ورشة لتعديل مدوّنة الأسرة في المغرب: أيّ توافق بين المرجعيّتين الحقوقية والدينية؟


2023-08-03    |   

ورشة لتعديل مدوّنة الأسرة في المغرب: أيّ توافق بين المرجعيّتين الحقوقية والدينية؟

كُلما أثير النقاش في المغرب بشأن تعديل مدونة الأسرة، تقاطبت الآراء بين التيارات المحافظة، التي تدافع عن فكرة الارتباط بالشريعة الدينية والنصوص الشرعية. ونظيرتها الحداثية، التي تشدد على ضرورة اعتماد المرجعية الحقوقية الكونية، والاستجابة للاتفاقيات الدولية التي وقع عليها المغرب، خاصة في الأمور ذات العلاقة بالمساواة بين الجنسين، كالمواريث وبعض تفاصيل الزواج، بالإضافة إلى حضانة الأطفال وولاية المرأة المطلقة على أطفالها.

وكان تمّ اعتماد مدوّنة الأسرة في نسختها الحالية، عام 2004، أي قبل حوالي عشرين عاماً من اليوم، الشيء الذي يزيد من مطالب الحُقوقيين والسياسيين بإعادة النظر في هذا النصّ، وإجراء تقييم شامل لفصوله، ومدى مُواكبتها للمستجدّات الحقوقية والمجتمعية.

وقبل المضي في تبيان مواقع الاختلاف في هذا الشأن، يجدر الذكر أن النقاش الرسمي في هذا الشأن انطلق بعد دعوة من العاهل المغربي محمد السادس في خطابه بمناسبة عيد العرش (عيد الجلوس) في 30 يوليو 2022، على أن النص الحالي للمدونة صار غير كافٍ للوصول إلى الأهداف المرجوة منه، خاصة على مستوى تمكين النساء ومنحهن حقوقهن.

ضرورة حقوقية..

الهيئات الحُقوقية الحداثية، ترى أن تعديل مدونة الأسرة بما يتوافق مع نصت عليه الاتفاقيات الدولية ضروري، ناهيك عن ضرورة تجاوز العديد من النواقص التي أظهرتْها حوالي عشرين عاماً من تطبيق المدونة. ليلى أميلي، رئيسة جمعية أيادي حُرّة، شدّدت في حديث مع “المفكرة القانونية”، على ضرورة إجراء تعديل شامل للمدونة، من دون الاكتفاء بتعديلات جزئية أو ترقيعية. فالقانون الحالي، بحسب رأيها، يضم العديد من النواقص، والكثير من فصوله لا تتلاءم مع ما نصت عليه المواثيق الدولية، والاتفاقيات التي صادقت عليها المملكة.

هذا ما يجعل مطالب الحقوقيين، تتوزع على العديد من الأقسام، وعلى رأسها تزويج القاصرات، الذي يُعد مطلباً حاسماً. فبحسب أميلي، لا يمكن القبول بتزويج الأطفال قبل بلوغهم سن الـ 18، لأن مكانهم حينها هي المدرسة.

وأوضحت المتحدثة، أن القانون الحالي، لم يُجزْ هذا الزواج صراحة، لكنه فتح باب الاستثناء. إلا أن هذا الاستثناء أصبح هو الأصل، لنحصل على أعداد مهولة بالنسبة لزواج القاصرات، والأذونات القضائية المتعلقة بذلك. الشيء الذي يجعل مسألة منع، بل، وتجريم هذا النوع من الزيجات ضرورة ملحة.

المسألة الثانية، تتعلق بالمصلحة الفضلى للأطفال، وهذه المرّة على مستوى تمتيع المرأة الحاضنة بالعديد من الحقوق، التي هي انعكاس مباشر على الطفل وحقوقه، وأيضاً مستوى عيشه الكريم.

وفي هذا الصدد، تطالب أميلي، بعدم إسقاط الحضانة على المرأة المُطلقة في حال زواجها بشخص آخر، لأن في ذلك حيف كبير في حقها وقبل ذلك حق الطفل المحضون. بالإضافة إلى منحها حق الولاية على أبنائها، ما سيحول دون تعطيل الكثير من مصالح الأطفال، وعلى رأسها حق التمدرس.

ومن بين أهم مطالب الحقوقيين حسب أميلي مراجعة النصوص المتعلقة بموضوع النفقة، وأيضاً ما يتعلق بإلقاء عبء إثبات دخل الرجل على المرأة الحاضنة. وفي هذا الصدد علقت بالقول “يجب على السلطة القضائية أن تتكلف بهذا الأمر، وتبحث عما يثبت الدخل الحقيقي للرجل، لأن هذه العملية تشهد العديد من التلاعب”. وعلى مستوى قيمة هذه النفقة، يجب دائما إعطاء الأولوية للمصلحة الفضلى للطفل، لأنه من غير المعقول، تقول أميلي، أن يعيش الطفل في مستوى معين، ثم يتقهقر إلى ما دون ذلك المستوى بعد الطلاق، خاصة إذا كانت الأم عاطلة عن العمل.

وأضافت أن موضوع اقتسام الممتلكات والأموال المتحصلة خلال فترة الزواج أمر ضروري جداً، سواء كانت المرأة مشتغلة، أو ربة بيت، فربة البيت أيضاً تقوم بعمل لا يجب التقليل من أهميته، وبالتالي من حقها الحصول على نصيبها مما تم اكتسابه خلال فترة الزواج.

ومطلبنا في هذا الصدد، توضح أميلي، هو أن يتم إرفاق وثيقة إدارية بعقد الزواج والوثائق المطلوبة لإبرامه تثبت شروط الطرفين كاملة، حتى يُحفظ لكل طرف حقه، سواء خلال الزواج أو بعد الطلاق.

وأردفت قائلة “نحن لسنا ضد الدين نحن مع المصلحة الفضلى للأطفال وحقوق الإنسان”، وما نطالب به هو أن يكون هناك “احترام لحقوق الإنسان وحقوق الطفولة من دون أي مزايدات أخرى، لأننا لا نريد التراجع عمّا حققته النساء من حقوق”.

وأضافت “هذه مطالب واقعية لا تميّز بين محافظ أو تقدّمي”، هي “مطالب واقعية لتنمية البلاد، لتأهيل أطفالنا وطفلاتنا للعيش في ظروف واقعية، وتهيئة أجيال المستقبل التي ستنمي البلاد”.

وختمت حديثها بالقول “لا يمكن أن يكون هناك تطور في أيّ بلد إن لم يكن احترام لحقوق الإنسان والعدل والمساواة في الحقوق والواجبات بين الرجال والنساء”.

استهداف للأسرة

محافظو البلاد، يتفقون مع الحداثيين على ضرورة تعديل مدونة الأسرة، ويتقاطعون معهم في العديد من المطالب. إلا أن هذا التيار، وعلى رأسه حزب العدالة والتنمية، يرى أن بعض ما يُطالب به الحداثيون فيه استهداف للأسرة، وتجاوز للنصوص الدينية القطعية، خاصة ما يتعلق بالإرث.

عبد الإله ابن كيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية سبق ونبّه إلى ما اعتبره “مؤامرات تحاك ضد الأسرة”، داعياً أنصار حزبه إلى الدفاع عن منظومة الأسرة، ومواجهة هذا التخريب المقصود. وعلى نفس المنوال، مضت سعادة بوسيف، رئيسة منظمة نساء العدالة والتنمية، مُنتقدة بشدة مطالب الحداثيين بشأن تعديل مدونة الأسرة، متهمة إياهم بـ “محاولة زرع القناعات الغربية التي تروج للإباحية والميوعة”.

وفيما شددت على أن الشعب المغربي لا يُمكن أن يتجاوب وأمثال هذه الدعوات، وعلى رأسها المساواة في الإرث بين الجنسين، أوضحت لـ”المفكرة القانونية” أن الأصل هو أن يهتم الفاعلون جميعاً بتقوية دور الأسرة، وتقوية المسؤولية حساً وممارسة، لدى جميع أطرافها.

وعلى حد قولها، الأصل أن تُعزّز المسؤولية المتبادلة بين الأخ وأخته، والأب تجاه أسرته، والمرأة تجاه أسرتها أيضاً، بما يضمن ترابط هذه المؤسسة المحورية في تطور المجتمع، عوض “التركيز على المرأة واجتثاثها من محيطها”، الشيء الذي “سينتج خراب العمران والإنسان”، بحسب تعبيرها.

وختمت بالقول إن “الإنصاف وتكافؤ الفرص، واجب مستعجل في كل المجالات”، لكن بعض الدعوات تهدف إلى “توهين الأسرة و إضعافها، من خلال نشر ثقافة الصراع بين مكوناتها، عوض المودة والرحمة والسكينة”.

آليات الحسم وطرقه

وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، يرى أنه في خضم هذا الجدل الكبير، تبقى كُل القضايا قابلة للنقاش، ليبقى الحسم النهائي في هذه التعديلات بيد الملك. ولا ينسى وزير العدل التذكير بما قاله الملك في أحد خطبه: “بصفته أميراً للمؤمنين لن يحلّ ما حرّم الله، ولن يحرّم ما أحلّ الله”. وعليه، اعتبر الوزير أنّه لا يجب التوقف عن النقاش بذريعة وجود نصوص دينية قطعية، بل يجب أن تتم مُناقشتها للوقوف على حدود “القطعية” في هذه النصوص الدينية، وإمكانية تجاوزها لتحقيق المصلحة العامة، التي يفرضها الوضع الاقتصادي والاجتماعي في البلاد.

انشر المقال

متوفر من خلال:

تشريعات وقوانين ، حقوق الطفل ، مقالات ، جندر وحقوق المرأة والحقوق الجنسانية ، المغرب



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني