة لفترة شهر. بيد أنّ هذا التمديد لم يكن بسبب قِلَّة الترشيحات (بلغ عددها 26 ترشيحاً في ذلك الحين) بل بذريعة قِلَّة الترشيحات من طائفة معيَّنة، تكريساً للعرف الذي يقسّم مقاعد المجلس الدستوري على الطوائف، وفق ما جاء بصريح أسبابه الموجبة. ويأتي هذا المسار التشريعي، فضلاً عن تكريسه عرفاً طائفياً لا سند قانوني له، مخالفاً للمادتَيْن 12 و95 من الدستور اللبناني، حيث تؤكّد الأولى أنّ لكل لبناني حق تَوَلِّي الوظائف العامة ولا ميزة لأحد إلّا من حيث الاستحقاق والشروط التي ينصّ عليها القانون، أمّا الثانية فتلغي “قاعدة التمثيل الطائفي” وتعتمد معايير الاختصاص والكفاءة وفقاً لمقتضيات الوفاق الوطني باستثناء وظائف الفئة الأولى فيها وما يعادلها. 

يضاف إلى ذلك تدخُّل المجلس النيابي لرفع سقف الإنفاق الانتخابي بعد انهيار العملة الوطنية. كما تدخَّل لإرجاء انتخاب ست نواب عن المغتربين. في المقابل، تمّ التخلي عن مبدأ الكوتا النسائية وعن تفعيل الميغاسنتر ولم يُثَرْ أيُّ نقاش حول النظام الانتخابي (الصوت التفضيلي). وقد أثار هذا القانون جدلاً كبيراً بشأن انتخاب مغتربين نواباً في دوائر سجلاتهم الوطنية أو انتخابهم ممثّلين عنهم في دول الاغتراب، ليُحسَم الجدل في الاتجاه الأوّل رغم ملاحظات رئيس الجمهورية.

كما تمّ تعديل تسمية المجلس الاقتصادي الاجتماعي ليصبح المجلس الاقتصادي الاجتماعي والبيئي. وتمت إضافة مهامٍّ جديدة للمجلس، أبرزها: إبداء الرأي وجوباً في جميع الخطط والبرامج ومشاريع القوانين والبرامج الحكومية المتعلقة بأيّ قطاع ممثَّل في هيئة المجلس، وأيضاً إبداء الرأي في جميع مشاريع واقتراحات القوانين ذات الصلة بالمواضيع الاقتصادية والاجتماعية والبيئية. كما أجاز القانون للمجلس إبداء الرأي تلقائياً في القضايا والمهام المحدَّدة في المادة الثانية منه، مع إلغاء أكثرية ثلثَيْ أعضائه لذلك المنصوص عنها في القانون القديم. ويتوجّب على الحكومة أن تنشر في حالات الإحالة آراء المجلس في الجريدة الرسمية، أمّا في حالات إبداء الرأي تلقائياً، فينشرها المجلس للعموم. كما تمّت إضافة عدد من ممثّلي المهن بحيث ارتفع عدد الأعضاء من 71 إلى 80. 

  • القوانين المتصلة بالخدمات العامة

تضمّنت فئة الخدمات العامة العديد من القوانين المهمة التي صُدِّقت في هذه الولاية، وهي:

أوّلاً، قانون الإدارة المتكاملة للنفايات الصلبة الذي طال انتظاره، فهو بدأ كمشروع قانون سنة 2005 قدّمتْه وزارة البيئة، ولم تصادق عليه الحكومة إلّا عام 2012 حيث أُرسل إلى المجلس ليناقَش في اللجان. وبعد السير ببطء في اللجان، أُقِرّ أخيراً عام 2018 بعد العديد من التعديلات التي طرأت عليه وهبوط عدد مواده بشكل لافت من 99 إلى 39 مادة فقط. وكانت “المفكّرة”، في مقالةٍ لها في عددها رقم 59 سنة 2018، قد أسهبت في شرح دقائق القانون وإطاره العام وأبرزها غياب التكريس الصحيح لهرم إدارة النفايات، أي الغموض في تراتبية الخطوات بين التخفيف من النفايات ثم إعادة استعمالها ثم فرزها وما إلى ذلك، كما لا يمنع القانون صراحةً من الطمر والحرق، وهو ما اعتُبر من بعض النواب والناشطين أنّه يمهّد لتكريس اللجوء إلى حلّ المحارق المكلف بيئياً. كما رفع القانون أيضاً الحظر عن استيراد النفايات الخطرة. وحتى اللحظة، لم يصدر العديد من المراسيم التنفيذية، من أبرزها مرسوم تشكيل الهيئة الوطنية لإدارة النفايات الصلبة. 

ثانياً، القانون الرامي إلى تعديل القانون رقم 77 تاريخ 13/4/2018 “قانون المياه”، ويأتي هذا التعديل عقب إقرار قانون أوّلي سنة 2018 تحت ضغط مؤتمر سيدر، ما أدّى بحسب النواب إلى الموافقة عليه مشوباً بعديدٍ من النواقص والأخطاء ما يستدعي مراجعته. وقد اعتبرت “المفكّرة” أنّ القانون ينطوي على سلبيّات عديدة، أهمها أنّه لا يبيّن رؤية موحَّدة لإدارة الموارد المائيّة ويفتح باب الخصخصة وبناء السدود غير المجدية، كما أنّه يعمد إلى إقصاء المتخصصين في مجال المياه والبلديات والجمعيات. ويكتفي بخصوص الآبار غير القانونية التي يفوق عددها أضعاف عدد الآبار القانونية، بإلزام أصحابها التقدُّم إلى وزارة الطاقة والمياه لتسوية أوضاعهم في مهلة أقصاها سنتَيْن من تاريخ نفاذ القانون، من دون وضع أيّ موجبات مالية أو غيرها عليهم. وقد طعن نواب تكتل لبنان القوي ببعض مواد القانون أمام المجلس الدستوري كما ذكرنا أعلاه وقُبِل الطعن جزئياً، في ما اعتبره المجلس متعارضاً مع صلاحيات الوزير الدستورية. 

ثالثاً، الإجازة للحكومة إنشاء نفق لطريق بيروت البقاع على طريقة الـ BOT أو بالشراكة مع القطاع الخاص. وقد صُدِّق الاقتراح للمرة الثانية سنة 2020 بعد أن كان ردّه الرئيس سابقاً لإعادة النظر فيه، حيث اعتبر أنّه يُخِلُّ بمبدأ فصل السلطات لأنّه يفرض على مجلس الوزراء الرجوع إلى مجلس النواب بكامل المشروع وتفاصيله عن غير وجه حق، بما أنّ هذه الأمور تدخل ضمن صلاحيات السلطة الإجرائية، فضلاً عن أنّ هدف القانون قابل للتحقيق من خلال قانون تنظيم الشراكة بين القطاعَيْن العام والخاص ما يلغي الحاجة إليه. وكان المرصد البرلماني انتقد القانون إثر شبهات قوية حول عدم دستوريته لجهة التفويض المعطى للحكومة لمنح امتياز بدون أيّ قيود لا سيما زمنية، بما يتعارض مع المادة 89 من الدستور. 

رابعاً، قانون إعادة تنظيم معرض رشيد كرامي الدولي الذي يفتح الباب أمام الاستثمارات الخاصة لترميم وتدعيم أيّ مبنى يُصار إلى استثماره، لكن بشرط الاعتماد على المرجع التصميمي الموضوع سلفاً، الذي يضمن عدم الإضرار بالطابع العام للمعرض. وشكّل هذا الاقتراح مطلباً عامّاً من نواب طرابلس لإعادة إحياء المعرض الذي تدهورت حالته وأصبح معرَّضاً للجرف.

خامساً، القانون الرامي إلى دعم صناعة الأدوية المنتَجة محلياً. ينصّ الاقتراح على إعطاء المؤسسات الضامنة الأولوية والمفاضلة للدواء المنتَج محلياً على حساب الأجنبي، وتشجيع المواطنين على استعمال المُنتَج المحلي وذلك عبر احتساب المؤسسات الضامنة لأسعار الدواء المُدرَجة في الفواتير على أساس سعر المُنتَج المحلي، إلّا إذا كان المستورَد أقلّ سعراً.

سادساً، قانون تنظيم الإنتاج العضوي، الذي نظّم تحديداً ما يتعلق بوضع البيانات على المنتجات العضوية وإصدار الشهادات كما شروط الاستيراد والتصدير. وينظّم هذا القانون الزراعة العضوية والمأكولات العضوية المنتجة بدون استعمال المواد الكيميائية، إلى جانب ملاءمة المنتوجات اللبنانية مع المعايير العالمية وتسهيل دخول لبنان إلى أسواق جديدة.

من القوانين الهامة أخيراً، تمديد الامتياز المعطى لشركة كهرباء زحلة لتقديم خدمات تسيير المرفق العام بإنتاج وتوزيع الكهرباء لفترة محدودة ضمن حدود نطاق امتيازها الجاري استرداده. وقد شهدت مناقشة الاقتراح سجالات بين نواب زحلة المنتمين إلى التيار الوطني والمؤيِّدين للقانون، بحجّة عدم قانونية الامتياز وارتفاع كلفة الفاتورة، ونواب زحلة المنتمين إلى حزب القوات اللبنانية الرافضين للاقتراح، بحجّة أنّ كهرباء زحلة أمّنت التيار على مدار الساعة بعكس شركة كهرباء لبنان، وأنّها تشغّل 380 عاملاً لبنانياً منضوين في مؤسسة الضمان الاجتماعي.

  • القوانين المتصلة بالبيئة

ارتبط عدد من القوانين المُقَرّة خلال ولاية المجلس بموضوع البيئة، وهي:

أوّلاً، قانون المناطق المحمية، يشكّل هذا القانون محاولة لوضع نظام عام شامل للمحميات الطبيعية يوفّق بين حماية المواقع الطبيعية التي تُشكِّل، كما جاء في الأسباب الموجبة، “ثروة وطنية وتراثاً طبيعياً”، ومتطلّبات التنمية الريفية. نظّم القانون عملية إنشاء المحميات على أراض يملكها أشخاص القانون العام وعلى أملاك تعود لأشخاص القانون الخاص، كما سمح بفرض رسوم للدخول إلى المحميات بعكس ما كان يُعمَل به سابقاً من منع للرسوم والاكتفاء بطلب المساهمة. وفضلاً عن موضوع المحميات، نظّم القانون الجديد فئات أخرى من المناطق المحمية وهي المنتزه الطبيعي، والموقع والمعلم الطبيعي والحمى. بالنسبة إلى المنتزه الطبيعي، فهو لا يخضع للموانع الصارمة التي تخضع لها المحمية بل هدفه إشراك السكان والبلديات في إدارة موارد وثروات المنطقة بشكل مستدام. 

ثانياً، إنشاء العديد من المحميات وهي محمية حرش بيروت، محمية شاطئ العباسية، محمية النمرية الطبيعية، ومحمية جبل حرمون الطبيعية. 

  • القوانين المتصلة بالبلديات واللامركزية

أخطر القوانين في هذا الخصوص، قانون تمديد ولاية المجالس البلدية والاختيارية الذي أُقِرّ في آخر جلسة للمجلس في آذار 2022. تُبَرِّر الأسباب الموجبة هذا التمديد بتزامن مواعيد انتهاء ولاية هذه المجالس مع موعد إجراء الانتخابات النيابية واستحالة إجراء الانتخابات البلدية والنيابية معاً. غير أنّ القانون، وكما فصّله المرصد البرلماني في مقالة سابقة له، يعيد اللبنانيين في الذاكرة إلى عقود سابقة من الاستباحة للاستحقاقات البلدية، فضلاً عن أنّه لا يحترم معيارَيْ الضرورات وحدود المدة اللذَيْن وضعهما المجلس الدستوري لحصر التمديد ضمن شروط إذا لم يكن هناك من حلّ إلّا بحدوثه. 

كما تم توسيع صلاحيات البلديات بشأن المعاملات الفنية الهندسية بتعديل المادة 138 من المرسوم الاشتراعي رقم 118 تاريخ 30/6/1977 (قانون البلديات). فبعدما كان ينحصر إنجاز هذه المعاملات في المكاتب الفنية لفروع التنظيم المدني في الأقضية باستثناء بلديتَيْ بيروت وطرابلس، وسّعت المادة بعد تعديلها الاستثناء ليشمل، بالإضافة إلى بلدية بيروت وبلدية طرابلس، بلديات مراكز المحافظات وسائر الاتحادات البلدية التي لدى كل منها مكاتب وأجهزة هندسية. 

2. على صعيد الجلسة المخصّصة لمساءلة السلطة التنفيذية

من جهة أخرى، شهدت ولاية المجلس أيضاً جلسة يتيمة لمساءلة الحكومة، أتت بعد غياب جلسات المساءلة عن المجلس النيابي لمدة ثماني سنوات، ورغم مرور البلاد في أخطر أزماتها: الانهيار المالي والنقدي والاقتصادي غير المسبوق في تاريخ لبنان، وجائحة كورونا التي رافقت إدارتها ولاية المجلس منذ آذار 2020، وانفجار 4 آب 2020. وذلك خير دليل على التعثُّر الواضح والكبير في الحياة الدستورية اللبنانية الذي يعود إلى سواد التوافق والتحاصص على مجمل السلطات العامة بما يلغي مبدأ الفصل بين السلطات. وفي حين حُدِّدت جلسة في 28/4/2022 للنظر في طرح الثقة بوزير الخارجية عبد الله بوحبيب بناء على طلب كتلة الجمهورية القوية على خلفية إشكالية توزيع الناخبين على أقلام الاقتراع في بلدان الانتشار، إلّا أنّها لم تُعقَد بسبب عدم توفُّر النصاب.

وكان المرصد البرلماني قد أسهب في تفصيل أحداث الجلسة الوحيدة لمساءلة الحكومة الحاصلة في 2019 في ثلاث مقالات متتالية نحيل القرّاء إليها على الروابط التالية: الأولى والثانية والثالثة.
ويقتضي هنا فقط التنويه بأمرَيْن:

  • أوّلاً، أنّها حصلت قبل انتفاضة 17 تشرين الأوّل 2019، ولم تُعقَد أيّ جلسة محاسبة بعد الانتفاضة، ما يعكس تخلياً من المجلس عن دوره في هذا الخصوص. من اللافت خلال جلسة المساءلة، غياب عدد كبير من الوزراء، وهم المعنيّون الأوّلون بها. كما بيّنت مراقبتنا للجلسة أنّ رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري لم يكن مستعداً للإجابة عن الأسئلة، إذ سُئل الحريري عن التقرير الذي أعدّته لجنة المال والموازنة آنذاك، والذي أظهر توظيف قرابة آلاف المواطنين بشكل عشوائي وبخلاف القانون 46/2017 الذي حظر أيّ توظيف أو تعاقد جديد في القطاع العام، جاء جوابه بمثابة ذرّ رماد في العيون. وقد بدا ذلك واضحاً من خلال ثلاثة معطيات تضمّنها جواب الحريري، وهي: اعتبار التوظيفات في الأساس توظيفات أمنية، الاختباء وراء المسؤولية الجماعية لنفي المسؤوليات الفردية في تعيين أشخاص من دون المرور بآلية المباريات ومجلس الخدمة المدنية، أو أيضاً في التأخُّر في تعيين الناجحين في المباريات المنظمة من هذا المجلس وإبداء رئيس الحكومة مرونة فائقة في التعامل مع الضوابط الدستورية والقانونية، مستسهلاً هو كما غيره، تجاوزها لصالح ما تتفق عليه القوى السياسية الحاكمة، ولو تم ذلك على حساب المواطنين والدولة كمؤسسات وكمرفق عام.
  • أنّ هذا التقصير ليس بجديد في لبنان، فجلسة سنة 2019 أتت بعد غياب المساءلة لمدة ثماني سنوات؛
  • أنّ عدم دعوة رئيس المجلس النيابي لأيّ جلسة محاسبة إنّما أتت مخالفة لتعهُّدٍ قطعه بعقد جلسات مساءلة مرة شهرياً.

عليه، وبنتيجة ذلك، لم يخضع التوظيف العشوائي ولا سياسات الدعم ولا سياسة إدارة الأزمة المالية ولا أزمة الجائحة ومحدودية التدابير المُتَّخذة لمواجهتها ولا قضية الذهب ولا توقُّف حكومة ميقاتي عن الانعقاد لأشهر لأيّ جلسة مساءلة.

3. على صعيد الجلسات لدراسة الموازنة

أُقرَّتْ موازنتان في ظلّ ولاية المجلس، وهما موازنتا 2019 و2020. أمّا العام 2021 فلم تُقَرّ فيه موازنة في حين لا يزال إقرار موازنة سنة 2022 متأخّراً، وهي في طور الدراسة في لجنة المال والموازنة عند تاريخ كتابة هذه الأسطر. وكان مشروع موازنة 2022، كما أعدّه وزير المال يوسف خليل ووافقت عليه الحكومة، قد قوبل بتريُّث وانتقاد كبيرَيْن من قِبَل صندوق النقد الدولي ما دفع لجنة المال والموازنة إلى تعديله آخذةً بعين الاعتبار ملاحظات الصندوق. ويبدو أنّ التأخُّر يعود أيضاً إلى الحسابات الانتخابية، حيث ربما يتفادى النواب إقرار موازنة قد تضيف الرسم الجمركي بنتيجة رفع قيمة الدولار الجمركي أو تُجري أيّ تعديل آخر غير شعبي. 

ومن المهم أن نسجّل أنّ مشروع موازنة 2020 الذي وضعته حكومة الحريري على وقع انتفاضة 17 تشرين قبل استقالتها صُدِّق في مجلس النواب بحضور رئيس وزراء مكلَّف، هو حسان دياب، حتى قبل نيل حكومته الثقة.

4. على صعيد جلسات منح الثقة للحكومة

عُقدت ثلاث جلسات منح ثقة للحكومة في ظلّ المجلس الحالي، نحيل القارئ للتفاصيل حولها إلى تقاريرنا السابقة عن الأعوام 2019-2020 و2021.

5. ثلاث جلسات لمناقشة كتب رئيس الجمهورية

دعا رئيس مجلس النواب نبيه برّي إلى ثلاث جلسات لمناقشة ثلاثة كتب أرسلها رئيس الجمهورية.

الأولى انعقدت في تاريخ 27/11/2020 وقد جاءت إثر كتاب رئيس الجمهورية الذي يدعو فيه المجلس “إلى التعاون مع السلطة الإجرائية من أجل تمكين الدولة من إجراء التدقيق المحاسبي الجنائي في حسابات مصرف لبنان، وانسحاب هذا التدقيق بمعاييره الدولية كافة، إلى سائر مرافق الدولة العامة تحقيقاً للإصلاح المطلوب وبرامج المساعدات التي يحتاج إليها لبنان في وضعه الراهن والخانق، وكي لا يصبح لبنان، لا سمح الله، في عداد الدول المارقة أو الفاشلة في نظر المجتمع الدولي مع خطورة التداعيات الناجمة عن سقوط الدولة اللبنانية في محظور عدم التمكُّن من المكاشفة والمساءلة والمحاسبة، بعد تحديد مكامن الهدر والفساد الماليَّيْن اللذين قضيا على الأموال الخاصة والأموال العامة معاً”. وقد انتهى النقاش إلى تصويت المجلس النيابي على “قرار” نصَّ على ضرورة خضوع “حسابات مصرف لبنان والوزارات والمصالح المستقلة والمجالس والصناديق والمؤسسات العامة بالتوازي للتدقيق الجنائي من دون أيّ عائق أو تذرُّع بسرية مصرفية أو خلافه”. وإذ انتقدت “المفكّرة” هذا القرار معتبرة إيّاه مفرَغاً من أيّ مفعول، عاد المجلس بعد أسبوعَيْن ليقرّ قانوناً بهذا الشأن، وتحديداً برفع السرية المصرفية عن حسابات مصرف لبنان والقطاع العام لحاجات التدقيق الجنائي.

وانعقدت الثانية في تاريخ 21/5/2021 حول الكتاب المتصل بمسار تأليف الحكومة الجديدة وهي الحكومة التي كان سعد الحريري مكلَّفاً تشكيلها. وقد انتهى النقاش إلى اتخاذ المجلس النيابي “موقفاً” وهو ضرورة المضيِّ قدماً وفق الأصول الدستورية من قِبَل رئيس الحكومة المكلَّف للوصول سريعاً إلى تشكيل حكومة جديدة بالاتفاق مع رئيس الجمهورية.

أمّا الثالثة، فانعقدت في تاريخ 20/8/2021 حول الكتاب المتصل بالطلب من المجلس مناقشة الأوضاع الاقتصادية والمعيشية بعد إعلان حاكم مصرف لبنان رفع الدعم عن المواد الحياتية والحيوية واتخاذ القرار أو الموقف أو الإجراء المناسب. وقد انتهى إلى اتخاذ المجلس النيابي موقفاً، هو الإسراع ببدء العمل بالبطاقة التمويلية وتشكيل حكومة جديدة بأسرع وقت وتحرير السوق.

ويُلحَظ أنّ جميع هذه الجلسات كانت تُنقَل مباشرة على الهواء، بخلاف الجلسات التشريعية. 

6. انتخاب عضوَيْن في المجلس الدستوري

استُهِلّ نهار 30 حزيران 2021 النيابي بانتخاب المجلس، في جلسة سريعة سبقت الجلسة التشريعية المُزمَع عقدُها في النهار نفسه، عضواً جديداً في المجلس الدستوري، هو القاضي ميشال طرزي، خلفاً للعضو السابق المتوفى أنطوان بريدي. وقد شاب الانتخاب لغط كبير حيث أشار النائب أسامة سعد إلى أنّ النواب لم يُبَلَّغوا بإجراء الانتخابات ولم يحصلوا على السير الذاتية لأيٍّ من المرشحين، وختم قائلاً أنّه لا يعرف لِمَن يصوّت. وقد ردّ برّي عليه: “بدنا نعطّل المجلس الدستوري يا أسامة؟ ما بكفّينا الخراب بالبلد؟” ليبدأ التصويت.

 7. انتخاب أعضاء المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء

عُقدت جلستان لانتخاب أعضاء المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء خلال هذه الولاية. الأولى عُقدت في 6/3/2019، وانتُخب فيها ستة نواب هم: جورج عقيص وعلي عمار وفيصل الصايغ وجورج عطالله وسمير الجسر وهاغوب بقرادونيان، وفاز نائب سابع هو النائب الياس حنكش بالتزكية بعد انسحاب مرشحين آخرين. وتبعا لاستقالة حنكش وكتلته عقب جريمة تفجير المرفأ، تمّ في 20/10/2020 انتخاب علي درويش ليحلّ مكانه في المجلس. خلال هذه الجلسة، أعلن النائب علي عمّار في الجلسة نفسها تراجعه عن استقالته من المجلس الأعلى.

8. جلسات لم تحصلْ

شهد المجلس خلال ولايته على أربع جلسات لم تُعقَد رغم الدعوة إليها وهي:

  • جلسة لمناقشة كتاب رئيس الجمهورية الذي وُجّه إلى المجلس حول المادة 95 من الدستور طالباً تفسير هذه المادة. وقد عيَّن رئيس المجلس نبيه برّي تاريخاً للجلسة في 17 تشرين الأوّل 2019 ليعود ويلغيها مرجئاً إيّاها إلى 27 تشرين الثاني 2019 من دون أن تُعقَد في هذا التاريخ.
  • جلسة تشريعية عُيِّنت في تاريخ 12 تشرين الثاني 2019، أيْ بعد انتفاضة 17 تشرين الأوّل 2019، ومَنَعَ الناس النواب من الوصول إلى المجلس. وقد أُجِّلت هذه الجلسة إلى تاريخ 19 من الشهر نفسه. في يوم 19، وعلى الرغم من إصرار الرئيس برّي على عقد الجلسة، أدّى ضغط الشارع إلى تأجيلها إلى تاريخ غير محدَّد ولم تُعقَدْ. 
  • جلسة للبتّ في قرار الاتهام في تفجير المرفأ. وقد دعا حينذاك رئيس المجلس النيابي نبيه برّي إلى عقد جلسة في تاريخ 12 آب 2021، بعد أن وقّع عدد من النواب على طلب اتهام لملاحقة رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب والوزراء السابقين علي حسن خليل وغازي زعيتر ونهاد المشنوق ويوسف فنيانوس في جريمة تفجير مرفأ بيروت، بناءً على الإحالات الصادرة عن المحقِّقَيْن العدليَّيْن في القضية فادي صوّان وطارق بيطار. في المقابل، دعا أهالي شهداء وضحايا انفجار المرفأ الكتل النيابية إلى مقاطعة جلسة الاتهام، منعاً لسحب الملف من يد المحقق العدلي. وقد استجابت بعض الكتل النيابية والنواب المستقلين لهذه الدعوة فلم يحضر إلى المجلس في النهاية إلّا 39 نائباً فتعذّر تأمين النصاب وأُلغِيَتْ الجلسة.
  • جلسة طرح الثقة بوزير الخارجية في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، الوزير عبد الله بو حبيب، والمُشار إليها أعلاه (تاريخ 28 نيسان 2022) والتي لم تُعقَد بسبب عدم اكتمال النصاب. وقد أشرنا إليها أعلاه.
انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد البرلماني ، البرلمان ، تشريعات وقوانين ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني