حوار المفكرة القانونية مع المستشار ياسين مخلي بمناسبة انتخابه عضوا بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية


2016-10-14    |   

حوار المفكرة القانونية مع المستشار ياسين مخلي بمناسبة انتخابه عضوا بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية

بتاريخ 23/07/2016، جرت أول انتخابات لممثلي القضاة في المجلس الأعلى للسلطة القضائية في المغرب بعد دستور 2011. التغيير الذي أتى به الدستور الجديد لم يطل تسمية المجلس فقط، وإنما شمل أيضا تغييراً أساسيّاً في التشكيلة والاختصاصات. فبالنسبة للتشكيلة، أصبح المجلس لأول مرة منفتحا على أعضاء من خارج القضاء وذلك منعا لأي نزعة فئوية داخل القضاء. وفيما يتعلق بالاختصاصات، فإن دور المجلس لم يعد منحصرا في تدبير الوضعية الفردية للقاضي وإنما تجاوزه إلى عدة صلاحيات أخرى تعزز منحه استقلالاً مالياً وإدارياً، فضلا عن أدوار استشارية جديدة. المفكرة القانونية أجرت أول حوار مع المستشار ياسين مخلي الرئيس السابق لنادي قضاة المغرب، الذي انتخب ممثلا لقضاة محاكم الاستئناف بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية.

المفكرة: ما هي ملاحظاتكم بخصوص انتخابات ممثلي القضاة بالمجلس الاعلى للسلطة القضائية التي تعدّ الأولى من نوعها في ظلّ الدستور الجديد؟

مخلي: أنها كانت محاطة بالعديد من الضمانات القانونية والمتمثلة أساسا في اعمال قاعدة الفرز في مكاتب التصويت لأول مرة، وحضور ممثلي المرشحين لجميع مراحل العملية الانتخابية، وهو مطلب لطالبا نادى به القضاة. لذا يمكن القول بأن الانتخابات مرّت عموما في جو من المسؤولية والشفافية والأخلاقيات القضائية. ولعلّ ما يؤكد هذه الملاحظة هو عدم تسجيل أي طعن قضائي في نتائجها من طرف المرشحين.

لكن مع ذلك يمكن تسجيل بعض الملاحظات، خاصة على مستوى فترة التعريف بالترشيحات. فقد شهدت هذه الفترة تسجيل العديد من المؤاخذات من طرف المرشحين، تمثّلت أساساً في عدم توفير الإدارة القضائية في بعض المحاكم لنفس المساحات للتعريف بالترشيحات. كما سجّل استخدام أدوات التنظيم الداخلي للمحاكم في موضوع الانتخابات.

المفكرة: ما هي أولى الأولويات التي يتعين على المجلس الأعلى للسلطة القضائية التصدي لها؟

مخلي: لا شك أن أولى الأولويات التي تنتظر المجلس الأعلى للسلطة القضائية تتمثل في إعداد نظام داخلي واضح ودقيق وشفاف يضمن المساواة في تدبير الوضعيات الفردية للقضاة، قبل عرضه على المحكمة الدستورية للتأكد من مدى مطابقة أحكامه للدستور، فضلا على الاشتغال على ورش إعداد مدونة سلوك للقضاة بتعاون مع الجمعيات المهنية القضائية.
من جهة ثانية، تبقى الادارة القضائية أحد أهم عناصر تنزيل الإصلاح الشامل والعميق لمنظومة العدالة. وهذا الأمر يفرض ضرورة اختيار مسؤولين قضائيين قادرين على التنزيل الميداني للإصلاح المنشود وفق معايير دقيقة وشفافة. وقد حدّد القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية نسبيا مجموعة من الضمانات التي من شأنها أن تسهم في تنزيل مبادئ الكفاءة والاستحقاق. ومن هذه الضمانات، النص علة الإعلان عن مناصب المسؤولية الشاغرة بالمحاكم وإجراء مقابلة مع المرشحين لها من خلال تقديمهم لتصوراتهم حول كيفية النهوض بأعباء الإدارة القضائية، دون أن نغفل دور أعمال مقاربة النوع الاجتماعي. لهذا، فإن ورش إصلاح الإدارة القضائية يبقى أحد أهم الأوارش الكبرى للإصلاح العميق والشامل لمنظومة العدالة، والتي تتطلب اعتماد مناهج جديدة للاختيار والتكوين. كل ذلك دون أن نغفل ضرورة إيجاد آلية للتواصل بين القضاة والمجلس الأعلى للسلطة القضائية.

المفكرة: من بين النقاط التي أثارت الكثير من الجدل عند وضع دستور 2011، مسألة تغيير تركيبة المجلس الأعلى للقضاء[1] وذلك بانفتاحه على شخصيات غير قضائية. في رأيكم، كيف يمكن للتركيبة الجديدة للمجلس الأعلى للسلطة القضائية أن تسهم في تطوير أداء هذه المؤسسة الدستورية؟

مخلي: أعتقد أن هذه التركيبة الجديدة التي جاء بها دستور 2011 تعكس وتترجم واقعة مفادها أن القضاء أصبح شأنا مجتمعيا، وأن استقلاله وتحصينه يبقى كذلك التزاما وطنيا يهم كل مكونات المجتمع، لأن الرقابة المجتمعية تعتبر مهمة لتطوير وتجويد أداء هذه المؤسسة الدستورية.

المفكرة: من بين المواضيع الحساسة التي تمس بضمانات استقلال القضاة موضوع نظام الترقية، وقد كان لنادي قضاة المغرب موقف ناقد لنظام الترقية المعمول به، والذي كان يعطي دوراً حاسماً للمسؤول القضائي في تقييم القضاة بناء على تقارير سرية ترفع الى المجلس الأعلى للقضاء، دون أن يتيح للقضاة إمكانية التظلم أو مناقشة مضمون هذه التقارير، ما هي ملاحظاتكم حول نظام ترقية القضاة الجديد؟

مخلي: مبدئيا يمكن القول أن مطالب الحراك القضائي الذي عرفته الساحة القضائية المغربية مؤخرا قد انتصرت في جانب كبير منها، حيث تم اقرار حق القضاة في الاطلاع على آخر ورقة للتنقيط، والتنصيص على إمكانية تظلمهم بشأن نظرية المسؤول القضائي. لكن مع ذلك، يمكن القول أن القوانين التنظيمية للسلطة القضائية الجديدة لم تتضمن مقتضيات محفزة بخصوص نظام ترقية القضاة. فمن جهة تم ابقاء القضاة المرتبين في الدرجة الثالثة في تاريخ نشر القانون التنظيمي خاضعا لمقتضيات القانون الملغى وهو ما يعني أنه تم حرمانهم من الاستفادة من نسق الترقية الجديد. ومن جهة أخرى، فإن قضاة الدرجة الاستثنائية لم يستفيدوا من أي مفتضيات تحفيزية، إذ سيتم تجميد وضعيتهم لعقود من الزمان بعد حصولهم على الدرجة الاستثنائية، خاصة بعد الرفع من سن التقاعد إلى 65 سنة. وعموما، الممارسة هي الكفيلة بكشف عيوب ونواقص النصوص القانونية في هذا الخصوص.

المفكرة: مرت سنتان على إصدار ميثاق إصلاح منظومة العدالة، هل ترون أنه تمت ترجمة توصياته على أرض الواقع؟

مخلي: لا شك أن الميثاق الوطني لإصلاح منظومة العدالة تضمن العديد من الأهداف الإستراتيجية الكبرى. ومن بين أهم المقتضيات التي تم تحقيقها في الآونة الأخيرة، استقلال النيابة العامة عن السلطة التنفيذية وهو مقتضى مهم سيسهم في ضمان مساواة المواطنين أمام المحاكم بغض النظر عن انتماءاتهم الحزبية والسياسية. كما أنه سيدعم من جهة أخرى ثقة المواطنين بالسلطة القضائية. وبذلك، يمكن القول أن هذا الهدف الفرعي المرتبط أساساً باستقلال السلطة القضائية قد تم تنزيله على مستوى النصوص التنظيمية.
لكن ثمة العديد من الأهداف والإجراءات التي وردت في الميثاق المذكور لم يتم تنزيلها لحدّ الآن على أرض الواقع، منها ما يتعلق برصد الإعتمادات اللازمة للنهوض بالتعويض عن تولي المسؤولية القضائية ومراجعة شكل ومضمون تقارير تقييم القضاة، ومراجعة المنظومة القانونية سيما الشق المتعلق بالقانون الجنائي، والمسطرة الجنائية والمدنية وقانون المحاماة، وفق آجال التنفيذ المحددة في الميثاق الوطني. ويبقى عدم إعداد قواعد بيانات لقرارات محكمة النقض وتمكين القضاة من الولوج اليها وعدم نشر الاجتهادات القضائية بالمواقع الالكترونية للمحاكم أحد إخفاقات تنزيل الميثاق الوطني لحدّ الآن.
وعموماً، يستلزم إصلاح منظومة العدالة تضافر جهود كل الفاعلين والمتدخلين، وتوفير البنيات التحتية والموارد المادية والبشرية القادرة على استيعاب المبادئ الإستراتيجية وترجمتها على أرض الواقع.

المفكرة: بصدور قوانين السلطة القضائية في الجريدة الرسمية وانتخاب المجلس الجديد هل يمكن القول أنه تم تحقيق استقلال فعلي للسلطة القضائية؟

مخلي: رغم ان الدستور نص في الفصل 116 منه على تمتع المجلس الاعلى للسلطة القضائية بالشخصية الاعتبارية والاستقلال الاداري والمالي، وألزم الدولة بأن تضع رهن إشارته الوسائل المادية والبشرية اللازمة، إلا ان ذلك لم يمتد للمحاكم التي ظل تسييرها المالي تابعا للسلطة الحكومية المكلفة بالعدل أي وزارة العدل. لذا، فان استقلال السلطة القضائية لن يكتمل باستقلالها المؤسساتي والفردي، بل يتطلب أساسا تدعيم استقلالها المالي عن السلطة التنفيذية. فبقاء ارتباطها بهذه السلطة في كل جوانب تمويلها قد يؤدي إلى تعطيل قيامها بأدوارها الدستورية الكاملة في حماية حقوق وحريات المواطنين وتحقيق أمنهم القضائي.

 


[1] حدد الفصل 115 من الدستور تركيبة جديدة للمجلس الأعلى للسلطة القضائية الذي يتألف من الرئيس الاول لمحكمة النقض بصفته رئيسا منتدبا، والوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، ورئيس الغرفة الأولى بها، وأربعة قضاة منتخبين عن محاكم الاستئناف، وستة قضاة منتخبين عن محاكم أول درجة، مع ضرورة ضمان تمثيلية النساء القاضيات من بين القضاة المنتخبين بما يتناسب وحضورهن داخل السلك القضائي، فضلا عن الوسيط ورئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان وخمس شخصيات يعينها الملك مشهود لها بالكفاءة والتجرد والنزاهة والعطاء المتميز في سبيل استقلال القضاء وسيادة القانون، من بينهم عضو يقترحه الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى..

انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد القضائي ، استقلال القضاء ، مقالات ، المغرب



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني