مرسوم حلّ المجلس الأعلى للقضاء: قراءة في نصّ عصف بحلم قديم


2022-02-24    |   

مرسوم حلّ المجلس الأعلى للقضاء: قراءة في نصّ عصف بحلم قديم

في ساعة متأخرة من ليلة 12-02-2022[1] استقبل الرئيس التونسي قيس سعيد رئيسة الحكومة نجلاء بودن ووزيرة العدل ليلى جفال ليختم في حضورهما المرسوم عدد 11 لسنة 2022 الذي يلغي القانون الأساسي عدد 34 لسنة 2016 ويحلّ المجلس الأعلى للقضاء المنبثق عنه ليستبدله بآخر مؤقّت يضبط تركيبته واختصاصاته. وقد برّر خطوته تلك بتفشي الظلم والحاجة لإرساء العدل الذي من شروطه تطهير القضاء[2].

عدّت هياكل القضاة خطوة الرئيس ارتدادا عن مكتسب ديموقراطي كما أدانتها الأحزاب السياسية المعارضة التي حذّرت من مخاطرها على الحريات العامة كما كانت كذلك موضوع ردود فعل دولية صدرت عن الدول الديموقراطية والمنظمات الديموقراطية التي أدانت ما قالت أنه تراجع عن تعهدات سابقة باحترام استقلالية القضاء وعبرت عن رفضها لنوازع حكم دكتاتوري بات يتهدد مهد الربيع العربي.

بالمقابل، ذات القرارات كانت محلّ ترحاب من مساندي الرئيس والمقربين منه. فقد عدّها عميد المحامين إبراهيم بودربالة ضرورة أملتها الحاجة لإصلاح القضاء الذي تعثر في ظلّ المجلس السابق وما كان من هيمنة لهياكل القضاة والسياسيين على عمله. فيما وفّر المحامون الممثلون للقائمين بالحق الشخصي في قضية اغتيال الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي غطاء لها بتظاهرات أمام مقرّ مجلس القضاء تساند حلّه وتحمّله مسؤولية ما يقولون أنه تلاعب بكشف حقيقة الاغتيالات.

وقبل المضيّ في عرض ملاحظاتنا عليه، تجدر الإشارة إلى أن المرسوم لم يكتفِ بتغيير تركيبة المجلس الأعلى للقضاء بصورة تؤدي إلى إحكام هيمنة الرئيس سعيّد عليه، بل تضمّن أيضا مواد تهدف إلى القضاء على احتمال قيام ممانعة قضائية وازنة. وقد تم ذلك من خلال تخويف القضاة من خلال فتح الباب أمام عزل القضاة من دون مبرر ومن دون ضمان المحاكمة العادلة أو أيضا من خلال تجريدهم من وسائل الاحتجاج النقابي وفي مقدمتها حق الإضراب. 

نصّ يطيح ببناء دستوري كتب بنضالات

في رسالته[3] التاريخية لرئيس الجمهورية التونسية الأسبق زين العابدين بن علي بتاريخ 06-07-2001، تحدّث القاضي مختار اليحياوي[4] عن القضاء فقال أنه “يعيش أوضاعا مُرعبة إذ تمّ تجريد السّلطة القضائية والقضاة من سلطاتهم الدّستورية” مما يحرمهم من إمكانية “تحمّل مسؤولياتهم كمؤسسة جمهورية مستقلّة يجب أن تكفل لهم المساهمة في تحديد مستقبل وطنهم والاضطلاع الكامل بدورهم في حماية الحقوق والحريات”. وعزا اليحياوي ذلك إلى “وصاية فئة من الانتهازيين المتملّقين على القضاء “استولت” على المجلس الأعلى للقضاء وعلى أغلب المراكز الحساسة في مختلف المحاكم”.

ذكر موقفه ذاك بمطالب قضائية وحقوقية سابقة هدفها إرساء القضاء السلطة والقطع مع القضاء الذي تتعامل معه السلطة التنفيذية كمرفق إداري تابع لها.

كان حينها تشخيص وضع القضاء غير مُختلف فيه. كما كانت علاجات أمراضه وعلله كذلك والتي تمثّلت في ضرورة توفير بناء مؤسساتي يضمن استقلالية القضاء في طليعته مجلس أعلى للقضاء مستقلّ عن السلطة التنفيذية وهو الحلم الذي نقلته الثورة إلى الدستور ومن ثم إلى أرض الواقع بعدما طوّرت مضمونه.

مجلس القضاء الذي صنعته الديموقراطية …

يوم انطلقت صياغة دستور الجمهورية الثانية، كانت ضرورة إرساء القضاء المستقل من المسائل غير المختلف فيها. وقد فرض ذلك سريعا توافقا على وجوب عدم تكرار تجربة دستور غرّة جوان 1959 الذي أجّل واضعوه هذا الاستحقاق فانزلقت بسبب ذلك الجمهورية الأولى إلى نطاق حكم الفرد وقمع الحريات. فكان أن اتفق المؤسسون على أن يكون القضاء في دستور ما بعد الثورة سلطة وعلى أن يخصصوا له الباب الخامس من نصّهم والذي ضمنوه أحكاما خاصة بالمجلس الأعلى للقضاء.

استخلص الدّستور من تجربة الماضي ضرورة منع تسلل السلطة السياسية للقضاء عبر بوابة المسار المهني للقضاة، وفق ما تفرضه المعايير الدولية لاستقلال القضاء (وهي عبارة شكلت آنذاك أحد أهم الأسس المرجعية في صياغة الدستور ومن بعده القانون). وعليه، وفي حين فرض أن تكون غالبية أعضاء المجلس الأعلى منتخبة، مضى في موازاة ذلك إلى دمقرطة القضاء وجعله شأنا عاما من خلال فرض أن يكون ثلث هؤلاء الأعضاء من غير القضاة وجلهم منتخبون من المهن القانونية (محامون وأساتذة جامعيون وخبراء محاسبون وعدول تنفيذ)[5]. ويلحظ أن القانون الأساسي عهد مهمة الإشراف على الانتخابات داخل القضاء أو المهن القانونية الأخرى إلى الهيئة المستقلة للانتخابات. كما ترك لأعضاء المجلس انتخاب هياكله التي فرض أن تدار بشكل ديمقراطي. وبذلك، أمل المؤسسون أن يكون المجلس في ممارسته لصلاحياته ضمانة ل “حسن سير القضاء واحترام استقلاله”[6].

ويلحظ هنا إلى أن الرئيس كان أبدى رأيه بصفته خبيرا دستوريا حول تركيبة المجلس الأعلى للقضاء. وإذ تمسّك آنذاك بضرورة منع السياسيين من التسلّل للأرائك القضاء، رأى أن السبيل لذلك أن يكون مجلس الأعلى للقضاء مقتصرا في تركيبته على القضاة المباشرين والمتقاعدين ممن لم يزاولوا نشاطا مهنيا آخر. وطبعا لم تقنع فكرته تلك حينها المؤسسين لكونها تتعارض مع تصورهم الديموقراطي وهو أمر لم يمنعه من الإصرار عليها وانتهاء بفرض تصوره.

رئيس يرذل مجلس القضاء …ثم يفتك به

اتهم الرئيس في أكثر من كلمة له مجلس القضاء بالتقصير في أداء دوره. ومضى إلى ما بعد ذلك بأن قدح في نزاهة أعضائه فنسب إليهم استغلال مواقعهم للتمتّع بامتيازات كبيرة مقابل عمل بسيط يؤدونه. كما ادّعى أنّهم مخترقون سياسيّا ليمرّ تاليا للعصف بهم. وقد ترافق ذلك مع حملات فايسبوكية وإعلامية لترذيل المجلس وتحميله مسؤوليات هو براء منها.

تبعا لذلك، أصدر سعيّد بتاريخ 19-01-2022 مرسوما ينقح قانون المجلس وكان موضوعه إلغاء صلاحياته الترتيبية وإنهاء العمل بما يسند لأعضائه من منح لقاء مباشرتهم لعملهم به. وإذ قدّر حينها أعضاء المجلس أن الهدف من الخطوة إحباطهم والحدّ من تحمّسهم للعمل فضلا عن تشويه صورتهم، فإنهم سارعوا إلى إصدار بيان أكّد على تمسّكهم بمؤسّستهم وعزمهم مواصلة العمل فيها دفاعا عن استقلالية القضاء، وهو الموقف الذي فرض إعلان تصور مجلس جديد مؤقت يكون بديلا عن المجلس الذي قررر الرئيس بإرادته المنفردة ومن دون أي سند دستوري أو قانوني حلّه.

مجلس القضاء المؤقت: فكرة الرئيس وصورته

في بداية حديثه عن تغيير تركيبة مجلس القضاء، التزم الرئيس بأن تكون وزيرة العدل هي من تعد النص الذي يتم الاتفاق في شأنه مع هياكل القضاة. لكن هذا لم يحصل. إذ اختار أن يفرض إرادته على الجميع. فصاغ نصا يجسد ما سبق واعتقد فيه. وإذ تضمن الفصل 28 منه إلغاء للقانون الأساسي للمجلس الأعلى لقضاء وحلّا لهذا المجلس “فورا”، وضعتْ بقيّة فصوله هندسة مجلس القضاء الجديد المؤقت الذي سيحلّ محله والذي لا يعلم متى ينتهي عمله وإن كان يرجّح أنه سيستمرّ في وجوده لحين نجاح حاكم قرطاج في التغيير الكامل للنظام السياسي. وقبل المضيّ في تبيان ملامح البناء الجديد، نُسارع إلى إبداء ملاحظتين (1) أنه رغم مؤشرات متعددة مستمدة من خطاب الرئيس قيس سعيد أن موضوع اهتمامه الأساسي في ملف القضاء يتمثل في القضاء العدلي وتحديدا في محاكمه الجزائية، إلا أن المرسوم انتهى إلى فرض هندسة جديدة على مجمل مجالس القضاء بما فيها مجلسي القضاء الإداري والمالي بحيث تحولت كلها من مجالس منتخبة ديموقراطيا في أغلبيتها إلى مجالس معينة من السلطة التنفيذية التي يهيمن عليها سعيّد. و(2) أنه يؤدي عمليا إلى إرساء مجلس تابع لسلطة الرئيس وخاضع لمشيئته. وعليه، وفي حين هدفت هندسة المجلس وفق الدستور إلى ضمان استقلال القضاء، هدفت هندسة المرسوم الصادر بمشيئة سعيّد المنفردة إلى ضمان تبعيته له. 

مجلس معين ومنغلق:

فرض في هذا الإطار المرسوم الرئاسي أن يكون كلّ من مجالس القضاء العدلي والإداري والمالي مكوّنا من سبعة أعضاء، أربعة منهم من القضاة المعينين بالصفة أي من سامي القضاة وثلاثة ممن يعينهم رئيس الجمهورية من المتقاعدين[7]. ويلحظ هنا:

  • إن المعينين بالصفة في مجلس القضاء يسميهم الرئيس[8] ويحقّ له في كل حين استبدالهم بغيرهم،
  • إن الرئيس لم يكتفِ بأن أسند لنفسه صلاحية تعيين أعضاء المجلس من المتقاعدين بل زاد على ذلك تخويله أن يكون اختيارهم من قائمة المترشحين للمنصب التي يقدمها له المجلس المعني أو من خارجها.
  • إنه على مستوى القضاء العدلي، تمّ إرجاع مدير المصالح العدلية، وهو تابع إداريا لوزير العدل، إلى المجلس المؤقت، من ضمن أصحاب المراكز المعينين بالصفة. ويكتسي إرجاع هذا المسؤول إلى المجلس رمزية كبيرة، حيث أنه كان يتحكّم فعليا بمجلس القضاء في الجمهوريّة الأولى مستخدما سلطته لفرض تبعيّة القضاء للسلطة التنفيذية.
  • ان هيكلة مجلس القضاء المؤقت تخرق بشكل لا بس فيه الدستور وتشكل اعتداء على أحكامه بما يكون معه من المستغرب أن يُطالب أعضاؤه وفق ما جاء في مرسوم الرئيس بأن يؤدوا يمين تنصيب من ضمن التزاماته احترام الدستور[9].

لهذه الاعتبارات يمكن القول أن المجلس المستحدث يقطع في هيكلته مع الممارسة الديموقراطية ويكرس السلطة المطلقة للرئيس التي تتدعم بصلاحيات أسندها لذاته في عمل المجلس.

مجلس لا يحضره الرئيس لكن يحكمه:

خلال فترة الإعداد لحل مجلس القضاء، روّج المقربون من سعيّد لفكرة أن يكون هو من يترأس المجلس الجديد وكانت حجتهم في ذلك  أن استبعاد السلطة التنفيذية ورمز الدولة من تركيبة مجلس القضاء شكل أحد أهم أسباب تفكك السلطة وأن دولا عريقة في الممارسة الديموقراطية يترأس مجالسها القضائية رئيس الجمهورية[10].

إلا أنه يرجح أن تحركات القضاة الاحتجاجية والحملة الإعلامية التي خاضوها دفاعا عن مجلسهم دفعت سعيّد لتعويض التخلي عن هذه الفكرة بأن منح نفسه سلطة الفيتو على قرارات المجلس ولكن أيضا سلطة الحلول محله.

وقد تكرس فعليا حق الفيتو على المجالس القضائية الفطاعية في الفصلين 18 و19 في المرسوم. وعليه، وإذ أنيط بهذه المجالس إعداد الحركات القضائية، أعطي رئيس الجمهورية في أجل 21 يوما من توصله بها  حقّ الاعتراض “على تسمية أو تعيين أو ترقية أو نقلة كل قاض بناء على تقرير معلل من رئيس الحكومة أو وزير العدل”. فإذأ أبدى أي اعتراض مماثل، تعيّن على مجلس القضاء وفق المرسوم “إعادة النظر في موضوع الاعتراض باستبدال التسمية أو التعيين أو الترقية أو النقلة في أجل عشرة  أيام من تاريخ توصله بالاعتراضات”. ومن جهة أخرى، وإذ أنيط بالمجلس القضائية تقديم الترشحات للمناصب القضائية العليا، فإنه فرض عليها تقديم قائمة ترشحات لكل خطة لا يقلّ عدد من تشملهم عن ثلاثة ولا يزيد عن ستة، وعلى أن يكون للرئيس رغم ذلك الاعتراض على الترشيحات التي تصله وأن يفرض تاليا على المجلس استبدالها.

كما تكرّس حق حلول الرئاسة محلّ المجلس في حال تقاعسه عن القبول باشتراطاته. وعليه، تذكر صلاحية الحلول[11] تلك بالسلطة الرئاسية في الإدارة بما يؤكد أن مجلس الرئيس ليس في واقعه إلا جهة تمثله وتخضع لسلطته المطلقة وهو أمر يتوضّح أكثر في الأحكام التي تكرس آلية إعفاء القضاة.

مرسوم الإعفاء: قطع مع فكرة الضمانات ومأسسة لهشاشة القضاء

استعملت السلطة السياسية خلال فترة الانتقال الديموقراطي مرتين[12] صلاحية إعفاء القضاة الواردة بقانونهم الأساسي فيما قيل أنه تطهير القضاء. تبعا لذلك، أكدت المحكمة الإدارية أن المقررات التي صدرت مثّلت انحرافا بالسلطة وتعديا على حق القضاة في المؤاخذة العادلة. وعليه، ساد اعتقاد أن ملف الإعفاء والتطهير من خارج الأصول والضوابط المحددة قانونا والموافقة لمعايير استقلال القضاء. فلا تتحولنّ المحاسبة أو فزاعة التطهير إلى سيف مصلت على رقاب القضاة بما يجعلهم في وضع هشاشة ينتفي معها أي حديث عن الاستقلالية.

ولكن، خلافا لهذا الاعتقاد، أعاد مرسوم سعيد آلية إعفاء القضاة إلى الواجهة. وهذا ما نستشفه من الفصل 20 منه الذي جاء فيه حرفيا أنه “لرئيس الجمهورية الحق في طلب إعفاء كلّ قاض يخلّ بواجباته المهنية”. وعليه، فرض المرسوم على مجلس القضاء الذي يطلب الرئيس إعفاءه أن يوقف القاضي المعني به “فورا عن العمل” وأن “يبتّ فيه في أجل شهر”، وعلى أن يكون للرئيس حق اتخاذ قرار الإعفاء منفردا في صورة عدم التزام المجلس بذاك الأجل.

وإذ تحدث المرسوم عن “توفير ضمانات للمعني” بالإعفاء فإنه لم يبينها ولم يهتم بتفصيلها. ويستشف من ذلك أن توفير هذه الضمانات لم تكن محل اهتمام حقيقي ممن صاغ المرسوم، بل أن جلّ اهتمامه كان في تركيز آليات الإعفاء انسجاما مع خطاب سعيّد بشأن تطهير للقضاء.

هشاشة مؤسساتية وحرمان من حق الاحتجاج

بات القضاة وفق المرسوم في وضعية هشاشة مطلقة يمكن إعفاء أي منهم من دون احترام قواعد المؤاخذة المقررة لسواهم من موظفي الدولة بمشيئة الرئيس المنفردة. وقد ذهب ما تمّ التنصيص عليه من تحجير “على القضاة من مختلف الأصناف الإضراب وكلّ عمل جماعي منظم من شأنه إدخال اضطراب أو تعطيل في سير العمل العادي بالمحاكم” في الاتجاه نفسه أي في اتجاه مفاقمة هشاشة القضاة والقضاء على قدرتهم في ممانعة القرارات التي تمس بهم أو الاحتجاج عليها.

وقد ترافق كل ذلك مع حملات فايسبوكية تخللها نشر قوائم بأسماء قضاة يزمع وفق هذه الصفحات إعفاءهم عملا بالمرسوم الجديد، ومنهم أكثر القضاة انخراطا في معرضة المرسوم. وقد شكلت هذه الصفحات رسالة واضحة لهؤلاء ولكل من تسوله نفسه عدم الانسجام مع مطالب وتوجهات السلطة القائمة.  

خاتمة

يستخلص من كل ما سبق أن المرسوم عدد 11 ومجلس القضاء المؤقت الذي استحدثه يشكّل ارتدادا هاما عن المكسب الديموقراطي الذي تحقق بفضل دستور الجمهورية الثانية. ومن شأن ذلك أن يؤسّس لوضعية للقضاء ربما كانت أكثر هشاشة وبالتالي قابلية للخضوع لإملاءات السلطة مما كان عليه الحال في فترة الحكم الاستبدادي وأن يمهد بأقل تقدير إلى إعادة إحياء نموذج القاضي المنسجم على أنقاض تصور القاضي الحامي للحقوق والحريات الذي تخيله واضعو الدستور وكرسوه في فصوله.


[1]  للاطلاع على ما سبق من مواقف من الرئيس مهدت لهذا المآل يراجع مقال  للكاتب  ” القصر في مواجهة …القضاء والديموقراطية ” موقع المفكرة القانونية
[2] ورد في البلاغ الرسمي الذي نشر بصفحة التواصل الاجتماعي فايسبوك لرئاسة الجمهورية الذي أعلن المقرر الرئاسي أن “من يرى الظلم سائدا ويسكت عن الحق والعدل يصير مشاركا في هذا الظلم، لذلك تم حلّ المجلس الأعلى للقضاء واستبداله بآخر مؤقت لوضع حدّ لحالات الإفلات من العقاب “
[3] ورد بالمراسلة ” جناب السيد رئيس الجمهورية التونسية رئيس المجلس الأعلى للقضاء،
أتوجّه إليكم بهذه الرسالة لأعبّر لكم عن سخطي ورفضي للأوضاع المريعة التي آل إليها القضاء التونسي والتي أدّت إلى تجريد السلطة القضائية والقضاة من سلطاتهم الدستورية وتحول دونهم وتحمّل مسؤولياتهم كمؤسسة جمهورية مستقلّة يجب أن تكفل لهم المساهمة في تحديد مستقبل وطنهم والاضطلاع الكامل بدورهم في حماية الحقوق والحريات.
إن القضاة التونسيين مُقهرون في كل مكان على التصريح بأحكام منزّلة لا يمكن أن ينال منها أي وجه من الطعون ولا تعكس القانون إلا كما أريد له أن يُقرأ.
إن القضاة التونسيين يعانون من حصار رهيب لا يبقي أي مجال للعمل المنصف ويعاملون باستعلاء في ظروف من الريبة والتوجّس والوشاية تطولهم وسائل القمع والترهيب بما يسلب إرادتهم ويحول دون التعبير عن حقيقة قناعاتهم، كما تداس كرامتهم يوميّا ويقدّمون للرأي العام بشكل مرعب وبشع من الحيف والبطش حتى كاد يتحوّل مجرّد الانتماء إلى القضاء معرّة أمام كل الشرفاء والمظلومين.
إن القضاء التونسي قد فُرضتْ عليه الوصاية بسيطرة فئة من الانتهازيين المتملّقين الذين نجحوا في بناء قضاء مواز خارج عن الشرعيّة بكل المعايير. استولوا على المجلس الأعلى للقضاء وعلى أغلب المراكز الحساسة في مختلف المحاكم لا يعرفون معنى التجرّد والحياد وتحوّلت الاستقلالية إلى استقالة وتبرّم لدى كل القضاة الحقيقيين المحيّدين والممنوعين من الاضطلاع بدورهم وتحمّل مسؤولياتهم وتفعيل كفاءاتهم في خدمة القضاء والوطن.
إن هذه الفئات التي تتاجر بالولاء لتكريس الخضوع والتبعيّة والمعادية لمنطق التغيير والتطوّر الخلاّق عن طريق الالتباس بنظام الحكم القائم والتي تسعى إلى إشاعة التباس النظام بالدولة بالاستيلاء على كل مؤسساتها إنما تسعى إلى الفتنة وتقود إلى المواجهة وتشكّل التهديد الحقيقي للنظام والأمن والاستقرار.
إن مباشرتنا اليوميّة التي أتاحت لنا الاطلاع على حقيقة أوضاع القضاء تجعلنا نتجاوز واجب التحفّظ في ظروف سُدّت فيها كل قنوات الحوار المتوازن بما لم يبق معه مجال للصمت أمام صرخة الضمير حتى وإن تحوّلت سجوننا لأحسن مكان للشعور بالكرامة والحرية وراحة الضمير.
إن مسؤولياتكم الدستورية تفرض عليكم اتخاذ القرارات اللازمة لرفع الوصاية عن القضاء وعلى كل مؤسسات الدولة على نحو يسمح بإتاحة ممارسة الحريّات الدستورية للجميع لصياغة التغيير الحقيقي الذي يتطلّع إليه شعبنا وتقتضيه مصلحة الوطن.”
[4]  لمزيد التعرف على القاضي مختار اليحياوي يراجع مقال ” ذكرى مختار اليحياوي (١٩٥٢-٢٠١٥): ماذا علمتنا تجربة القاضي التونسي المقاوم؟ ” سامر غمرون المفكرة القانوني
[5]  نص الفصل 112 من الدستور ” يتكوّن المجلس الأعلى للقضاء من أربعة هياكل هي مجلس القضاء العدلي، ومجلس القضاء الإداري، ومجلس القضاء المالي، والجلسة العامة للمجالس القضائية الثلاثة.يتركب كل هيكل من هذه الهياكل في ثلثيه من قضاة أغلبهم منتخبون وبقيّتهم معيّنون بالصفة، وفي الثلث المتبقّي من غير القضاة من المستقلّين من ذوي الاختصاص، على أن تكون أغلبية أعضاء هذه الهياكل من المنتخبين. ويباشر الأعضاء المنتخبون مهامهم لفترة واحدة مدتها ست سنوات.
[6]  الفصل 114 من الدستور
[7] يتركب المجلس المؤقت للقضاء العدلي من: الرئيس الأول لمحكمة التعقيب، رئيس، وكيل الدولة العام لدى محكمة التعقيب، نائب رئيس،  وكيل الدولة العام مدير المصالح العدلية، مقرر،  رئيس المحكمة العقارية، عضو،  ثلاثة قضاة متقاعدين من القضاء العدلي مشهود لهم بالكفاءة والنزاهة والاستقلالية لا يمارسون أي وظيفة أو مهنة أخرى، يعينون بأمر رئاسي، أعضاء، 
– يتركب المجلس المؤقت للقضاء الإداري من: الرئيس الأول للمحكمة الإدارية، رئيس  رئيس الدائرة التعقيبية الأقدم في خطته على ألا يكون وكيلا للرئيس الأول، نائب رئيس  مندوب الدولة العام الأقدم في خطته، مقرر  رئيس الدائرة الاستئنافية الأقدم في خطته، عضو  ثلاثة قضاة متقاعدين من القضاء الإداري مشهود لهم بالكفاءة والنزاهة والاستقلالية لا يمارسون أي وظيفة أو مهنة أخرى، يعينون بأمر رئاسي، أعضاء 
– يتركب المجلس المؤقت للقضاء المالي من الرئيس الأول لمحكمة المحاسبات، رئيس وكيل الدولة العام، نائب رئيس  وكيل الرئيس الأول، مقرر  رئيس دائرة استئنافية الأقدم في الخطة، عضو  ثلاثة قضاة متقاعدين من القضاء المالي مشهود لهم بالكفاءة والنزاهة والاستقلالية، لا يمارسون أي وظيفة أو مهنة أخرى، يعينون بأمر رئاسي، أعضاء 
[8]  ينص الفصل 8 من المرسوم على كونه ” في حالة الشغور النهائي في تركيبة المجلس المؤقت للقضاء تتم إحالة قائمة الترشحات إلى رئيس الجمهورية طبق مقتضيات الفصلين 6 و19 من هذا المرسوم في أجل لا يتجاوز واحدا وعشرين ( 21)  يوما من تاريخ حصول الشغور النهائي.  …بانقضاء الأجل المذكور بالفقرة السابقة، لرئيس الجمهورية تعيين من يراه ممن تتوفر فيه الشروط المنصوص عليها بهذا المرسوم. “
[9]  ينص الفصل الثاني من المرسوم ” يؤدي أعضاء المجلس الأعلى المؤقت للقضاء أمام رئيس الجمهورية اليمين التالية: أقسم بالله العظيم أن أحافظ على استقلال القضاء، وعلى احترام أحكام الدستور والقانون وأن أتحلى بالحياد والنزاهة والأمانة وأن ألتزم بعدم إفشاء السر المهني. “
[10]  في تصريحات إعلامية متعددة له قال  عميد المحامين إبراهيم بودربالة  ومنها حضوره يوم  07-02-2022 ببرنامج ميدي شو بموزاييك اف ام بكون : “رئيس الجمهورية بإمكانه أن يترأس المجلس الأعلى للقضاء على غرار ما هو معمول به في فرنسا، ولا يمكن ربط استقلالية القضاة بتركيبة المجلس”.
[11]  يعرف فقهاء القانون الإداري صلاحية الحلول بكونها  حق  قيام الرئيس الإداري بالحلول محل المرؤوس و مباشرة التصرف الذي يختص بإصداره ، و يربطون استعمالها  بتقاعس أو عدم  قيام المرؤوس بعمله .
[12]  يوثق لهذه التجارب مؤلف  القضاء التونسي خلال مرحلة الانتقال الديموقراطي : نحت الجسد الحي  للكاتب والصادر عن المفكرة القانونية سنة 2016
انشر المقال



متوفر من خلال:

قضاء ، محاكم دستورية ، سلطات إدارية ، مرسوم ، استقلال القضاء ، تونس ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني