المغرب يفتح ورش مراجعة مدونة الأسرة بعد 18 سنة من صدورها


2022-08-15    |   

المغرب يفتح ورش مراجعة مدونة الأسرة بعد 18 سنة من صدورها

فتح الخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش النقاش مجدّدا بالمغرب بشأن تعديل مدوّنة الأسرة بعد مرور زهاء عقديْن من الزمن على اعتمادها، حيث طفتْ إلى السطح عدّة أسئلة حول الجهة التي ستتولى المبادرة التشريعية، وطبيعة المشاورات التي سيتمّ إطلاقها، ونطاق التعديلات المرتقبة.

خطاب ملكي يضع خارطة طريق لتعديلات مدونة الأسرة

حدّد الخطاب الملكي الخطوط العريضة لمعالم التعديلات المرتقبة لمدونة الأسرة والتي بفترض أن تأتي في إطار تنزيل الفصل 19 من الدستور، الذي يكرس المساواة بين المرأة والرجل، في الحقوق والواجبات، وينصّ على مبدأ المناصفة كهدف تسعى الدولة إلى تحقيقه.

ومن حيث الأهداف تروم هذه التعديلات تجاوز الاختلالات المرصودة نتيجة عدم التطبيق الصحيح لمدونة الأسرة، لأسباب سوسيولوجية متعددة، لاسيما أن فئة من الموظفين والعاملين في مجال العدالة، ما زالوا يعتقدون أن هذه المدونة خاصة بالنساء.

ومن حيث المنهجية أكّد الخطاب الملكي على اعتماد منهجية تعددية وتشاورية “في إطار مقاصد الشريعة الإسلامية، وخصوصيات المجتمع المغربي، مع اعتماد الاعتدال والاجتهاد المنفتح ، والتشاور والحوار، وإشراك جميع المؤسسات والفعاليات المعنية”.

مؤسسات وفعاليات المجتمع المدني تتفاعل مع الدعوة إلى تعديل مدوّنة الأسرة

رحّبت آمنة بوعياش، رئيسة المجلس الوطني لحقوق الانسان، بدعوة الملك محمد السادس إلى مراجعة مدونة الأسرة بعد 18 سنة من “التطبيق والتقييم والحملات والعمل الميداني”، معتبرة أن هذا القرار الملكي يمثل “مرحلة جديدة لتوطيد المساواة بين المغاربة نساءً ورجالًا”. وكان المجلس قد دعا في وقت سابق إلى إدخال تعديلات على مدوّنة الأسرة لحذف كلّ النصوص التمييزية بما في ذلك التمييز الذي يعاني منه الأطفال المزدادون خارج إطار مؤسسة الزواج، والتمييز الذي يواجه النساء في موضوع الولاية على الأبناء، وحذف المقتضيات المتعلقة بتزويج الطفلات، ومراجعة نظام المواريث الذي تسهم بعض تطبيقاته في تعميق ظاهرة تأنيت الفقر[1].

من جهتها، دعتْ فدرالية رابطة حقوق النساء إلى إصلاح شامل لمدونة الاسرة لملاءمتها مع الدستور ومع الاتفاقيات الدولية. كما أكّد اتحاد العمل النسائي على أهمية التغيير الشامل والعميق لمدونة الأسرة “لما يشكله هذا القانون من مدخل أساسي لدمقرطة المجتمع ولتمكين النساء إنسانياً واجتماعياً واقتصادياً”.

أية سيناريوهات مرتقبة لتعديل مدونة الأسرة؟

مند إعلان العاهل المغربي بمناسبة خطاب عيد العرش على تعديل مدونة الأسرة، تطرح عدة سيناريوهات حول الجهة التي ستأخذ زمام المبادرة، ونطاق التعديلات المرتقبة.

فمن جهة أولى، تبقى هناك عدة خيارات بشأن الجهة التي ستأخذ زمام المبادرة. فقد يتم تفعيلها من خلال لجنة ملكية على غرار التعديلات التي عرفتها المدونة خلال سنة 1993 و2004، تفعيلا لدور المؤسسة الملكية كجهة يبقى لها الاختصاص الفعلي في تحريك المبادرة التشريعية في هذا الموضوع تفعيلا لمؤسسة إمارة المؤمنين.

وقد تأتي المبادرة من طرف البرلمان أو الحكومة، خاصة وأن مدونة الأسرة الصادرة لسنة 2004 عرضتْ على أنظار البرلمان للمصادقة عليه كخطوة أولى لرفع هالة التقديس عليها.

وقد تأتي المبادرة أيضا من خلال تفعيل مؤسستين دستوريتين غير مفعلتين، ويتعلق الأمر بالمجلس الاستشاري للأسرة والطفولة، وهيئة المناصفة ومكافحة كلّ أشكال التمييز، خاصة وأن القانون يجعل من بين اختصاصاتهما “تتبّع ملاءمة التشريعات والبرامج الوطنية التي تهمّ الأسرة والطفولة لالتزامات المغرب الدولية كما صادق عليها”[2]، و”تقديم كل اقتراح أو توصيّة إلى الحكومة أو إلى أحد مجلسيْ البرلمان، بهدف تعزيز قيم المساواة والمناصفة وعدم التمييز وتكريسها وإشاعتها”[3].

من جهة ثانية، تطرح عدة أسئلة حول نطاق التعديلات المرتقبة. فبالرجوع الى المذكّرات والبلاغات والبيانات التي سبق وأن قدمتها عدد من الجمعيات النسائية بمناسبة تقييم تطبيق مدونة الأسرة، يلاحظ أن مطالبها كانت تركّزت على “المراجعة الشاملة والعميقة”[4]، و”الإصلاح الجذري”، بشكل يوحي وكأنّ المطلب يركّز على إخراج مدونة جديدة ترسخ مبدأ المساواة بين الجنسين. كما يلاحظ أن مذكرات الجمعيات النسائية المطالبة بالإصلاح الجذري مسّت كل كتب مدونة الأسرة بما فيها الكتاب السادس المتعلّق بنظام الإرث. وفي هذا السياق، سبق إطلاق عدة مبادرات من قبيل نداء من أجل التعصيب. كما سبق أن قدمت الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب مذكرة من أجل منظومة مواريث ضامنة للمساواة والعدل[5]. كما أطلق اتحاد العمل النسائي الحملة الثانية للتغيير الجذري والشامل لمدونة الأسرة عقب عدة محاكمات رمزية للقوانين التمييزية. لكن بالرجوع إلى الخطاب الملكي، يلاحظ أنه حدد نطاق التعديل المرتقب في “مراجعة بعض البنود، التي تم الانحراف بها عن أهدافها”، و”تحيين الآليات والتشريعات الوطنية، للنهوض بوضعيّة المرأة”، مما يؤكد أن الأمر سيتعلّق بتعديل جزئيّ لمدوّنة الأسرة، وقد يمتد هذا التعديل ليشمل قوانين أخرى لتحيينها مع الدستور ومع الاتفاقيات الدولية، خاصة بعد إتمام المغرب لإجراءات المصادقة على البروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية القضاء ضد جميع أشكال التمييز ضد المرأة ودخوله حير التنفيذ خلال يوليوز 2022[6]. ومن أبرز القوانين التي قد يشملها التعديل المرتقب قانون الجنسية والقانون الجنائي.

أبرز “اختلالات” مدونة الأسرة بعد 18 سنة من التطبيق

 أفرز تطبيق مدونة الأسرة رغم المكتسبات التي تضمّنتها عدة اختلالات. فالنص الذي اعتبر حين صدوره ثورة هادئة في مجال حماية حقوق النساء، وإقرار مبدأ المساواة بين الجنسين من خلال إلغاء واجب الطاعة، وجعل الأسرة تحت الرعاية المشتركة بين الزوجين، واجه في تطبيقه عدّة تحديات، من بينها:

  • ضعف الميزانية المرصودة لتنزيل مدوّنة الأسرة والتأخّر في اصدار بعض التعديلات القانونية المرتبطة[7].
  • ضعف الجانب الإعلامي والتحسيسي المواكب لتنزيل مدونة الأسرة، إذ يلاحظ أن الإعلام أحيانا ساهم في تقديم بعض الأفكار المغلوطة، من قبيل أن مجرد إبرام عقد الزواج يجعل الزوجة تستحق نصف ما راكمه الزوج من ممتلكات قبل الزواج، والحال أن الأمر يتعلق باتفاق لتدبير الأموال المكتسبة بعد الزواج لا قبله.
  • –        عدم الارتقاء بأقسام قضاء الأسرة إلى محاكم متخصصة للأسرة. وهو ما ساهم في عدم التخصص والتفرّغ لفائدة غالبية الموارد البشرية العاملة فيها قضاة وموظفين.
  • عدم تفعيل الصّلح في حلّ النزاعات الأسرية، والتأخّر في تفعيل المساعدة الاجتماعية.
  • –        استمرار بعض الذهنيات “المحافظة” داخل الجهات المعنيّة بتطبيق مدونة الأسرة سواء تعلّق الأمر بالقضاء، أو ببعض الإدارات التي كانت ترفض تفعيل المقتضيات التي تقرّ بمبدأ المساواة بين الجنسين وبحقّ الزوجة أو الأم في القيام ببعض الأمور المستعجلة لفائدة أبنائها، من دون أن ننسى العراقيل التي واجهت مغاربة المهجر رغم ما تضمنته المدونة من مقتضيات تتصف بالمرونة في قضايا الزواج المختلط.

والى جانب هذه الأسباب، تكمن أسباب أخرى داخل النص القانوني الذي لم يخلُ من تناقضات. فرغم إقرار مبدأ المساواة بين الجنسين من خلال جعل الأسرة تحت الرعاية المشتركة بين الزوجين، إلا أن هذا المبدأ سرعان ما يتوارى أمام مظاهر اللامساواة بينهما سواء في الالتزامات المالية الملقاة بأكملها على الزوج، أو أسباب الطلاق ومساطره، أو المقتضيات المتعلقة بالولاية على الأبناء.

كما أن المدونة التي جعلت النسب حقا للطفل على عاتق الدولة[8] سرعان ما غيّرت تكييف هذا الحق ليصبح امتيازا لا يعطى لهذا الطفل إلا داخل مؤسسة الزواج، ناهيك عن محدوديّة أعمال الخبرة الجينية في مجال إثبات النّسب التي ظلّت مقيّدة بضرورة إثبات الزواج، على خلاف توسيع مجال إعمال الإقرار بالنسب الذي يلجأ له الرجل بإرادته المنفردة، وهو ما أسهم في تعميق مأساة الأطفال الناتجين عن حالات البنوة غير الشرعية[9].

وأخيرا يلاحظ أن المادة 400 من المدونة تعتبر بمثابة قانون داخل قانون، فهي تحيل على المذهب المالكي والاجتهاد في كل ما لم يرد فيه نص، وهو ما أدى الى تزاحم مدونتين على أرض الواقع: مدونة تتكون من 399 مادة مقننة تستعمل ألفاظا حداثية تحترم كرامة المرأة والطفل، ومدونة “عرفية” موزعة على كتب ومصنفات الفقه المالكي لا تستعمل بالضرورة نفس اللغة القانونية، وهو ما أثر بشكل ملموس في العمل القضائي[10] خاصة في طريقة معالجة قضايا زواج الفاتحة التي أكدت الممارسة استغلالها للتحايل على مقتضيات التعدد وتزويج الطفلات بشكل حول الاستثناء الى قاعدة أمام غياب عنصر الجزاء.

مواضيع ذات صلة

مكانة الشريعة الإسلامية في تشريعات المغرب في ظل الدستور الجديد: استيعاب التناقضات في إطار التوافق وتحكيم “أمير المؤمنين

أي دروس لتقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة في المغرب؟ إصلاح نظام الميراث نموذجا

نداء لإلغاء التعصيب في الإرث بالمغرب: وحدة لدى اليساريين و”فُرقة” بين الإسلاميين

حكاية اعتصام امرأة في ذكرى المصادقة على مدونة الأسرة في المغرب

محكمة النقض بالمغرب تحسم سلباً في بنوة الطفل الطبيعي

رفض دعوى تطليق بحجة حمل الزوجة في المغرب

دعوى لإرجاع زوج ل “بيت الطاعة” في المغرب: خطوة لتغيير الصور النمطية؟

مقترح قانون لمنع زواج القاصرات في المغرب

حملة وطنية ضد تزويج القاصرات في المغرب: “إلغاء الاستثناء…تثبيت القاعدة القانونية

انتهاء الفترة الانتقالية لدعاوى إثبات الزيجات غير الموثقة بالمغرب


[1]– جاءت أول توصية صريحة لمراجعة نظام الإرث في التقرير الذي أصدره المجلس الوطني لحقوق الانسان حول “وضعية المساواة والمناصفة في المغرب صون غايات وأهداف الدستور وإعمالها”، لسنة 2015، حيث أورد التقرير في صفحته 14 ما يلي: “…تساهم القواعد المنظمة لمسألة الإرث في جعل الفتيات والنساء أكثر عرضة للفقر والهشاشة حيث تضطر العديد من النساء اللائي يعانين قلة الحيلة الى التخلي عن حصتهن في التركة لفائدة أقاربهن من الذكور بذريعة الحفاظ على الأملاك داخل الأسرة، أو الاستسلام لبعض الممارسات العرفية التي تقوم بتجريدهن من نصيبهن في التركة أو من الأرض كما هو الشأن في الحبوس والقواعد التي تحكم الملكية الجماعية للأراضي، وأمام هذا الوضع، تسعى الأسر بشكل متزايد الى التحايل على تطبيق المقتضيات المرتبطة بالإرث من أجل حماية مصالح بناتهن أو من أجل تحقيق الانصاف بين الأبناء الذكور والاناث.

[2]– المادة 2 من قانون 78.14 المتعلق بالمجلس الاستشاري للأسرة والطفولة.

[3]– المادة 2 من قانون 79.14 المتعلق بهيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز.

[4]– أنظر على سبيل المثال مذكرة فدرالية رابطة حقوق النساء من أجل اصلاح قانون الأسرة بما يتلاءم مع الدستور المغربي ومع الاتفاقيات الدولية بشأن الحقوق الإنسانية للنساء، مذكرة 08 مارس 2016، ص 15.

[5]– الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب: مذكرة من أجل منظومة مواريث ضامنة للمساواة والعدل، دجنبر 2017.

[6]– يتعلق الأمر بالبروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية القضاء ضد جميع أشكال التمييز ضد المرأة المعتمد بنيويورك في 6 أكتوبر 1999، حيث تم إيداع وثائق الانضمام اليه لدى الأمين العام للأمم المتحدة بتاريخ 22 أبريل 2022، ودخل حيز النفاذ بتاريخ 22 يوليوز 2022.

[7]-تنص المادة 53 من مدونة الأسرة على ما يلي: ” إذا قام أحد الزوجين باخراج الآخر من بيت الزوجية دون مبرر تدخلت النيابة العامة من اجل إرجاع المطرود الى بيت الزوجية حالا مع اتخاذ الإجراءات الكفيلة بأمنه ووحمايته”، يلاحظ أن هذه المادة ظلت غير مفعلة نظرا لافتقادها لجزاء قانوني في حالة رفض الزوج ارجاع الزوجة المطرودة الى بيت الزوجية، وبعد 14 سنة تم تجاوز هذه الثغرة بعد صدور قانون محاربة العنف ضد النساء، حيث نص في الفصل 1-480 على أنه: «يعاقب بالحبس من شهر واحد إلى ثلاثة أشهر وغرامة من 2.000 إلى 5.000 درهم، عن الطرد من بيت الزوجية أو الامتناع عن إرجاع الزوج المطرود من بيت الزوجية، وفقا لما هو منصوص عليه في المادة 53 من مدونة الأسرة، وتضاعف العقوبة في حالة العود».

كما نص الفصل 1-481 من نفس القانون، على أن «تنازل المشتكي عن الشكاية يضع حدا للمتابعة ولآثار المقرر القضائي المكتسب لقوة الشيء المقضي به في حالة صدوره».

[8]– المادة 54 من مدونة الأسرة.

[9]-أنس سعدون: النسب الناتج عن الخطبة، مكتبة دار السلام بالرباط، الطبعة الأولى 2012.

[10]– من مظاهر هذا التأثر، أننا نلاحظ أن ديباجة مدونة الأسرة نصت على “تبني صياغة حديثة بدل المفاهيم التي تمس كرامة وإنسانية المرأة”، في المقابل يلاحظ أن بعض الاحكام القضائية تستعمل عبارات تشييئية للمرأة من قبيل الإشارة في قضايا النفقة الى كونها موجودة “في حوزة الزوج” وكأنها شيء، أو نعث الطفل المزداد خارج اطار مؤسسة الزواج بأنه “ابن زنا”. والسبب في هذه المفارقة تكمن في الاستعانة بكتب الفقه المالكي دون تحيين المصطلحات وملاءمتها مع الواقع.

انشر المقال

متوفر من خلال:

مساواة ، جندر ، تشريعات وقوانين ، فئات مهمشة ، مقالات ، جندر وحقوق المرأة والحقوق الجنسانية ، لا مساواة وتمييز وتهميش ، المغرب



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني