تونس أمام مجلس حقوق الإنسان اليوم: الاستعراض الدوري الشّامل للمغالطات


2022-11-08    |   

تونس أمام مجلس حقوق الإنسان اليوم:  الاستعراض الدوري الشّامل للمغالطات
صورة غلاف العدد 25 من مجلة المفكرة القانونية - تونس

تقرير وطني مقدم عملا بقرار مجلس حقوق الإنسان 5/1 و16/21.

تقدم وتناقش تونس تقريرها الدوري الشامل الرابع اليوم أمام مجلس حقوق الإنسان في جنيف [2]. تمّ إيداع التقرير التونسي في 29 آب/أوت ونشر في تشرين الأول/أكتوبر 2022. وقدّمت الدولة من خلال الآلية الوطنية لإعداد التقارير ومتابعة التوصيات قراءتها لوضعية حقوق الإنسان التي تغطي الفترة 2017-2022 وتتمثل في اللجنة الوطنية للتنسيق وإعداد وتقديم التقارير ومتابعة التوصيات في مجال حقوق الإنسان [3].

تثمّن الدولة في هذا التقرير إنجازاتها الكبرى في مجال حقوق الإنسان. لكن في اعتقادنا إن الطريقة المعتمدة في تقديم التقرير تنم عن كثير من سوء النية فضلا عن تعمّدها إغفال العديد من المسائل الهامة.

1.    شبه الحقائق: التستر عن جملة من المسائل

ثمنت الدولة في تقريرها الوطني العديد من الإنجازات التي قامت بها في عديد المجالات معتبرةً إياها خطوة هامة في مجال حقوق الإنسان. بالمقابل، أغفلت عمدا ذكر العقبات المختلفة التي تعيق إنجازاتها.

في القائمة الطويلة للنصوص الدولية المصادق عليها والتي نادرا ما يتم تطبيقها[4] (الفقرة 7)

تعدّد الدولة التونسية في تقريرها النصوص الدولية التي صادقت عليها منذ سنة 2017. تتمثل النصوص في القائمة التالية [5]:

  • البروتوكول الاختياري الثالث لاتفاقية حقوق الطفل المتعلق بإجراء تقـديم البلاغات،
  • بروتوكول حقوق المرأة في أفريقيا الملحق بالميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب،
  • اتفاقية مجلس أوروبا بشأن حماية الأطفال من الاستغلال الجنسي والاعتداء الجنسي،
  • الاتفاقية رقم 108 لمجلس أوروبا المتعلقة بحماية الأشخاص تجاه المعالجة الآلية للمعطيات ذات الطابع الشخصي، وبروتوكولها الإضافي رقم 181 الخاص بسلطات المراقبة وانسياب وتدفق المعطيات عبر الحدود.

بيد أن هذه المجموعة الهامة من الاتفاقيات والبروتوكولات ظلت حبرا على ورق في الرائد الرسمي. وحتى إن وقع إدراج بعض الفصول المتعلقة بحماية الأطفال من أي اعتداء جنسي على شبكة الإنترنت (وذلك في إطار المرسوم المثير للجدل عدد 2022-54 المؤرخ 13 أيلول/سبتمبر 2022[6])، فإنه لم يتم تنفيذ أي من النصوص القانونية الأخرى.

بالإضافة إلى أن الخطاب السياسي وبعض أحكام الدستور الجديد تتناقض علنا مع هذه التطورات المتعلقة بالاتفاقيات (التصريح المتعلق بالمساواة في الميراث والفصل 5 من دستور 2022، انظر القسم الخاص بالمغالطات).

وعلاوة على ذلك، لم تذكر الدولة من بين النصوص الدولية تلك المتعلقة بالحقوق البيئية والثقافية مثل بروتوكول ناغويا واتفاق باريس مما يدل على فهم منقوص لحقوق الإنسان، لأن الدولة لا تعتبر هذه الاتفاقيات من بين اتفاقيات حقوق الإنسان. 

الإصلاحات التشريعية: آلية مخيبة للآمال[7] (الفقرة 12)

يذكر التقرير ما يلي: تم تعزيز التشريع التونسي بإصدار عدد من القوانين التي تستجيب للتوصيات المنبثقة عن الاستعراض لسنة 2017 مثل مناهضة العنف ضد المرأة والتمييز العنصري وتنظيم العمل المنزلي إضافة إلى إصدار القوانين التي أحدثت هيئتيْ حقوق الإنسان والتنمية المستدامة وحقوق الأجيال القادمة.

وفي هذا الإطار، يجب التذكير بأن كل التشريعات الصادرة بين سنتي 2018 و2021 بقيت حبرا على ورق ما عدا القانون عدد 58 المتعلق بإلغاء العنف ضد المرأة والذي تمّ تفعيله جزئيا.

إن الهيئات التي أنشأها دستور 2014 والتي تم اعتماد قوانينها (بين سنتي 2017 و 2019) لم يتم ارساؤها بعد. خاصة منذ 25 تموز/جويلية 2021، وبعد صدور دستور 2022، اتّجهت النيّة سياسيا نحو إلغاء الهيئات الدستورية: إذ تم الاحتفاظ فقط بهيئة الانتخابات في الدستور الجديد. وفيما يتعلق بقانون القضاء على التمييز العنصري، فإنه لا يزال ينتظر تفعيله من خلال إنشاء اللجنة الوطنية لمنع التمييز العنصري، التي لم ترَ النور بعد. 

الإصلاحات على الصعيد المؤسساتي: نهاية الاستقلالية [8] (الفقرات من 16- 29)

استغلّ تقرير الاستعراض الدوري الشامل الإصلاحات المؤسساتية ليجعل منها مصدرا لتثمين الإنجازات. إلا أنه وفي الوقت نفسه لم تقدم الدولة التونسية سوى معلومات منقوصة كما لم تقدم الحقائق كاملة.

الهيئات الدستورية:

يشير التقرير إلى المساهمة الكبيرة للدستور من حيث تنصيصه على إنشاء المحكمة الدستورية والهيئات الدستورية، إلا أنه يخفي حقيقة أنه من بين الهيئات الخمس التي أنشأها دستور 2014، أبقى الدستور الجديد الصادر سنة 2022 على هيئة واحدة فقط، وأن القوانين المتعلقة بهذه الهيئات (والصادرة بين سنتي 2017 و2019) لم تعد نافذة لأنها تتعارض مع بعض أحكام الدستور الجديد.

– المحكمة الدستورية:

أصبح قانون 2015 المتعلق بالمحكمة الدستورية في طي النسيان بعد اعتماد دستور 2022، الذي ينص على نظام قانوني وتركيبة تختلفان تماما عن دستور 2014 وقانون 2015.

المجلس الأعلى للقضاء

يتطرق التقرير إلى الإصلاحات الأخيرة “والتي تحققت” في سنة 2022 بطريقة وصفية ومن دون تقديم أي تحليل.

“تمت إعادة تنظيم المجلس الأعلى للقضاء من خلال المرسوم عدد 11 لسنة 2022 المتعلق بإحداث المجلس الأعلى المؤقت للقضاء والأمر الرئاسي عدد 217 لسنة 2022 المتعلق بتسمية أعضاء بالمجالس المؤقتة للقضاء.

وصدر المرسوم عدد 35 لسنة 2022 المؤرّخ في الاول جوان 2022 المتعلق بإتمام المرسوم عدد 11 لسنة 2022 المؤرخ في 12 فيفري 2022 المتعلق بإحداث المجلس الأعلى المؤقت للقضاء. وتضمن الباب الرابع من الدستور الجديد بابا يتعلق بالوظيفة القضائيّة بجميع اصنافها.”

هذا التقديم المحايد هو في رأينا تلاعب بالمعلومات وطمس للواقع: في 12 شباط/فيفري 2022، قام رئيس الجمهورية بحلّ المجلس الأعلى للقضاء (المنتخب والمكون قانونيا)، واستبدله بمجلس أعلى مؤقت للقضاء والذي عيّن أعضاءه بنفسه ومع ذلك فهو لا يستشيره في الأمور التي تدخل في اختصاصه. هذا هو الحال عندما أصدر رئيس الجمهورية أمرا في 1 جوان بإعفاء 57 قاضيا دون المرور عبر المجلس الأعلى المؤقت للقضاء الذي عينه وقد وصفته آنذاك المفكرة القانونية بالمذبحة.

وهكذا، مؤدى الإصلاحات المدّعى بها هو وضع حد لأي استقلالية للهيئات الدستورية: المحكمة الدستورية، والمجلس الأعلى للقضاء، والهيئات الدستورية. ويبقى المثال الصارخ هو الهيئة العليا المستقلة للانتخابات.

– الهيئة العليا المستقلة للانتخابات:

يتطرق التقرير إلى الإصلاحات الجديدة بطريقة وصفية تتسم بالحياد: “تم إصدار المرسوم عدد 22 لسنة 2022 المتعلق بتنقيح بعض أحكام القانون الأساسي عدد 23 لسنة 2012.  كما صدر أمر رئاسي عدد 459 لسنة 2022 يتعلق بتسمية أعضاء مجلس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات.”

وتجدر الإشارة إلى أن هذه الإصلاحات أفسحت المجال أمام رئيس الجمهورية لإزالة الهيئة المنتخبة قانونا وإنشاء هيئة يعيّن أعضاءها وبالتالي يضمن ولاءهم التامّ له. وما يدل على قبول هذه الهيئة بجميع إملاءات الرئيس هو التالي: تغيير جميع الأحكام المتعلقة بالانتخابات والاستفتاءات قبل أسابيع قليلة من إجرائها، ونشر مشروع الدستور في 30 حزيران/جوان، وتعديله في 8 جويلية (أي قبل أسبوعين من الاستفتاء).

يمكن القول بأن نصف الحقائق المذكورة في التقرير الوطني المتعلق بالاستعراض الدوري الشامل تصل إلى مستوى أسوأ مما هو متوقع عندما تتحول إلى مغالطات المفعمة بسوء النية.

من موقع الاورومتوسطي لحقوق الانسان

2.    قلب الحقائق

في الكثير من فقراته، يعمل تقرير الاستعراض الدوري الشامل على قلب الحقائق، تمهيدا لادّعاء إصلاحات من التعسف اعتبارها كذلك.

1.2. في أشباه الحقائق المتعلقة بالإصلاحات المنجزة

إحداث المجلس الوطني للجهات والأقاليم

عزّز دستور الجمهوريّة الجديدة المنظومة المؤسساتيّة الراعية لحقوق الإنسان حيث تمّ إحداث المجلس الوطني للجهات والأقاليم [9] (الفقرة 43).

يقدم تقرير 2022 المجلس الوطني للجهات والأقاليم كإصلاح من شأنه أن يسمح بتعزيز حقوق الإنسان. ومع ذلك، فإن طريقة تعيين أعضاء هذا المجلس لا علاقة لها بقواعد الديمقراطية التمثيلية. وهو مجلس يتم اختياره على المستويين المحلي والإقليمي، ويمكن أن يعكس مصالح الجماعات المؤثرة والقوية على مستوى الجهة التي ينتمون إليها، والذي يمكن أن ينافس ويعرقل فيما بعد الإصلاحات التي يقوم بها البرلمان (خاصة فيما يتعلق بميزانية الدولة وبرامج التنمية) المنتخب في إطار الاقتراع العام الحر والمباشر والسري.

– إعلان حالة الطوارئ وتمديدها:

حسب التقرير: “يقع الرجوع للأمر عدد 50 لسنة 1978 لإعلان حالة الطوارئ والتمديد فيها في عدة فترات. وتم إعداد مبادرة تشريعيّة لتعديل هذا الأمر وفقا للمعايير الدولية بما يضمن توازنا بين متطلبات حماية الأمن العام وضمان حقوق الإنسان وتمّ التداول ضمن مجالس وزارية حول هذه المبادرة وإحالتها إلى البرلمان منذ سنة 2018 [10] (الفقرة 82).”

يعتبر التطرق للإطار القانوني لحالة الطوارئ بهذه الطريقة خاطئا. ولا بد من التذكير أن تطبيق حالة الاستثناء أصبح معتمدا بصفة مكثفة منذ 25 جويلية 2021. هذا وقد قام رئيس الجمهورية بتفعيل الترسانة القانونية المتعلقة بحالة الطوارئ. من ذلك قراره بتجميد البرلمان ثم بحله. كما حلّ محل المشرع وعزل رئيس الحكومة وعين مكانه حكومة جديدة كما قام بحل هيئة مكافحة الفساد وحل المجلس الأعلى للقضاء والهيئة العليا المستقلة للانتخابات وعوضها بهيئة أخرى قام بتعيين أعضائها بنفسه. كما أعد دستورا جديدا وقام بإصداره بعد تنظيم استفتاء. 

تعتبر كل هذه الإصلاحات إصلاحات هامّة لكن الهدف منها هو إرساء قواعد الحكم المستبد المؤسس على تجميع كل السلطات في يد رئيس الجمهورية. هذا الرئيس الذي لا يمكن محاسبته سواء عند ممارسة مهامه أو بعد تخليه عن الرئاسة (الفصل 110 من دستور 25 جويلية 2022).

  • حقوق النساء

جاء في التقرير: “أقر الدستور الجديد المساواة بين جميع المواطنين والمواطنات ونص على التزام الدّولة بحماية الحقوق المكتسبة للمرأة والعمل على دعمها وتطويرها كما أقر أن الدولة ضامنة لتكافؤ الفرص بين الرّجل والمرأة في تحمّل مختلف المسؤوليّات وفي جميع المجالات. وأن الدولة تسعى إلى تحقيق التّناصف بين المرأة والرّجل في المجالس المنتخبة[11].”(الفقرة 125).

لا تعتبر هذه المقتضيات من المكاسب التي جاء بها دستور 2022. إذ وقع التنصيص عليها ضمن دستور 2014. 

ومع ذلك، فإن تطبيق هذه المقتضيات قد يحتاج وقتا طويلا ويمكن أن تمثل بقية أحكام الدستور الجديد عقبة أمام تطبيقها، ولا سيما وأن خطاب رئيس الجمهورية لا يبدو مناصرا على الإطلاق لحقوق المرأة. وللتذكير فإن تونس قد صادقت على بروتوكول مابوتو منذ سنة 2018، ومع ذلك لا يزال التشريع التونسي تمييزيا: فالزوج هو دائما ربّ الأسرة وهو الذي يمارس الولاية على الأطفال، ويعتبر الزوج المستفيد الأول والوحيد من الامتيازات الضريبية المرتبطة بالأسرة، وترث النساء دائما نصف حصة الرجال، ولا يمنحن جنسيتهن تلقائيا لأزواجهن غير التونسيين، على عكس الرجل التونسي… وأخيرا، وقعت تونس على اتفاقية اسطنبول لكن السلطات لم تصادق عليها حتى الآن.

المسألة المتعلقة بالمخدرات والاكتظاظ بالسجون

جاء بتقرير الدولة التونسية بأن القانون عدد 1992-52 المتعلق بالمخدرات تمّ تنقيحه بمقتضى:

” القانون عدد 39 لسنة 2017 المتعلق بالمخدرات مكّن القاضي من سلطة تقديرية أوسع في تفريد العقوبة في صورة الاستهلاك لأول مرّة.” [12] (الفقرة 97).

وقد برر هذا التنقيح بهدف السماح للشباب (الطلبة والموظفين …) بالاستفادة من الشروط المخففة واستبدال عقوباتهم بتأجيل التنفيذ. وهذا من شأنه أن يقلل من عدد المساجين بمقدار الثلثين. ومع ذلك، وبعد مرور 5 سنوات على دخول التنقيح حيز التنفيذ، لا يزال المساجين الذين يتعاطون المخدرات يمثلون ثلث المسجونين والموقوفين. ويفسر ذلك بأن الغالبية العظمى من الأشخاص الذين تم تتبعهم قضائيا منذ سنة 2017 يحاكمون بتهمة تعاطي المخدرات والإتجار بها. ومن شأن هذا الأمر أن يؤدي إلى إيقافهم لفترة طويلة غالبا ما تتجاوز عاما قبل صدور الحكم، وبالطبع لم يعد بإمكانهم الاستفادة من الشروط المخففة.

2.2. قلب الحقائق بشأن الإصلاحات المبرمجة:

        مراجعة السياسة الجنائية

“تعمل تونس حاليا على مراجعة المجلة الجزائية وفقا للمعايير الدولية بما في ذلك الفصل 101 مكرر المتعلق بمفهوم التعذيب.” [13] (الفقرة 59)

هذا التصريح عار عن الصحة. فلقد بدأ هذا العمل بالفعل منذ سنة 2014، ولم نرَ أي نتائج منذ ذلك الحين. بالإضافة لذلك، فإن اللجنة المكلفة بإصلاح مجلة الإجراءات الجزائية قد أتمت بالفعل تقريرها منذ سنة 2018، وكان المشروع المذكور موضوع مجلس وزراء صادق عليه بالفعل، لكن السلطة القائمة لم تقم بإقراره ولم تقم بإصداره بمقتضى مرسوم.

علاوة على ذلك، فإن القول بأن الإصلاحات تتم طبقا للمعايير الدولية هو منافٍ تماما للحقيقة، لأن النصوص القانونية المتعلقة بالحريات والتي تم اعتمادها منذ 25 جويلية 2021، لا تتوافق مع المعايير الدولية. ومن أبرز الأمثلة ما صدر مؤخرا من نصوص التي نذكر منها المرسوم عدد 2022-54 المؤرخ 13 سبتمبر 2022 يتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال. ويسمح هذا النص للدولة بمراقبة حرية التعبير وتسليط العقوبات والرقابة المسبقة عليها وذلك من خلال وصفها بأنها أخبار أو بيانات أو إشاعات كاذبة أو وثائق مصطنعة أو مزوّرة أو منسوبة كذبا للغير بهدف الاعتداء على حقوق الغير أو الإضرار بالأمن العام أو الدفاع الوطني أو بث الرعب بين السكان (الفصل 24 من المرسوم).

-حرية تكوين الجمعيات

جاء بالتقرير: “تسعى الحكومة إلى مراجعة المرسوم عدد 88 لسنة 2011 عبر تشريك مكونات المجتمع المدني”[14] (الفقرة 105).

لا يمكن الاعتماد على هذا التقديم إذ تحاول الحكومة من خلاله التستر على مشروع قانون يهدد حرية الجمعيات. نذكر أن الحكومة سرّبت مسودة لتنقيح المرسوم عدد 88 لسنة 2011 المتعلق بالجمعيات، والتي تهدف إلى إعادة إرساء نظام التصريح المسبق. كما يهدف المشروع لفرض رقابة مشددة على الجمعيات (الإدارية والمالية)، والتدخل في عملها، وصلاحيات واسعة لتعليق نشاط الجمعيات وحلها. وهو مشروع مرفوض تماما من قبل منظمات المجتمع المدني.

        عقوبة الإعدام

جاء بالتقرير حول عقوبة الإعدام أنه:  “ولا تزال هذه المسألة محل جدل وتباين في الآراء داخل المجتمع التونسي.” [15] (الفقرة 85)

لا بدّ من التذكير بأن هذه المسألة تثير دائما الجدل والاختلاف في كل مكان، بما في ذلك في الدول التي ألغت بالفعل عقوبة الإعدام. ولذلك، فإن تقديم هذه الحجّة من أجل عدم الدخول في أيّ نقاش حول هذه المسألة والمرور إلى إلغائها بعد أكثر من 30 عاما من عدم التنفيذ، هو بمثابة ذريعة للتهرب من اتخاذ أي تدبير.  

3.2.  الادعاءات التي تخفي الممارسات التمييزية

  • مكافحة التمييز على أساس التوجه الجنسي والهوية الجندرية

جاء بالتقرير الوطني أنه: “بخصوص الفحص الشرجي فالهدف منه ليس إثبات المثلية أو تحديد التوجه الجنسي للفرد بل يتم اجراؤه لجميع الضحايا باعتباره الطريقة الوحيدة التي تمكن من إثبات التعرض لاعتداءات جنسية عن طريق الإيلاج في الشرج. ولا يتم تطبيقه إلا برضا المعني بالأمر ولا يعتبر قرينة على ارتكابه للجريمة. كما يجب على الطبيب الشرعي احترام إرادة الشخص وإلا كان عرضة لعقوبات تأديبية أو جزائية وفقا لمجلة الأخلاقيات الطبية.” [16] (الفقرتين 172-173).

يعتبر عرض المسألة بهذه الطريقة تلاعبا صارخا بالواقع: إذ لم يتمّ التخلّي عن ممارسة الفحص الشرجي منذ سنة 2017، لإثبات المثلية الجنسية لبعض الأفراد. إذ تؤكد ذلك عشرات القرارات الصادرة عن المحاكم، بينما التزمت تونس منذ ذلك التاريخ بعدم ممارسة مثل هذه الفحوصات. وتؤكد هذه القرارات أيضا أن رفض الفحص الشرجي يعتبره القضاة قرينة على المثلية الجنسية. وهذا ما أكده الخبير المستقل المعني بالحماية من العنف والتمييز على أساس التوجه الجنسي خلال زيارته إلى تونس في جوان 2021.

  • الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للأمازيغ

“وحيث يمثل الأمازيغ جزءا مهما من النسيج الاجتماعي فإنهم يتمتعون بحقوقهم في جميع المجالات دون تمييز أو إقصاء أو تهميش. وتعمل المؤسسات التربوية والثقافية على إحياء الموروث الثقافي الأمازيغي في كل المناسبات. وتقوم المدرسة أساسا على تأصيل وترسيخ هذا الانتماء والاعتزاز به في كل مكوناته التاريخية والحضارية. وسيتم بداية من سنة 2024 إدراج الثقافة الأمازيغية صلب متممات البرنامج الدراسي الرسمي عبر أنشطة ثقافية تؤمنها نوادٍ للراغبين في ذلك [17](الفقرات 246-248).

ترشح هذه التصريحات الواردة في التقرير الوطني هي الأخرى عن قلب تامّ للحقائق. فمن ناحية، لا يوجد أي اعتراف رسمي بالثقافة والهوية الأمازيغية. ومن ناحية أخرى، فإن القول بأنه بداية من سنة 2024 سيكون هناك إدماج للثقافة الأمازيغية في المناهج الدراسية الرسمية، عبر النوادي، هو طمس للواقع، لأن النوادي ليست جزءا من المناهج الدراسية. خاصة وأن التقرير لا يتناول اللغة الأمازيغية والتي هي المطلب الرئيسي للناطقين بها.

الخلاصة: متى سنعترف بأخطائنا؟

يذكرنا تقرير سنة 2022 بتقرير سنة 2008، وبدرجة أقل، بتقرير سنة 2012، في عرضه للحقائق والإنجازات والتحديات والمبادرات. ويشمل الدفاع عن الانتهاكات التي لا يمكن الدفاع عنها وخاصة انتهاكات حقوق الإنسان وفشل السلطات العمومية أو حتى تواطؤها على تسهيل هذه الانتهاكات.

لازلنا نأسف لأنصاف الحقائق ولتشويهها كما نأسف للحقوق التي غيّبها هذا التقرير تماما ألا وهي: الحقوق البيئية والثقافية والفنية والعدالة الانتقالية وحرية الضمير والدين، على الرغم من التوصيات العديدة التي قدمت إلى تونس سنة 2017، حول هذه المواضيع وإعداد تقارير منظمات المجتمع المدني التي شاركت في الاستشارات التي نظمتها اللجنة المكلفة بإعداد التقارير والتي قامت بصياغة توصيات في هذا الاتجاه.


[1]أستاذ القانون العام بجامعة قرطاج مدير قسم القانون العام والعلوم السياسية بكلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية بتونس الرئيس الشرفي للجمعية التونسية للدفاع عن الحريات الفردية www.adlitn.org .

[2]  مجلس حقوق الإنسان، فريق العمل الخاص بالاستعراض الدوري الشامل، الدورة 41، 7-18 نوفمبر 2022، تقرير وطني مقدم عملا بقراري مجلس حقوق الإنسان 1/5 و16/21. تونس.

 Nations Unies A/HRC/WG.6/41/TUN/1, الرابط الإلكتروني : https://www.ohchr.org/en/hr-bodies/upr/tn-index

[3] أمر حكومي عدد 1593 لسنة 2015 مؤرخ في 30 أكتوبر 2015 يتعلق بإحداث لجنة وطنية للتنسيق وإعداد وتقديم التقارير ومتابعة التوصيات في مجال حقوق الإنسان.

[4] الفقرة 7 من تقرير تونس تقرير وطني مقدم عملا بقراري مجلس حقوق الإنسان 1/5 و16/21. تونس.

 Nations Unies A/HRC/WG.6/41/TUN/1, الرابط الإلكتروني : https://www.ohchr.org/en/hr-bodies/upr/tn-index

[5]

[6] مرسوم عدد 54 لسنة 2022 مؤرخ في 13 سبتمبر 2022 يتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال. الرائد الرسمي عدد 103 بتاريخ 16 سبتمبر 2022، ص. 2949.

[7] الفقرة 12من تقرير تونس تقرير وطني مقدم عملا بقراري مجلس حقوق الإنسان 1/5 و16/21. تونس.

 Nations Unies A/HRC/WG.6/41/TUN/1, الرابط الإلكتروني : https://www.ohchr.org/en/hr-bodies/upr/tn-index

[8] الفقرات 16 الى29 من تقرير تونس تقرير وطني مقدم عملا بقراري مجلس حقوق الإنسان 1/5 و16/21. تونس.

 Nations Unies A/HRC/WG.6/41/TUN/1, الرابط الإلكتروني : https://www.ohchr.org/en/hr-bodies/upr/tn-index

[9] الفقرة 43 من تقرير تونس تقرير وطني مقدم عملا بقراري مجلس حقوق الإنسان 1/5 و16/21. تونس.

 Nations Unies A/HRC/WG.6/41/TUN/1, الرابط الإلكتروني : https://www.ohchr.org/en/hr-bodies/upr/tn-index

[10] الفقرة 82 من تقرير تونس تقرير وطني مقدم عملا بقراري مجلس حقوق الإنسان 1/5 و16/21. تونس.

 Nations Unies A/HRC/WG.6/41/TUN/1, الرابط الإلكتروني : https://www.ohchr.org/en/hr-bodies/upr/tn-index

[11] الفقرة 125من تقرير تونس تقرير وطني مقدم عملا بقراري مجلس حقوق الإنسان 1/5 و16/21. تونس.

 Nations Unies A/HRC/WG.6/41/TUN/1, الرابط الإلكتروني : https://www.ohchr.org/en/hr-bodies/upr/tn-index

[12] الفقرة  97 من تقرير تونس تقرير وطني مقدم عملا بقراري مجلس حقوق الإنسان 1/5 و16/21. تونس.

 Nations Unies A/HRC/WG.6/41/TUN/1, الرابط الإلكتروني : https://www.ohchr.org/en/hr-bodies/upr/tn-index

[13] الفقرة 59 من تقرير تونس تقرير وطني مقدم عملا بقراري مجلس حقوق الإنسان 1/5 و16/21. تونس.

 Nations Unies A/HRC/WG.6/41/TUN/1, الرابط الإلكتروني : https://www.ohchr.org/en/hr-bodies/upr/tn-index

[14] الفقرة 105 من تقرير تونس تقرير وطني مقدم عملا بقراري مجلس حقوق الإنسان 1/5 و16/21. تونس.

 Nations Unies A/HRC/WG.6/41/TUN/1, الرابط الإلكتروني : https://www.ohchr.org/en/hr-bodies/upr/tn-index

[15] الفقرة 85 من تقرير تونس تقرير وطني مقدم عملا بقراري مجلس حقوق الإنسان 1/5 و16/21. تونس.

 Nations Unies A/HRC/WG.6/41/TUN/1, الرابط الإلكتروني : https://www.ohchr.org/en/hr-bodies/upr/tn-index

[16] الفقرتين 172 و173 من تقرير تونس تقرير وطني مقدم عملا بقراري مجلس حقوق الإنسان 1/5 و16/21. تونس.

 Nations Unies A/HRC/WG.6/41/TUN/1, الرابط الإلكتروني : https://www.ohchr.org/en/hr-bodies/upr/tn-index

[17] الفقرات 246 الى 248 من تقرير تونس تقرير وطني مقدم عملا بقراري مجلس حقوق الإنسان 1/5 و16/21. تونس.

 Nations Unies A/HRC/WG.6/41/TUN/1, الرابط الإلكتروني : https://www.ohchr.org/en/hr-bodies/upr/tn-index

انشر المقال

متوفر من خلال:

محاكم دستورية ، الحق في الحياة ، مقالات ، جندر وحقوق المرأة والحقوق الجنسانية ، تونس



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني