“الصمّ”: استبعاد من التعليم الجامعي على أساس الإعاقة


2021-08-26    |   

“الصمّ”: استبعاد من التعليم الجامعي على أساس الإعاقة

توجّهت عفاف أحمد، مع نجلها محمود بعد نجاحه في المرحلة الثانوية إلى مكتب تنسيق لتقديم أوراق نجاحه للدخول إلى إحدى كليّات الهندسة، لكنّ مكتب التنسيق استثناه بشكل تلقائي من الحصول على فرص دخول جامعة حكومية بسبب إعاقته السمعية، متغاضين عن مجموع درجاته التي تؤهّله لدخول الكلية أو آماله في تحصيل تعليمٍ عالٍ.

تقول عفاف أحمد في اتصال مع “المفكرة القانونية”[1] إنّ مكتب التنسيق استثناه من البداية ممّن وجّهوا إلى الكليّات، وأُبلغت بأنّ خرّيجي مدارس الأمل[2] لديهم قدرات تعليمية ضعيفة ولا يمكن قبولهم في الجامعة، فضلاً عن عدم وجود إمكانيات داخل الكليات لاستيعاب طلاب من إعاقات معينة.

لم يقف محمود عند هذه التبريرات، وتوجّه إلى كلية هندسة بجامعة خاصّة حيث تمّ قبول ملفه، لكن استمرّت إحدى العراقيل أمامه، ألا وهي عدم وجود مترجم إشارة، ما أدّى إلى أن ترافقه والدته طيلة خمس سنوات من أجل دراسة المواد وفهمها ومن ثمّ ترجمتها له.

يستقبل مكتب التنسيق في المرحلتين الأولى والثانية خرّيجي الثانوية العامّة، وبعد ذلك خرّيجي الثانوية الفنية الصناعية والتجارية والتربية الفكرية، ويندرج طلّاب مدرسة الأمل تحت الثانوية الفنية، ويتمّ من خلال المجموع والمحافظة وشروط أخرى، توزيع الطلاب على الكليات.

ومنذ سنوات، يواجه الطلّاب الصمّ صعوبات لاستكمال التعليم العالي، بسبب استثنائهم من الكلّيات وحصر التحاقهم بكلّيات تربية نوعية[3]. فبحسب مكتب التنسيق يحقّ للحاصل على 70% على الأقلّ في الشهادات الفنية الالتحاق بكلية تربية نوعية، وفقاً لقرار المجلس الأعلى للجامعات في أغسطس 2004، إلّا أنّه لم يطبّق، ثمّ جاء قرار المجلس الأعلى للجامعات في مارس 2015 بإلحاق الطلّاب الصمّ بكلية تربية نوعية بالجامعات المصرية.

دخول الجامعة

عام 2015، صدر قرار إلحاق الصمّ بكلية تربية نوعية في جامعات القاهرة وعين شمس، والزقازيق، والفيوم، وأسيوط، وكانت المشكلة التي تقف أمام تطبيق القرار عدم وجود مترجم إشارة داخل كلّ جامعة، حيث لا تتوفّر ميزانية لذلك.

وعلى الرغم من أنّ الدستور المصري 2014 ينصّ في المادة (93) على أنّ “الدولة تلتزم بالاتفاقيات[4] والعهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي تصدّق عليها مصر، وتصبح لها قوة القانون بعد نشرها وفقاً للأوضاع المقرّرة”، إلّا أنّ خرّيجي مدارس “الأمل” لم يحصلوا على فرص استكمال التعليم العالي الحكومي.

في يوليو 2015، التحقت دنيا أحمد، بكلية تربية نوعية في جامعة حكومية[5]، لكنّها واجهت مصاعب عدّة، بداية من انتظار المرحلة الثالثة (الأخيرة) من التنسيق لوضع الرغبات، مروراً برفض الجامعة قبولها إلّا بموجب جواب من وزير التعليم العالي يوافق فيه على إلحاقها ضمن الطلّاب الصمّ بعدما أبلغتها الجامعة بالاكتفاء بأعداد الطلاب المقبولين، واستنزفت تلك الإجراءات أسبوعين من الدراسة.

تعدّ تلك التجربة الأولى في 5 جامعات دفعة واحدة، إذ تقول الدكتورة أماني الحنفي عميدة كلية تربية نوعية في جامعة عين شمس سابقاً، التي طبّقت التجربة خلال عهدها، إنّ التجربة يمكن أن تعمّم على باقي الكلّيات فيما بعد، وإنّها بدأت في كلية تربية نوعية من أجل دمج الطلّاب بباقي الطلاب والتجربة نجحت، وأشارت إلى أنّ الأوّل في قسم تربية فنية طالب أصم.

من أبرز المعوّقات والصعوبات التي واجهها طلاب الصم خلال انخراطهم في التعليم الجامعي، هي صعوبة المناهج، إلّا أنّ الدكتورة أماني الحنفي، ترى أنّه لا يمكن تغيير المنهج حالياً وما وإذا وجد البعض صعوبة في مادة ما يمكن تنظيم ورشة خاصّة لها.

صعوبات في الجامعة

تقول نادية عبد الله، رئيسة المؤسّسة المصرية لحقوق الصم[6]، لـ”المفكرة”، إنّ التجربة نجحت في إلحاق الصمّ بالتعليم العالي الحكومي من خلال التنسيق الحكومي، لكنّها لم تكن مناسبة إذ أنّ المواد الدراسية لم تُعدّل، بالإضافة إلى إهمال الجامعة في تكييف الطرق المناسبة لاستقبالهم بما يناسب إعاقتهم.

قبل ذلك، عانى الطلّاب الصم من تهميش وإهمال في مرحلة التعليم الأساسي، بحسب نادية عبد الله، ما أدى إلى ضعف مستواهم مقارنة بذوي الإعاقات الأخرى في مدارس الدمج أو المدارس الخاصّة، ما أدّى إلى صعوبة تلقّيهم مناهج الجامعة، إذ أنّ أساسيّات اللغة العربية والتواصل كانت أبرز عائق أمام الطلاب.

ترى رئيسة المؤسسة، أنّ مشكلة الطلّاب الصم تكمن في التعليم الأساسي، إذ أنّ المدرّسين المعنيّين بتعليم الطلّاب الصم ليسوا مؤهّلين للتواصل معهم أو تأهيلهم، موضحة أنّ “كلّيات التربية الخاصّة التي تخرّج مدرّسين، تنتهج مساراً نظرياً، وبعد تعيين المعلّمين في مدارس الصم تبدأ المرحلة العملية بدءاً من تعلّم لغة الإشارة إلى التدريب بشكل عملي على التعامل مع الطلّاب، ممّا يعني خروج أجيال على كفاءة ضعيفة وتعليمهم رديء”.

ونتيجة قصور في المخصّصات المالية للجامعة، كانت تتدخّل جهات أخرى مع الجامعة ووزارة التضامن الاجتماعي لتوفير مكافآت مالية لمترجمي الإشارة، منها الكنيسة الإنجيلية (جيزويت) ورجل أعمال.

كان عام 2018 عاماً للأشخاص ذوي الإعاقة، بعدما أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي توجّه الحكومة للاهتمام بتلك الفئة المهمّة من المجتمع والتي يتراوح قوامها ما بين ١١ و١٤ مليون شخص، وصدر في ذلك العام قانون ذوي الإعاقة. تنصّ المادة 21 من القانون على التزام الوزارات المختصّة بالتربية والتعليم، والتعليم الفني والتعليم العالي والبحث العلمي ومؤسّسات التعليم الأزهري وغيرها من الوزارات والجهات المعنية بتمكين الشخص ذي الإعاقة من الحصول على التعليم، وتوفير الترتيبات المناسبة اللازمة لذلك، وتوفير العدد الكافي من مترجمي الاشارة في كافة المؤسّسات التعليمية الحكومية وغير الحكومية التي يتمّ إلحاق ذوي الاعاقة السمعية بها.

وعلى الرّغم من أنّ قانون الإعاقة 2018 يلزم المجلس الأعلى للجامعات بوضع كلّ الميزانيات لإتاحة الفرصة أمام ذوي الإعاقة لدخول الجامعة، لكن إلى الآن لم توضع ميزانية لتوفير المترجمين، بحسب نادية عبد الله. ومنذ صدور القرار يقتصر دخول طلّاب الصم على كلية تربية نوعية، لكن ماذا عن الكليات الأخرى المقترح أن تتاح أمامهم؟ تجيب نادية عبد الله أنّ الطلاب الصم لديهم قدرات ومهارات تؤهّلهم لدخول بعض الكليات النظرية، مثل كليات الفنون الجميلة والفنون التطبيقية والهندسة.

وتضيف نادية عبد الله، أنّ الكليات مغلقة حتى الآن أمام كلّ الصم من خرّيجي مدارس الأمل وكان يفترض أن يفعّل قانون الإعاقة في عام 2020 لكن التغييرات الطارئة التي حدثت بسبب فيروس كوفيد 19، كانت حائلاً أمام فتح كلّيات نظرية أخرى أمام الصم.

وتتابع: “قرار 2015 كان غير ملزم للجامعات بعكس قانون الإعاقة لسنة 2018 الذي يعطي للطلاب الصم حق اللجوء إلى المحكمة، إذا رفضت إحدى الجامعات قبولهم”.

وفي ظل الاستبعاد على أساس الإعاقة والتعليم، شهدت بعض الكليات دخول طلاب صم، من خلال اجتهاد الأسر، عبر إلحاق أبنائهم بمدارس دمج التي لا يذكر فيها أنّ الطالب لديه إعاقة سمعية، وبالتالي يمرّ ملفّه عبر مكتب التنسيق ويلتحق بالجامعة.

ونتيجة رفض مكتب التنسيق قبولهم وتوزيعهم على الكليات، يتّجه بعضهم إلى التعليم الخاص حيث يتكبّد أموالاً طائلة، هذا إذا كانت العائلة ذات مستوى اجتماعي مرتفع، أما دون ذلك فيظل حاصلاً على شهادة ثانوية. وعليه، تجاهل غالبية الطلّاب الصم الاتجاه إلى التنسيق بسبب التجارب السابقة، لذلك فإنّ عدد المتقدّمين قليل.

  1. جرى الحديث في 1 فبراير 2021.
  2. تستقبل مدارس الأمل الأطفال الصم وضعاف السمع، ومرحلة التعليم الابتدائي فيها تزيد بثلاث سنوات عن المدارس الأخرى لتصبح 8 سنوات بدلاً من 5 سنوات، وتكون المرحلة الإعدادية المهنية 3 سنوات، والمرحلة الثانوية أيضاً 3 سنوات، ويتخرّج منها الطالب حاصلاً على دبلوم مهني للصمّ في تخصّصات النجارة والملابس والتريكو.
  3. يدرس الطالب داخل كلية التربية النوعية بعض الفنون والأنشطة مثل الرسم والتمثيل والإعلام والاقتصاد المنزلي، وتؤهّل الطالب ليصبح مدرّساً ناجحاً للتعليم الأساسي.
  4. اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة الأمم المتحدة: تكفل الدول الأطراف إمكانية حصول الأشخاص ذوي الإعاقة على التعليم العالي والتدريب المهني وتعليم الكبار والتعليم مدى الحياة دون تمييز وعلى قدم المساواة مع آخرين. وتحقيقا لهذه الغاية، تكفل الدول الأطراف توفير الترتيبات التيسيرية المعقولة للأشخاص ذوي الإعاقة.
  5. بناء على مكالمة هاتفية مع والد دنيا في 13 فبراير.
  6. خلال مكالمة هاتفية يوم 22 فبراير.

 

انشر المقال

متوفر من خلال:

مصر ، تحقيقات ، البرلمان ، مؤسسات عامة ، تشريعات وقوانين ، قرارات إدارية ، الحق في الصحة ، الحق في التعليم ، حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة ، حقوق الطفل ، لا مساواة وتمييز وتهميش



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني