من أجل الارتقاء بأقسام قضاء الأسرة الى محاكم متخصصة في الأسرة بالمغرب


2022-09-19    |   

من أجل الارتقاء بأقسام قضاء الأسرة الى محاكم متخصصة في الأسرة بالمغرب

دعا الملك محمد السادس في خطاب العرش إلى تعميم محاكم الأسرة، وذلك بمناسبة إعلان فتح ورش تعديل مدونة الأسرة بعد مرور زهاء 19 سنة على المصادقة عليها.

وتطرح عملية تنزيل هذه التوصية على أرض الواقع عدة تساؤلات، بالنظر إلى طبيعة “محاكم” الأسرة الموجودة حاليا والتي تعتبر مجرد أقسام داخل المحاكم الابتدائية وهو الوضع الذي أكدته عملية مراجعة قانون التنظيم القضائي.

تجربة أقسام قضاء الأسرة بالمغرب

غداة إصدار مدونة الأسرة سنة 2004، كان الرهان معقودا على وجود قضاء أسري متخصص يكفل تطبيقها بشكل سليم. وفي هذا الإطار، أشارت ديباجة المدوّنة الى أن تفعيل موادها “يظل رهينا بإيجاد قضاء أسري عادل وعصري وفعال، لا سيما وقد تبيّن من خلال تطبيق مدونة الأحوال الشخصية، أن جوانب القصور والخلل لا ترجع فقط إلى بنودها، ولكن بالأحرى إلى انعدام قضاء أسري مؤهّل ماديا وبشريا ومسطريا، لتوفير كل شروط العدل والإنصاف، مع السرعة في البتّ في القضايا، والتعجيل بتنفيذها”.

وبموازاة صدور قانون 70.03 المتعلق بمدونة الأسرة[1]، تمّ إصدار قانونين إجرائيين آخرين الأول يحمل رقم 72.03 ويتعلق بتعديل قانون المسطرة المدنية[2] وبموجبه تمّ إدخال مقتضيات إجرائية خاصّة تهمّ البتّ في بعض مساطر الأحوال الشخصية، والثاني يحمل رقم 73.03 وبموجبه تمّ تعديل قانون التنظيم القضائي[3] بإحداث أقسام قضاء الأسرة حيث نصّ على أنه “يمكن تقسيم المحاكم الابتدائية إلى أقسام قضاء الأسرة وغرف مدنية وتجارية وعقارية واجتماعية وزجرية”. كما نصّ على أنّ أقسام قضاء الأسرة “تنظر في قضايا الأحوال الشخصية والميراث والحالة المدنية وشؤون التوثيق والقاصرين والكفالة وكل ما له علاقة برعاية وحماية الأسرة”.

في نفس السياق، نصّ أنّه يمكن لكلّ غرفة أن تنظر في كل القضايا المعروضة على المحكمة كيفما كان نوعها باستثناء ما يتعلق بأقسام قضاء الأسرة[4].

والملاحظ أن إيجاد قسم متخصص داخل المحكمة الابتدائية، وهي المحكمة ذات الولاية العامة، شكّل حينئذ فكرة جديدة، لم يعهدها النظام القضائي المغربي وكذا الممارسون والمهتمون بشؤونه، وهو ما أثار آنذاك عدة تساؤلات عن مفهوم وطبيعة هذا المولود الجديد الذي يروم أن يكون قضاء متخصصا، وجزءا من محكمة الولاية العامة في نفس الوقت.[5]

أقسام قضاء الأسرة وإشكالية التخصص

منذ تسعينات القرن الماضي، عرف المغرب تجربة القضاء المتخصّص بإحداث المحاكم الإدارية سنة 1993، ثم المحاكم التجارية سنة 1997، كما تم إحداث محاكم استئنافية تجارية وإدارية، وفي سنة 2004 تمّ إحداث تجربة أقسام قضاء الأسرة، فإلى أيّ مدى يمكن اعتبار هذه الأقسام بمثابة تجسيد للقضاء المتخصص؟

جوابا على هذا السؤال، يلاحظ أنّ أقسام قضاء الأسرة توجد على مستوى كافة المحاكم الابتدائية، بحيث تتولى البتّ في قضايا الأسرة. إلا أن تجربة هذه الأقسام لا تمتدّ لتشمل محاكم الاستئناف، التي لا تتوفر على أقسام متخصّصة للبت في الطعون المتعلقة بقضايا الأسرة، بحيث يرجع الاختصاص إلى الغرفة الاستئنافية للأحوال الشخصية، علما بأن التنظيم القضائي يسمح لكل غرفة أن تبحث وتحكم في كل القضايا المعروضة على هذه المحكمة أيا كان نوعها[6]، وهو ما يتنافى مع فكرة القضاء المتخصص.

الملاحظة الثانية تؤكدها مخرجات آخر دراسة منشورة لوزارة العدل حول القضاء الأسري بالمغرب مفادها أن نصف العاملين بأقسام قضاء الأسرة من قضاة وأطر لكتابة الضبط هم غير متفرغين للقيام بمهام قضاء الأسرة، بحيث يقومون بمهام أخرى بباقي غرف المحاكم الابتدائية. وهو ما يتنافى مع فكرة التخصص، بحيث قد نجد على سبيل المثال القضاة المكلفين بالقيام بمهمة الصلح في النزاعات الأسرية بأقسام قضاء الأسرة، قد يتولون في اليوم نفسه صلاحية البت في نزاعات تتعلق بقضايا الاعتقال، أو الأكرية (الإيجارات)، أو المادة الاجتماعية أو المدنية، وهو ما يعني أن فكرة التخصص الموجودة حاليا تنحصر على الأقسام وعلى القضايا المعروضة عليها، ولا تمتدّ لتشمل العاملين في هذه الأقسام قضاة وأطر كتابة للضبط.

الملاحظة الثالثة تتعلق بصلاحيات القضاء الاستعجالي[7]. فإذا كان الهدف من إحداث أقسام قضاء الأسرة هو تخويل المتقاضين ضمانات القضاء المتخصص من حيث التفرغ والتخصص وتقريب القضاء إلى المتقاضين من خلال إحداث جهاز موحّد للنظر في قضايا الأسرة وهو ما ينسجم مع فكرة الشباك الواحد، فإنّ هذا الوضع لا يسري على القضاء الاستعجالي الذي يبقى اختصاصا أصيلا لرئيس المحكمة الابتدائية، وليس لرئيس قسم قضاء الأسرة. ويحدث في الواقع أن ترفع زوجة طلبا للتطليق أمام قسم قضاء الأسرة، ويثار نزاع جانبي يتعلق بنقل المحضون من المدرسة التي يتواجد فيها بيت الزوجية إلى المدرسة التي يتواجد فيها موطن الزوجة، فتصبح مضطرّة على رفع قضية جديدة أمام رئيس المحكمة الابتدائية لا أمام رئيس قسم قضاء الأسرة. وهو وضع يثير إشكاليات عملية للمتقاضين ولمهنيي العدالة، وبخاصة في المناطق النائية.

الملاحظة الرابعة، تتعلق بتكوين قضاة أقسام قضاء الاسرة. فعلى خلاف قضاة المحاكم الإدارية والتجارية الذين يستفيدون من تكوين تخصّصي في هاتين المادتين بالمعهد العالي للقضاء، فإن أفواج الملحقين القضائيين ما بين 2003 و2022 خلتْ من أي تكوين تخصصي في المادة الأسرية ما عدا فوج وحيد، وهو الفوج 33 الذي واكب تخرجه دخول مدونة الأسرة حيز التنفيذ، وهو ما يعني أن التكوين الذي يقدّم للملحقين القضائيين في المعهد يبقى بعيدا عن فكرة التخصص في المادة الأسرية، بحيث يكون مطلوبا من القاضي المعيّن حديثا في محاكم الأسرة أن يكون على اطلاع بكافة الغرف الموجودة في المحاكم الابتدائية، وهو ما يتنافى مع فكرة التخصص.

تعميم محاكم الأسرة والسيناريوهات الممكنة

إن الدعوة لتعديل مدونة الأسرة وتعميم محاكم الأسرة تطرح إشكالية التنزيل على أرض الواقع، وهو ما يطرح أكثر من سؤال حول أقرب الاقتراحات التي يمكن تطبيقها في هذا المجال:

  • المقترح الأول: وهو الارتقاء بأقسام قضاء الأسرة إلى محاكم متخصصة، وهو ما يستوجب تعديل التنظيم القضائي وإضافة صنف ثالث إلى المحاكم المتخصصة الإدارية والتجارية، وهو صنف محاكم الأسرة، وهو ما يستدعي أيضا إحداث محاكم استئناف للأسرة، على غرار عدد من التجارب المقارنة[8].
  • المقترح الثاني: هو إحداث مزيد من أقسام قضاء الأسرة، في إطار تقريب القضاء إلى المتقاضين، وهو ما يستوجب أيضا إحداث مزيد من المحاكم الابتدائية، وقد يتم اعتماد معيار مزدوج يجمع بين المعطيات الديمغرافية والجغرافية، كأن يتمّ إحداث محكمة ابتدائية وقسم قضاء أسرة بكل إقليم، وهي إحدى التوصيات التي خرج بها ميثاق إصلاح منظومة العدالة[9]؛
  • المقترح الثالث: وهو توسيع نطاق إحداث مراكز للقضاة المقيمين في عدد من المناطق النائية لتقريب القضاء من المتقاضين، ومن المعلوم أن هذه المراكز تتولى بدورها النظر في قضايا الأسرة، وقد يكون من المفيد تخويل رؤسائها صلاحية البت في القضايا الاستعجالية الأسرية؛
  • المقترح الرابع: وقد يواكب المقترحات السابقة ويتمثل في الارتقاء بصلاحيات رؤساء أقسام قضاء الأسرة ومنحهم صلاحية البتّ حتى في النزاعات المتعلقة بالقضاء الاستعجالي والتي يعود اختصاص النظر فيها حاليا إلى رؤساء المحاكم.

وبغض النظر عن مدى قابلية أي مقترح للتنزيل بالنظر إلى التكلفة المالية التي يستوجبها القيام بكل اصلاح جديد، فإنّ ثمّة آفاقا أخرى يمكن استشرافها من أجل دعم تجربة قضاء الأسرة من بينها ضرورة توسيع نطاق الاستفادة من المساعدة القانونية والقضائية، لتشمل أيضا المشورة القانونية. ويمكن في هذا السياق اقتراح نقل خلايا التكفل بالنساء الى أقسام قضاء الأسرة، ودعمها بالموارد البشرية والمادية،

فضلا عن تسريع وتيرة رقمنة المحاكم. إذ أن مجموعة من الإجراءات التي قد تستدعي تنقل الأشخاص من مقرات سكناهم الى المحاكم، أضحى بالإمكان القيام بها عن بعد. فالرقمنة أصبحت تشكل اليوم خيارا استراتيجيا يمكن التعويل عليه من أجل الحدّ من التنقل وتقليص التكاليف واحترام الآجال المعقولة، بما يكفل تكريس الحق في الولوج إلى العدالة والوصول إلى سبل الانتصاف.

مواضيع ذات صلة

المغرب يفتح ورش مراجعة مدونة الأسرة بعد 18 سنة من صدورها

حكاية اعتصام امرأة في ذكرى المصادقة على مدونة الأسرة في المغرب

قراءة في دراسة تشخيصية حول تزويج الطفلات بالمغرب

الحياة الخاصّة للمتقاضين أمام المحاكم الشرعيّة… ملك الجميع


[1]– قانون رقم 70.03 بمثابة مدونة الأسرة الصادر بتنفيذه ظهير رقم 1.04.22 في 3 فبراير 2004 المنشور في الجريدة الرسمية عدد 5184 بتاريخ 5 فبراير ،2004 ص 418.

[2]- قانون رقم 72.03 الصادر بتنفيذه ظهير رقم 1.04.23 في 3 فبراير 2004 المنشور في الجريدة الرسمية عدد 5184 بتاريخ 5 فبراير 2004، ص 453.

[3]-يتعلق الأمر بقانون 73.03 يغير ويتمم بموجبه ظهير رقم 338. 74. 1 بمثابة القانون المتعلق بالتنظيم القضائي الصادر في 15 يوليوز 1974 المنشور في الجريدة الرسمية عدد 5184 بتاريخ 5 فبراير 2004، ص 454.

[4]-الفصل 2 من التنظيم القضائي.

[5]-عبد العزيز الحضري: قضاء الأسرة: التجديد وحدوده- مدونة الأسرة، عام من التطبيق، الحصيلة والأفاق، أشغال الندوة الوطنية المنعقدة بكلية الحقوق بوجدة، منشورات مجموعة البحث في القانون والأسرة سلسلة ندوات،  يومي 17- 18  فبراير 2005 – العدد الأول 2006، ص 271 .

[6]-الفصل 6 من التنظيم القضائي.

[7]-لمزيد من التفاصيل، أنظر:

-عيسى كتب: القضاء الاستعجالي في المجال الأسري، مقالة منشورة في مؤلف قضايا الأسرة اشكالات راهنة ومقاربات متعددة، الجزء الثاني، منشورات مجلة القضاء المدني، الطبعة الأولى 2014، ص 61

[8]- أنظر على سبيل المثال قانون إنشاء محاكم الأسرة بمصر صدر بتاريخ 17 مارس 2004 ونشر بالجريدة الرسمية العدد 12 تابع ( أ) بتاريخ 18 / مارس/ 2004 وبدء العمل به اعتبارا من أول أكتوبر سنة 2004 .

[9]-أنظر التوصيات الواردة ضمن الهدف الفرعي الثالث من الميثاق المتعلقة بتقريب القضاء من المتقاضين وعقلنة الخريطة القضائية، ومن أهمها:

– إرساء الخريطة القضائية على معايير موضوعية قائمة على مبدأي حجم القضايا وتقريب القضاء من المتقاضين مع مراعاة الاعتبارات الديمغرافية والجغرافية؛

-إعادة التوزيع الأمثل للموارد البشرية موازاة مع مراجعة الخريطة القضائية؛

-إمكانية احداث غرف استئنافية تابعة لمحكمة الاستئناف في مقرات المحاكم الابتدائية التابعة لدائرة نفوذها؛

-إعادة النظر في توزيع مراكز القضاة المقيمين بما يضمن تقريب القضاء من المتقاضين.

انشر المقال

متوفر من خلال:

قضاء ، محاكم إدارية ، قرارات قضائية ، مقالات ، المغرب



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني