مُقترح موازنة 2022 (4): أيّ تضامن مع الفئات المتضررة؟

،
2022-02-05    |   

مُقترح موازنة 2022 (4): أيّ تضامن مع الفئات المتضررة؟

في سياق تعليقنا على مقترح موازنة 2022، تناولنا بعد عرض المخالفات الدستورية الواردة فيه، مدى العدالة في توزيع الأعباء العامة بين المكلفين، وكيفية مقاربة إدارة الأملاك العامة والمرافق العامة وحقوق الموظفين العامين. وسنتطرق هنا إلى كيفية مقاربة الموازنة لمبدأ التضامن الاجتماعي وبخاصة مع الفئات الأكثر تضررا من الانهيار وتداعياته، وأيضا من تفجير مرفأ بيروت والذي أدّى إلى تفجير مناطق واسعة من العاصمة. 

وقبل المضيّ في استعراض هذه المقاربات المختلفة، نلحظ أن واضعي مقترح موازنة 2022 تراجعوا تماما عن فكرة فرض ضريبة تضامن لمرة واحدة والتي كان تبناها مقترح موازنة 2021، وهي فكرة كان من شأنها أن تسهم في إيجاد مصدر مالي إضافي لتجاوز الخسائر الكبيرة المحققة وللمساهمة في تحسين أوضاع الفئات المحتاجة وفي التخطيط لإعادة تحريك العجلة الاقتصادية. 

1.رفع قيمة ضمان الودائع: حماية وهميّة للمُودعين القُدامى مقابل إغراءات غير مقنعة للجدد؟

أول الفئات التي خصّص لها المقترح مساحة هم المودعون القُدامى الذين يتعرّضون منذ تشرين الأول 2019 لعمليات قص شعر تحت عناوين مختلفة وتبقى مدّخراتهم مهددة بالضياع. وقد قارب المقترح هذا الأمر من باب رفع قيمة ضمانة الودائع، وذلك على غرار ما فعله قانون موازنة 2020 وأيضا مقترح موازنة 2021. وعليه، وفي حين زاد هذا الأخير قيمة الضمانة على الوديعة من خمسة ملايين إلى 75 مليون ليرة ونصّ مقترح موازنة 2021 على رفعها حتى 300 مليون ليرة، جاء المُقترح ليزيدها إلى 600 مليون ليرة، وذلك عن مجموع الحسابات العائدة لمُودع واحد لدى أيّ مصرف، إلا أن المقترح استعاد هنا أيضا نفس القواعد المعتمدة في موازنة 2020 بخصوص كيفية تسديد قيمة الضمانة والتي جعلت جزءا هاما منها بمثابة ضمانة وهمية. فقد نص المقترح على أن 30% من مجمل قيمة الضمانة فقط تسدّد فور صدور قرار توقف المصرف عن الدفع أو وضع اليد عليه، في حين يدفع الرصيد المتبقّي إما تقسيطًا وإمّا بسندات خزينة يصدرها مصرف لبنان خلال مهلة سنة، من دون تحديد مدة التقسيط أو استحقاق السندات (م 118). ومؤدى هذا الأمر ضمان الشطر الأول من الودائع، علماً أن تحديد قيمة هذا الشطر يعكس درجة الحماية التي يريد المشرع منحها لصغار المودعين، ومن ضمنهم الأشخاص المتقاعدين أو كبار السنّ الذين ربما يعوّلون على هذه الودائع للعيش بكرامة.

ويبرز التمييز بين المودعين بشكل واضح في المادة 132 من المُقترح الجديد الذي يرفع قيمة ضمان الودائع إلى 50 ألف دولار (ضعف المبلغ عن الودائع القديمة) للودائع التي تودع ابتداءً من نشر قانون موازنة 2022 بعد إقراره من قبل المجلس النيابي. وفي حين ألزمت هذه المادة نفسها المصارف على تسديد الودائع بالعملة التي أودعت بها بعد نشر القانون، فإن المقترح بدا وكأنه يتجاهل تماما الودائع القديمة المحتجزة بقرار من المصارف من دون أي مسوغ قانوني في ظل تقاعس المجلس النيابي عن إقرار قانون لتحديد الضوابط والقيود على الحسابات المصرفية. 

وبالعودة إلى رفع الضمانة على الودائع القديمة، كانت “المفكرة القانونية” قد انتقدت قانون الموازنة العامة لسنة 2020 لهذه الجهة انطلاقا من ثلاثة اعتبارات نُعيد تكرارها تبعاً للتعديل في المبلغ المُغطّى:

  • إنّ تحديد الضمانة على الودائع بما فيها الودائع بالعملة الأجنبية بالليرة اللبنانية التي ما لبثت تفقد قيمتها ومن دون اعتماد أي مؤشر آخر كسعر الصرف المعمول به عند استحقاقها يبقى أمرا نظريا، وبخاصة أن هذه الضمانة لا تستحق إلا في حال إعلان توقف المصرف عن الدفع.
  • إن تسديدها ب 30% فورًا وتأجيل الباقي يعني أنّ القيمة الفعليّة للضمانة هي 180 مليون ليرة وهو المبلغ الذي يدفع فورًا. وهذه القيمة تقارب وفق سعر الصرف الحقيقي للدولار الأميركي في المنتصف الأول من كانون الثاني 2022 8 آلاف د.أ. أما ما تبقى فقد لا يسدد إلا بموجب سندات خزينة يُترك للمجلس المركزي لمصرف لبنان مهمّة تحديد استحقاقها من دون إلزامه بأجل أقصى. فمدة السنة هي الأجل الأقصى لدفع الأقساط في حال اعتماد طريقة التقسيط أو إصدار سندات الخزينة، وليست المدة الأقصى لاستحقاق هذه السندات. ومن شأن هذا الأمر أن يقضم جزءا هاما من الضمانة سواء بفعل تأخير الدفع أو بفعل مضاعفة مخاطر فقدان قيمة الليرة تبعا لهذا التأخير.
  • إنّ ما تم ذكره هو بمثابة هيركات بنسبة 70% على جميع الودائع دون تمييز بينها. فتأخير دفع ال70% المتبقية من الضمانة دون ضوابط وفوائد وفي ظل الانهيار المستمر لقيمة العملة الوطنية هو فعليًا تجميد لهذه الأموال التي ستفقد قيمتها سريعًا.

لذلك، لا يتعدّى موضوع رفع الضمانة كونه مسعى غير كافٍ وشبه وهمي لضمان الحد الأدنى من الودائع، وهو أمر يبقى منقوصا في غياب أي إصلاح مالي واقتصادي ومصرفي جدي، يقوم أساسا على تحديد الجهة المسؤولة عن تعويض الخسائر. ونُضيف على ذلك بأنّ هذه الضمانة لا تستحق سوى عند إعلان توقّف المصارف عن الدفع، وهو الأمر الذي لم تجرؤ أي محكمة مختصة على القيام به حتى الآن ولم يطلب مصرف لبنان ذلك رغم توقّف المصارف الفعلي عن الدفع، ما يجعل احتمالية تسديد هذه المبالغ ضئيلة جداً.

2. مساعدات وإعفاءات وهمية عن ضحايا المرفأ

رصدت “المُفكرة” فيما سبق عمليات التعويض على المتضررين من جرّاء مرفأ بيروت. وقد تبيّن حينذاك، أنّ مجموع ما وصل إلى الجيش اللبناني لتوزيعه على المتضررين لم يبلغ أكثر من 10% من المبلغ المرصود للتعويضات حتى آذار 2021، أي 150 مليار من أصل مبلغ 1500 مليار ليرة مرصودة بموجب القانون 194/2020، وذلك ما أكّده المؤتمر الصحفي الذي عقده الجيش في الأول من ذلك الشهر. في المادة 17 من هذا المُقترح، يُجاز نقل مبلغ 100 مليار ليرة بقرار من وزير المالية من باب احتياطي الموازنة لتخصص لتوزيع المساعدات للأبنية المتضررة من انفجار المرفأ، وهو يبقى مبلغ زهيد تبعاً للتعويضات التي كانت مرصدة. كما تُعفي المادة 107 من المُقترح من رسوم قيد الانشاءات عن الإنشاءات التي كانت في طور الإنشاء عند وقوع الانفجار.

إلى ذلك، نستعيد في هذا المقطع تعليقنا على هذه الإعفاءات والتي وردت أيضاً في مُقترح العام 2021 وأهمها الآتية: 

  • أن إعفاء رواتب الموظفين والمستخدمين الذين أصيبوا بإعاقة دائمة نتيجة إنفجار مرفأ بيروت من الضريبة على الرواتب والأجور (م 39)، من دون إقرار أي تعويض بطالة لهم، إنما يشكل تعويضا وهميا يضاف إلى تعويض وهمي آخر مُنح لهذه الفئة. ومن البيّن أنّ هذا التعويض لا يتناسب قط مع الضرر الحاصل طالما أن نسبة محدودة جداً من معوّقي التفجير تستفيد عمليا منه، وطالما أنّ المنفعة الناتجة لهؤلاء تبقى جدّ محدودة. فهو يشمل المصابين بإعاقة دائمة وحدهم من دون المصابين بإعاقة مؤقتة، وفقط في حال كان المعوق أجيرا وحافظ على وظيفته وبقدر ما يستمر فيها رغم إصابته بإعاقة دائمة بما يستثني الذين ليسوا أجراء في الأساس أو الذين تم صرفهم أو سيتم صرفهم تبعا لإصابتهم بإعاقة وبحجتها.
  • أن إعفاء المؤسسات التي توقفت عن العمل بشكل نهائي نتيجة انفجار بيروت إذا عاودت العمل مجددًا عن السنوات 2021 و2022 و2023 (المادة 94) هو جدّ مبهم كما سبق بيانه في الفصل الأول من هذا المقال وهو يفتح باب الاستنساب والتهرب الضريبي بما يضع المتضررين كثيرا مع المتضررين قليلا وغير المتضررين في السلة نفسها. إذ يُخشى أن تفتح هذه المادة باباً واسعا أمام التهرب الضريبي كأن يشتري أشخاص هذه المؤسسات بهدف الاستفادة من الإعفاء الضريبي عن الأرباح التي قد يحققونها من النشاطات التي يقومون بها.

3. محاولات خجولة للتخفيف من التلوث البيئي الناتج عن توسع عمل مولدات الكهرباء في الأحياء السكنية

في هذا الصدد، يشار إلى تضمين المُفترح أحكاما إلى للتخفيف من التلوث الذي يتضرر منه عموم السكان بنتيجة تفاقم الاعتماد على مولدات الكهرباء في الأحياء. فقد تمّ إعفاء الأجهزة والمعدات التي تعمل على الطاقة الشمسية لتوليد الطاقة الكهربائية من الرسوم الجمركية والضريبة على القيمة المضافة. ولهذه المادة (م. 79) هدف مزدوج، فهي من جهة تُشجّع على استخدام الطاقة الشمسية ما يُخفض من الضغط على شبكة الكهرباء، ومن جهة أُخرى يُؤدّي تخفيف الضغط هذا إلى تخفيف الانبعاثات الخارجة من معامل الكهرباء. وفي مجال تشجيع الاعتماد على الطاقة النظيفة أيضاً تمّ إعفاء السيارات غير الملوثة للبيئة الهجينة أو التي تعمل على الكهرباء من 80% من رسوم الجمارك والتسجيل والسير والاستهلاك الداخلي (م. 112).

أمّا على صعيد فرض الرسوم وعملاً بمبدأ الملوث يدفع، وحيث كان يُفرض رسم تصاعدي على انبعاثات المصادر المتحرّكة (السيارات مبدئياً)، تمّ إضافة المصادر غير المتحرّكة لدافعي هذا الرسم (م. 110). ويُفهم أنّ شمول المصادر غير المُتحرّكة سيفرض بشكل خاص على أصحاب المصانع وأصحاب المولدات الكهربائية الرسم التصاعدي وذلك لتخفيف الانبعاثات، على أن تبقى العبرة بتنفيذ مثل هذه المادة واستيفاء هذا الرسم فعلياً.

انشر المقال

متوفر من خلال:

بيئة ومدينة ، مصارف ، بيئة وتنظيم مدني وسكن ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد ، اقتصاد وصناعة وزراعة ، مجزرة المرفأ



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني