افتتاح السنة القضائية بالمغرب : السلطة القضائية تستعرض حصيلتها


2023-02-10    |   

افتتاح السنة القضائية بالمغرب : السلطة القضائية تستعرض حصيلتها

شهدت محكمة النقض بالمغرب في  تاريخ 6 فبراير 2023 حدث انعقاد جلسة عامة لافتتاح السنة القضائية، وهو تقليد يتم في بداية كل سنة تقدم فيه السلطة القضائية حصيلتها خلال السنة المنصرمة، وتسلط الضوء على أهم المنجزات وكذا العراقيل التي تواجه عملها، وأبرز الاجتهادات المبدئية الصادرة عنها، وذلك بحضور ممثلين عن السلطتين التنفيذية والتشريعية ورؤساء مؤسسات الحكامة فضلا عن الفاعلين في منظومة العدالة من قضاة ومحامين وممثلي جمعيات القضاة والمنظمات الحقوقية ووسائل الاعلام الوطنية والدولية.

وكان لافتا في حدث افتتاح السنة القضائية لهذا العام تقديم ملخص لحصيلة عمل المجلس الأعلى للسلطة القضائية فيما يتعلق بتدبير وضعية القضاة والآراء الاستشارية التي قدّمها بخصوص مشاريع القوانين التي عرضت عليه، فيما بدا وكأنه أضحى تقليدا بديلا يغني عن نشر التقرير السنوي للمجلس ونشر مذكرات آرائه بشأن مشاريع القوانين للعموم[1].

المحاكم تواصل عملها رغم إكراهات خصاص الموارد البشرية

بحسب  كلمة الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية تمكن قضاة محاكم الموضوع من البتّ في حوالي 4.356.970 قضية، أي بزيادة تقدر بـ 498.924 حكماً زائداً عن الأحكام الصادرة سنة 2021. وهو ما يمثل نسبة زيادة في الأحكام قدرها 13%، أي ما يناهز 1700 قضية لكل قاض. وذلك رغم الإكراهات التي تواجه عمل المحاكم والمتمثلة في مشكل الخصاص أمام ضعف عدد القضاة الجدد وتزايد عدد القضاة في سن التقاعد والإعلان عن افتتاح محاكم جديدة فضلا عن الإشكاليات المتعلقة بمجال تبليغ الاستدعاءات وتجهيز الملفّات، والارتباك الذي شهدتْه جلسات المحاكم بسبب مقاطعة بعض هيئات الدفاع في احتجاجاتها على مشروع قانون المالية، وهو ما أسفر عن تأخير أكثر من 41.000 قضية لكفالة توفر حق الدفاع.

مقترحات السلطة القضائية لحلّ أشكال الخصاص وترشيد عمل المحاكم

تضمنت كلمة رئيس النيابة العامة رصدا لجهود المؤسسة في ترشيد الاعتقال الاحتياطي، حيث بلغ عدد المعتقلين احتياطيا عند نهاية شهر دجنبر 2022 ما مجموعه 39708 شخصا من مجموع الساكنة السجنية البالغ عددها 97204، مسجلة أنه رغم كل الجهود المبذولة من قبل قضاة الحكم الموكول إليهم البت في قضايا المعتقلين، يظلّ الموضوع في حاجة إلى تدخّل تشريعي لإقرار آليات بديلة للاعتقال الاحتياطي تسمح بإمكانية خفضه إلى مستويات أدنى.

ودعا رئيس النيابة العامة المشرّع إلى التفكير في سبل مبتكرة لحلّ مشكل الخصاص عن طريق ترشيد الطعون عبر إقرار شروط تحدد قيمة الحق القابل للطعن وقصره على القضايا الهامة وفقا لما دعت إليه اللجنة الأوروبية لنجاعة العدالة بشأن حصر الطعون أمام الهيئات القضائية العليا في القضايا التي تستحق اهتماما خاصا.

في نفس السياق، استعرض الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية عددا من التوصيات التي قدمها المجلس بشأن مشاريع القوانين، والتي تروم تخليص المحاكم من الطعون بالنقض المتعلقة بقضايا بسيطة القيمة، وجعل الكفالة المنصوص عليها في المادة 530 من قانون المسطرة الجنائية إجبارية مع الرفع من مبلغها لمنع الطعون التعسفية، مع استثناء المعوزين من أدائها، فضلا عن دعم تخصص قضاة النيابة العامة وأعضاء الدفاع في قضايا النقض عن طريق تكوين مخصص لهذه الغاية، وجعل أجل الطعن بالنقض بالنسبة للنيابة العامة يبدأ من تاريخ وضع الحكم رهن إشارتها، وذلك لحل اشكال تقديم الطعون خارج الآجال القانونية، وتشجيع حلول النزاعات خارج المساطر القضائية عن طريق الوسائل البديلة.

مجلس القضاء الأعلى يستعرض نشاطه في المادة التأديبية وحصيلة تدبير وضعية القضاة

تضمن حدث افتتاح السنة القضائية جردا لحصيلة عمل المجلس الأعلى للسلطة القضائية في مجال تدبير الوضعيات المهنية للقضاة، ورغم التأخر في نشر نتائج دورة سبتمبر لسنة 2022، ثم تقديم نتائج مجملة تكشف عن البت في تعيين 150 قاضياً جديداً، و ترقية 632 قاضياً فضلا عن البت في 85 منصباً للمسؤولية القضائية.

وبخصوص نشاط المجلس في المادة التأديبية، أعلن الرئيس المنتدب عن إصدار قرارات بشأن 168 تقريراً أنجزته المفتشية العامة للشؤون القضائية، تقرر بشأن 86 حالة من بينها تعيين مقرر، وبالنسبة  لـ 17 حالة أخرى تطبيق مسطرة تقدير الثروة، كما اتخذ المجلس قرارات بحفظ 65 تقريراً للمفتشية العامة.

كما أصدر المجلس 33 مقرراً تأديبياً بإدانة 25 قاضياً من أجل إخلالات مهنية أو بالشرف والوقار والكرامة. بالإضافة إلى تبرئة 8 قضاة مما نُسب إليهم. وقد تراوحت العقوبات الصادرة عن المجلس بين العزل بالنسبة لقاضيين، والإحالة إلى التقاعد الحتمي لثلاثة قضاة، والإقصاء المؤقت عن العمل بالنسبة لـ 8 قضاة. بالإضافة إلى 12 عقوبة من الدرجة الأولى.

أهم الأحكام القضائية المبدئية لسنة 2022

استعرض الرئيس الأول لمحكمة النقض أهمّ الاجتهادات القضائية المبدئية الصادرة عنها والتي همّت أساسا مجالات تتعلق بقضايا المرأة والطفل والمحاكمة العادلة وتدبير حالة الطوارئ الصحية وإعمال الاتفاقيات الدولية لحقوق الانسان.

وفي هذا السياق، اعتبرت محكمة النقض بغرفها مجتمعة أن “إيراد تعليل ينطوي على تجاوز لمقتضيات قانونية صريحة، أو خرق صارخ لقاعدة قانونية واضحة لا تقبل إلاَّ تأويلاً واحداً”، بمثابة حالة عدم التعليل الموجبة لإعادة النظر في قراراتها. وبذلك فقد رجحت المحكمة مبادئ وقيم العدالة على مبدأ تحصين القرارات النهائية من الطعن، واعتبرت موجبات العدالة أولى بالاعتبار من مبدأ استقرار المراكز القانونية، وأنه لا حَصَانة إلاَّ للقرارات العادلة المسايرة للقانون والعمل القضائي المتواثر. (القرار رقم 253/12 بتاريخ 8 مارس 2022 ملف إعادة النظر عدد 11954/6/12/2018). 

وعلاقة بموضوع عدم تمديد أجل سماع دعوى الزوجية، اعتبرت غرفة الأحوال الشخصية أنه حتى على فرض انتهاء الفترة الانتقالية المحددة في مدونة الاسرة، ودونما وجود نص يحدد تاريخ سماع دعوى الزوجية بعد انقضاء الأجل القانوني، فإنه يُرْجَع حينئذ للنظر فيها، إلى المذهب المالكي والاجتهاد القضائي الذي يراعَى فيه تحقيق العدل والمساواة والمعاشرة بالمعروف”. (القرار رقم 358/1 بتاريخ 21/06/2022 (الملف الشرعي عدد 372/2/1/2022).

وقضت الغرفة الاجتماعية بأن ممارسة العنف من قبل مدرِّسٍ على تلميذ يُعتبر خرقاً لاتفاقية حقوق الطفل، “ويشكل خطأ جسيماً بمفهوم المادة 39 من مدونة الشغل”. ونقضت قرار محكمة الموضوع التي اعتبرت الخطأ الجسيم غيرُ ثابت “رغم أن البيِّن من وثائق الملف أن الطالبة أدلت بتقرير المسؤولة الإدارية حول حالة ضرب التلميذ، وشكاية ولي أمر التلميذ، والشهادة الطبية”. (القرار رقم 1289-1 بتاريخ 2/11/2022 في الملف عدد 1980/5/1/2022).

وفي مجال تطبيق قانون الطوارئ الصحية، قضت الغرفة الإدارية أن فرض جواز التلقيح للتنقل بين الأماكن وولوج الإدارات والمؤسسات وبعض المجالات “هو إجراء يندرج ضمن التقييدات المؤقتة والعاجلة للحيلولة دون تفاقم الحالة الوبائية للمرض حماية لحياة الأشخاص وضماناً لسلامتهم، ويرجع تقديرها إلى الحكومة … ولا يشكل انتهاكاً للحقوق والحريات”. (القرار رقم 785/1 بتاريخ 23/6/2022 في الملف الإداري عدد 5710/4/1/2021).

كما اعتبرت نفس الغرفة أن القرارات الصادرة عن الحكومة بشأن الحماية من انتشار جائحة كوفيد (سواء منع التنقل أو ارتداء الكمامة أو توقيف بعض الأنشطة الصناعية أو التجارية، وغيرها.. ) هي تدابير صادرة في نطاق ما تنص عليه المادة 3 من المرسوم بقانون رقم 2-20-292 باعتباره نصاً تشريعياً، خوَّل الحكومة إصدار مثل هذه القرارات والتدابير، من دون أن يلزمها بوجوب نشرها بطريقة محددة أو في الجريدة الرسمية .. وهو ما يعني أنه لا يمكن وصف قرار رئيس الحكومة الضمني برفض نشرها في الجريدة الرسمية بعدم المشروعية، ولا ينطوي على أي انحراف في استعمال السلطة لغياب أي تجلٍ من تجليات الانحراف” (القرار رقم 911 بتاريخ 21/7/2022 في الملف الإداري عدد 1003/4/1/2022).

واعتبرت في قرار آخر “أن القرارات ذات الطابع السياسي والديبلوماسي الصادرة عن الحكومة المغربية في إطار العلاقات الخارجية، لا تُعتَبَر قرارات صادرة عن سلطة إدارية، وإنما من الأعمال السيادية التي لا تندرج ضمن الأعمال الإدارية القابلة للطعن بالإلغاء، ولا رقابة عليها من طرف القضاء الإداري”. (القرار رقم 783/1 بتاريخ 23/6/2022 في الملف عدد 4147/4/1/2022).

وأكدت الغرفة الجنائية على أن ” عرض الدعوى على محكمة محايدة يعتبر ضمانة من ضمانات المحاكمة العادلة، وحقا من حقوق الدفاع، التي يتمتع بها الجميع”. وقضت بسبب ذلك بإحالة القضية على محكمة أخرى غير التي يعمل بها المطالب بالحق المدني كقاضٍ، “لاحتمال عدم تقيُّد هذه المحكمة بمبادئ الحياد والاستقلال”. (القرار رقم 635/1 بتاريخ 13/04/2022 في الملف الجنائي عدد 6356/6/1/2022).

ومن جهتها قضت الغرفة التجارية لمحكمة النقض بأن قاعدة العقد شريعة المتعاقدين هي “قاعدة من النظام العام الوطني والدولي، وأن لها استثناءات تتمثل في الصورية والوضع الظاهر والانضمام الضمني للعقد. وأنه في هذه الحالات يمكن اعتبار الشخص طرفاً في العقد حتى وإن لم يكن موقِّعاً عليه، وبالتالي تمديد شرط التحكيم إليه”. (قرار رقم 615/1 بتاريخ 03 أكتوبر 2022، ملف تجاري عدد 377/3/1/2015).

مواضيع ذات صلة

المجلس الأعلى للسلطة القضائية

رهان التواصل لدى المجلس الأعلى للسلطة القضائية بالمغرب

افتتاح السنة القضائية بالمغرب.. انفتاح على الاعلام وتغييب الجمعيات القضائية

في افتتاح السنة القضائية بالمغرب 2019: حضور للجمعيات المهنية لأول مرة ورسائل قوية غير مألوفة

محكمة النقض المغربية تستعد لافتتاح السنة القضائية بمعرض لإبداعات القضاة

معرض لإبداعات القضاة في افتتاح السنة القضائية بالمغرب

مشكل الخصاص في المحاكم المغربية

أدبيات الانسجام القضائي من خلال خطابات افتتاح السنة القضائية قبل الثورة التونسية

احياء احتفال افتتاح السنة القضائية في تونس: قطع مع تملّق السلطة واعتذار عن الماضي

المحاضرة الافتتاحية في أول احتفال ببدء سنة قضائية منذ الثورة: القضاء التونسي ينفض عنه غبار التبعية

افتتاح السنة القضائية في قصر العدل في بيروت: لا كهرباء، لا ماء، روائح كريهة، واشغال يطول أمدها

افتتاح السنة القضائية 2017-2018: نشيد ومجاملات وكاتو دايت إكراما للرؤساء والوزراء

تقاليد افتتاح السنوات القضائية بعد حرب 1975-1990

احتفال “التشكيلات القضائية”: طقوس الطاعة في قصور العدل


[1]– مند تنصيب المجلس الأعلى للسلطة القضائية بالمغرب بتاريخ 06 أبريل 2016 أصدر تقريرا سنويا وحيدا نشر بالجريدة الرسمية، على خلاف رئاسة النيابة العامة التي تنشر تقريرها السنوي بشكل دوري، وعلى خلاف باقي المؤسسات الدستورية الأخرى مثل الوسيط والمجلس الوطني لحقوق الانسان والمجلس الأعلى للحسابات والمجلس الاقتصادي والاجتماعي وهي مؤسسات تنشر تقاريرها السنوية بشكل دوري، كما يلاحظ أن المجلس الأعلى للسلطة القضائية لا ينشر الآراء التي قدمها بشأن مشاريع القوانين المعروضة عليه، أنظر لمزيد من التفاصيل المقالات التالية المنشورة في موقع المفكرة القانونية:

المجلس الأعلى للسلطة القضائية

رهان التواصل لدى المجلس الأعلى للسلطة القضائية بالمغرب

انشر المقال

متوفر من خلال:

قضاء ، المرصد القضائي ، قرارات قضائية ، مقالات ، المغرب



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني