قراءة في نتائج المجلس الاعلى للسلطة القضائية بالمغرب (2): المسؤوليات القضائية


2018-07-05    |   

قراءة في نتائج المجلس الاعلى للسلطة القضائية بالمغرب (2): المسؤوليات القضائية

تطرقنا في الجزء الأول من هذا المقال إلى أشغال المجلس الأعلى للسلطة القضائية المتعلقة  بالملفات التأديبية للقضاة ، ولاسيما ما تعلق منها بحق الدفاع حيث تمت مناقشة قرار المجلس بشان حصر عدد المؤازرين للقضاة في المجلس التأديبي في مؤازر واحد ، إما قاض أو محام وهو ما تم اعتباره مساسا بحق من حقوق الدفاع.

 وسوف نتطرق في هذا الجزء الثاني من هذا المقال  إلى  المسؤولية القضائية على أن نتطرق في جزء آخر إلى باقي الاشغال التي كانت مدرجة في جدول اشغال المجلس في اطار دورته الاستثنائية والعادية وهي : تعيين القضاة الجدد وانتقال القضاة ونقلهم .

المسؤوليات القضائية

يقصد بتسمية “المسؤولية القضائية” في المغرب[1] حين تطلق في سياق أشغال المجلس الأعلى للسلطة أو حتى في القوانين التنظيمية للسلطة القضائية، تلك الوظيفة المتمثلة في رئاسة المحكمة سواء كانت ابتدائية أو استئنافية عادية أو متخصصة، إضافة إلى محكمة النقض، على أنه في الحالتين الأخيرتين يطلق على المسؤول إسم الرئيس الأول. وتطلق كذلك المسؤولية القضائية على مسؤول النيابة العامة بالمحكم الابتدائية الذي يسمى بوكيل الملك او المحاكم الاستئنافية ومحكمة النقض حيث يسمى بالوكيل العام للملك .

ويختص الرئيس الاول/ رئيس المحكمة أو الوكيل العام/ وكيل الملك، بمهام الإشراف على المحكمة كهيكل اداري يهتم بتدبير شؤونها الإدارية والإشراف الإداري على موظفيها وكذا القضاة. لذلك، يعتبر منصب المسؤولية القضائية في المغرب  منصبا مهما ومفتاحا للنجاعة والحكامة القضائية. ولهذا السبب، كان هنالك مطلب دائم من المجلس الأعلى للقضاء –سابقا- ولا زال بضرورة حسن اخيار المسؤولين القضائيين لتنزيل مبادئ الإصلاح.

ولتناول موضوع المسؤولية القضائية في المغرب بالشكل الذي تحدثنا عنه أعلاه، نقوم بتسليط الضوء على الإطار القانوني لهذا الموضوع باعتبار أن المجلس لأول مرة تتاح له فرصة التعامل معه بعد تنصيبه قبل سنة من الآن. وهكذا تجدر الإشارة هنا  إلى أن المادة 71 من القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، تنص على ما يلي:

“تقوم الأمانة العامة للمجلس بإعداد لائحة مهام المسؤولية الشاغرة، يتم الإعلان عنها بالمحاكم وبكل الوسائل المتاحة، وتتلقى طلبات ترشيح القضاة أو المسؤولين القضائيين بشأنها من قبلهم أو من قبل المسؤولين القضائيين. تحدد بقرار المجلس:

– لائحة مهام المسؤولية الشاغرة؛

– الشروط التي يجب توفرها في المترشحين والمترشحات، ولا سيما الكفاءات والتجربة المهنية المطلوبة؛

– أجل إيداع الترشيحات. ينظر المجلس في طلبات الترشيح لمهام المسؤولية الشاغرة وفق المعايير المنصوص عليها في المادة 72 بعده. يجري المجلس مقابلة مع المعنيين بالأمر يقدمون خلالها تصوراتهم حول كيفية النهوض بأعباء الإدارة القضائية. وفي حال عدم اختيار أي مترشح أو عدم التوصل بأي ترشيح، يتولى المجلس تعيين المسؤولين القضائيين وفق نفس المعايير. يمكن للمجلس، نظرا لما تقتضيه المصلحة القضائية، تعيين مسؤول قضائي لتولي مهام مسؤولية قضائية أخرى من نفس المستوى“.

ويتضح من خلال قراءة المادة 71 أعلاه أنها حددت مسطرة واضحة للتعيين في منصب  المسؤولية القضائية، على غزار ما هو جار به العمل في باقي القوانين التي تهم إدارات أخرى في الدولة. الأصل في هذه المسطرة هو  احترام قاعدة التباري عن المسؤولين بين القضاة لكي يتولى المسؤولية القضاة المؤهلون ولكي تتاح لمؤسسة المجلس فرصة لاختيار الأفضل من المرشحين أمامها. وتبتدئ هذه المسطرة بالإعلان عن شغور المنصب القضائي ودعوة عموم القضاة لتقديم ترشحاتهم داخل أجل محدد مع تحديد الشروط التي من المكن أن يضيفها المجلس والتي يجب ان تتعلق بالمؤهلات المطلوبة في القاضي المرشح حسب المناصب المعنية[2]، ثم اجراء مقابلة مع المرشحين من القضاة لمختلف المناصب الشاغرة. ووضع القانون استثناء ضيقا على هذا الأصل وهو إمكانية تعيين مسؤول قضائي خارج هذه المسطرة في حالتين اثنتين، وهما: عدم اختيار أي مرشح من المرشحين، لأسباب مختلفة سواء كانت تتعلق بالكفاءة أو عدم ترشح أي قاض أو  أي سبب آخر ، (علما أنه يقتضي في نظري أن يكون السبب واضحا حتى تبرر حالة الخروج عن الأصل) . ثم الحالة الثانية، وهي ما تقضيه المصلحة القضائية من تعيين مسؤول آخر  بمحكمة أخرى شاغرة شريطة أن يكون من نفس الدرجة.

وفي هذه الحالة، يجب على المجلس كذلك من وجهة نظري أن يبرر  ويوضح ماهية “المصلحة القضائية” التي بررت خروج المجلس عن الأصل وهو  مسطرة التباري ، لأنه  ثبت في الممارسة السابقة بالمغرب أن تقنية “المصلحة القضائية” استعملت في غير محلها.

فهل احترم المحلس الأعلى للسلطة القضائية هذه المقتضيات الجديدة في المغرب في أول تعامل  له معها؟

بقراءة نتائج المجلس بهذا الخصوص، يتضح أنه وفي العديد من المناصب الشاغرة، احترم المسطرة كلها بداية من الإعلان عن شغور المنصب إلى اجراء المقابلات[3]. ولكن تم تسجيل حالات أخرى عديدة، ولا سيما في المدن الكبرى، خرج فيها المجلس عن القاعدة المنصوص عليها في المادة 71 أعلاه، وهذه الحالات هي التالية:

1-منصب  الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بأكادير .

2- منصب الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالعيون .

3-منصب  الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف بالحسيمة .

4-منصب رئيس المحكمة الإدارية بفاس .

5- وكيل الملك لدى المحكمة التجارية بمكناس .

6-من رئيس المحكمة الابتدائية بالمحمدية .

7-منصب  رئيس المحكمة الابتدائية بابن سليمان .

8-منصب  وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بابن أحمد .

9-منصب وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بقصبة تادلة .

10-منصب وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية ببرشيد .

11- منصب وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية الزجرية بالدار البيضاء.

كما أن المجلس قام وخلافا للاستثناء الوارد على القاعدة العامة، والمنصوص عليه في الفقرة الأخيرة من المادة 71، بتعيين مسؤول قضائي في مهام مسؤولية أعلى من مسؤولياته، ودونما أي تحديد للمصلحة القضائية المبررة لذلك، وهي: مهام الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالدار البيضاء، الذي كان وكيلا للملك لدى المحكمة الابتدائية الزجرية بنفس المدينة. وعليه، اعتبرت بعض الجمعيات المهنية للقضاة[4] أن المجلس أخل بمبدأ “تكافؤ الفرص” المشار إليه في الفصل 31 من الدستور في هذه الحالات .

وننوه في ختام  هذا المقال إلى امرين مهمين في هذا الموضوع ، وهما:

  • إن مسطرة اختيار المسؤولين القضائيين بالشكل أعلاه، هي جديدة وجاءت بها القوانين الجديدة للسلطة القضائية. وهي نتاج مطالب بعض الجمعيات المهنية للقضاة  والجمعيات المدنية، لأنه فيما سبق كان المجلس الأعلى للقضاء يتولى عملية الاختيار بشكل مطلق من دون أي شرط.
  • إن الملاحظ في نتائج المجلس فيما له صلة بالمسؤولية القضائية هو غياب مقارنة النوع. فتكريس هيمنة الذكور على جلّ المسؤوليات، بحيث تم الاكفاء بتعيين قاضيتين فقط في منصب وكيلة عامة ووكيلة الملك في محكمتين متخصصتين، وهي المحاكم التي لا صلاحيات كبيرة فيها للنيابة العامة.

 


[1] –  قصدنا تعريف المسؤولية القضائية في المغرب كمفهوم تمييزا لها عن المسؤولية التي تقع على عاتق كافة القضاة والمتمثلة وفق  الفصل 117 من الدستور المغربي فيما يلي : ” يتولى القاضي حماية حقوق الأشخاص والجماعات وحرياتهم وأمنهم القضائي، وتطبيق القانون “، وهي المسؤولية التي رتبت عليها القوانين محاسبة في اطار مبدأ  “ربط  المسؤولية بالمحاسبة ” الدستوري.

[2] – جدير بالإشارة هنا إلى ان المجلس سبق له أن حدد شروطا اعتبرت غير قانونية، بحث اشترط على سبيل المثل في المترشح لمنصب مسؤول قضائي بمحكمة ابتدائية اقدمية 12 سنة من العمل بالقضاء، بينما القانون التنظيمي يحددها في الدرجة الثانية التي هي عمليا أقدمية 8 سنوات من العمل ، ومنها طرح نقاش في المغرب حول إمكانية ان يضيف المجلس شروطا تتجاوز القانون – سبق للمفكرة ان نشرت مقالا حول نفس الموضوع بتاريخ 25-10-2017 متاح على موقعها عبر الرابط الآتي :

https://legal-agenda.com/article.php?id=4016

[3] –  سبق  للمجلس الأعلى للسلطة القضائية في قراره المؤرخ في 20-09- 2017المناصب التالية شاغرة وهي :

1-الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف بمكناس ؛ 2- الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف التجارية بفاس ؛ 3- رئيس المحكمة الابتدائية الاجتماعية بالدار البيضاء ؛ 4- وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بالجديدة ؛ 5- وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية المدنية بالدار البيضاء ؛ 6- وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بتازة ؛ 7- رئيس المحكمة الابتدائية بالحسيمة.

[4] – بلاغ نادي قضاة المغرب عقب تقييمه لاشغال المجلس ، منشور على موقعه الالكتروني على الرابط الآتي :

https://www.club-magistrats-maroc.com/archives/1702

انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد القضائي ، استقلال القضاء ، مقالات ، المغرب



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني