الأشخاص ذوو الاعاقة في مصر: حق المواطنة موضع استفتاء أم سابق له؟


2013-11-08    |   

الأشخاص ذوو الاعاقة في مصر: حق المواطنة موضع استفتاء أم سابق له؟

بعد المناقشات الحاصلة خلال الأشهر الماضية، اتفقت لجنة الخمسين على وجوب تعديل المادة 72 الخاصة بذوي الاعاقة من دستور 2012 لتصبح على النحو التالي:"تلتزم الدولة بضمان حقوق الاشخاص ذوي الإعاقة والاقزام صحيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وترفيهيا ورياضيا ودمجهم تعليميا بالمساواة مع غيرهم من المواطنين، مع توفير فرص العمل لهم، كما تلتزم بتهيئة المرافق العامة والبيئة المحيطة بهم وفقا للاتفاقيات الدولية المصدق عليها، وتكفل لهم ممارسة الحقوق السياسية وفقا للقانون"[1]. وكانت المادة القديمة قد نصت على أن الدولة تلتزم "برعاية ذوي الاعاقة صحيا وتعليميا واقتصاديا واجتماعيا، وتوفر لهم فرص العمل، وترتقي بالثقافة الاجتماعية نحوهم وتهيئ المرافق العامة بما يناسب احتياجاتهم".وهذا التعديل المقترح تبعا لاعتراضات عديد من القوى الاجتماعية[2]على المادة المذكورة قد تناول عددا من النقاط الأساسية، أبرزها أنه استبدل التزام الدولة برعاية ذوي الإعاقة بالتزامها بضمان حقوق هؤلاء، مع نقل مسألة التعاطي مع المعوقين من خانة الرعايا الذين يحتاجون الى من يرعاهم على كافة المستويات، الى خانة المواطنين أصحاب الحقوق، والمتساوين مع سائر المواطنين. وقد تأيّد ذلك من خلال الإقرار بحقوقهم السياسية.

وبذلك، باتت المادة التي سيدعى المواطنون للاستفتاء عليها تكرس حقوق المعوقين بالمواطنة، ولكن ماذا عن حقوقهم في مرحلة الاستفتاء؟ هل ستتعامل السلطات العامة مع هذه الحقوق على أنها موقوفة على نتائج الاستفتاء أم على أنها سابقة له وللدستور على اعتبار أنها طبيعية ملازمة للأشخاص ذوي الإعاقة؟ هذه هي الأسئلة التي سيتناولها هذا المقال. 

الانتقال من منطق الرعاية الى منطق المواطنة
الى جانب ما تقدم، نلحظ أن المادة المقترحة أعلنت التزام الدولة ليس بحقوق معينة لذوي الإعاقة وحسب انما ذهبت الى اعلان التزام الدولة بالمعايير والاتفاقيات الدولية التي صدقت مصر عليها وأبرزها الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الاعاقة التي صدقت مصر عليها في 14 ابريل 2008[3]، وهو ما يعد تقدما بارزا بإلزام الدولة بتطبيق الاتفاقيات الدولية عن طريق النص على مرجعيتها في الدستور. وعملا بذلك، سيصبح عدم تطبيق الدولة لنصوص هذه الاتفاقيات،في حال إقرار هذا التعديل، انتهاكا دستوريا أيضا. كما يترتب على ذلك صعوبة تحجج الدولة بعدم وجود تشريعات تنظم تهيئة المرافق العامة والمجتمع أو البيئة المحيطة بالأشخاص ذوي الاعاقة لعدم تنفيذ هذه التهيئة. وتاليا، إذا تم اقرار دستور 2013، فانه سيكون أول دستور مصري يكفل حقوق الأشخاص ذوي الاعاقة.

وفي استجابة أخرى لمطالب الأشخاص ذوي الاعاقة، قامت لجنة الخمسين بإضافة الاعاقة كسبب من أسباب التمييز في المادة 38 المقترحة كالتالي: "المواطنون لدى القانون سواء وهم متساوون في الحقوق والواجبات لا تمييز بينهم بسبب الدين أو العقيدة أو الجنس أو الأصل أو اللون أو اللغة أو الاعاقة أو الموقع الجغرافي أو المستوى الاجتماعي أو الانتماء السياسي أو لأي سبب أخر. التمييز والحض على الكراهية جريمة يعاقب عليها القانون.

تلتزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على كافة أشكال التمييز، وينظم القانون إنشاء مفوضية مستقلة لهذا الغرض"[4]. وتأتي هذه الاضافة لتحقق أيضا أحد مطالب الأشخاص ذوي الاعاقة التي تم تجاهلها في دستور 2012، وتعد اضافة مهمة لإزالة التمييز الذي يعاني منه الأشخاص ذوي الاعاقة من جانب الدولة، كما تسهل التقاضي ضد أي قانون أو قرار اداري يقوم بالتمييز ضدهم.

هذه هي أبعاد التعديلات. وهي تعد بالطبع، عند مقارنتها بالمادة 72 من دستور 2012، تقدما هاما في كفالة حقوق الأشخاص ذوي الاعاقة الذين بقيت مطالبهم مهمشة لدى صناع القرار خلال حكم الرئيس السابق محمد مرسي بسبب تهميشهم مما دفعهم الى القيام بتحركات متكررة كان أبرزها اعتصامهم أمام قصر الاتحادية في أكتوبر/ تشرين أول 2012[5].

 ولكن، ما هي طبيعة هذه الحقوق؟ هل هي حقوق ممنوحة باتفاق واضعي الدستور أم هي حقوق ملازمة للأشخاص ذوي الإعاقة وتاليا ملزمة لهؤلاء؟ هذا ما استشرافه أدناه. 
 
حقوق ذوي الإعاقة بالمواطنة، نتاج للاستفتاء أم سابق له؟
كما سبق بيانه، كفلت المادة الجديدة المقترحة ممارسة الاشخاص ذوي الاعاقة لحقوقهم السياسية، وهي كفالة  
لم يتضمنها دستور 2012 ولا أي دستور مصري سابق. وبإمكاننا القول إن هذا الالتزام لم يصبح حقيقة عملا بمفاهيم حقوق الانسان والاتفاقيات الدولية الخاصة بالأشخاص ذوي الإعاقة وحسب، بل أنه استمد قوته أيضا من التجربة السيئة التي مر بها الأشخاص ذوو الاعاقة خلال استفتاء عام 2011 وانتخابات عام 2012.

فخلال الاستفتاء على التعديلات الدستورية في عام 2011، عانى الأشخاص ذوو الاعاقة من عدم جاهزية اللجان لاستقبالهم مما أعاق ادلاءهم بأصواتهم الانتخابية، حسبما رصدت اللجان الشعبية للائتلاف المصري للأشخاص ذوي الاعاقة[6]. وفي 2012، وقبل اجراء الانتخابات البرلمانية، أصدرت اللجنة العليا للانتخابات دليل الناخب جاء في البند الخاص بحقوق الناخب النص التالي:" الناخبين المكفوفين وغيرهم من ذوي الإحتياجات الخاصة ممن لا يتمكنون من إثبات رأيهم بأنفسهم على بطاقة الانتخاب أن يبدوها شفاهة لأعضاء اللجنة ولهم أن يختاروا بين قيام أمين اللجنة بإثبات رأيهم في البطاقة، أو أن يعهدوا بذلك لمن يرافقهم داخل مقر اللجنة"، وهي المادة التي رفضها الائتلاف المصري للأشخاص ذوي الاعاقة[7]. كما أن هذه المادة تعد انتهاكا لسرية الاقتراع وتتنصل بها الدولة من التزامتها بتهيئة لجان الاقتراع.

وقد عانى الأشخاص ذوو الاعاقة خلال الادلاء بأصواتهم خلال الانتخابات التشريعية لعام 2012[8] من عدم تهيئة اللجان لاستقبالهم، بل ووجود لجان في الطوابق العلوية مع عدم وجود ممرات للكراسي المتحركة، فقام بعض القضاة بتخصيص موظف للانتقال للدور الأرضي لتسليم ورقة التصويت للشخص ذوي الاعاقة واعادة تسليمها للقاضي، مما أدى الى التشكيك في نزاهة العملية لأن الشخص المعوّق لا يضع الورقة بنفسه في الصندوق المخصص. كما عانى الأشخاص ذوو الاعاقة البصرية من عدم تهيئة اللجان وعدم توافر أوراق تصويت مخصصة لهم. وكل هذه الانتهاكات وغيرها شكلت موانع أمام الأشخاص من ذوي الاعاقة للإدلاء بأصواتهم مما يعد تمييزا وتفرقة بين المواطنين الذين لهم حق الانتخاب.
وبما أن مشروع دستور 2013 قد راعى تلك الصعوبات فألزم الدولة بضمان ممارسة الأشخاص ذوي الاعاقة لحقوقهم السياسية، فهل تتعامل الدولة مع هذا الحق على أنه ملزم لها منذ الآن وبمعزل عما سيسفر عنه الاستفتاء، فتتخذ الاجراءات المناسبة، من تعديل دليل الناخب وتهيئة اللجان واقرار طرق وتطبيقات خاصة للأشخاص ذوي الاعاقة كما اقترحت شركة IBMخلال مؤتمر سابق حضره وزير الاتصالات[9]، لضمان ممارستهم لهذا الحق في الاستفتاء القادم؟ أم تنتظر حتى تكون ملزمة دستوريا بكفالته، إذا أقر مشروع دستور 2013، حتى تبدأ باتخاذ الاجراءات اللازمة؟ في الحالة الأولى، تكون السلطات العامة تعاملت مع هذا الحق على أنه حق طبيعي ملازم لأشخاص ذوي الإعاقة، حق فوق دستوري، علما أن هذا المفهوم وحده الذي يتماشى مع إضافة الإعاقة الى الأسباب التي يمنع التمييز على أساسها، فيما تكون في الحالة الثانية تعاملت معه أنه حق ممنوح (على سبيل المجاملة) مما يعيدنا الى حد ما الى مفهوم الرعايا. بهذا المعنى، يوم الاستفتاء على مشروع الدستور سيكون من هذه الجهة كاشفا عن حقيقة معتقدات السلطة ونواياها. فلنراقب.    



[1] نشر في جريدة الوطن بتاريخ 7/11/2013، تحت عنوان "الخمسين تنتهي من التصويت على ربع مواد الدستور من بينها 16 مادة مستحدثة".
[2] راجع "خبراء وحقوقيون يطالبون لجنة الخمسين بتعديل المواد الخاصة بحقوق ذوي الاعاقة في مسودة الدستور"- نشر على موقع الشبكة العربية لمعلومات حقوق الانسان بتاريخ 17 /9/2013.
[3] بيان الائتلاف المصري حول صعوبات مشاركة ذوي الاحتياجات الخاصة في الاستفتاء، نشر على موقع مؤسسة المرأة الجديدة بتاريخ 20 /3/2011.
[4] نشر في جريدة الوطن بتاريخ 7 /11/ 2013، تحت عنوان "الخمسين تنتهي من التصويت على ربع مواد الدستور من بينها 16 مادة مستحدثة".
[5] راجع جريدة المصري اليوم "اعتصام ذوي الاعاقة أمام قصر الاتحادية" نشر في 10 /10/2012، كذلك "عشرات المعتصمين أمام الاتحادية يتقدمون ببلاغ للنائب العام ضد مرسي" نشر بتاريخ 16 /10/ 2012 و"المعاقون يواصلون اعتصامهم أمام قصر الاتحادية بعد لقاء مرسي ويرفضون وعوده" بتاريخ 22 /10/ 2012.
[6] نشر على موقع مؤسسة المرأة الجديدة بتاريخ 20 /3/2011.
[7] نشر في جريدة اليوم السابع بتاريخ 19 /11/2011 تحت عنوان "الائتلاف المصري لذوي الاعاقة بالاسكندرية يعترضون على دليل الناخب".
[8] حسب ما جاء في بيان لمرصد جمعية "حقوقي" لحقوق الأشخاص ذوي الاعاقة: "انتخابات مجلس الشعب 2012: الأشخاص ذوي الاعاقة مستبعدين"- نشر على موقع الشبكة العربية لمعلومات حقوق الانسان بتاريخ 5 /1/ 2012.
[9] راجع: "IBMمصر تقدم تطبيق لمساعدة ذوي الاعاقة للتصويت في الانتخابات"، نشر في جريدة الشروق بتاريخ 7 مايو/أيار 2013.
انشر المقال

متوفر من خلال:

مجلة لبنان ، مقالات ، لا مساواة وتمييز وتهميش ، مصر



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني