سالي جرجورة الضحية رقم 6 لجرائم قتل النساء منذ بداية العام  


2024-04-19    |   

سالي جرجورة الضحية رقم 6 لجرائم قتل النساء منذ بداية العام  
حديقة المنزل التي عثر فيها على أشلاء سالي، مختومة بالشمع الأحمر

لا تزال المرأة في لبنان تدفع من روحها وجسدها، ثمن سيطرة النظام الأبوي الذي يضع الرجل في مرتبة يصبح فيها هو صاحب القرار والمتحكّم حتى في حق المرأة  في الحياة. وحتى كتابة هذه السطور سلب 6 رجال حيوات 6 نساء منذ بداية هذا العام بحسب إحصاء لمنظمة “كفى” في جرائم تمّ الإبلاغ عنها، ما يعني أنّ الرقم قد يكون أعلى من ذلك. وكان العام 2023 سجّل مقتل 21 امرأة.  

آخر تلك الجرائم وقعت الإثنين في 15 نيسان الجاري، وتميّزت بوحشية خاصّة راحت ضحيتها سالي جرجورة ، وهي أميركية في العقد السادس من عمرها، متزوّجة من أحد أبناء بلدة المية ومية، شرق مدينة صيدا، وأمّ لشابين مقيمين في الولايات المتحدة، حيث عُثر على جثّتها مقطّعة ومدفونة في حديقة منزلها. 

وتفيد مصادر في قوى الأمن الداخلي لـ “المفكرة” أنّه تم توقيف الزوج ج. جرجورة بإشارة من النائب العام الاستئنافي في الجنوب القاضي رهيف رمضان، بشبهة قتلها بالرصاص ثمّ تقطيع جثتها ودفنها.

وكان أحد عمال الزراعة قد عثر على أجزاء من أشلاء بشرية في الحديقة  أثناء تنظيفه العشب بناء على طلب الزوج، وعلى الفور أبلغ القوى الأمنية التي حضرت وبحثت عن بقية الأشلاء، ليتبيّن أنّها مدفونة في ست حفر. وكانت سالي وزوجها قد عادا من الولايات المتحدة إلى لبنان قبل حوالي ثمانية أعوام، بعدما تم إبعاده من قبل السلطات الحكومية هناك وذلك بحسب ما أفاد عدد من أهالي المية ومية “المفكرة”. 

ويقول الأهالي إنّ سالي قد اختفت قبل حوالي شهرين وقد سوّق الزوج بأنّها عادت إلى الولايات المتحدة. وتفيد مصادر القوى الأمن الداخلي أنّ ولديها تقدّما قبل حوالي الشهر بشكوى باختفائها، وكان البحث عنها لا يزال جاريًا حين عُثر على أشلائها في الحديقة.

الضحية مختفية منذ شهرين 

يقول مختار المية ومية سمير السقيلي إنّ الزوج (لبناني، 68 عامًا) هاجر وذويه إلى الولايات المتحدة قبل عقود، وهناك تزوّج من سالي وهي أميركية ورزقا بولدين، إلّا أنّهما عادا الى لبنان قبل حوالي ثماني سنوات، وأقاما في منزل أحد أقاربه في المية المية. وكان جرجورة يعمل كمتعهّد ورش كهرباء، وكحارس في البلدية إلّا أنّه توقف عن العمل قبل حوالي سنتين بعد انحلال المجلس البلدي. أما الضحية فكانت تعمل كاتبة عدل في الولايات المتحدة ومع مجيئها إلى لبنان عملت لفترة وجيزة في مدرسة النخبة في صيدا، وبحسب بعض أهالي البلدة “كانت تعمل عن بعد، لصالح شركة في أميركا”.

يضيف المختار في لقاء مع “المفكرة” أنّ الزوج أعلن قبل سنتين طلاقهما إثر خلاف وقع بينهما، إلّا أنّه يؤكّد أنّه لم يشهد على أي مستند قانوني يثبت ذلك. ويتابع أنّه بعد هذا الخلاف عادت سالي إلى الولايات المتحدة فيما سافر هو إلى أفريقيا للعمل، وعند عودته قرر الارتباط بامرأة جديدة، ما دفع بسالي إلى العودة من الولايات المتحدة، دائمًا بحسب المختار. ويتابع الأخير أنّ جرجورة لم يستقبلها في منزله، فمكثت لأيامٍ عدة عند أحد أقاربه، قبل أن تعود بعدها للعيش معه لحوالي سنة ونصف تقريبًا حتى وقوع الجريمة.

“المفكرة” زارت منزل الأقرباء الذين مكثت عندهم سالي، وأكد أحدهم أنّ جرجورة كان في الآونة الأخيرة يتردد يوميًا عليهم، وأنّه وسالي لم يكونا على وفاق إذ كان يريد منها مغادرة لبنان إلّا أنّها لم ترض.

يتابع المختار أنّه منذ شهرين، وسالي لم تعد تظهر في البلدة، فأشاع جرجورة خبر عودتها إلى أميركا، إلّا أنّه قبل حوالي الشهر حضرت القوى الأمنية إلى منزله بحثًا عنها وفتّشت المنزل وحقّقت مع جرجورة.

اليوم لا تزال أشلاء سالي في ثلاجة المستشفى الحكومي في صيدا بانتظار من يستلمها، وقد تواصل المختار مع شقيق الزوج المشتبه فيه في الولايات المتحدة لاستلام الجثة، إلّا أنّ الأخير وعده بالتشاور مع العائلة أولًا.

وقد حاولت “المفكرة” التواصل مع الشقيق إلّا أنّه رفض الإدلاء بأيّ تعليق، علمًا أنّ جميع أفراد عائلة جرجورة يقيمون في الولايات المتحدة. 

صورة نشرتها سالي على حسابها على فيسبوك وهي برفقة زوجها المشتبه فيه بقتلها

المية المية صدمة وحزن

تكاد شوارع وأزقّة المية ومية تخلو سوى من قلّة من المارّة، بلدة هادئة تنتشر فيها المساحات الخضراء، وأمام كلّ منزل حديقة صغيرة وأحواض من الورد. وبحسب المختار فقد شهدت البلدة موجات عدة من هجرة أبنائها إلى الولايات المتحدة وكندا واستراليا.

هنا لا تزال الصدمة والحزن يلفّان جميع من التقيناهم: “ما بحياتها المية ومية صار فيها هيك، شو هالجريمة البشعة، الله  ينجينا” تقول إحدى النساء التي تجلس على مصطبة منزلها متّكئة على عصاها.

نسأل عن منزل سامي واكيم، العامل الشاب الذي اكتشف أشلاء المغدورة في الحديقة واتّصل بالقوى الأمنية، لنصل إليه بعد عناء، ونراه جالسًا عند مصطبته في فيء شجرة الأكيدنيا. يقول لـ “المفكرة” إنّه تلقى اتصالًا من جرجورة يطلب منه المجيء لتنظيف الأرض أمام منزله من العشب كونه يمتلك معدات زراعية. فذهب واكيم إلى الحديقة، ومنذ أن بدأ العمل عبقت رائحة غريبة لم يفهمها قبل أن يقع بصره على بعض من الأشلاء وقطعة ملابس داخلية، فسأل جرجورة ثلاث مرات “شو هيدا” ليجيبه بإشارة الصمت واضعًا اصبعه على فمه. عندها سارع واكيم بمغادرة المنزل، وعلى الفور أبلغ القوى الأمنية التي حضرت إلى المنزل وبدأت البحث ليتبيّن أنّ هناك اشلاء مدفونة في ست حفر.

يضيف واكيم أنّ جرجورة قام وعلى مدى شهرين بحبك قصةِ نموذجيةِ عن غياب زوجته “عمل سيناريو رهيب لكيف اختفت ما فيكي تشكّي فيه، على مدة شهرين يقلّنا سالي راحت على أميركا وساعة سالي عملتلي بلوك، وهي موجودة جثة في أرضه”.

ويتناقل الأهالي أنّ الزوجين لم يكونا على وفاق، وأنّهم شهدوا على حادثة هروب سالي من المنزل في شهر آب الماضي وهي شبه عارية من دون أن يتمكنوا من تحديد الأسباب، ومنهم من أكّد تعرّضها للضرب في تلك الليلة ومنهم من نفى ذلك.

من جهة ثانية يلفّ الغموض أسباب عودة جرجورة من الولايات المتحدة قبل ثماني سنوات، وتختلف الروايات فبعض من قابلناهم يقول إنّه لم يتمكّن طيلة فترة إقامته في الولايات المتحدة من الحصول على الجنسية، وأنّه كان يعيش هناك بطريقة غير شرعية، وقد تمّ ترحيله لارتكابه مخالفات عدّة. رواية أخرى تقول إنّ سالي ادعت عليه في الولايات المتحدة  بتهمة انتحال شخصية، فتم ترحيله إلى لبنان.

قوانين قاصرة 

على الرغم من أنّ حوادث قتل النساء تحدث بشكل متكرّر، إلّا أنّ قوانين حمايتهنّ لا تزال قاصرة. وكانت جمعية “كفى” قد تقدّمت في نيسان 2024 بالتعاون مع  بعض النوّاب باقتراح قانون جديد يرمي إلى مناهضة العنف ضد المرأة، وهو مستمد من أحكام القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني والقانون الجنائي الدولي. واعتبر  الاقتراح أنّ العنف ضدّ المرأة يشكل انتهاكًا لحقوق الإنسان وجرمًا يعاقب عليه القانون، مع ضرورة عدم إعطاء أي اعتبار للثقافة والعادات والتقاليد كمبرّرات لارتكاب العنف. كما نصّ على توفير الدعم القانوني للنساء والفتيات الضحايا وتمكينهنّ من الوصول إلى العدالة عن طريق الاستفادة من المعونة القضائية، وضرورة متابعة النساء والفتيات ضحايا العنف وتوفير المساعدة الاجتماعية والصحية لهنّ.

وتشرح النائبة بولا يعقوبيان في اتصالٍ مع “المفكرة” أنّ أهمية اقتراح القانون الجديد أنّه منبثق من المعايير الدولية الموضوعة لحماية النساء، بخاصّة وأنّ بعض القضاة ما زالوا إلى اليوم، رغم إلغاء المواد القانونية المتعلقة بجريمة الشرف، يلجأون إلى مواد قانونية أخرى في قانون العقوبات لإصدار أحكام تخفيفية، منها المادة 252 والتي تنصّ “يستفيد من العذر المخفف فاعل الجريمة الذي أقدم عليها بصورة غضب شديد ناتج عن عمل غير محق وعلى جانب من الخطورة أتاه المجني عليه”. 

وتعتبر يعقوبيان أنّ القانون يجب أن يتضمّن مواد قانونية واضحة ومحدّدة لردع القضاة الذين غالبًا ما يلجأون إلى الاستنسابية في اختيار المواد: ” قد ما منحط مواد قد ما منكون منحط روادع أمام القضاة”. وتضيف أنّ عدّاد جرائم القتل في حق النساء ما زال مستمرًا ويرتفع يومًا بعد يوم وكأنّ ما من قانون يحميهنّ. 

وكان المجلس النيابي قد أقرّ قانون “حماية النساء وسائر أفراد الأسر من العنف الأسري” رقم 293/2014 المعدل بموجب القانون رقم 204/2020، وقد أبدت جمعيات من بينها “المفكرة القانونية” تحفّظاتها على التعديلات التي لا تؤمّن حماية كافية للنساء المعنّفات. فهو على سبيل المثال لا يجرّم فعل إكراه الزوجة على الجماع أو الاغتصاب الزوجي، كما ينصّ على أنّه لكي يُعاقب المعنّف، وجب على زوجته التقدّم بشكوى قضائية، في حين أنّ إسقاطها للشكوى يوقف ملاحقة المعنّف. 

وكانت منظمة أبعاد قد ذكرت في آذار الماضي أنّ  29 امرأة قتلت خلال عام 2023 بمعدل  ضحيتين شهريًّا مقارنة بـ 11 امرأة عام 2022، أي أنّ نسبة جرائم قتل النساء في لبنان ارتفعت في العام 2023 بمعدل 300% عن العام السابق. وأشارت إلى أنّ نسبة التبليغات على الخط الساخن التابع لقوى الأمن الداخلي بلغت 767 شكوى، أي بمعدل 64 شكوى شهريًا. كما شدّدت على أهمية الإبلاغ عن جرائم العنف وضرورة الاستجابة السريعة لها من قبل قوى الأمن الداخلي والتحقيق فيها وإحالتها إلى القضاء المختص لإصدار الأحكام العادلة والرادعة.

وذكر تحقيق لـ “المفكرة” يعتمد على أرقام قوى الأمن ومنظمة “كفى” أنّ أرقام التبليغات والشكاوى المتوافرة عن العنف ضدّ النساء تبيّن أنّ النسبة الأكبر تمّت على يد الزوج الحالي أو السابق أو فرد من أفراد الأسرة. وبحسب التقارير الشهريّة لـ “كفى”، تحدّثت 62% من التبليغات عن عنف من الزوج، يليه عنف من فرد من الأسرة (20%)، مقارنة بـ 85% و11% على التوالي العام 2022.

انشر المقال

متوفر من خلال:

تحقيقات ، تشريعات وقوانين ، محاكمة عادلة وتعذيب ، لبنان ، مقالات ، جندر وحقوق المرأة والحقوق الجنسانية ، محاكمة عادلة



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني