قراءة في التقرير السنوي لمجلس السلطة القضائية في المغرب: إحصائيات من دون تحليل ولا توصيات


2024-04-15    |   

قراءة في التقرير السنوي لمجلس السلطة القضائية في المغرب: إحصائيات من دون تحليل ولا توصيات

أصدر المجلس الأعلى للسلطة القضائية بالمغرب مؤخرا تقريره السنوي الذي نشر بالجريدة الرسمية إعمالا لمقتضيات القانون التنظيمي للمجلس الذي يفرض عليه إعداد تقرير سنويّ حول حصيلة عمله وآفاقه المستقبليّة، وهو الأول في تاريخ الولاية الثانية من عمر المجلس[1]. ويقع التقرير في 372 صفحة، موزعة على أحد عشر محورا تهمّ المواضيع التالية: جهود استكمال البناء المؤسّساتي للسّلطة القضائية، البنية البشرية للسلك القضائي، تدبير الوضعية المهنية والإدارية للقضاة، تخليق المنظومة القضائية، الرفع من النجاعة القضائية في المحاكم، تنزيل التحول الرقمي بإدارة المجلس، إنماء القدرات المؤسساتية للمجلس، التعاون الدولي، التواصل والتفاعل مع الجمعيات المهنية والهيئات والمؤسسات، وتنفيذ ميزانية المجلس.

تذكير بالإطار القانوني للتقارير السنوية للمجلس الأعلى للسلطة القضائية وأهميتها

يجد التقرير السنوي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية سنده القانوني في مواد عدة من القانون التنظيمي للمجلس، حيث تنص المادة 60 على أن المجلس ينشر النتائج النهائية لأشغال كل دورة، وفق الكيفية المحددة في نظامه الداخلي، باستثناء أسماء القضاة المعنيين بالعقوبات من الدرجتين الأولى والثانية التي لا تنشر. وتنص المادة 61 على أن الرئيس المنتدب يرفع إلى الملك تقريرا عامّا بشأن نشاط المجلس، عند نهاية كل دورة، وتنص المادة 109 على أن المجلس يرفع إلى الملك تقريرا سنويا حول حصيلة عمله وآفاقه المستقبلية، وتحال نسخة من هذا التقرير إلى رئيس الحكومة، قبل نشره بالجريدة الرسمية.

ويعتبر نشر التقرير السنوي للمجلس من بين أبرز المطالب التي نادى بها نادي قضاة المغرب وعدد من الجمعيات الحقوقية، في مرحلة الحراك القضائي مند 2011، حيث تكمن أهمية هذا النشر في عدة مستويات، أبرزها:

  • توفير المعلومة القضائية في إطار تفعيل النشر الاستباقي للمعلومات الذي أضحى التزاما على عاتق الإدارات والمؤسّسات بما يسمح للعموم الاطّلاع على نشاط المؤسسة الدستورية؛
  • توثيق المعلومة القضائيّة وهو دور ظل مغيبا طوال الفترة السابقة لدستور 2011، حيث لم يسبق للمجالس العليا للقضاء أن أصدرت أيّ تقرير سنوي حول حصيلة أنشطتها، وهو ما حال دون توفير رصيد قضائي توثيقي تستفيد منه الأجيال اللاحقة؛
  • تجسيد قواعد شفافية المرفق العمومي وذلك بتفعيل آليات الرقابة المجتمعية والمحاسبة على عمل مؤسسة المجلس، من خلال تمكين عموم المهتمين وتنظيمات المجتمع المدني- بما فيها الجمعيات المهنية القضائية من إمكانية مراقبة عمل المجلس وتتبعه وتقييمه.

أبرز مضامين التقرير السنوي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية

قدم التقرير السنوي معطيات مهمة بخصوص الحصيلة السنوية للمجلس والتي تتزامن مع انطلاق الولاية الثانية 2022-2026.

على مستوى مناصب المسؤولية، تمّ تعيين 85 مسؤولا قضائيا، منهم 9 رؤساء أوائل لمحاكم الاستئناف، و17 وكيلا عاما، و26 رئيسا لمحاكم ابتدائية و33 وكيلا للملك بها، وهو ما يرفع نسبة التغييرات التي عرفتها مواقع المسؤولية القضائية إلى ما يناهز 90 %.

على مستوى الحركة الانتقالية للقضاة، فقد أسفرتْ عن نقل 442 قاضيا، 50 % منهم بناءً على طلبهم، والبقيّة لسدّ الخصاص أو رعيا للمصلحة القضائية أو على إثر ترقية حيث تمّت ترقية 2296 قاضيا.

بخصوص الملفات التأديبية فقد قرر المجلس إحالة 42 قاضيا للتأديب، وصدر في حقهم عقوبات تتراوح بين العزل في حقّ قاضيين، والإحالة على التقاعد الحتمي في حقّ 3 قضاة، والإقصاء المؤقت عن العمل في حقّ 8 قضاة، والإنذار في حق 10 قضاة، والتوبيخ في حقّ قاضيين، بينما تقرّر تبرئة 8 قضاة.

وفي إطار جهود التخليق، أشار التقرير إلى تفعيل عمل اللجنة المكلّفة بالفحص المنتظم للتصريح بالممتلكات، حيث تمّ تكليف المفتشيّة العامّة للشؤون القضائية بتتبّع ثروة 14 قاضيا، وتقدير الثروة بالنسبة ل 15 قاضيا. كما وجه الرئيس المنتدب 3 دوريّات للقضاة تتعلّق باحترام الآجال المحدّدة للتصريح بالممتلكات، وتقديم تصاريح جديدة كلما طرأ تغيير في وضعيّة القاضي المالية.

أما على مستوى حصيلة عمل المحاكم فقد أشار التقرير إلى الارتفاع الكبير وغير المسبوق الذي سجلته القضايا الجديدة والتي سجّلت 500.000 قضية (أي بزيادة تصل إلى 13.47% من القضايا المسجلة خلال السنة السابقة)، وهو ما لم يحلْ دون ارتفاع عدد القضايا المحكومة والتي عرفت زيادة 570.000 قضية. ويمكن تبرير هذه الزيادة برفع عدد المحاكم بحسب الخريطة القضائية الجديدة والتي ساهمت في التقريب الجغرافي للقضاء من المتقاضين.

في نفس السياق وقف التقرير على استمرار حجم القضايا المخلفة في الارتفاع إذ انتقلت من 758.859 قضية سنة 2021 الى 766.306 قضية في نهاية 2022، أي بمقدار ما يناهز 7500 قضية. وقد أرجع التقرير ارتفاع نسبة القضايا الباقية بدون حكم في نهاية السنة إلى عدّة أسباب تتعلّق باختلالات نظام التبليغ في قانون المسطرة المدنية، ومشكل خصاص القضاة في المحاكم، وهو ما يتطلّب حلولًا تشريعية.

وبلغ معدّل الحصّة الفرديّة للقضاة بمحاكم الاستئناف العادية 436 حكما لكلّ قاضٍ، بارتفاع يناهز 7%. أما في المحاكم الابتدائية، فقد سجّل هذا المعدل 2232 حكما لكلّ قاضٍ، بارتفاع يقدّر ب 20%.

ملاحظات حول التقرير السنوي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية

يلاحظ من حيث الشكل أن التقرير السنوي للمجلس برسم سنة 2022، جاء أكثر تفصيلا من التقارير السابقة الصادرة عن المجلس، وقد حافظ على انتظامية توقيت صدوره، في متم السنة القضائية من كل سنة، قبيل افتتاح السنة القضائية الجديدة.

على مستوى المضامين، جاء التقرير غنيا بالإحصائيّات المتعلقة بحصيلة عمل المجلس، انطلاقا من اختصاصات المؤسسة المنصوص عليها قانونا، إلا أن الملاحظ أن الاحصائيات المقدمة لم تكن شاملة لكافة المؤشرات الكفيلة بتقييم عمل المؤسسة. فعلى مستوى تعيينات المسؤولين القضائيين، تمّ تقديم رقم مجمل عدد المسؤولين القضائيين الذين تمّ تعيينهم في المحاكم، من دون تحديد طريقة التعيين وما إذا تمّت عن طريق مسطرة التباري على مناصب المسؤولية بعد الإعلان عن المناصب الشاغرة أو من دون احترام هذه المسطرة بالاكتفاء فقط بالتعيين المباشر.

من جهة ثانية ورغم إدماج مؤشر النوع الاجتماعي في بعض الإحصائيات المقدمة على سبيل المثال ما يتعلّق بعدد القضاة في المحاكم وفي مناصب المسؤولية القضائية والتي كشفتْ أن نسبة النساء في هذه المناصب لا تتجاوز 8 %، علما بأن نسبتهم في الجسم القضائي تتجاوز 26 % . إلا أن حضور مؤشر النوع الاجتماعي يبدو محتشما بخصوص باقي المعطيات الإحصائية الأخرى التي يقدمها التقرير والتي جاءت بشكل مجمل كما يبدو مثلا في عدد نواب المسؤولين القضائيين الذين تمّ تعيينهم، وعدد القضاة الذين تقدموا بطلبات للإعفاء من المسؤولية، أو الذين طلبوا إحالتهم على التقاعد النسبي، أو عدد القضاة الذين تم إحالتهم على التأديب، علما بأن إدماج بُعد النوع الاجتماعي في تقديم الإحصائيات المذكورة يمكن أن يشكّل مادة خصبة للاعتماد عليها لتقييم أداء النساء القاضيات ومعرفة الإكراهات التي يواجهنها في القيام بمهامهن أو تحديد الأسباب الحقيقية الكامنة وراء ضعف مؤشرات وصولهن إلى مراكز صنع القرار.

من جهة ثالثة، يلحظ طغيان الجانب المتعلّق بالأنشطة والإحصائيات على الجانب التحليلي أو النقدي في التقرير السنوي للمجلس على خلاف تقارير باقي المؤسسات أو الهيئات، بحيث لم يشتمل التقرير على أيّ محور يخصّ الإشكاليات أو الصعوبات المرصودة، باستثناء ما يتعلق بمشكل خصاص الموارد البشرية في المحاكم. كما لم يشتمل التقرير على أيّة توصيات مقدّمة للجهات المعنية وبخاصة السلطة التشريعية أو التنفيذية، باستثناء ما يتعلق بمقترح “تخليص المحاكم من بعض أنواع القضايا البسيطة، والتي لا تكتسي صبغة نزاعية، والتي يمكن للمشرّع أن يستهدفها بتعديلاته، عن طريق دراسة إمكانية إسنادها لجهات غير قضائية، وألا ترفع للمحاكم إلا في حالة وجود نزاع”، ومن بينها قضايا نزع الملكية لأجل المنفعة العامة التي اقترح المجلس حلّها عن طريق “أسعار مرجعية بالمناطق المعنية، تتولّى الإدارة على إثرها منح التعويضات، إلى جانب بعض القضايا الزجرية التي يمكن نقل صلاحيّة البتّ فيها إلى بعض الإدارات العموميّة عن طريق إصدار سندات تنفيذية في المخالفات أو الجنح، فضلا عن الدعوة إلى توسيع مجالات مساطر الصلح أو التحكيم”.

من جهة رابعة، أشار التقرير إلى تقديم المجلس آراء استشارية بخصوص 10 مشاريع قوانين و3  مشاريع نصوص تنظيمية و3 مشاريع محالة من طرف سلطات حكومية، ومن بين هذه المشاريع مشروع قانون المسطرة المدنية والجنائية وقانون مهنة المحاماة ومشروع التنظيم الهيكلي للمحاكم ومشروع مرسوم مباراة الملحقين القضائيين، إلا أن هذه الآراء لم تنشر في موقع المجلس، كما أن خلاصات مضامينها لم تتم الإشارة اليه في التقرير السنوي باستثناء ما يتعلق بمشروع قانون رقمنة الإجراءات القضائية، وذلك على خلاف ما يستوجبه مبدأ النشر الاستباقي للمعلومات.

من جهة خامسة أفرد التقرير السنوي حيزا مهما لتواصل المجلس مع محيطه الخارجي خاصة مع الجمعيات المهنية القضائية حيث تم إحداث لجنة موضوعاتية تعنى بالتواصل مع الجمعيّات المهنية، انكبّت على الاشتغال على عدد من المشاريع من بينها إعداد مشروع ميثاق أخلاقي بين المجلس وجمعيات القضاة، والتفكير في وضع إطار اتفاقي للشراكة بينهم يحدد مجالات التعاون والتزامات كل طرف، وهو مؤشر إيجابي ينم عن وجود رغبة حقيقية في بناء علاقة قوية بين المجلس كمؤسسة دستورية وبين الجمعيات المهنية بوصفها شريكا في مجال تنزيل الإصلاحات القضائية.

وأخيرا أشار التقرير إلى إحداث المجلس لوحدة خاصّة بالمنازعات تتولى متابعة الدعاوى التي يكون المجلس طرفا فيها، وخصوصا قضايا التعويض عن الخطأ القضائي والتي تشكل قضايا التعويض عن الاعتقال الاحتياطي نسبة 34 %. وقد سجل التقرير في هذا السياق تراجعا في عدد القضايا المقدمة بهذا الخصوص، يمكن تفسيره بما استقر عليه اجتهاد محكمة النقض من اعتبار التعويض عن الخطأ القضائي واجب الإثبات لا خطأ مفترضا.

كما أشار التقرير إلى تسجيل 31 طعنا فقط في القرارات المتّخذة بشأن تدبير الوضعيّة الفرديّة للقضاة مند سنة 2017 إلى غاية نهاية سنة 2022، حيث أصدرتْ الغرفة الإدارية بمحكمة النقض 21 قرارا، منها 13 برفض طلب النقض، و 5 برفض طلب إيقاف التنفيذ، وقرارين بعدم قبول الطلب، وقرار وحيد بالإشهاد على التنازل عن الدعوى، ولعل ضعف هذه الحصيلة يسائل مدى فعالية مسطرة الطعن الحالية في القرارات الصادرة عن المجلس والتي شكلت محلّ اعتراضات سابقة لجمعيات مهنية قضائية وأخرى حقوقية عند مناقشة قوانين السلطة القضائية، حيث طالبوا بإحداث مجلس دولة[2]، رفعا لأي حرج واقعي أو مفترض قد يتعرّض له القضاة الراغبون في مساءلة قرارات المجلس الأعلى للسلطة القضائية أمام الغرفة الإدارية لمحكمة النقض[3].

مواضيع ذات صلة

المجلس الأعلى للسلطة القضائية

أشغال المجلس الأعلى للسلطة القضائية بالمغرب: لماذا تراجع الشفافية؟

المجلس الأعلى للسلطة القضائية في المغرب يفرج عن نتائج تعيين المسؤولين القضائيين بعد تأخر طويل

قراءة في نتائج المجلس الأعلى للسلطة القضائية بالمغرب (1): التأديبات لا تحتمل مؤازرة أكثر من شخص واحد

رهان التواصل لدى المجلس الأعلى للسلطة القضائية بالمغرب

اعتراض على حرمان قضاة المغرب حقهم بالمعلومة: المجلس الأعلى للسلطة القضائية مطالب باحترام الشفافية

الطريق الطويلة… إلى المجلس الأعلى للسلطة القضائية

حوار المفكرة القانونية مع المستشار ياسين مخلي بمناسبة انتخابه عضوا بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية

ملاحظات نادي قضاة المغرب بشأن المجلس الأعلى للسلطة القضائية بالمغرب

افتتاح السنة القضائية بالمغرب : السلطة القضائية تستعرض حصيلتها

نادي قضاة المغرب يدشن حملة لرفض تعديلات قوانين السلطة القضائية

حماية الرأي المخالف في مداولات الهيئات القضائية وسيلة من وسائل التخليق

ولاية جديدة لمجلس السلطة القضائية في المغرب: رهانات متجددة

القضاة ينتخبون مجلسا جديدا للسلطة القضائية في المغرب: مشاركة قوية للشباب وللجمعيات المهنية

وأخيرا صدرت مدونة الأخلاقيات القضائية بالمغرب: عودة إلى المطلقات والتحفّظ


[1] صدر التقرير السنوي الأول للمجلس سنة 2019، وصدر تقريران سنويان آخرين عن المجلس بالجريدة الرسمية برسم سنة 2020 و2021.

[2] أنظر على سبيل المثال: مذكرة نادي قضاة المغرب ومذكرة النسيج المدني للدفاع عن استقلال السلطة القضائية ومذكرة جمعية عدالة.

[3] يتكون المجلس الأعلى للسلطة القضائية من 20 عضوا من بينهم الرئيس المنتدب وهو الرئيس الأول لمحكمة النقض، ورئيس النيابة العامة وهو الوكيل العام لمحكمة النقض، ورئيس الغرفة الأولى بمحكمة النقض.

انشر المقال

متوفر من خلال:

قضاء ، مقالات ، المغرب



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني