قرار قضائي يضمن لطفلة معوّقة حقّها بالتأهيل حتى تحقق شرط “الإدماج الكامل”


2024-01-16    |   

قرار قضائي يضمن لطفلة معوّقة حقّها بالتأهيل حتى تحقق شرط “الإدماج الكامل”

بتاريـخ 28/11/2023 أصدرت المحكمة الإدارية بوجدة-شرق المغرب-حكما مبدئيا يقضي بإعادة طفلة مصابة بمتلازمة داون تثلث الصبغي إلى مركز تأهيل الأشخاص في وضعية إعاقة. وكان المركز المذكور قد رفض الاستمرار في استقبال الطفلة، بحجة أنّها أصبحت جاهزة للولوج للمدرسة العمومية. لكن المحكمة الإدارية اعتبرت في حكمها المبدئي الذي تنشره المفكرة القانونية أن عدم مراعاة “مستوى الإعاقة الذهنية ودرجة عمقها وقابليتها للتأهيل”، وعدم مراعاة “معيار الإدماج الكامل والحق في الوصول المضمونين بمقتضى اتفاقية حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة” يجعل قرار المركز مخالفا للقانون، مما يستوجب الغاءه.

أهمية الحكم الذي تنشره المفكرة القانونية تكمن في كونه يعيد الى الواجهة إشكالية الصعوبات القانونية والاجرائية التي تواجه تمدرس الأطفال في وضعية إعاقة بالمغرب وفي عدد من بلدان المنطقة أمام عدم تعميم الفصول الدراسية الدامجة التي تسمح بإمكانية استقبالهم.

ملخص القضية

بتاريخ 03/08/2023 تقدم ولي أمر طفلة بدعوى أمام المحكمة الإدارية بوجدة عرض فيها بأن ابنته توجد في وضعيّة إعاقة ذهنية وكانت تتابع دراستها في المركز الاجتماعي للأشخاص في وضعية إعاقة في مدينة العروي وتستفيد من النقل المدرسي الذي توفره المبادرة الوطنية للتنمية البشرية لذوي الاحتياجات الخاصة. إلا أنه بتاريخ 25/04/2023 عمد الممثل القانوني للمركز إلى منع هذه الطفلة من مواصلة دراستها في المركز، كما أعطى تعليماته للمسؤول عن النقل المدرسي بعدم نقلها إلى المركز من دون أيّ سبب. وعليه، التمس ولي أمر الطفلة الحكم بإلغاء القرار والسماح لابنته بالولوج إلى المركز الاجتماعي للأشخاص في وضعية إعاقة وإفادتها من النقل المدرسي مجدّدا.  

ردا على هذه الدعوى، أدلى نائب المركز الاجتماعيّ للتأهيل بأنّ الطفلة قد استفادت من الرعاية الكاملة للمركز منذ تاريخ 26/10/2021 باعتبارها تعاني من صعوبة النطق ومن إعاقة الثلاثي الصبغي وأنّ المركز بادر إلى إعداد الملف المدرسي الخاص بالطفلة المذكورة لأجل إدماجها بإحدى المدارس العمومية. وقد تمّ بذلك بناء على تقرير كل من المربية المشرفة عليها والطبيبة المختصة في تقويم النطق اللتيْن أكّدتا أن الطفلة تمتلك القدرات والكفاءة على متابعة دراستها في مؤسسة تعليمية عادية كبقية الأطفال العاديين، وأن إعاقتها لا تشكّل أيّ عائق أمام التحاقها وإدماجها بأي مؤسسة تعليمية عادية أو خاصة  كباقي الأطفال العاديين. إلا أن والد الطفلة المذكورة رفض التحاق ابنته بمؤسسة عمومية، والتمس دفاع الجهة المدعى عليها رفض الطلب لانعدام أساسه القانوني.

موقف المحكمة

قررت المحكمة إجراء بحث بغرفة المشورة بين الأطراف بحضور طبيبة مختصّة الى جانب ممثل مؤسسة التعاون الوطني، حيث أوضح مدير المركز الاجتماعي بأن دور المركز يتجلى في تأهيل التلاميذ حسب قدرة الطفل، من أجل إدماجه داخل الفضاء المدرسي، وأنه لا توجد فترة محددة لذلك، ولكن الأمر منوط بقدرة التلميذ. وأوضح أب الطفلة أنّ سبب رفض المركز استمرار تمدرس طفلته يتمثل في كونها معوّقة ويصعب التعامل معها. كما صرّحت أم الطفلة بأنها قابلت الطاقم الإداري الذي أخبرها بأن ابنتها كثيرة الحركة ولن تقبلها المدرسة العمومية. وخلص تقرير الخبرة المنجز من طرف الطبيبة المختصة بأن الطفلة تعاني من تأخر ذهني في إطار الإصابة بالتثلث الصبغي وتعاني من صعوبات في التواصل اللغوي على مستوى الاستقبال والتعبير وتعاني من خلل في وظائف التكيف (التواصل –الاستقلالية – العلاقات الاجتماعية) وهي في حاجة لمركز مختص يقوم بإجراء مجموعة من الترتيبات البيداغوجية الخاصة، في إطار مشروع فردي معد من قبل فريق متعدد التخصصات، في ظل غياب قاعة للموارد بالمؤسسات العمومية بالمدينة. أما مسألة إدماجها بمؤسسة عمومية فيحتاج إلى وقت كافٍ، يتم فيه إعداد كل من الوالدين والأساتذة المستقبلين وإدارة المؤسسة وتلامذتها لتجنب كل أشكال الرفض والتمييز مع ضرورة توفر المؤسسة المستقبلة على قاعة للموارد من أجل إدماج تدريجي.

حيثيات الحكم

استجابت المحكمة إلى طلب وليّ أمر الطفلة وقضتْ بإلغاء القرار المطعون فيه مع ما يترتب على ذلك قانونا مع النفاذ المعجل، معتمدة على العلل التالية:

– ديباجة دستور 2011 التي تؤكّد على أنّ المغرب يلتزم بحماية منظومتيْ حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني والنهوض بهما، مع مراعاة الطابع الكوني لتلك الحقوق، وعدم قابليتها للتجزئة، وعلى جعل الاتفاقيات الدولية، تسمو، فور نشرها، على التشريعات الوطنية؛

– الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي ينص في المادة 23 منه على أن من حق كلّ طفل ذي إعاقة أن يعيش أفضل حياة ممكنة في المجتمع وعلى الحكومات إزالة جميع العقبات أمام الأطفال من ذوي الإعاقات لكي يصبحوا مستقلين ويشاركوا بفاعلية في المجتمع. وهو ما يؤكده العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية؛

-الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري التي تؤكد بوضوح حق الوصول كجزء من القانون الدولي لحقوق الإنسان. وينبغي النظر إلى إمكانية الوصول على أنها تأكيد جديد للحق في الوصول يتعلق تحديداً بحالات الإعاقة؛

– اتفاقية الأشخاص في وضعية إعاقة التي نصت في المادة 24 منها على عدم استبعاد الأشخاص ذوي الإعاقة من النظام التعليمي العام على أساس الإعاقة، وعدم استبعاد الأطفال ذوي الإعاقة من التعليم الابتدائي أو الثانوي المجاني والإلزامي على أساس الإعاقة، وتمكينهم من الحصول على التعليم المجاني الابتدائي والثانوي، الجيّد والجامع، على قدم المساواة مع الآخرين في المجتمعات التي يعيشون فيها، وحصولهم على الدعم اللازم في نطاق نظام التعليم العام لتيسير حصولهم على تعليم فعّال، وتوفير تدابير دعم فردية فعالة في بيئات تسمح بتحقيق أقصى قدر من النمو الأكاديمي والاجتماعي، وتتفق مع هدف الإدماج الكامل، مع مراعاة الاحتياجات الفردية بصورة معقولة.

القانون الإطار رقم 13/97 المتعلق بحماية حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة والنهوض بها الذي نصّ في مادته 11 على استفادة “الأشخاص في وضعية إعاقة من حقهم في التربية والتعليم والتكوين بجميع أسلاكه، بما في ذلك حرية اختيار التخصصات التي تناسبهم، والتي يرغبون في متابعة دراستهم بها. ولا يمكن أن تشكل الإعاقة مانعا من الاستفادة من هذا الحق أو سببا للحد من ممارسته، كما تلتزم الدولة القيام بالترتيبات التيسيرية المعقولة حسب حاجيات كل متعلم”.

– تأكيد اللجنة الأممية المعنية بحقوق الأطفال في وضعية إعاقة بأنه ومن دون توفير إمكانية الوصول إلى وسائل النقل المدرسي والمباني المدرسية، ونظم المعلومات والاتصالات، لن تُتَاحَ للأشخاص ذوي الإعاقة فرصة ممارسة حقهم في التعليم. ولتعزيز إمكانية الوصول، ينبغي تصميم البيئة المحيطة الكاملة للطلاب بطريقة تعزز الإدماج وتضمن المساواة في عملية تعليمهم برمتها.

وعليه، اعتبرت المحكمة أنّ الطفلة ما تزال غير جاهزة للانخراط في التعليم العموميّ في الوقت الحالي، حيث يُخشى أن تتعرّض لكلّ أشكال التّمييز والرفض والتنمّر من دون أن تكون مستعدّة لمواجهة ذلك ذهنيا ونفسيا وتربويا. وعليه، خلصت المحكمة بوجوب حماية حقّها في مواصلة الاستفادة من الخدمات التأهيلية للمركز الاجتماعي لتوفره على الأطر الطبية والتربوية الكفيلة بتعزيز التركيز لدى الطفلة المعنية خلاف حال المدارس العمومية التي لا تتوفر على أقسام دامجة في الوقت الراهن.

للاطلاع على نسخة من حكم المحكمة الادارية بوجدة

مواضيع ذات صلة

محكمة الدار البيضاء تلزم بنكا بتسهيل وصول متعاقدة معوقة إلى خدماته

حكم مبدئي بحفظ كرامة الأشخاص المعوقين في المغرب

إشكالية الجنس والمسؤولية لدى المعوّقين ذهنيا في قرارين قضائيين

حقوقيون يطالبون بتسهيل مشاركة الأشخاص في وضعية اعاقة في الانتخابات التشريعية بالمغرب

صورة المعوقين في دراما رمضان تثير استياء حقوقيين في المغرب

نحو تخصيص %7 من الوظائف المستحدثة لذوي الاحتياجات الخاصة في المغرب

2% حق موش مزيّة: صرخة حق من أشخاص ذوي الإعاقة في تونس

ذوو الإعاقة في لبنان يطالبون بحقهم بالعمل، ويتهيؤون للتقاضي الاستراتيجي

15 سنة بعد اقرار قانون المعوقين، حديث متكرر عن حقوق المعوقين المهدورة

نشر “اتفاقية ذوي الإعاقة” في الجريدة الرسمية: استحقاق تأخّر 15 سنة

الصمّ”: استبعاد من التعليم الجامعي على أساس الإعاقة

انشر المقال



متوفر من خلال:

قضاء ، محاكم إدارية ، حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة ، مقالات ، المغرب ، محاكمة عادلة



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني