افتتاح السنة القضائية في المغرب


2024-01-22    |   

افتتاح السنة القضائية في المغرب

بتاريخ 15 يناير 2024 افتتحت أشغال السنة القضائية الجديدة بالمغرب، والتي تشكل ككل سنة مناسبة تقدم من خلالها السلطة القضائية حصيلتها السنوية، وتبرز أهم الاجتهادات القضائية التي أصدرتها خلال السنة المنصرمة.

وقد تميزت خطابات الافتتاح هذه السنة بتفاعل المؤسسة القضائية مع القضايا المثارة إعلاميا، ولو بشكل غير مباشر من قبيل إبراز الجهود المبذولة في تخليق القضاء، ومكافحة جرائم الفساد، ومواجهة ارتفاع معدلات الاعتقال الاحتياطي، فضلا عن مواصلة جهود فك الارتباط بين السلطة القضائية ووزارة العدل بما لا يحول دون استمرار التعاون بينهما.

نقل أجور القضاة وتكوينهم من وزارة العدل إلى مجلس القضاء الأعلى تكريسا لاستقلال السلطة القضائية

توقف الرئيس الأول لمحكمة النقض في كلمته على منجزات عدّة عرفتها السنة المنصرمة من أبرزها نقل البند المتعلق بأجور وتعويضات القضاة من ميزانية وزارة العدل إلى ميزانية المجلس، الذي شرع ابتداء من شهر يناير 2023 في صرف المستحقات المالية للقضاة، وهو ما يشكل مظهرا أساسيا من مظاهر استقلال القضاء بدعم انتماء القضاة إلى سلطتهم.

كما عرفت نفس السنة صدور قانون جديد ينظم المعهد العالي للقضاء وبموجبه تم تفعيل إشراف المجلس على معهد تكوين القضاة، حيث اعتبر الرئيس المنتدب في كلمته أن المعهد سيواجه تحديا كبيراً للحفاظ على جودة التكوين رغم تقليص مدته لسنة واحدة خلال المرحلة الممتدة إلى سنة 2028. عملاً بالمقتضى الاستثنائي الذي نصّت عليه المادة 72 من القانون رقم 37.22 المتعلق بالمعهد.

وبخصوص التعديلات الواردة على قوانين السلطة القضائية، أكّد الرئيس المنتدب أنها ستسهم في حلّ مشكل الخصاص المتفاقم في عدد القضاة من خلال إمكانية تمديد سنّ تقاعدهم لحدّ سنّ 75 سنة، وهو ما يتيح للنظام القضائي الاستفادة من الأطر الجيدة سواء للقيام ببعض المهام ولاسيما في قضاء النقض أو غيره، أو للنهوض بمهام التأطير والتخليق والتكوين.

وتفاعلا مع تزايد استقالات القضاة، أشار الرئيس الأول في كلمته إلى أن التعديلات الجديدة ستسهم في تحفيز القضاة ماديا من خلال إضافة الدرجة الممتازة إلى سلم ترقّي القضاة وتقسيمها إلى ثلاثة مستويات لمعالجة وضعية الجمود الطويلة الأمد التي كان ذلك السلم يتّسم بِها، فضلا عن رفع سنّ تقاعد القضاة. كما أنها ستؤدي الى ترشيد المساطر التأديبية للقضاة من خلال اعتماد مسطرة تأطيرية لمعالجة الأخطاء المهنية البسيطة بدل المسطرة التأديبية.

حصيلة عمل المجلس في المادة التأديبية استمرار جهود التخليق

عرف افتتاح السنة القضائية تقديم حصيلة المجلس في المادة التأديبية حيث أشار الرئيس المنتدب إلى عرض 148 تقريراً للمفتشية العامة، أسفر عن إحالة 70 قاضيا على المجلس التأديبي، الذي أصدر في حق 52 منهم عقوبات تأديبية، منها 26 عقوبة من الدرجة الثالثة (الإنذار والتوبيخ)، و15 عقوبة إقصاء مؤقت مع النقل، و4 عقوبات عزل أو انقطاع عن العمل، و7 إحالات إلى التقاعد الحتمي. كما قرر المجلس عدم مؤاخذة 18 قاضيا مع إخضاع 6 من بينهم لتكوين في المادة موضوع الإخلال، وتم حفظ باقي التقارير.

رئاسة النيابة العامة تستعرض جهودها في ترشيد الاعتقال ومواجهة جرائم الفساد

تفاعلا مع الجدل القائم حول اكتظاظ السجون، أكّد رئيس النيابة في كلمته أن موضوع الاعتقال الاحتياطي يبقى من بين أولويات مواكبة تنفيذ السياسة الجنائية. وقد أسفرتْ الجهود المبذولة في هذا الإطار سواء من قبل النيابة العامة أو الهيئات القضائية المكلفة بقضايا المعتقلين الاحتياطيين عن تحقيق أدنى معدّل اعتقال احتياطي تم تسجيله خلال العشر سنوات الأخيرة والذي بلغ عند نهاية شهر دجنبر 2023 نسبة 37.56% مقابل 40.85% عند نهاية سنة 2022، حيث انخفض عدد المعتقلين الاحتياطيين إلى 38552 معتقلا من مجموع الساكنة السجنية البالغ عددها 102650 نزيلاً.

وعلى مستوى جهود مكافحة الفساد، قدّم رئيس النيابة العامة إحصائيات الخط الأخضر للتبليغ عن الرشوة والفساد، حيث مكّن استعماله من ضبط 56 مشتبها فيه في حالة تلبّس بالرشوة سنة 2023 مقابل 38 حالة خلال سنة 2022، كما بلغ العدد الإجمالي للأشخاص الذين تم ضبطهم منذ شهر ماي 2018، تاريخ انطلاق العمل بالخط المباشر للتبليغ عن الرشوة والفساد، 299 شخصا، وذلك إلى غاية نهاية دجنبر من سنة 2023.

وبخصوص ظاهرة زواج القاصرات أكد رئيس النيابة العامة أن عدد طلبات الإذن بزواج القاصر عرفت بدورها انخفاضا ملموسا حيث سجلت سنة 2023 حوالي 14197 طلبا للحصول على هذا الإذن ، تمّ رفض 5240 منها، بينما تمت الاستجابة إلى 8452 طلبا،ً فيما تم خلال سنة 2022 تسجيل حوالي 20097 طلبا للإذن بهذا الزواج، تم رفض 6445 طلبا منها، والاستجابة لما مجموعه 13652 طلبا. وقد استقرت الممارسة القضائية في هذا المجال على تحديد سن 17 سنة لمنح الإذن بهذا النوع من الزواج. كما تحرص النيابة العامة في ملتمساتها على معارضة طلبات زواج القاصر والتمسك بتطبيق المقتضيات القانونية المتعلقة بإجراء خبرات طبية وأبحاث اجتماعية، وقد مكنت هذه الجهود من تسجيل انخفاض في الاستجابة للطلبات المذكورة بلغت 61%.

أهم الاجتهادات القضائية المبدئية لسنة 2023

ككل سنة، عرف حفل افتتاح السنة القضائية استعراض أهمّ الاجتهادات القضائية المبدئية الصادرة عن المحكمة والتي همّت أساسا مجالات متنوعة.

وفي هذا السياق، اعتبرت الغرفة الشرعية أن محكمة الموضوع قد أقامت قضاءها على أساس صحيح لما اعتبرت أن “الأم الحاضنة لم تمتنع عن تنفيذ القرار القاضي عليها بإسقاط الحضانة، وأن البنت المحضونة عبرت عن رغبتها في البقاء مع والدتها باعتبارها بلغت سن 16 سنة، الذي يخولها الحق في التخيير، وأنها تعيش واقعياً وفعلياً مع والدتها”[1].

كما قررت الغرفة الجنائية نقض قرار محكمة الاستئناف الذي لم يعتبر قصور الضحية إكراها معنوياً من شأنه هدم إرادتها، بعلّة أن العلاقة الجنسية كانت بإرادتها. وبمقتضى هذا القرار، اعتبرت محكمة النقض “أن الطفلة القاصر غير مكتملة النضج البدني والعقلي، وأنه يتعين بمقتضى اتفاقية حقوق الطفل حمايتها من أشكال الإساءة البدنية والنفسية والجنسية. وأن تعمد المتهم الراشد، استغلال قصورها وعدم نضجها والتغرير بها من أجل هتك عرضها، يعدّ عنفاً معنوياً في حقها، من شأنه أن يهدم بالمرة إرادتها الناقصة، ويشلّ أي مقاومة لديها باعتبار فارق السن بينهما. وأنه لما كانت محكمة الموضوع قد اعتبرت الممارسة الجنسية الواقعة على الطفلة القاصر رضائية وبدون عنف، ولم تراع ما تعرضت له القاصر من تغرير واستدراج ووعد كاذب واستغلال تعسفي لقصورها من قبل المتهم الراشد، والذي يعد إكراها معنوياً من شأنه أن يهدم إرادتها.. فإن قرارها كان مشوباً بنقصان التعليل ويتعين نقضه”.[2]

وفي قرار مشترك بين الغرفتين المدنية والتجارية اعتبرت محكمة النقض أن “قاضي الموضوع قد تجاوز اختصاصاته لما أمر إدارة عمومية بالقيام بعمل في غياب مقتضى قانوني يسمح له بذلك، سيما وأنه استبعد نصوصاً قانونية تضع إجراءات مسطرية لضبط كيفية حصول المرتفق على خدمات الإدارة”.[3]

وقضت الغرفة الاجتماعية “أن على الأجير احترام النظام الداخلي للمقاولة، ما لم يثبت أنه مخالف للنظام العام الاجتماعي، وأن رفضه ارتداء حذاء وسترة العمل، حفاظاً على صحته وسلامته، يشكّل خطأ جسيماً طبقاً للمادة 39 من مدونة الشغل، لأن ذلك ينحصر في الالتزام بتعليمات المشغل الرامية إلى الحفاظ على نظافة أماكن الشغل والحرص على توفر شروط الوقاية الصحية للأجراء، حسب اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 155 لسنة 1981″ وكذا إخلالاً بالمادة 281 من مدونة الشغل، كما يندرج في إطار حماية المستهلك بالنظر لطبيعة نشاط المقاولة الذي يتجلى في الصناعات الغذائية”[4] .

وقضت نفس الغرفة بأنه لا يوجد “مانع يحول دون اشتراط التحكيم لحل نزاعات الشغل الفردية، ولا يمس بالنظام العام الاجتماعي، لأن طرفي العلاقة الشغلية، وبعد إنهائهما للعقد يصبحان معاً من نفس المراكز القانونية، طالما أن علاقة التبعية التي تتجلى في عناصر الرقابة والتوجيه والائتمار أصبحت منعدمة”[5].

ومن جهتها قضت الغرفة الإدارية “أن الحصول على رخصة التجزئة دون تفعيلها، مع ثبوت الاستغلال الفلاحي إلى ما بعد انتهاء صلاحية تلك الرخصة المحددة في 6 أشهر من تاريخ تسليمها، وأن عدم تفعيلها يفضي إلى اعتبارها في حكم العدم. وبالتالي يجب اعتبار المادة 42 من القانون رقم 47-06 المتعلق بجبايات الجماعات الترابية، الذي يعفي من الرسم على الأراضي الحضرية، العقارات المرصودة للاستغلال الفلاحي ولو كانت داخل المدار الحضري”[6].

مواضيع ذات صلة

افتتاح السنة القضائية بالمغرب : السلطة القضائية تستعرض حصيلتها

افتتاح السنة القضائية بالمغرب.. انفتاح على الاعلام وتغييب الجمعيات القضائية

في افتتاح السنة القضائية بالمغرب 2019: حضور للجمعيات المهنية لأول مرة ورسائل قوية غير مألوفة

معرض لإبداعات القضاة في افتتاح السنة القضائية بالمغرب

محكمة النقض المغربية تستعد لافتتاح السنة القضائية بمعرض لإبداعات القضاة

افتتاح السنة القضائية 2017-2018: نشيد ومجاملات وكاتو دايت إكراما للرؤساء والوزراء

احياء احتفال افتتاح السنة القضائية في تونس: قطع مع تملّق السلطة واعتذار عن الماضي

أدبيات الانسجام القضائي من خلال خطابات افتتاح السنة القضائية قبل الثورة التونسية

افتتاح السنة القضائية في قصر العدل في بيروت: لا كهرباء، لا ماء، روائح كريهة، واشغال يطول أمدها

السنة القضائية 2022-2023 تسدل ستارها في تونس(2): حصيلة السنة الأولى من عهدة هيئة المحامين

تقاليد افتتاح السنوات القضائية بعد حرب 1975-1990

احتفال “التشكيلات القضائية”: طقوس الطاعة في قصور العدل

العودة القضائية في تونس 2016-2017: عودة بألوان الطيف

العودة القضائية واستحقاقات السنة القضائية 2014-2015

المحاضرة الافتتاحية في أول احتفال ببدء سنة قضائية منذ الثورة: القضاء التونسي ينفض عنه غبار التبعية


[1] القرار عدد 210/2 بتاريخ 9/5/2023 في الملف عدد 729/2/2/2022.

[2] القرار عدد 1485/3 بتاريخ 06/12/2023، في الملف الجنائي عدد 1745/6/3/2023.

[3] القرار عدد 677/1 بتاريخ 17-10-2023 في الملف المدني عدد 6269/4/1/2022.

[4] القرار عدد 306/1 بتاريخ 04/03/2023 في الملف الاجتماعي عدد 3744/5/1/2022.

[5] القرار عدد 899 بتاريخ 4/7/2023 في الملف الاجتماعي 1883/5/1/2022.

[6] قرار عدد 06/2 بتاريخ 5/1/2023 ملف عدد 3266/4/2/2022.

انشر المقال

متوفر من خلال:

قضاء ، مقالات ، المغرب ، المهن القانونية



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني