هل يرفع المغرب الحظر القانوني على الزواج عند اختلاف الدين؟


2022-09-26    |   

هل يرفع المغرب الحظر القانوني على الزواج عند اختلاف الدين؟

فتح الخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش النقاش مجدّدا بالمغرب بشأن تعديل مدوّنة الأسرة بعد مرور زهاء عقديْن من الزمن على اعتمادها، حيث تستعد الساحة الحقوقية الوطنية لبدء مسلسل المشاورات بخصوص تعديل هذا القانون بهدف ملاءمته مع المستجدات الدستورية، وذلك مع غرة الدخول التشريعي القادم.

وتشكل قضايا مغاربة المهجر أحد أهم المواضيع التي يطرح فيها بإلحاح سؤال الملاءمة. فرغم اعتراف المدوّنة بالزواج المدني الذي يتم طبق قوانين بلدان الإقامة، إلا أن استمرار تنصيصها على اختلاف الدين كمانع من موانع الزواج يطرح إشكالات عملية وواقعية عدة.

حظر قانوني يتنافى مع المعايير الدولية

يعتبر اختلاف الدين من الموانع المؤقتة للزواج في القانون المغربي، فمدونة الأسرة[1] منعت المرأة المغربية المسلمة من الزواج من غير مسلم. في المقابل سمحت للرجل المغربي المسلم من الزواج من كتابية، سواء كانت يهودية أو مسيحية[2].

ومعلوم أنه بمنع زواج المسلمة بغير مسلم تكون مدوّنة الأسرة قد خالفت مبادئ الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب، والتي تقر مبدأ حرية الزواج، وذلك لأنها جعلت من الدين قيدا يحدّ من حريّة الأطراف في الزواج؛ ومن ناحية أخرى لأنها ميزت بين الرجل والمرأة في ممارسة الحق في الزواج. ولا شك أن مثل هذا المنع الخاص بالمرأة يحدّ من حرية اختيارها لشريك حياتها ويحدد لها مجال الانتقاء المسموح لها به لممارسة تلك الحرية[3]. كما يعتبر ميزا مكشوفا في مواجهتها، وتكريسا لامتياز الذكورة على مستوى حرية الزواج يتنافى مع المعايير الدولية[4]. وهو ما قد يطرح عدّة إشكالات عمليّة تتعلق بإعمال البروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية القضاء ضدّ جميع أشكال التمييز ضد المرأة خاصّة بعد إتمام المغرب لإجراءات المصادقة عليه ودخوله حير التنفيذ[5].

كيف تعامل القضاء مع الحظر القانوني لزواج المسلمة بغير مسلم؟

كرست مدونة الأحوال الشخصية الملغاة مبدأ عدم الاعتراف بزواج المسلمة بغير مسلم، في إطار تصوّر عام يضفي على هذا القانون صفة القداسة[6]. ومن نفس المنطلق الديني[7]،استقرّ اجتهاد الغرفة الشرعية بالمجلس الأعلى سابقا على أنه: “لا يقبل لمؤازرة الخصوم وتمثيلهم لدى الغرف المختصة للنظر في قضايا الأحوال الشخصية والميراث الإسلامي إلا المحامون المسلمون”[8]، فضلا عن عدم الاعتراف بالطلاق الصادر عن محاكم في بلدان غير مسلمة، لانتفاء شرط الاسلام المتطلب شرعا في قضاة هذه المحاكم، وعدم الاعتراف بعقود الزواج التي تتم بالخارج أمام ضباط الحالة المدنية طبق قوانين بلدان الإقامة، لعدم احترامها للشكل العدلي للزواج، الذي يفرض ضرورة إبرامه أمام عدلين منتصبين للإشهاد[9].

بعد صدور مدونة الأسرة، سجل نوع من التحول في طريقة الاجتهاد القضائي بسبب طبيعة النص الجديد الذي قام على التوازن بين مرجعية التشريع الإسلامي ومرجعية المعايير الدولية لحقوق الإنسان. ورغم الابقاء على المنع القانوني لزواج المسلمة بغير مسلم، إلا أنه لوحظ أن القضاء المغربي أبدى نوعا من التحوّل في التعامل مع هذا النوع من القضايا في إطار مبدأ المرونة[10] الذي أصبح ينظم قضايا مغاربة المهجر. وهكذا ولأول مرّة، أقرّت محكمة النقض مبدأ الأثر المخفف للنظام العام، حينما اعترفت بطلاق اتفاقي تمّ بين مغربية مسلمة، وأجنبي غير مسلم؛ واعتبرته لا يشكل أي مساس بالنظام العام، طالما أن المطلوب هو انهاء العلاقة الزوجية، بغض النظر عن شرعيتها.[11]

واجتهدت محاكم أخرى في حماية أوضاع قائمة تغليبا لمصلحة الأسرة والمرأة على وجه الخصوص وإعمالا لمبدأ سمو المواثيق الدولية على التشريع الداخلي، حيث اعترفت محكمة الاستئناف بالرباط بزواج بين مغربية مسلمة وفرنسي، رغم معارضة النيابة العامة، ودون أن يدلي الطرف غير المسلم بوثيقة تؤكد اعتناقه للإسلام، وقد عللت موقفها بأن: “إدلاء الطرف الأجنبي بما يفيد إعلانه لإسلامه ليس من الوثائق الجوهرية في الزواج المنعقد بالخارج..”.

وأضاف القرار: “أن عقود الزواج المختلط تخضع في شكل انعقادها لقانون البلد الذي أبرمت فيه طبقا لمبادئ القانون الدولي الخاص، ولاتفاقية لاهاي في المادة الثانية فيها، والتي تبنّاها المشرع المغربي في الفصل 11 من ظهير 12/08/1913 المتعلق بالوضعية المدنية للفرنسيين والأجانب بالمغرب، وتم الاتفاق على هذا المبدأ في الاتفاقية الثنائية المبرمة بين المغرب وفرنسا بتاريخ 10/08/1981، وذلك في الفصل السادس منها، كما نص الفصل الرابع منها على أنه: “لا يمكن العدول عن تطبيق قانون إحدى الدولتين المحدّد بمقتضى هذه الاتفاقية من طرف محاكم الدولة الأخرى، إلا إذا كان منافيا بصورة واضحة للنظام العام”، وهذا المقتضى الشكلي هو ما أكدته المادة 14 من مدونة الأسرة التي راعت روح الاتفاقيتين المذكورتين.

وحيث أنّ الاتفاقيات الدولية هي قانون خاص ومقدم في التطبيق على القانون الوطني، وهو هنا مدونة الأسرة التي هي قانون عام، وذلك طبقا لمبدأ سمو الاتفاقيات على القانون الوطني.. “[12]

في نفس السياق نعثر على اجتهادات قضائية متفرقة صادرة عن بعض محاكم الموضوع اعتمدت على “حيل” اجتهادية من قبيل اعتبار أن الاسلام دين الفطرة والأصل هو الإسلام دون ضرورة تكليف الطرف غير المسلم بالإدلاء برسم اعتناق الإسلام، والقول أيضا بالأثر اللاحق لاعلان الزوج غير المسلم اعتناقه للإسلام وأثر ذلك على صحة الزواج والآثار المترتبة عنه، من منطلق أن اعتناق الإسلام يجب ما قبله[13].

وعموما فقد عبرت الغرفة الشرعية بالمجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا) عن هذا التحول بشكل صريح في قرار صدر عنها جاء فيه: “إن متطلّبات الحياة الدوليّة التي انخرط فيها المغرب، يقتضي المرونة في التعامل مع فكرة النظام العامّ التي هي متغيرة بطبيعتها، فهي كحبة زئبقية تتحرك على الرمال”[14].

سياق جديد لمراجعة حظر زواج المسلمة بغير مسلم

بعد 18 سنة من صدور مدونة الأسرة، يبدو أنّ ثمة مؤشرات عدّة تفرض إعادة طرح هذا الموضوع للنقاش العمومي، أهمها:

سياق دستوري: فدستور 2011 أقر مبدأ سمو الاتفاقيات الدولية على القانون الداخلي، والمغرب شرع في ورش إصلاح تشريعي كبير من أجل ملاءمة تشريعاته مع الاتفاقيات الدولية، لا سيما بعد رفع التحفظات على اتفاقية سيداو[15]، وإتمام إجراءات المصادقة على البروتوكول الاختياري الملحق بها؛

سياق اجتماعي: أصبح تبرير منع زواج المسلمة بغير مسلم متجاوزا بعد تغير الوضعية الاجتماعية والثقافية والاقتصادية للمرأة وللأسرة وللمجتمع المغربي. فالمرأة المغربية تمكنت من قيادة الأسرة وتوجيهها والتأثير فيها، إذ أن ثلث الأسر تعيلها نساء[16]، والمرأة المغربية نفسها اضطرّت إلى الهجرة إلى الخارج لتحسين فرص تعلّمها وعملها وتطوير قدراتها، ومن ثم أضحت وضعيتها لا تختلف عن وضعية زميلها الرجل.

والأسرة المغربية نفسها عرفت تطوّرا بعد إلغاء مفهوم الطاعة وتعويضه بمفهوم الرعاية المشتركة للزوجين[17]، بل أن الأبناء أصبحوا يتبعون بدورهم أمّهم المغربية بعد تعديل قانون الجنسية الذي أقر مبدأ المساواة بين الجنسين في نقل الجنسية المغربية للأبناء[18].

سياق واقعي: يكمن في أن الحظر القانوني المفروض على زواج المسلمة بغير مسلم -منذ أكثر من نصف قرن على تنظيم هذا الموضوع قانونيا- لم يحل دون إبرام هذا الزواج على أرض الواقع سواء داخل المغرب أو خارجه. فمعدلات الزواج المختلط في ارتفاع، وهو يعرف زيادة كبيرة في صفوف النساء المغربيات، مما يولّد مشاكل قانونية واجتماعية عدّة لهن وللأبناء وللأسر، فالمنع القانوني أصبح متجاوزا من الناحية العملية بحكم الواقع.

مواضيع ذات صلة

المغرب يفتح ورش مراجعة مدونة الأسرة بعد 18 سنة من صدورها

لا حجر على زواج التونسية بغير مسلم: حدث هامّ يتوّج نضال المرأة

هل يقبل القانون التونسي بالزواج عند اختلاف الدين؟

الزواج المدني في لبنان، حقٌ مكتسب مُعلَّق

تسجيل الزواج المدني في لبنان: “العدل” تؤيّد و”الداخلية” تتمرّد على القانون

تحرّك شطب القيد الطائفي والزواج المدني على الأراضي اللبنانية

حول الزواج المدني والمادّة التاسعة من الدستور

هل الزواج المدني يحتاج إلى تعديل دستوري؟ قراءة في المادة 9 من الدستور اللبناني

الحق بالزواج المدني وتكوين أسرة في لبنان: سلاح اضافيّ في معركة لم تحسم بعد

المفكرة تنشر قرارا قضائيا بشأن الزواج المدني في لبنان: سلاح إضافي لمعركة لم تنتهِ بعد


[1] ظهير رقم 22-04-1 صادر بتاريخ 3 /02/ 2004 بتنفيذ القانون رقم 70-03 بمثابة مدونة الأسرة والمنشور في الجريدة الرسمية عدد 5184 بتاريخ 05/02/2004 ص 418.

[2]- المادة 39 من مدونة الأسرة.

[3]- فريدة بناني : وضعية المرأة بالمغرب بين القوانين والمواثيق الدولية ، مقال منشور ضمن مؤلف جماعي : المرأة العربية الوضع القانوني والاجتماعي، دراسة ميدانية في ثمانية بلدان عربية، منشورات المعهد العربي لحقوق الانسان، تونس 1996، ص 272.

[4]- خالد البرجاوي : قانون الزواج بالمغرب بين مدونة الأحوال الشخصية ومقتضيات الاتفاقيات الدولية لحقوق الانسان، دار القلم، الرباط، الطبعة الثانية، 2000 ، ص  39 .

[5]- يتعلق الأمر بالبروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية القضاء ضد جميع أشكال التمييز ضد المرأة المعتمد بنيويورك في 6 أكتوبر 1999، حيث تم إيداع وثائق الانضمام اليه لدى الأمين العام للأمم المتحدة بتاريخ 22 أبريل 2022، ودخل حيز النفاذ بتاريخ 22 يوليوز 2022.

[6]- هناك أحكام قضائية متواثرة كرست صفة القداسة في التعامل مع مقتضيات مدونة الأحوال الشخصية، حيث ذهبت محكمة الاستئناف بالرباط إلى رفض تذييل حكم أجنبي بالصيغة التنفيذية بعلة أن القانون الهولندي لا سلطة له على الحالة الشخصية لمغربيين متزوجين وفق مدونتهما الشخصية، ووفق الأحكام الإلهية الشرعية”.

-قرار رقم 44 ملف رقم 6727/2000/10 بتاريخ 30/04/2001 .

[7]- الحسين بالحساني : أثر اللبس المرجعي على وضعية المرأة في النظام القانوني المغربي، مداخلة  في  ندوة تحت عنوان “النساء ودولة الحق و القانون”، أشغال الملتقى الدولي المنظم يومي 19 و 20 أبريل 2002 بكلية الحقوق السويسي الرباط ص 43.

[8]- قرار عدد 28، صادر بتاريخ 31/10/1967.

[9]- لمزيد من التفاصيل، أنظر:

-جمال الطاهري : “النظام العام المغربي كقيد على فاعلية الأحكام القضائية الأجنبية بانحلال الزواج المختلط”، المجلة المغربية للدراسات الدولية، عدد خاص أكتوبر 2004.

[10]- خالد برجاوي : “تقييم مدونة الأسرة من زاوية القانون الدولي الخاص”، مقال منشور بمجلة مرافعة عدد 16 أكتوبر 2005 ص 49.

[11]- قرار عدد 106، صادر بتاريخ 17/04/2006، في الملف عدد 30/2006/10 منشور، بمجلة قضاء الأسرة، العدد 3 دجنبر 2006. منشورات جمعية نشر المعلومة القانونية والقضائية ص  128.

[12]- -قرار محكمة الاستئناف بالدار البيضاء-الغرفة الشرعية، عدد 1413، في الملف 71/2007، بتاريخ 23/05/2007.

[13]- جاء في قرار محكمة الاستئناف بالدار: “إن ما عابه المستأنفان على الحكم المطعون فيه يكون مؤسسا، ذلك أن ما نسبه الحكم لقواعد الفقه الاسلامي من كون البنوة غير الشرعية لا تثبت اتجاه الأب الا بعد اشهار اسلامه لا أساس له، فالاسلام يجب ما قبله (…) ، وعلى ذلك فزواج الهالك صحيح ومنتج لكافة آثاره ومنها لحوق نسب الابن”.

-قرار بتاريخ بتاريخ 26/06/03 في الملف عدد 927/1/03.

[14]- قرار رقم 92، ملف عدد 5762/2007، بتاريخ 09/01/2008.

[15]-تمت الاشارة بشكل صريح لالتزام الحكومة بملاءمة التشريعات الوطنية مع الدستور الجديد من خلال المخطط التشريعي برسم الولاية التشريعية التاسعة، وافق عليه مجلس الحكومة بتاريخ 22/11/2012.

[16]- بلغ عدد الأسر التي ترأسها النساء المغربيات 1.321 مليون في عام 2010 بقدر 19.1% من إجمالي عدد الأسر، وخلال سنة2011 وصلت نسبة العائلات التي تترأسها و تعيلها نساء  16% في القرى و البوادي،  و21% في المدن، و تمثل الأرامل نسبة تصل إلى أكثر من نصف العائلات اللواتي تعلنها نساء و ذلك بنسبة بلغت 55%، و المتزوجات بنسبة 28.30% والمطلقات 10.10% فيما تمثل العازبات نسبة تصل الى%6.5.

-احصائيات المندوبية السامية للتخطيط .

[17]- أخضعت المادة 04 من المدونة الأسرة للرعاية المشتركة للزوجين، بعدما كانت مدونة الأحوال الشخصية تلزم الزوجة بطاعة زوجها (الفصل 36).

[18]- الفصل 6 من قانون الجنسية.

انشر المقال

متوفر من خلال:

محاكم دينية ، قرارات قضائية ، مقالات ، المغرب



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني