قراءة في دراسة تشخيصية حول تزويج الطفلات بالمغرب


2022-03-10    |   

قراءة في دراسة تشخيصية حول تزويج الطفلات بالمغرب

أصدرت رئاسة النيابة العامة مؤخرا دراسة تشخيصية حول زواج القاصر بالمغرب بتعاون مع منظمة اليونسيف، في سابقة تعدّ الأولى من نوعها، مند تاريخ استقلال النيابة العامة عن وزارة العدل، حيث تعتبر الدراسة أول انخراط رسمي من مؤسسة النيابة العامة في النقاش العمومي الدائر بالبلاد حول موضوع تزويج الطفلات، بعد تقديم عدة مقترحات قوانين لتقييد أو منع زواج الأطفال.

السياق العام للدراسة التشخيصية

يأتي إعداد دراسة تشخيصيّة حول “تزويج” الطفلات بالمغرب في سياق عامّ يعرف زيادة الحديث عن ضرورة تعديل مدونة الأسرة بعد مرور زهاء 18 سنة على إصدارها، حيث كشف التطبيق العملي عن وجود عدة ثغرات منها، ارتفاع معدّلات تزويج الأطفال الذي تحوّل من استثناء الى قاعدة، إذ تستجيب المحاكم لحوالي 90% من الطلبات المقدمة اليها. كما يأتي اعداد الدّراسة بعد سنوات قليلة من تقديم المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي رأيا حول زواج الطفلات خلص فيه إلى ضرورة حذف النصوص القانونية التي تتيح النزول عن السن القانوني للزواج المحدد في 18 سنة. كما يأتي إعداد الدراسة أيضا بعد سنتين من إطلاق المجلس الوطني لحقوق الانسان حملة وطنية تهدف الى تثبيت قاعدة منع زواج القاصرات وحذف الاستثناء الوارد على هذا النص، فضلا عن صدور تقارير وطنية وأخرى دولية حول ما يترتب عن تزويج الأطفال من تبعات وخيمة على تمتّعهم بحقوقهم لجهة إعاقة نموهم الذاتي أو تحقيق استقلاليتهم أو لجهة تفاقم مخاطر تعرضهم للعنف البدني والنفسي والاستغلال الاقتصادي والجنسي. بل قد يؤدي بهم الزواج المبكر للسقوط ضحايا لشبكات الإتجار بالبشر، فضلا عن ارتباط ارتفاع نسب تزويج الطفلات بارتفاع معدّلات وفيات الأمهات والرضّع، وما يمكن أن يشكله هذا الزواج من أضرار بالغة بصحة الفتيات الجنسية والإنجابية.

مؤشّرات الدراسة القضائية ونتائجها

اعتمدتْ الدراسة القضائية على تحليل ملفّات زواج “القاصر” من خلال المعطيات الإحصائية المسجلة خلال خمس سنوات، ابتداء من سنة 2015 إلى حدود سنة 2019، في 18 محكمة. وقد اعتمدت الدراسة القضائية على مجموعة من المؤشرات، منها: عدد جلسات زواج القاصر، أمد البتّ فيها، محل سكنى القاصر، مدى إجراء خبرة طبية وبحث اجتماعي، مدى ارتباط قضايا زواج القاصر بالزواج غير الموثق.

وهكذا، خلصت الدراسة القضائية إلى النتائج التالية:

– بخصوص عدد جلسات زواج القاصر، تمّ تسجيل أن نصف عدد المحاكم ضمن العينة المدروسة تعقد جلسات يومية للبتّ في طلبات زواج القاصر، وأن 36% منها تعقد جلسات أسبوعية، بينما تعقد 11% منها جلسات مرتين في الأسبوع، 

– بخصوص أمد البتّ في طلبات زواج القاصر، تمّ تسجيل أنّ أكثر من نصف المحاكم يستغرق فيها البتّ في طلبات تزويج القاصر مدة يوم واحد، وأن 36% من المحاكم تستغرق أسبوعا واحدا، بينما لا تتجاوز نسبة المحاكم التي تستغرق مدة تزيد عن أسبوع للبت في هذه الطلبات 7%.

– بخصوص محل السكنى، يتبين أن النسبة العامة للطلبات الرامية لتزويج قاصر المقدمة خارج الدائرة القضائية لقسم قضاء الأسرة تشكل نسبة ضئيلة حيث لا تتجاوز 1%، في مقابل 99% بالنسبة للطلبات المقدمة لقاصرين داخل الدائرة القضائية.

– بخصوص إجراء الخبرة الطبيّة والبحث الاجتماعي، يلاحظ أنّ حوالي نصف عدد الأذون الصادرة بزواج القاصر تمّ فيها الاعتماد على إجراء الخبرة الطبية والبحث الاجتماعي معا، وأن 43% تمّ فيها الاكتفاء بإجراء بحثٍ اجتماعي، بينما لم يتم إجراء الخبرة الطبية فقط إلا في حوالي 8% من القضايا، علما بأنّه لم يتم تسجيل صدور أي مقرر قضائي دون اللجوء إلى الخبرة أو البحث الاجتماعي.

– بخصوص ارتباط قضايا زواج القاصر بالزواج غير الموثّق، كشفت الدراسة وجود 13843 دعوى لثبوت الزوجية قدمت أمام المحاكم كان أحد طرفيها قاصرا، وأن حوالي 94% من هذه الطلبات تقدم بعد بلوغ الطرف القاصر سنّ الرشد القانوني.

تعليق على خلاصات الدراسة

تكتسي الدراسة القضائية التي أعدّتها رئاسة النيابة العامة بتعاون مع اليونسيف أهمية بالغة، حيث تعبر أول دراسة قضائية ميدانية تنصب على عمل المحاكم، وتعكس تفاعل مؤسسة رئاسة النيابة العامة مع القضايا المطروحة على النقاش العمومي.

يلاحظ أن الدراسة ركّزت على الإجراءات التي تتمّ أمام أقسام قضاء الأسرة ولم تتطرّق الى المقررات القضائية الصادرة ولا سيما ما يتعلق بتقدير شرط “مصلحة القاصر في الزواج“، والذي يبقى محلّ تفاوت في التقدير بين المحاكم الابتدائية وبين هذه المحاكم ومحاكم الاستئناف، ومحكمة النقض.

كشفت الدراسة النقاب عن الثغرات الموجودة في القوانين. فإذا كانت المادة 19 من مدونة الأسرة حددت سن الزواج في 18 سنة للجنسين معا، كما أنها أجازت استثناء النزول عن هذا السن القانوني بمقتضى مقرر قضائي معلل يبين فيه المصلحة والأسباب المبررة لذلك، بعد الاستماع لأبوي القاصر أو نائبه الشرعي، والاستعانة بخبرة طبية أو إجراء بحث اجتماعي، فإن تطبيق هذه المواد على مستوى الممارسة كشف عن عدة اختلالات، منها:

  • تحول زواج القاصر من استثناء الى قاعدة، وهو ما أكدته الدراسة حيث يتم الاستجابة الى أزيد من 90% من الطلبات المقدمة إلى المحاكم؛
  • رغم أن المشرّع خير القضاء بين إجراء بحث اجتماعي أو إجراء خبرة طبية، إلا أنه يلاحظ التعامل بنوع من “التساهل” مع هذه الإجراءات. وهو ما كشفت عنه نتائج الدراسة. فنصف عدد طلبات تزويج القاصرين المقدّمة إلى القضاء تبت فيها المحاكم في يوم واحد، رغم أن القانون يفرض القيام بعدة إجراءات من قبيل تسجيل الطلب بصندوق المحكمة، وتعيين جلسة له، والاستماع إلى القاصر ووالديه، وإصدار أمر بإجراء بحث اجتماعي، أو إصدار أمر بإجراء خبرة طبية، والإدلاء بنتائج الخبرة الطبية أو الاجتماعية، قبل صدور الإذن بالزواج. وما يزيد من التساهل مع ملفات زواج القاصرين، هو عدم تخصيص عدد من المحاكم لجلسات أسبوعية بتوقيت محدّد، للبت في هذه الطلبات، حيث يتمّ التعامل معها مثل قضايا التسجيلات في الحالة المدنية يتمّ البت فيها في يوم واحد فور تقديم الطلب داخل أوقات العمل اليومية، نظرا لبساطتها وفي إطار المرونة. ولعل هذا المؤشر يفسر ارتفاع عدد الأذون الصادرة بتزويج الطفلات في المحاكم التي تبتّ في هذه الطلبات بشكل يومي.
  • كشف التقرير وبشكل إحصائي أن المادة 16 من مدونة الأسرة التي تسمح خلال فترة انتقالية بإمكانية إثبات الزواج غير الموثق بمقرر قضائي، تستغلّ كمطية للتحايل على زواج القاصرات. ففي حالة صدور مقرّر برفض منح الإذن للزواج من طرف المحاكم، تقوم أسر الفتيات بتزويجهن بالفاتحة. وبعد إنجاب الأطفال، أو بلوغهن سن الرشد القانوني يتقدمن بطلبات للمحاكم للاعتراف بهذا الزواج. وما ساعد على إذكاء التحايل على مقتضيات تزويج القاصرين في مدونة الأسرة هو غياب جزاء زجري أو مدني في حقّ من يتزوج بقاصر دون احترام الإجراءات القانونية، بل يعتبر التحايل على القانون في هذه الحالة حلا أفضل بالنسبة لأسر القاصرين، من الطعن في مقرر رفض الزواج أمام محكمة الاستئناف نظرا للبعد الجغرافي.
  • وإذا كانت نتائج الدراسة قد كشفت أنّ غالبية الطلبات التي تقدّم أمام المحاكم تراعي الاختصاص المكاني، رغم أن هذا القيد لا يوجد قانونا، إلا أنه لا يمكن التسليم بهذه النتيجة، طالما أنه بإمكان الأسر الحصول على شواهد سكنى (في إطار المجاملة)، لتعزيز الطلبات المقدمة أمام القضاء، وهو ما جعل رئاسة النيابة العامة تثير الانتباه في عدد من دورياتها إلى ضرورة مراعاة الاختصاص المكاني والتصدي لحالات التحايل على القانون.
  • بخصوص التوصيات العامة للدراسة يلاحظ أنها لم تركز فقط على الجانب القانوني فقط وإنما اهتمت أيضا بضرورة العمل على تغيير العقليات والموروث الثقافي الذي ما يزال يُطبّع مع ظاهرة تزويج الطفلات. كما دعت إلى العمل على  مستوى السياسات العمومية لتغيير العوامل الأساسية التي تشجع على استمرار تزويج الطفلات، من خلال تفعيل إلزامية التعليم الأساسي ومحاربة الفقر والهشاشة والنهوض بالعالم القروي والاهتمام أيضا بجمع المعطيات الإحصائية ذات الصلة بتزويج الأطفال. كما تطرّقت توصيات الدراسة إلى الإجراءات القضائية والتشريعية، حيث دعت إلى تحديد سنّ أدنى لزواج القاصر. وهو ما يعني عدم الحسم مع موضوع منع زواج القاصرات في انتظار موقف تشريعي واضح على ضوء ما سيسفر عليه النقاش العمومي حول هذا الموضوع، وإلزامية الجمع بين الخبرة الطبية والبحث الاجتماعي، وتمديد نطاق البحت الاجتماعي ليشمل أيضا الخطيب، وتخويل النيابة العامة حق الطعن في مقرر الاذن بزواج القاصر، ونقل صلاحية البت في هذه الطلبات إلى القضاء الجماعي، وتجريم الزواج دون الإذن القضائي، وتعديل مقتضيات قانون محاربة العنف ضد النساء من خلال اشتراط تقديم شكاية في جرائم الإكراه على الزواج، واعتبار طلاق القاصر خلال فترة خمس سنوات على زواجها، طلاقا تعسفيا، وفتح الحور بين الفاعلين الأساسيين وقطاع الصحة لاعتماد نموذج موحد للخبرات الطبية المتطلبة للاذن بزواج القاصر، واستحضار المقتضيات المتعلقة بالإتجار في البشر في حال وجود مؤشرات هذه الجريمة في بعض القضايا المتعلقة بتزويج الأطفال ومن بينها مثلا ما باث يعرف بزواج الكونترا

مواضيع ذات صلة

مقترح قانون لمنع زواج القاصرات في المغرب

النيابة العامة تضبط الأذن القضائي بزواج القاصرات بالمغرب ومقترح نيابي بحظر الزواج دون 16 سنة

أي مقاربة لمعالجة ظاهرة زواج القاصرات بالمغرب؟

حملة وطنية ضد تزويج القاصرات في المغرب: “إلغاء الاستثناء…تثبيت القاعدة القانونية”

تشريع الأمر الواقع في عقود الزواج

زواج “الكونترا بالمغرب” .. قاصرات للإيجار أم للرهن؟

زواج الفاتحة بالمغرب: هل تصمد الأعراف أمام قوة القانون؟

انتهاء الفترة الانتقالية لدعاوى إثبات الزيجات غير الموثقة بالمغرب

مكانة الشريعة الإسلامية في تشريعات المغرب في ظل الدستور الجديد: استيعاب التناقضات في إطار التوافق وتحكيم “أمير المؤمنين”

“الأطفال العرائس” بالمغرب… حينما يشرع القانون منافذ للتحايل عليه

الشرطة تقتحم صالة أفراح لتمنع حفل تزويج طفلة عمرها 12 سنة في المغرب

دراسة جديدة في المغرب تدق ناقوس الخطر حول تزويج الطفلات

انشر المقال

متوفر من خلال:

محاكم جزائية ، منظمات دولية ، تشريعات وقوانين ، حقوق الطفل ، مقالات ، المغرب



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني