خلافات بشأن تعديل مدوّنة الأسرة في المغرب: “العدالة والتنمية” يلوّح بمسيرة مليونية


2024-03-04    |   

خلافات بشأن تعديل مدوّنة الأسرة في المغرب: “العدالة والتنمية” يلوّح بمسيرة مليونية

عاد الجدل في المغرب من جديد حول تعديل مدونة الأسرة. فقبيْل أيّام قليلة من انتهاء الموعد المحدّد لتقديم مخرجات الهيئة المكلفة بمراجعة مشروع القانون خلال شهر مارس الجاري، شنّ الأمين العام لحزب العدالة والتنمية عبد الإله بنكيران هجوما على مذكرة المجلس الوطني لحقوق الإنسان معتبرا أنّها تخرق أحكام الدستور، بالنظر إلى ما اقترحتْه من توصيات لإقرار مبدأ المساواة بين الجنسين داخل نظام الأسرة.

حزب العدالة والتنمية يهاجم مجلس حقوق الإنسان ويلوح بمسيرة مليونية

عبر الأمين العام لحزب العدالة والتنمية خلال كلمة ألقاها في مهرجان وطني نظّمه الحزب حول إصلاح مدونة الأسرة، يوم الأحد 03 مارس 2024 في مدينة الدار البيضاء، عن رفضه القاطع لأيّ مساس بالشريعة الإسلامية في نصّ المدونة المرتقب، ملوّحا بـالخروج في مسيرة مليونية، على غرار المسيرة التي نفّذتها القوى الاسلامية ضد خطة إدماج المرأة في التنمية في مارس 2000. وانتقد المتحدث في المهرجان الخطابي المذكرة التي قدمها المجلس الوطني لحقوق الإنسان حول إصلاح المدوّنة، واصفا إيّاها بالمذكرة “المارقة”، لما تضمنته من توصيات بمنع تزويج الطفلات وتجريمه، ومنع تعدد الزوجات، وإباحة زواج المسلمات بغير مسلم، ومراجعة لنظام الإرث والوصية، معتبرا هذه التوصيات غير مقبولة، لأن “الشعب المغربي لن يقبل أيّ مساس بالشريعة الإسلامية”، مردفا: “على المغاربة أن يتحرّكوا، وإذا استدعت الضرورة القيام بمسيرة مليونية فنحن مستعدون مرة أخرى”.

رفض لتسييس ملف تعديل مدونة الأسرة وتحذير من إخضاعها لمنطق التوافقات

من جهته دعا حزب التقدم والاشتراكية –أحد أحزاب المعارضة- إلى الابتعاد عن المزايدات العقيمة وعن تحريف المواقف والاقتراحات المتعلقة بقضية المساواة، معتبرا في بلاغ أصدره عقب انعقاد مكتبه السياسي أن المواقف والاقتراحات المتعلقة بقضية المساواة مواقف تقدميّة ومسؤولة وتحتكم إلى الثوابت الوطنية وإطارها الدستوريّ، داعيا إلى “التحلي بفضيلة الحوار، واحترام وجهات النظر المختلفة، وتجنُّب السقوط في خطابٍ يدَّعي امتلاكَ الحقيقة”. وفي نفس السياق، أكد الكاتب والناشط الحقوقي أحمد عصيد أنّ التيارات التي تدعو إلى أخذ الشريعة بعين الاعتبار في مراجعة مدوّنة الأسرة لا تقدّم أيّة قراءة اجتهادية لحلّ المشاكل التي تطرحها النساء من خلال شكاياتهن ومن خلال تقارير مراكز الاستماع وقضايا المحاكم، مشيرا إلى أن المطلوب اليوم ليس اختلاق موقف الصدام والصراع بين المرجعيات، بل إيجاد حلول لمشاكل الأسرة المغربية، سواء من داخل المنظومة “الشرعية” الإسلامية أو من مرجعية حقوق الإنسان. وأضاف عصيد أنّ هذا التيار المحافظ يرفض في حقيقة الأمر تعديل المدوّنة معتبرا أن التعديلات المطلوبة “مخالفة للشرع”، ومعنى هذا أنّ ما يهمه ليس حل المشاكل وخدمة المصلحة الإنسانية بل فقط الدفاع عن الشريعة بمنظور جامد لا اجتهاد فيه.

من جهته، قال الباحث في الدراسات الإسلامية محمد عبد الوهاب رفيقي:  “من أغرب ما رأيته  في المذكرات المرفوعة إلى لجنة تعديل مدونة الأسرة ما اقترحته  حركات الإسلام السياسي بخصوص التعصيب، فإذا كان حزب “العدالة والتنمية” قد تشبت بنظام التعصيب على عيوبه وإشكالاته، وفتح فقط حلا جزئيا ومحدودا حول إمكانية تدخّل القضاء لحماية الأرملة والبنات من مغادرة سكنى الزوجية، فإن حركتي “التوحيد والإصلاح” و”العدل والإحسان” اقترحتا للخروج من هذا الإشكال بأن يعمد صاحب المال إلى ضمان حقوق زوجته وأبنائه  في حياته عن طريق بعض العقود القانونية كالهبة والعمرى”.وتساءل المتحدث: “لماذا تقترحون على صاحب المال اللجوء إلى هذه الحيل القانونية إن لم تكونوا تعتقدون أن هناك مشكلا في الموضوع؟”

بطء في تنزيل حقوق النساء في المغرب ورفض لإخضاعها لمنطق التوافقات السياسية

من جهتها قالت عائشة لخماس، محامية وعضو المكتب التنفيذي لاتحاد العمل النسائي، إن المغرب يسير بسرعة القرون الوسطى بخصوص إصلاح مدونة الأسرة. وأكدت لخماس خلال المحاكمة الرمزية التي نظمت من طرف التنسيقية النسائية لتعديل مدونة الأسرة يوم السبت 02 مارس 2024: لم يعدْ مقبولا التفاوض أو التوافق لإرضاء بعض الأطراف السياسية، لأن حقوق المرأة لا تقبل أيّ مساومة، ولأنّ سؤال احترام الفقه الإسلامي والنصوص الفقهية، لا يطرح في الشأن العامّ إلا إذا تعلّق الأمر بقضايا المرأة، علما بأن هذا الفقه لم ينتفض حينما تعرّضت حقوق النساء في الأراضي السلالية للانتهاك. واتهمت عائشة لخماس حركات ذات الإسلام السياسي بالمغرب بمحاولة تسييس ملف تعديل مدونة الأسرة، معتبرة أن هذه الحركات تساهم في تقهقر حقوق المرأة المغربية، وأضافت: “إن تغيير مدونة الأسرة شرط أساسي لدمقرطة المجتمع”، و”إن مؤسسة الأسرة صارت اليوم نظرا لتخلف القوانين إحدى الآليات لتفقير النساء، سواء تعلق الأمر بحقّهن في الإرث، أو في أجورهن عن عمل معين تساهم به في الإنفاق على الأسرة، ناهيك عن عدم الاعتراف بمجهوداتهن داخل المنزل”.

الهيئة مستمرة في عملها رغم بروز القضايا الخلافية

أكّد محمد عبد النباوي، منسّق الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة، والرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، أن الهيئة مستمرة في دراسة مختلف التصورات المقدمة، معربا عن أمله في الخروج بـمقترحات تكون في مستوى تطلعات المغاربة. وأبرز المتحدث، أن هذه التصورات تعكس تنوع المغاربة وتعدّد مشاربهم وطموحهم ورؤيتهم للأسرة المغربية في المستقبل، هذه الأسرة يجب أن تكون متماسكة ومنسجمة ومتضامنة ومتلاحمة تراعي مصالح جميع أطرافها؛ الزوجات والأزواج والأطفال والأصول والفروع، وتساير التطور الحضاري الذي يعرفه البلد مع الحفاظ على الثوابت الأساسية التي تشكل لحمة الانسجام بين المغاربة.

وتجدر الإشارة، إلى أن المذكرات المقدّمة إلى أنظار هيئة تعديل المدونة، تبرز وجود اتفاق حول تعديل عدد من المقتضيات من أبرزها ما يتعلق بمنح الأمهات حقّ النيابة القانونية عن أطفالهن بعد الطلاق، وعدم اعتبار زواج الحاضنات مسقطا لحضانتهن، وتوسيع إجراءات الصّلح للحد من ارتفاع معدلات الطلاق، والارتقاء بأقسام قضاء الأسرة الى محاكم متخصصة للأسرة، بينما تتمثل أهم النقاط الخلافية في موضوع تعدّد الزوجات وتزويج الطفلات والإرث والوصية. فبينما تعتبر القوى ذات المرجعية الإسلامية أن هذه المواضيع محسومة لا تقبل نطاق المراجعة، تطالب القوى الحقوقية بمنع تزويج الطفلات ومنع تعدد الزوجات، وإباحة زواج المسلمة بغير مسلم، وبمراجعة نظامي الوصية والإرث.

مواضيع ذات صلة

المغرب يفتح ورش مراجعة مدونة الأسرة بعد 18 سنة من صدورها

انطلاق ورش تعديل مدونة الأسرة بالمغرب: تشكيل لجنة قانونية وتقليص سلطة “العلماء

هيئة تعديل مدونة الأسرة بالمغرب تعلن انتهاء جلسات الاستماع

ورشة لتعديل مدوّنة الأسرة في المغرب: أيّ توافق بين المرجعيّتين الحقوقية والدينية؟

محكمة النقض بالمغرب تمدّد أجل سماع دعوى الزوجية: تشجيع زواج الطفلات؟

أي دروس لتقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة في المغرب؟ إصلاح نظام الميراث نموذجا

مكانة الشريعة الإسلامية في تشريعات المغرب في ظل الدستور الجديد: استيعاب التناقضات في إطار التوافق وتحكيم “أمير المؤمنين

من أجل الارتقاء بأقسام قضاء الأسرة الى محاكم متخصصة في الأسرة بالمغرب

تنسيقية المناصفة في المغرب تأخذ زمام المبادرة : مقترح قانون لإقرار المساواة في الإرث

هل يرفع المغرب الحظر القانوني على الزواج عند اختلاف الدين؟

سابقة في اعمال آلية التظلم للأطفال بالمغرب: الجمعيات تطلب الانتصاف لطفلة ضد مقرر قضائي

جلسة مساءلة حول تمكين المرأة في البرلمان المغربي: 13000 حالة زواج قاصرات سنويا

هكذا يبرر القضاة تزويج الطفلات في المغرب

سابقة حكم قضائي يعتبر زواج التعدد “العرفي” عنفا نفسيا ضد المرأة

حقّ الرؤية للأجداد أيضا عملا بمصلحة الطفل الفضلى

زواج الأم الحاضنة لا يسقط حضانتها: سابقة قضائية تغلب مصلحة الطفلة الفضلى في المغرب

محكمة الاستئناف تلغي أول حكم بأبوة طفلة مولودة خارج الزواج: هل آن الأوان لتعديل مدونة الأسرة؟

انشر المقال

متوفر من خلال:

حركات اجتماعية ، حرية التعبير ، مقالات ، جندر وحقوق المرأة والحقوق الجنسانية ، حراكات اجتماعية ، المغرب



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني