4 قرارات قضائية تدعّم حقّ الوصول للمعلومات

،
2021-08-24    |   

4 قرارات قضائية تدعّم حقّ الوصول للمعلومات

أصدر مجلس شورى الدولة بتاريخ 30 آذار 2021 (4) قرارات بالغة الأهمية دعّم فيها الحقّ بالوصول للمعلومات من خلال دحض ذرائع إدارات عامّة لحجبه. وقد صدرتْ جميع هذه القرارات عن الغرفة التي يرأسها رئيس مجلس شورى الدولة القاضي فادي الياس، وضمّت إلى جانب المستشارة لمى أزرافيل المستشار المقرر وهيب دوره، الذي توفي متأثّرا بإصابته بالكورونا بعد أسابيع من صدور هذه الأحكام. 

القرارات أتتْ في إطار مراجعات عدة. الأولى تقدّمت بها “المفكرة القانونية” برفقة “كلنا إرادة” في 14/8/2019 طعنًا بقرار أمين عام مجلس الوزراء محمود مكية الذي رفض فيه تزويدهما بنسخة عن قرار مجلس الوزراء بما يتعلق بمعمل الكهرباء في دير عمار 2. أما المراجعات الأخرى فقد قدّمها ناشطون (د. سامر أنوس ورفاقه) من مدينة الميناء في طرابلس طعنًا بقرارات اتحاد بلديات الفيحاء الذي رفض تزويدهم بمعلومات متصلة بأسس معالجة النفايات في المدينة. ومن أهم المعلومات التفصيلية المطلوبة في هذا الخصوص عقود ودفاتر الشروط المعتمدة للشّركات الملتزمة للمّ وطمر وفرز وتسبيخ النفايات وخطة النفايات المعتمدة في الاتحاد، إضافةً إلى العقود ودفاتر الشروط المتعلقة بمدّ المجارير ومحطة التكرير في ضمن نطاق الفيحاء. وقد أتتْ قرارات المجلس لتُبطل القرارات الصّادرة عن المراجع المذكورة أعلاه مُلزمةً إياها بتسليم المعلومات المطلوبة.

وفي حين ردّ المجلس الذرائع التي استعملتْها الإدارة لردّ طلبات المعلومات، وهي حجج تشابهتْ في غالبها في المراجعات الأربع، كرّس مجلس شورى الدولة في قراراته عددًا من المبادئ التي تؤيّد حقّ الوصول للمعلومات:

عدم ضرورة توفّر صفة أو مصلحة خاصة لطلب المعلومات

تذرعت الجهتان المستدعى ضدهما (أمانة سر مجلس الوزراء واتحاد بلديات الفيحاء) بأنّ المراجعة شكلية وشعبية لأن القرارات المطعون فيها لا تُلحق الضرر بطالبة المعلومات. وبالتالي فإن صفتها ومصلحتها منتفية. 

إلا أن المجلس ردّ هذه الدفوع متسلّحًا بالمادة الأولى من قانون حق الوصول للمعلومات، حيث أكّد بناءً عليها أن القانون لم يشترطْ أي صفة ومصلحة للمستدعي إذ إن الغاية من القانون هي تأمين شفافية العمل الإداري شرط عدم التعسف باستعمال الحق. وبذلك، يكون المجلس قد كرّس حقّ جميع المواطنين بالاطّلاع على جميع المعلومات من دون أن يكون لهم صفة أو مصلحة مباشرة للحصول عليها، مؤكدًا على أولوية تأمين شفافية العمل الإداري كغاية أولى للقانون وكهدفٍ يسعى إليه بنفسه. ويكون بذلك المجلس قد دعّم في قراراته مبدأ الشفافية في عمل الإدارات العامة وعلى أساسه تعزيز قدرة المواطنين على محاسبتها، وهي من أهمّ ركائز معركة محاربة الفساد المتفشي في أعمال الهيئات والإدارات العامّة.

تكريس حق التقاضي  

هنا أيضا أثارتْ الإدارتان إشكالية عدم صلاحية مجلس شورى الدولة للنظر في الدعوى، على خلفيّة أنّ قانون حق الوصول للمعلومات قد أناط بالهيئة الوطنية لمكافحة الفساد صلاحية حصريّة بالنظر في رفض الإدارات العامة النظر في طلبات الحصول على المعلومات. وقد رشحتْ هذه الذريعة عن خطورة كبيرة بفعل أنّ الهيئة لم تنشأْ حتى اللحظة ولم يكن قد صدر قانون إنشائها أصلًا عند صدور قرارات رفض إعطاء المعلومات. فتبعا لذلك، بدا كأنما التذرّع باختصاصها الحصري هو نسف لنفاذ القانون برمته، أو على الأقل لوجود أي آلية لإلزام الإدارات بتطبيقه. 

ردّ المجلس هذا الدفع في قضية معمل دير عمار مستخدمًا نفس الأسباب التي استخدمها في قراراته الإعدادية المتصلة بالمراجعات المتعلقة باتحاد بلديات الفيحاء. واللافت أنه استند لهذه الغاية على علوية حقّ التقاضي وهو الحق الذي استنبطه من المصادر الآتية: 1) الفقرة ب من مقدّمة الدستور وإعلان التزام لبنان بالمواثيق الدولية الضامنة للحقوق، 2) المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي تنص على حق التقاضي، 3) اجتهاد القضاء الإداري والذي أكد أن الحق بمراجعة القضاء هو حق دستوري وأساسي لا يُمكن إنكاره، وأن إعطاء الحق في الاعتراض أمام هيئات غير قضائية غير القضاء المختص لا يقفل باب اللجوء إلى هذا القضاء وبالتالي يبقى لصاحب العلاقة الخيار في مراجعة الهيئة أو القضاء المختص، 4) المادة 12 من قانون حقّ الوصول للمعلومات التي أجازتْ الطعن أمام المجلس بالقرار الضمني برفض إطلاع صاحب العلاقة على أسباب القرارات الإدارية غير التنظيمية. كما عاد المجلس وأكّد أن المُشرّع لم يحظرْ الطعن مباشرة أمام المجلس بشأن قرارات رفض الوصول للمعلومات إنما أجاز لصاحب العلاقة بناء على رغبته حقّ الخيار بين الهيئة والمجلس، 5) العلم والاجتهاد المستقرّين على تنفيذ القانون القديم في حال استحالة تنفيذ القانون الجديد الأمر الذي يقتضي معه إعلان قابلية القرار للطعن أمام مجلس شورى الدولة لكون قانون إنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد لم ينفذ بعد.

ومن شأن هذه القرارات فضلًا عن تكريسها لحقّ التقاضي فيما خص حقّ الوصول للمعلومات، أن تشكل رافدًا للعديد من القضايا الأخرى التي لا تجد طريقها إلى المحاكمة نظرًا لنظام الحصانات أو وجود مسائل لا تخضع اليوم لأيّ اختصاص قضائيّ، ومنها العديد من القضايا الإدارية المستعجلة بطبيعتها والتي ما فتئ مجلس شورى الدولة مُوصدا أمامها بموجب نظامه.

عدم صدور المراسيم التطبيقيّة لا يحول دون تطبيق القانون

تذرّعت الدولة في قضية دير عمار بعدم نفاذ قانون الحق بالوصول للمعلومات لسببين: الأول أن مرسومه التطبيقي لم يكن صدر بعد بتاريخ طلب المعلومة، والثاني أن الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد لم تنشأ بعد. إلا أنّ المجلس رد هذه الدفوع، مؤكّدًا أن كل ذلك لا يبرّر للإدارة المعنية بأحكام القانون عدم تنفيذه، خاصة إذا كان الطلب يتعلّق بقرار اتخذه مجلس الوزراء “ومن واجب الإدارة إطلاع الكافة عليه”. وبذلك، لم يكتفِ المجلس بالتأكيد على أنّ من حقّ من يطلب المعلومات الحصول عليها، لا بل التأكيد أنّه على الإدارة واجب نشر هذه المعلومات، في تكريس صريح لما نصّت عليه المادة السابعة من قانون الحق في الوصول إلى المعلومات. وقد تراجعت أهمية هذه الحيثية بعدما صدر مرسوم تطبيقيّ لهذا القانون بتاريخ 8 أيلول 2020. 

عدم تحديد رسم تصوير المستندات لا يحول دون تطبيق القانون

من أهم الذرائع التي استندتْ إليها الأمانة العامة لمجلس الوزراء للقول بعدم نفاذ قانون الحقّ بالوصول إلى المعلومات هو أن هذا القانون لم يُحدّد الرسم المتوجب على تصوير المستندات المطلوب الاطّلاع عليها، وأن الحكومة لم تحدّد بعد هذا الرسم في نص تطبيقي. وأكثر ما يستفزّ في موقفها هو أنّها اعتبرتْ هذه الذريعة حائلا دون قبول أيّ طلب وسببا كافيا لتعطيل القانون برمّته من دون أن تجد حرجا في الإقرار بسخافتها (تعبير السخافة استخدم حرفيا في القرار المطعون فيه لوصف الحجة المدلى بها).  

وقد جاء ردّ المجلس حاسما هنا أيضا حيث أكّد أن “عدم استصدار الآليات الفنية واللوجستية لإجابة طلبات الحق في الوصول للمعلومات… لا يبرر للإدارة المعنية بأحكام القانون عدم تنفيذه، خاصة إذا كان الطلب بسيطًا”. وكأنه بذلك يلقّن الإدارة درسا بعدم جواز تعليق نفاذ قانون هامّ انطلاقا من حجّة بسيطة أو سخيفة.

وهذا ما يلتقي مع موقف “المفكرة القانونية” عند تقديم الدعوى حيث اعتبرتْ أن إثارة هذه الحجّة من قبل أمانة سرّ الحكومة إنما ينم عن “الباطنية” التي وصلتْ إليها هذه الأخيرة، “حيث يظهر أن بإمكانها أن تأمر بعدم نفاذ قانون بالغ الأهمية وفاخرت به في مجمل المحافل الدولية، بسبب حجة ليس فقط غير صحيحة بداهة، بل أيضا سخيفة وفقا لاعترافها بالذات”.

 ولهذه الحجة أهمية خاصة لمنع أي تعسف مماثل من أي من الإدارات العامة، بخاصة أن المرسوم التطبيقي الصادر في 8 أيلول 2020 كان فوّض وزير المالية بتحديد الرسم المتوجب عن كل طلب وطريقة استيفائه، من دون أن يتخذ هذا الأخير أي قرار حتى اللحظة. 

كثرة المعلومات المطلوبة لا تشكل تعسفا في استعمال حق الوصول للمعلومات

رفض المجلس بوضوح في قراراته فيما يتعلق باتحاد بلديات الفيحاء أن تفرض الإدارة أو البلدية بطريقة غير مباشرة معايير، لم ينص عليها قانون الحق في الوصول إلى المعلومات، ومن ثم الاستناد إلى هذه المعايير عند عدم تحقّقها لتبرير رفض طلب المعلومات المقدم. ومن الأمثلة على هذه الشروط هي ألا يكون عدد المستندات المطلوبة “كبيرا” باعتبار أن كبر حجم المعلومات المطلوبة يشكل “تعسّفا باستعمال الحق بشكل يؤدّي البت بالطلب إلى إرهاق العمل البلدي وإلى شلّ المرفق العام أو إعاقته”. فقد شدّد المجلس على أنه يكفي أن تكون المستندات موضوع طلب المعلومات محدّدة بشكل كافٍ حتّى تتمكّن الإدارة من تسليمها. كما اعتبر المجلس بأنه لا يمكن الأخذ إطلاقا بحجم المستندات كسبب لرفض طلب المعلومات طالما أنّها على نفقة طالب المعلومات.

تضييق مفهوم “كفاية التفاصيل”

في معرض دفاعه عن رفض التزويد بالمعلومات، اعتبر اتحاد بلديات الفيحاء أنّ الطلبات لم تكن مفصلة بما فيه الكفاية وفق ما نصّ عليه القانون حتى يستطيع الإجابة عليها. فعلى سبيل المثال، يُدلي اتحاد البلديات أنّ طالبي المعلومات لم يحددوا ما هو مطلوب بدقّة كتاريخ العقد مع شركة Lavajet المتعلق بالنفايات، علما أن أن الجهة المستدعية قد ضمّنت طلبها طلبات لتسليم العقود المتعلقة بالفرز والطمر وغيرها من الأمور مع الشركة. وقد جاء موقف المجلس حاسما في هذا المضمار حيث أعلن أنّ الطلبات واضحة ومحددة بشكل كافٍ ولا يُعتد بحجم أو ضخامة المستندات المطلوبة طالما أنّها على نفقة طالب المعلومات. وبالتالي، وضع المجلس حدًا لمحاولات الإدارة التهرب من إعطاء المعلومات عبر التذرع بعدم دقة الطلب، حيث ضيّق المجلس من مفهوم “كفاية التفاصيل” المنصوص عنه في المادة 14 من القانون وقصره على ما هو مذكور فعليًا في هذه المادة أي “تفاصيل كافية تمكّن الموظف من استخراج المعلومة بجهد بسيط”، دون أن يتعدى ذلك إلى تفاصيل العقد أو المستندات كتاريخ إبرام العقد، وهي التفاصيل التي أصلًا يرغب طالب المعلومات الحصول عليها.

خلاصة

بذلك يكون مجلس شورى الدولة قد قوّض مساعي الإدارات والهيئات العامّة للتهرّب من تطبيق قانون الحق في الوصول إلى المعلومات عبر فرض شروط لم ينص عليها هذا القانون، سواء على صعيد صفة ومصلحة مقدمي الطلب أو على صعيد طبيعة وحجم المستندات أو أيضا خضوع الإدارة لرقابة القضاء. كما وكرّس المجلس في هذه القرارات أهميّة تعاون الإدارة مع طالبي المعلومات لمساعدتهم على الوصول إليها. ومن الواجب هنا التنويه بالمقرر القاضي الراحل وهيب دورة، والذي فقدنا برحيله أحد أكثر القضاة نشاطا وانفتاحا على واقع المجتمع اللبناني ومطالبه الحقوقية. 

 

القرارات: 1، 2، 3، 4

انشر المقال

متوفر من خلال:

حريات ، سياسات عامة ، البرلمان ، سلطات إدارية ، قرارات قضائية ، لبنان ، حريات عامة والوصول الى المعلومات



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني