حكم قضائي بالمغرب يكرّس حق ذوي الإعاقة في متابعة الدراسة بالخارج


2024-04-13    |   

حكم قضائي بالمغرب يكرّس حق ذوي الإعاقة في متابعة الدراسة بالخارج

أصدرت المحكمة الابتدائية بالرباط في تاريخ 08 ديسمبر 2023 حكما مبدئيّا[1] قضى باستفادة طالبة من ذوات الإعاقة من متابعة دراستها بالخارج، وتسجيلها في المسار الدراسي في كندا تحت طائلة غرامة تهديدية قدرها 500 درهم عن كل يوم تأخير عن التنفيذ، وأداء تعويض لها قدره 30.000 درهم عن الضرر اللاحق بها.  وكان لافتا في الحكم الذي تنشره المفكرة القانونية أن عريضة الدعوى استندت وبشكل أساسي على مضامين اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة ، وهو ما يكرس دور المحامين في المطالبة بإعمال الاتفاقيات الدولية في الأحكام القضائية عن طريق مذكراتهم ومرافعاتهم.

ملخص القضية

بتاريخ 11 نوفمبر 2022 تقدم المحامي محمد الهيني بمقال الى المحكمة الابتدائية بالرباط يعرض فيه أن موكلته طالبة من ذوات الاحتياجات الخاصة، وأنها تتابع دراستها في معهد للدراسات العليا في مجال التنمية المستدامة، وأنها وفقت بالسنة الأولى في اطار المسار الكندي، وأدّت مبلغ 50.000 درهم عن السنة الأولى التي يتمّ فيها التدريس بالمغرب، لكنها فوجئت بحرمانها تعسفيّا من حقها في ولوج الدراسات على مستوى السنة الثانية برسم هذا المسار الذي تكون فيه الدراسة في أحد المعاهد في كندا، على خلاف بقيّة زملائها، وتعرضت بذلك للإقصاء والحيف والتمييز، لكونها من ذوات الاحتياجات الخاصة، مما يشكل خرقا لمقتضيات اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة التي تنص على “تعزيز وحماية وكفالة تمتّع الأشخاص ذوي الإعاقة تمتّعا كاملا على قدم المساواة مع الآخرين بجميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية وتعزيز كرامتهم المتأصلة”. كما تنصّ في مادتها 24 على التزام “الدول الأطراف بحق الأشخاص ذوي الإعاقة في التعليم، ولإعمال هذا الحق دون تمييز وعلى أساس تكافؤ الفرص تكفل الدول الأطراف نظاما تعليميا جامعا على جميع المستويات وتعلما مدى الحياة..”. كما تشكل خرقا لمقتضيات الفصول 19 و26و 22 و31 و 33 و34 من الدستور التي تكفل مجموعة من الحقوق والحريات والتدابير التي أخل بها المعهد المدعى عليه، مما تسبب للمدعية في ضرر مادي ومعنوي، مُلتمسا الحكم بتسجيلها في السنة الثانية في المسار الدراسي في كندا، تحت طائلة غرامة تهديدية قدرها 2000 درهم عن كل يوم عن الامتناع عن التنفيذ مع أداء تعويض عن الضرر قدره 50.000 درهم، مع النفاذ المعجل.

مناقشة القضية

أدلى دفاع المعهد المدعى عليه بمذكرات جوابية أكد فيها أنه لم يعمد على إقصاء الطالبة المدّعية من حقّها في متابعة دراستها في السنة الثانية في المسار الكندي، موضحا بأنه لم يكن على علم بأنها في وضعية إعاقة حينما أقدمت على التسجيل، ولم يتم اعلامه بذلك، إلى أن تم اكتشاف حالتها بعد أشهر من تسجيلها. كما أنها استفادت من كل التسهيلات اللازمة في احترام تامّ لوضعيتها الخاصة، وأن وضعية الإعاقة لا تعني منحها أفضلية على بقية طلاب المعهد، وأن سبب عدم إدراج اسمها ضمن لائحة الطلاب الذي سيتابعون دراستهم في السنة الثانية بكندا، مردّه عدم تمكنها من النجاح في جميع المواد اللازمة للقبول، وأن المعهد راسلها من أجل مضاعفة جهودها، علما بأن عددا من زملائها المسجلين في السنة الأولى، لم يتم قبولهم في التسجيل في مسار الدراسة بكندا مما يدل على عدم تعرض المدعية الى أي تمييز أو اقصاء.

وردّ دفاع المدّعية بمذكرة تعقيبيّة أوضح فيها بأنه طبقا للقانون الداخلي للمعهد والذي على أساسه تمّ التعاقد، فإنّه يضمن لطلبته الولوج إلى المعهد الكندي بمجرد انتهاء المدة الدراسية وأداء واجب التمدرس، وأن الطالبة اجتازت بنجاح المواد المطلوبة، وأدّت مبلغ 50.000 درهم عن كل سنة، واستوفتْ شروط التسجيل في المسار الدراسي بكندا، حسب قواعد النظام الداخلي المنشور في الموقع الرسمي للمعهد. وبخصوص لائحة زملائها المُدلى بها والذين لم يتمكّنوا من التسجيل في المسار الكندي، فقد تم استبعادهم بسبب عدم اكتمال ملفات تسجيلهم، وأن الإطار المرجعي للتمدرس في وضعية إعاقة داخل المنظومة التربوية المغربية يعتبر مشروعا مجتمعيا يدخل ضمن مخططات التنمية البشرية، ملتمسا الحكم وفق الطلب.

موقف المحكمة

استجابت المحكمة لطلب المدّعية بإتمام إجراءات تسجيلها في المسار التعليمي في كندا، بعدما تبيّن لها من وثائق الملفّ أن الطالبة قد اجتازت بنجاح مدة التمدرس وأدت المستحقات المالية المتفق عليها، واستوفت بذلك شروط الولوج الى المعهد الكندي حسب قواعده المنشورة والمعلن عنها من طرف المعهد، كما ورد اسمها ضمن لائحة الطلبة الذين سيلجون المعهد الكندي. واعتبرت أن المعهد المدعى عليه لم يحترم الالتزامات الواردة في إعلانه المنشور للعموم بأنه يضمن لطلبته الولوج الى المعهد الكندي بمجرد انتهاء المدة الدراسية وأداء واجب التمدرس، والتي على أساسها تمّ التعاقد، ممّا يشكل اخلالا من المعهد بالتزامه التعاقدي.

في نفس السياق وبعدما تبين للمحكمة من وثائق الملف أن المدعية من ذوات الإعاقة، اعتمدت في تعليل حكمها على مقتضيات اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة  والتي أثارها دفاع المدعية، وخاصة:

  • المادة 1: التي تنص على وجوب تعزيز وحماية وكفالة الأشخاص ذوي الإعاقة تمتعا كاملا على قدم المساواة  مع الآخرين بجميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية وتعزيز كرامتهم المتأصلة؛
  • المادة 24 التي تؤكد على حرص الدول على كفالة مجموعة من التدابير من بينها عدم استبعاد الأشخاص ذوي الإعاقة من النظام التعليمي العام على أساس الإعاقة وحصولهم على الدعم اللازم في نطاق التعليم العام لتيسير حصولهم على تعليم فعال وتوفير تدابير فردية فعالة في بيئات تسمح بتحقيق أقصى قدر من النمو الأكاديمي والاجتماعي وتتفق مع هدف الإدماج الكامل، كما تمكن الدول الأشخاص ذوي الإعاقة من تعلم مهارات حياتية ومهارات في مجال التنمية الاجتماعية لتيسير مشاركتهم الكاملة في التعليم على قدم المساواة مع آخرين بوصفهم أعضاء في المجتمع؛

كما استندت المحكمة في حكمها على مقتضيات الفصل 34 من الدستور والذي ينص على ضرورة السهر على إعادة تأهيل الأشخاص الذين يعانون من إعاقة جسدية أو حسية أو حركية أو عقلية وإدماجهم في الحياة الاجتماعية والمدنية وتيسير تمتّعهم بالحقوق والحريات المعترف بها للجميع.

وخلصت المحكمة بعد دراسة وثائق القضية الى أنّ المعهد ولئن عمل على توفير كافّة الوسائل المتاحة لتيسير استفادة الطالبة من تعليم ذي جودة لديه وتمكينها من اجتياز امتحاناتها وفق احتياجاتها الخاصة، غير أنه لم يعمل على إتمام تنفيذ التزامه بتسجيلها في المسار المتفق عليه، مما يكون معه الضرر اللاحق بالمدعية ثابتا ويكون طلب التعويض عنه مؤسسا.

وعليه قضت بالحكم على المدعى عليه في شخص ممثله القانوني بتسجيل المدعية في السنة الثانية في المسار الدراسي بكندا تحت طائلة غرامة تهديدية قدرها 500 درهم عن كل يوم تأخير عن التنفيذ، وأدائه أيضا مبلغ 30.000 درهم كتعويض عن الضرر اللاحق بها، مع تحميله الصائر.

للاطّلاع على قرار المحكمة

مواضيع ذات صلة

قرار قضائي يضمن لطفلة معوّقة حقّها بالتأهيل حتى تحقق شرط “الإدماج الكامل

محكمة الدار البيضاء تلزم بنكا بتسهيل وصول متعاقدة معوقة إلى خدماته

حكم مبدئي بحفظ كرامة الأشخاص المعوقين في المغرب

إشكالية الجنس والمسؤولية لدى المعوّقين ذهنيا في قرارين قضائيين

حقوقيون يطالبون بتسهيل مشاركة الأشخاص في وضعية اعاقة في الانتخابات التشريعية بالمغرب

صورة المعوقين في دراما رمضان تثير استياء حقوقيين في المغرب

نحو تخصيص %7 من الوظائف المستحدثة لذوي الاحتياجات الخاصة في المغرب

2% حق موش مزيّة: صرخة حق من أشخاص ذوي الإعاقة في تونس

وزارة التربية تطلق تجهيز ثلاثين مدرسة لإستقبال المعوقين

حقّ ذوي الإعاقة بالعمل في المؤسسات الكبيرة مكفول: غرامة بحقّ من يخالف

اطلاق حملة “حقي” قبيل الانتخابات البلدية واتحاد المقعدين اللبنانيين: نحن لسنا أكياس بطاطا

في “يوم الحقوق السياسية وآليات الرصد والشفافية”: المعوقون يلجأون الى القضاء

ذوو الإعاقة في لبنان يطالبون بحقهم بالعمل، ويتهيؤون للتقاضي الاستراتيجي

15 سنة بعد اقرار قانون المعوقين، حديث متكرر عن حقوق المعوقين المهدورة

التقاضي الاستراتيجي لضمان حق ذوي الاعاقة بالعمل في لبنان

الأشخاص ذوو الاعاقة في مصر: حق المواطنة موضع استفتاء أم سابق له؟

نشر “اتفاقية ذوي الإعاقة” في الجريدة الرسمية: استحقاق تأخّر 15 سنة

الصمّ”: استبعاد من التعليم الجامعي على أساس الإعاقة

قرار تفسيري جديد للمحكمة الدستورية الأردنية عن الاتفاقيات الدولية: سوء تقدير من الحكومة يؤدي لتعزيز مكانة الاتفاقيات الدولية


[1] حكم المحكمة الابتدائية بالرباط عدد 2420 في الملف رقم 2668/1201/2023 بتاريخ 08/12/2023.

انشر المقال



متوفر من خلال:

قضاء ، قرارات قضائية ، الحق في التعليم ، حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة ، مقالات ، المغرب



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني