محاكم تفتيش ضد مُناهضي التطبيع في المغرب


2024-04-16    |   

محاكم تفتيش ضد مُناهضي التطبيع في المغرب

أصدرت المحكمة الابتدائية بالمحمدية (ضواحي مدينة الدار البيضاء المغربية) في توقيت متأخر من ليلة الثلاثاء التاسع من أبريل 2024 حكما بالسجن النافذ لمدة خمس سنوات وغرامة مالية قدرها 50 ألف درهم (تعادل 5 آلاف دولار)، في حق المدون عبد الرحمن زنكاض، على خلفية تدوينات نشرها على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، ينتقد فيها استمرار تطبيع  السلطات المغربية مع الكيان الصهيوني رغم الإبادة الجماعية التي يتعرّض لها الشعب الفلسطيني في غزة.

اعتقال من منزل العائلة بسبب 5 تدوينات

تعود فصول القضية إلى تاريخ 22 مارس 2024 حينما اعتقلت عناصر الشرطة المدون عبد الرحمن زنكاض من منزله، وعملت على اقتياده الى مخفر الأمن للاستماع إليه بخصوص مضامين عدد من التدوينات التي نشرها على صفحته الشخصية في موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك. وكشفت زوجة المدون رشيدة الحداد، أن اعتقال زوجها “تم يوم الجمعة 11 رمضان بطريقة روّعت أهل البيت ولم تراعِ مقتضيات القانون، حيث طرقتْ فرقة أمنية بلباس مدني الباب بطريقة أفزعتْ الأبناء، واقتحمتْ البيت من دون الادلاء بأيّ إذنٍ مكتوب ولا حتى التعريف بصفاتهم ولا بسبب الاعتقال”. وأضافت الزوجة أن العائلة أحسّت بالرعب، وأنها طيلة مدة الوضع رهن الحراسة النظرية “منذ يوم الجمعة إلى يوم الإثنين لم يصلْها عنه أي خبر، لدرجة أنّها لم تعرف إن كان زوجها معتقلا أم مختطفا إلى غاية تاريخ تقديمه إلى النيابة العامة”. وأوضح محامي المتهم الحسن السني في حديثه لوسائل إعلام دولية أن موكله المدون عبد الرحمن زنكاض اعتقل بتاريخ 22 مارس 2024 بعد متابعته من طرف النيابة العامة بسبب خمس تدوينات نشرها في صفحته بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك ينتقد فيها “المطبّعين” مع إسرائيل و”الحكّام العرب” على خلفيّة الحرب الإسرائيلية الدامية على قطاع غزة.

وأضاف أنّ موكله حاول طيلة مراحل البحث التمهيدي وكذلك خلال إجراءات المحاكمة إقناع الهيئة القضائية التي تنظر في الملف بأنه “لم يكن يقصد بتاتا ملك المغرب بالتحديد، وإنما كان ينتقد في تدويناته مواقف حكّام الدول القريبة من فلسطين على خلفيّة الحصار والحرب على غزة”. وأوضح الدفاع أن المتهم أدين أيضا “بنشر أخبار كاذبة” بسبب تدوينة أخرى في صفحته الشخصية انتقد فيها التدابير التي اتخذتها السّلطات بعد الزلزال الذي ضرب منطقة الحوز وسط البلاد قبل ستة أشهر.

تضييق على حرية التعبير

وصفتْ مجموعة الدفاع عن الحرية المدنية، -وهي مبادرة مدنية تضمّ عددا من المدافعين عن المتظاهرين- الاتهامات الموجهة إلى المدوّن عبد الرحمن زنكاض بأنها عارية عن الصحة، وقالت “إن الإجراءات التي اتُّخذت في حق المتهم وفي حق عدد من النشطاء الآخرين تنتهك حقهم في محاكمة عادلة”. وأكدت الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع أن إدانة زنكاض هي “محاولة من السلطات لإخراس الأصوات الحرة التي تفضح الاستبداد والعمالة الصهيونية”. وعبّرت الجبهة التي تضمّ العديد من المنظمات الحقوقية المناهضة للتطبيع، في بيان لها، عن إدانتها القويّة لهذا القرار الذي لا يُعتبر إجراءً معزولا بل يندرج ضمن نزوع عام للدولة يهدف إلى إخراس الأصوات الحرّة التي تفضح الاستبداد والعمالة الصهيونية، كما أنه ينضاف إلى لائحة طويلة للمعتقلين السياسيين بالمغرب.

من جهتها، عبرت الهيئة المغربية لنصرة قضايا الأمة عن تضامنها مع زنكاض ومع أسرته في “هذه المحنة الحقوقية” مسجّلة إدانتها للحكم القضائي الذي تعتبره “رسالة سياسية إلى كل المعارضين لمسلسل التطبيع الذي دشنه المغرب منذ مدة، والذي يصرّ على الاستمرار فيه، بما يشكل دعما سياسيا ومعنويا وأخلاقيا لجرائم الكيان الصهيوني، الذي أجمعت على إدانتها كل الهيئات الدولية والشعبية الحرة وصنّفتها جرائم حرب وإبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية”.

مناهضون للتطبيع بالمغرب خلف القضبان

قبل اعتقال المدون والناشط الحقوقي زنكاض، كان سبق اعتقال ومتابعة عدد من النشطاء الحقوقيين بالمغرب بسبب مواقفهم المناهضة للتطبيع. ففي تاريخ 07 نوفمبر 2019 تمّت إدانة الناشط الحقوقي أحمد ويحمان، رئيس المرصد المغربي لمناهضة التطبيع بالسجن النافذ شهرا واحدا على خلفية احتجاجه على مشاركة إسرائيل في مهرجان دولي للتمور بالمغرب، حيث وجّهت له تهمة إهانة موظف عمومي وتبادل الضرب والجرح ضد رجل سلطة برتبة قائد في مدينة أرفود.

خلال أغسطس 2020، أدانت المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء المدون علي بوكيوض بسبب منشورات على فيسبوك ينتقد فيها تطبيع العلاقات مع إسرائيل واعتبرت “مسيئة” للملكية، وفق ما أفاد محاميه، وقضت المحكمة بمعاقبته بالسجن النافذ خمس سنوات، قبل أن تقرر محكمة الاستئناف تخفيض العقوبة الى ثلاث سنوات سجنا.

وخلال مارس 2024، تابعت النيابة العامة بالمحكمة الابتدائية بسلا في حالة سراح عددا من المتظاهرين الداعين إلى مقاطعة أحد الفضاءات التجاريّة الكبرى، في اطار رفضهم للتطبيع مع الكيان الصهيوني، ووجّهت لهم تهم المساهمة في تنظيم مظاهرة غير مرخّص لها والتحريض على التظاهر.

وقال الائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان إنه “صدم برجوع النيابة العامة للوراء بحثا عن سيف المتابعات السياسية ضد النشطاء الحقوقيين المناهضين للتطبيع مع الكيان الصهيوني، من خلال إخراج تهمة التظاهر غير المصرح به”. وأضاف الائتلاف في بلاغه الموجه إلى الرأي العام: “كنا ننتظر دعم النيابة العامة لقرارات محكمة العدل الدولية، تماشيا مع القانون الوطني والدولي بما في ذلك التدابير التي أمرت بها لوقف الابادة الجماعية، واحترام حق التظاهر السلمي ضدّ ما يحصل من إبادة في حق الفلسطينيين، الذين يعتبر الشعب المغربي قضيتهم قضية وطنية، وتأييدها لفتح التحقيقات من قبل المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية ضد مجرمي الحرب على غزة، كما كنا ننتظر من النيابة العامة بسلا، دعما مطلقا لحق المواطنين والمواطنات في التظاهر السلمي، والحق في الاحتجاج والدعوة لمقاطعة الشركات التي تتعاون مع الكيان الصهيوني، وفي التعبير بكل الأشكال المشروعة عن مناهضة كافة أشكال التطبيع، وإعطاء المثل كما هو الحال في المئات من الدول، التي عرفت شوارعها نهوضا مدويا نصرة للشعب الفلسطيني، وأن تحرص على حماية سلامة المحتجين والمحتجات سلميا، ومنع التعرض إليهم وقمعهم والتنكيل بكرامتهم بالشارع العام، لكن عكس ذلك، عمدت إلى حماية قمعهم، وحماية انتهاك حقوقهم بقرار متابعتهم، لتعلن فتح نزاع قضائي مفتعل معهم، وتكشف عن مقاربة أمنية تروم المزيد من التضييق والاجهاز على الحقوق والحريات، متناقضة مع مقومات دولة الحق القانون في ظرف يترأس فيه المغرب دورة انعقاد مجلس حقوق الانسان لسنة 2024، ولتعلن قبل وبعد ذلك عن موقف سياسي شبه مؤيد للتطبيع ومؤيد للمطبعين”.

من جهته، انتقد المرصد المغربي لمناهضة التطبيع استمرار الملاحقات القضائية في المغرب ضد المدونين المناهضين لقرار استئناف العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، معتبرا  أن “القضية الفلسطينية قضية وطنية”، وأن “حرية التعبير ما دامت بشكل سلمي وغير مصحوبة بأي عنف مسلح مكفولة، وهي حق من الحقوق الدستورية المحفوظة”، فالمواطن “لم يزد عن التعبير السلمي عن رأيه في التطبيع مع كيان الاحتلال العنصري في فلسطين المحتلة”.

للاطّلاع على حكم المحكمة الابتدائية بالمحمدية

مواضيع ذات صلة

مدافعات عن الحقوق من دون حقوق

تقديم عريضة إلى الحكومة في المغرب لوقف التطبيع مع إسرائيل: قانون العرائض في الواجهة

استمرار المطالب الشعبية بإلغاء التطبيع في المغرب: النقض تردّ الطعن بقرار التطبيع بحجّة أنه “سيادي

مسيرات في المغرب ضد العدوان الإسرائيلي على غزة: دعوات لتفعيل سلاح المقاطعة ووقف اتفاقية التطبيع

انتقاد التطبيع مع إسرائيل “إساءة للملكية”: 5 سنوات سجن لشاب انتقد التطبيع مع إسرائيل في المغرب

عودة الجدل بالمغرب حول قانون “تجريم التطبيع

الخطاب السياسي الاحتجاجي” حرية مضمونة: قرار قضائي بتبرئة إهانة هيئات منظّمة في المغرب

قرار لتعزيز التعبير التعددي لتيارات الفكر والرأي في المغرب: تشاركية في النقاش العام أم محاولة لإضعاف الأحزاب السياسية؟

القضاء يرفض طلب النيابة العامة بحجب صفحة فيسبوكية: الفيسبوك منصة ومساحة لتبادل الأفكار والآراء ونشر المقالات

الحكم على مدوّنة بالمغرب بتهمة “الإساءة للإسلام

ما ساكتينش” حملة إلكترونية بالمغرب للمطالبة بهامش حرية أكبر

السلطات التونسية ترحل الأمير المغربي مولاي هشام من تونس: حسابات المصالح تطيح بقيم الحرية

انشر المقال



متوفر من خلال:

قضاء ، حركات اجتماعية ، قرارات قضائية ، حرية التعبير ، مقالات ، حراكات اجتماعية ، فلسطين ، المغرب ، محاكمة عادلة



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني