النيابة العامة تتدخّل لمنع الزواج العرفي بطفلة في المغرب


2024-03-07    |   

النيابة العامة تتدخّل لمنع الزواج العرفي بطفلة في المغرب

في سابقة مثيرة تقدمت جمعية بإشعار مستعجل إلى النيابة العامة بالمحكمة الابتدائية بصفرو بالمغرب للتبليغ عن محاولة تزويج طفلة بشكل عرفي رغم أن سنّها لا يتجاوز 14 سنة.

وتكمن أهمية الواقعة التي تنشرها المفكرة القانونية في كونها تعيد إلى الواجهة من جديد الجدل الدائر حاليا في المغرب حول تنامي ظاهرة تزويج الطفلات. فبالرغم من تراجع الأرقام الرسمية المتعلقة بحالات زواج القاصرات، تُبدي المؤسسات والمنظمات غير الحكومية قلقها من إمكانية تحول الظاهرة لتأخذ أشكالا أخرى مثل الزواج العرفي أو زواج الكونترا، خاصة بعد صدور قرار محكمة النقض باستمرار العمل بدعاوى ثبوت الزوجية رغم انتهاء الأجل القانوني المقرر لها.

ملخص القضية

تعود فصول القضية إلى تاريخ 24 أكتوبر 2023 حينما تقدم المنتدى المغربي لحقوق الناس –وهو منظمة غير حكومية بإخبار الى وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية بصفرو مفاده أن أسرة بإحدى الجماعات القروية التابعة لنفود المحكمة، تستعدّ لتزويج طفلتها التي لا يتجاوز عمرها 14 سنة، عن طريق الزواج العرفي، وأنها بصدد تنظيم حفل الزواج مساء اليوم. والتمستْ الجمعية من النيابة العامة التدخل بشكل فوري للتحقق من الأمر وإعطاء التعليمات اللازمة لوقف حفل الزفاف الى حين استنفاذ الإجراءات القانونية والقضائية اللازمة. بناء على هذا الإخبار، أعطتْ النيابة العامة تعليماتها للشرطة القضائية المختصة بالانتقال الفوري إلى عنوان الطفلة وإجراء بحث مستعجل مع ربط الاتصال .

عند الاستماع إلى والدة الطفلة، أفادت أن أحد الأشخاص تقدم لخطبة ابنتها، وحينما أخبرته بأنها ما تزال قاصرا ولا يتجاوز عمرها 14 سنة، أكد لها أنه سيعمل على استنفاذ الإجراءات القانونية اللازمة لإتمام الزواج. وعند الاستماع إلى الخطيب أفاد أنه تقدم برفقة أسرته لخطبة الفتاة، ووافق والداها على الزواج،  كما وافقت الفتاة على الزواج، قبل أن يتوفى والدها، وتمّ الاتفاق على ان يتمّ الزواج بشكل قانوني. وتمّ الاستماع أيضا الى الطفلة بحضور والدتها، حيث أفادت أنّ أحد الأشخاص تقدّم إلى خطبتها، وقد وافقت الأسرة على هذه الخطبة، لكنها طلبت من والدتها أن تتريث قبل إتمام إجراءات الزواج، إلى حين استنفاذ الإجراءات القانونية.

دور النيابة العامة

عند تقديم الأطراف إلى النيابة العامة، تمّ الاستماع من جديد إلى والدة الطفلة حيث تمّ إشعارها بخطورة إقدامها على تزويج طفلتها بشكل عرفي، وما يشكله هذا الزواج من مخاطر على صحة الطفلة نفسيا واجتماعيا، وعلى حقوقها أمام القانون. كما تمّ الاستماع إلى الخطيب الذي تشبّث بتصريحاته المدلى بها في محضر الشرطة القضائية، وأشعر من طرف النيابة العامة بأنّ أي محاولة منه للزواج العرفي بالطفلة من دون استنفاذ الإجراءات القانونية سيعرّضه للمساءلة القانونية، وتعهّد كتابة باحترام تدابير الحماية المقررة بشأنه.

وتعميقا للبحث في القضية أمرت النيابة العامة أيضا بإجراء بحث اجتماعي داخل الوسط الأسري للطفلة مع مواكبتها وتتبع حالتها.

تعليق على القضية

تعكس هذه القضية إحدى المعضلات القانونية والواقعية التي تواجه الطفلات بالمغرب، فرغم أن مدوّنة الأسرة حدّدت سن الزواج في 18 سنة شمسية كاملة للجنسين، وأجازت استثناء بإمكانية النزول عن هذا السن بمقتضى مقرر قضائي بعد الاستماع للطفلة، وإجراء خبرة طبية أو بحث اجتماعي، إلا أن عدم تنصيص القانون على جزاء في حالة مخالفة مقتضيات زواج القاصر، يجعل العديد من الأسر تعمل على تزويج الطفلات بشكل عرفي، وبعد بلوغهن سن الرشد القانوني يتقدمون بطلبات أمام القضاء للاعتراف بهذه الزيجات وتصحيحها عن طريق مسطرة ثبوت الزوجية.

كان لافتا في القضية أن التبليغ عن محاولة تزويج الطفلة بشكل عرفي جاء عن طريق جمعية. وهو ما يبرز دور الجمعيات في تشجيع التبليغ عن مختلف الانتهاكات التي قد تطال حقوق الأطفال عموما والطفلات على وجه الخصوص، مهما كان مصدرها؛

يلاحظ الدور الإيجابي للنيابة العامة في التفاعل مع الإخبار الذي توصلت به من طرف الجمعية. فرغم غياب أي جريمة لأن القانون الجنائي لا يجرم الزواج العرفي سواء للراشدين أو للقصر بنص واضح، إلا أن النيابة العامة أمرت بفتح بحث مستعجل في القضية، للتأكد من مدى إمكانية توافر جرائم أخرى كمحاولة التغرير بقاصر أو هتك عرضها، أو تعريضها لأي شكل من أشكال الايذاء، وطلبت من الشرطة الانتقال الفوري إلى سكنى الطفلة، للتأكد من الواقعة مع ربط الاتصال؛

استندت النيابة العامة في تدخلها على مقتضيات المادة 3 من مدونة الأسرة والتي تجعلها طرفا رئيسيا في جميع قضايا الأسرة، وكذا على مقتضيات المادة 54 التي تنص على أن الدولة تعتبر مسؤولة عن اتخاذ التدابير اللازمة لحماية الأطفال وضمان حقوقهم ورعايتها طبقا للقانون، وتسهر النيابة العامة على مراقبة تنفيذ ذلك، وفي هذا الإطار أمرت بإجراء بحث اجتماعي عن طريق المساعدة الاجتماعية للتأكد من التزام الأسرة بعدم تزويج الطفلة بشكل عرفي ومواكبتها وتتبع حالتها، إلى جانب البحت القضائي الذي عهد به إلى الشرطة القضائية.

كما استندت النيابة العامة في الإجراءات التي اتخذتها من أخذ تعهد من الخطيب بعدم محاولة الزواج العرفي بالطفلة، من تدابير الحماية المقررة في قانون محاربة العنف ضد النساء، ومن بينها إنذار المشتكى به، بعدم تكرار الاعتداء.

يبدو من وقائع القضية أن الطفلة لم تكن تتابع دراستها، إذ انقطعت في وقت سابق عن الدراسة. ورغم ذلك فإن النيابة العامة عهدت للمساعدة الاجتماعية مواكبة الطفلة وتتبّع حالتها بما في ذلك إمكانية عودتها إلى فصول الدراسة من خلال برنامج فرصة المتاح لفائدة الأطفال المنقطعين عن الدراسة.

وتجدر الإشارة إلى أن إحصائيات رئاسة النيابة العامة الواردة في افتتاح السنة القضائية تؤكد تراجع معدلات زواج القاصرات حيث سجلت سنة 2023 حوالي 14197 طلبا للحصول على الإذن بزواج قاصر، تم رفض 5240 منها، بينما تمت الاستجابة ل 8452 طلبا، فيما تم خلال سنة 2022 تسجيل حوالي 20097 طلبا للإذن بهذا الزواج، تم رفض 6445 طلبا منها، والاستجابة لـ 13652 طلبا، وهو ما يعني أن نسبة الانخفاض في الاستجابة للطلبات انخفضت من 68 إلى 62 في المئة، في المقابل تؤكد منظمات حقوق الإنسان لجوء كثير من الأسر إلى تزويج طفلاتها بشكل عرفي، وتطالب بتجريم زواج القاصرات وتجريم المشاركة في ذلك، تزامنا مع فتح ورش تعديل مدونة الأسرة.

مواضيع ذات صلة

تشريع الأمر الواقع في عقود الزواج

“الأطفال العرائس” بالمغرب… حينما يشرع القانون منافذ للتحايل عليه

تقرير حول واقع التبليغ عن العنف ومناهضة الإفلات من العقاب بالمغرب

هكذا يبرر القضاة تزويج الطفلات في المغرب

قراءة في دراسة تشخيصية حول تزويج الطفلات بالمغرب

زواج “الكونترا بالمغرب” .. قاصرات للإيجار أم للرهن؟

النيابة العامة تضبط الأذن القضائي بزواج القاصرات بالمغرب ومقترح نيابي بحظر الزواج دون 16 سنة

سابقة بالمغرب: حكم قضائي يعتبر الزواج العرفي بطفلة إتجارا بالبشر

محكمة النقض بالمغرب تمدّد أجل سماع دعوى الزوجية: تشجيع زواج الطفلات؟

محكمة النقض بالمغرب تعتبر الزواج العرفي بقاصر جريمة هتك عرض

سابقة بالمغرب: حكم قضائي يعتبر الزواج العرفي بطفلة إتجارا بالبشر

الشرطة تقتحم صالة أفراح لتمنع حفل تزويج طفلة عمرها 12 سنة في المغرب

انتهاء الفترة الانتقالية لدعاوى إثبات الزيجات غير الموثقة بالمغرب

حملة وطنية ضد تزويج القاصرات في المغرب: “إلغاء الاستثناء…تثبيت القاعدة القانونية

مقترح قانون لمنع زواج القاصرات في المغرب

المغرب: مقترح قانون لمنع تزويج الطفلات

المغرب يفتح ورش مراجعة مدونة الأسرة بعد 18 سنة من صدورها

من أجل الارتقاء بأقسام قضاء الأسرة الى محاكم متخصصة في الأسرة بالمغرب

انشر المقال

متوفر من خلال:

قرارات قضائية ، حقوق الطفل ، مقالات ، جندر وحقوق المرأة والحقوق الجنسانية ، المغرب ، محاكمة عادلة



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني