بدء نشر الأحكام التأديبية بحق القضاة في المغرب


2022-01-31    |   

بدء نشر الأحكام التأديبية بحق القضاة في المغرب

أعلن في المغرب مؤخراً عن افتتاح السنة القضائية الجديدة بحضور أعضاء المجلس الأعلى للسلطة القضائية المنتخبين حديثاً، إلى جانب العديد من الشخصيات القضائية والحكومية والحقوقية. وقد عرّف حفل الافتتاح الذي تمّ نقله بشكل مباشر عبر موقع محكمة النقض الإعلان، بالمخطط الاستراتيجي الجديد لعمل المجلس، فضلاً عن إطلاق موقع مجاني لنشر قرارات محكمة النقض للعموم، والشروع في نشر القرارات التأديبية الصادرة في حق القضاة تنزيلاً لمضامين مدونة الأخلاقيات القضائية. كما تمّ وبالمناسبة تقديم أهم الأحكام القضائية المبدئية الصادرة عن محكمة النقض خلال السنة القضائية الفارطة.

مخطط استراتيجي لعمل المجلس الأعلى للسلطة القضائية

أشار الرئيس الأول لمحكمة النقض في كلمته الافتتاحية إلى تبنّي المجلس لاستراتيجية عمله الأولى للفترة ما بين 2021 و2026. وقد استهدفت هذه الاستراتيجية إتمام تأسيس هياكله وتأطير علاقاته بالقضاة وبالمحيط وبمؤسسات العدالة، بالإضافة إلى إسهامه في النجاعة القضائية ودوره في تخليق القضاء وتأطير المسؤولين القضائيين والقضاة، وكان لافتاً ضمن محاور الاستراتيجية إعلان المجلس عزمه تقديم مقترحات لتعديل النظام الأساسي للقضاة وقانون المجلس الأعلى للسلطة القضائية ونظامه الداخلي لتجاوز الإكراهات التي كشفت عنها حصيلة خمس سنوات من عمل المجلس.

تدبير مرفق القضاء لمواجهة مشكل الموارد البشرية

خلال الكلمات الافتتاحية للسنة القضائية لكلّ من الرئيس الأول لمحكمة النقض والوكيل العام للملك بوصفه رئيساً للنيابة العامة، استعرض الجانبان أهمّ الإكراهات التي تواجه السلطة القضائية بالمغرب، وعلى رأسها إكراه الموارد البشرية. ففي ظل استمرار جائحة كورونا، تمكّنت المحاكم من إصدار ما يقارب 4 ملايين حكم وقرار، علماً بأنّ عدد القضاة في المغرب يناهز 4000 قاض وقاضية، 1000 منهم يزاولون مهام النيابة العامة.

ورغم هذه الجهود بقيت 16% من مجموع الملفات الرائجة خلال السنة عالقة وهو معدّل غير مسبوق حيث أصبح نصيب كل واحد من القضاة المكلفين بالأحكام يناهز 1800 ملف في السنة.

وكان لافتاً في هذا السياق أنّ الرئيس المنتدب طالب السلطات المختصة إلى جانب رفع الموارد البشرية، بضرورة مراجعة المساطر القانونية للحدّ من الطعون غير الجادّة، التي ترهق قضاة النقض وتؤثّر على جهودهم، بخاصة أن 75% من الطعون بالنقض يتمّ رفضها أو عدم قبولها، معتبراً أنّ إغراق محكمة النقض بالطعون في قضايا بسيطة أو ذات قيمة مادية زهيدة، لا يخدم مصالح المواطنين في توفير عدالة ناجعة وصولاً إلى التطبيق العادل للقانون.

وتجدر الإشارة الى أنّ ترشيد الحق في الطعن في مشروع قانون المسطرة المدنية الذي يتمّ إعداده حالياً يبقى محلّ تجاذبات بين هيئات المحامين والتي تعتبره مسّاً بإحدى الضمانات المكفولة للمتقاضين ووزارة العدل التي تعتبر ذلك من مقومات النجاعة القضائية.

نشر اجتهادات محكمة النقض للعموم ونشر القرارات التأديبية للقضاة

تميّز حفل افتتاح السنة القضائية  بإطلاق برنامج معلوماتي، لنشر الاجتهاد القضائي لمحكمة النقض على موقعها الإلكتروني، وهي مبادرة تروم “توفير الاجتهاد القضائي للجميع وبالمجان، باعتباره إطاراً لتحقيق الأمن القضائي وتعميم اتجاهات محكمة النقض”. وتأتي هذه الخطوة استجابة لحركة ترافع واسعة قامت بها الجمعيات المهنية القضائية في وقت سابق وعلى رأسها نادي قضاة المغرب الذي طالب بضرورة نشر جميع الأحكام القضائية وإتاحتها للعموم في إطار دعم شفافية مرفق القضاء وإتاحة المعلومة القانونية والقضائية بشكل مجاني.

في السياق نفسه، تمّ الإعلان عن شروع المجلس في نشر قراراته في المادة التأديبية، وذلك عبر الفضاء الرقمي الخاص بالقضاة بموقع المجلس، وهي مبادرة تأتي بعد سنوات من الانتظار، حيث طالبت الجمعيات المهنية وعلى رأسها نادي قضاة المغرب بنشر القرارات التأديبية للقضاة حتى يكونوا على علم بها، وكأداة للتوعية بمستجدات مدونة الاخلاقيات القضائية عن طريق الأمثلة التطبيقية. لكن يلاحظ أنّ نشر القرارات التأديبية جاء ضمن فضاء خاص بالقضاة، علماً بأنّ المواد المنشورة لا تتضمن أي معطيات شخصية حيث حذفت منها أسماء المعنيين بالأمر وأسماء المحاكم التي يزاولون بها.

وتعليقاً على هذه المستجدات اعتبر الرئيس المؤسس للنادي ياسين مخلي أن هذه الخطوة “تعني الكثير، فهي تدل أن القضاء أصبح مؤسسة تعمل في إطار الشفافية الكاملة، وأن الاجتهاد القضائي بدوره متطور ومتحرك بحسب التطور الذي يعرفه المجتمع. والأكثر من ذلك فهي تعني أنّ القرارات القضائية ملك للعموم”. وأضاف أن هذا الإجراء “ستتبعه عدة إجراءات أخرى ضمن استراتيجية المجلس تهمّ الرفع من مجالات الشفافية من خلال نشر القرارات التأديبية، و هو ما سيساهم في تكريس  قواعد مرجعية موحدة للسلوك القضائي، كما سيجعل الجميع على اطّلاع و بيّنة بالمقررات التي صدرت في مادة التخليق تنزيلا لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة”.

محكمة النقض تعلن أهمّ الأحكام المبدئية

تضمنت كلمة الرئيس المنتدب وككل سنة جردة لأهم الاجتهادات القضائية الصادرة خلال السنة الفارطة 2021، وتهم مجالات متعددة مثل القضايا الجنائية والإدارية والمدنية والتجارية والأسرية.

وهكذا وفي إطار تطبيقات القانون الدولي الخاص، قضتْ الغرفة الشرعية لمحكمة النقض، بنقض القرار الاستئنافي الذي ذيل حكماً أجنبياً بالصيغة التنفيذية من “دون الالتفات إلى ما أثارته النيابة العامة، من مخالفة النظام العام المغربي، وفق مدونة الأسرة الواجبة التطبيق أمام القضاء الأجنبي (قرار رقم 379/1 بتاريخ 27/7/2021 ملف شرعي عدد 124/2/1/2018).

كما قررت الغرفة نفسها أنه تطبيقاً للمادة 97 من مدونة الأسرة “تراعي المحكمة عند الحكم بالتطليق للشقاق، مسؤولية كل واحد من الزوجين عن سبب الفراق، في تقدير ما يمكن أن تحكم به لفائدة الزوج الآخر”. (قرار رقم 201/1 بتاريخ 13/04/2021 ملف شرعي عدد 239/2/1/2020).

واعتبرت الغرفة الإدارية أن الحكم ببراءة شخص كان قد اعتقل احتياطياً، لا يشكل في حد ذاته خطأ قضائياً يستوجب التعويض، ما دام أنه قد تمّ في إطار تقدير خطورة الأفعال المرتكبة وانعدام الضمانات حسب المساطر المعمول بها قانوناً. ولم يكن ناجماً عن رعونة في تطبيق القانون. (قرار رقم 104/4 بتاريخ 2/2/2021 – ملف إداري رقم 2227/4/3/2019).

وفي مجال ممارسة حق الإضراب، اعتبرت الغرفة الاجتماعية بمحكمة النقض أنّ: “الإضراب وإن كان حقاً دستورياً من أجل تحقيق مطالب مشروعة فإن عدم تحديد مدته ينفي عنه وصف المشروعية ويعتبر تعسفاً”. (قرار رقم 314/2 بتاريخ 17/03/2021 ملف اجتماعي عدد 488/5/1/2020.

من جهتها اعتبرت الغرفة الجنائية الزوجة القاصر التي ارتبطت مع شخص راشد بعلاقة غير شرعية، ضحية جريمة هتك عرض قاصر طبقاً للفصل 484 من القانون الجنائي، وتتمتع بعذر صغر السن وبحماية جنائية تناسب حالة الطفل القاصر، انسجاما مع التزامات المغرب الدولية بمقتضى اتفاقية 1989 حول حقوق الطفل. (قرار رقم 1006/3 بتاريخ 16/06/2021، ملف جنائي عدد 20823/6/2019.

كما اعتبرت الغرفة نفسها أن تحويل الأموال بشكل غير مشروع، وبدون ترخيص من مكتب الصرف عن طريق شراء عملة افتراضية (البيتكوين)، غير معترف بها وتحويلها إلى بنوك خارج البلاد، يشكل مخالفة لقانون الصرف المغربي. (قرار رقم 462/3 بتاريخ 24/03/2021 ملف جنائي عدد 1879/6/3/2020.

كما قضتْ محكمة النقض بغرفتين باعتماد الدليل العلمي المتمثل في الخبرة الجينية لإثبات الجرائم المعاقب عليها في الفصلين 490 و491 من القانون الجنائي (الفساد والخيانة الزوجية)، وذلك زيادة على وسائل الإثبات المحددة حصراً بمقتضى الفصل 493 من القانون الجنائي. (قرار رقم 1019/3 بتاريخ 22/06/2021 – ملف جنائي بغرفتين عدد 1314/6/3/2018).

مقالات ذات صلة

في افتتاح السنة القضائية بالمغرب 2019: حضور للجمعيات المهنية لأول مرة ورسائل قوية غير مألوفة

محكمة النقض المغربية تستعد لافتتاح السنة القضائية بمعرض لإبداعات القضاة

افتتاح السنة القضائية 2017-2018: نشيد ومجاملات وكاتو دايت إكراما للرؤساء والوزراء

أدبيات الانسجام القضائي من خلال خطابات افتتاح السنة القضائية قبل الثورة التونسية

تقاليد افتتاح السنوات القضائية بعد حرب 1975-1990

انشر المقال

متوفر من خلال:

قضاء ، محاكم إدارية ، محاكم جزائية ، محاكم دستورية ، قرارات قضائية ، المغرب



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني