“رفع ضمانة الودائع” حقنة مورفين في وريد المودعين: قص شعر مقنع لأصحاب الودائع الصغيرة


2020-01-28    |   

“رفع ضمانة الودائع” حقنة مورفين في وريد المودعين: قص شعر مقنع لأصحاب الودائع الصغيرة

أهم ما ورد في قانون الموازنة العامة لسنة 2020 هو المادة 40 منها الخاصة بضمان الودائع المصرفية. وكانت لجنة المال والموازنة أضافت هذه المادة إلى قانون الموازنة لسنة 2020، بهدف رفع قيمة ضمان الودائع من 5 ملايين إلى 75 مليون ليرة لبنانية كما جاء في تقريرها. إلا أن التدقيق في تفاصيل منح هذه الضمانة يكشف عن مسعى للانتقاص منها أو التقليل من قيمتها وربما تحويل الجزء الأكبر منها إلى ضمانة وهمية قد تصل إلى 70% منها. ومؤدى هذا التوجه هو أنه يبقى عاجزا عن حماية صغار المودعين أو تخفيف هواجسهم إزاء احتمال فقدان ودائعهم أو الضغوط على المصارف لسحب هذه الودائع. وهذا ما نستشفه من المعطيات الآتية:

1- أن الضمانة محددة ب 75 مليون ليرة لبنانية أيا تكن عملة الوديعة المصرفية، عمليا سواء كانت بالليرة أو بالعملات الأجنبية. وتحديد الضمانة بهذه العملة من دون أي ضوابط هو إشكالي بالنظر إلى فقدان هذه العملة جزءا كبيرا من قيمتها في سوق النقد (أقله 33%) وأيضا من قيمتها الشرائية مع احتمال عالٍ لتعرض هذه القيمة لمزيد من التراجع.

2- أن طريقة تسديد هذه الضمانة تؤدي بحد ذاتها إلى تهديد الجزء الأكبر من هذه الضمانة. فوفق البند ثالثا (2) من المادة المذكورة، “يدفع من أصل الضمانة حتى نسبة 30% فور صدور قرار إعلان التوقف عن الدفع أو قرار وضع اليد ويدفع الرصيد الباقي إما تقسيطا وإما عن طريق سندات خزينة خلال مهلة سنة وفقا لما يقرره المجلس المركزي لمصرف لبنان. هذا الأمر يعني أن الضمانة الحقيقية هي فقط 30% من الضمانة المعلنة: أي فقط 22 مليون وخمسمائة ألف ل.ل. أما ما تبقى فقد لا يسدد إلا بموجب سندات خزينة يُترك للمجلس المركزي لمصرف لبنان مهمة تحديد استحقاقها من دون إلزامه بأي أجل أقصى. فمدة السنة هي الأجل الأقصى لدفع الأقساط في حال اعتماد طريقة التقسيط أو إصدار سندات الخزينة، وليس المدة الأقصى لاستحقاق هذه السندات. ومن شأن هذا الأمر أن يقضم جزءا هاما من الضمانة سواء بفعل تأخير الدفع أو بفعل مضاعفة مخاطر فقدان قيمة الليرة بفعل هذا التأخير. وما يزيد من هذه المخاطر هو الأثر الناجم عن تطبيق “الكابيتال كونترول”، وتحديدا لجهة الغموض الناتج عنه بشأن تاريخ توقف المصارف عن الدفع وهو التاريخ المعتمد لاستحقاق الضمانة.

3- إن ما تقدم إنما يفتح الباب أمام إجراء ما بات يصطلح على تسميته “عملية قصّ شعر” hair cut على حسابات المودعين، مع ما يستتبع ذلك لجهة تحميلهم جميعا كلفة معالجة الأزمة، من دون أي تمييز. ف “قص الشعر” لا يعني بالضرورة اقتطاع مبلغ مالي من الودائع إنما قد يأخذ شكل تجميد ملزم لها من دون فوائد، وهذا ما يحصل حكما في حال تأخير تسديد 70% من الودائع المضمونة. وما يزيد من قابلية هذا المعطى للنقد هو أن أكثر من 92% من المودعين يملكون ودائع بقيمة تقل عن مائة ألف د.أ وأن قيمتها الإجمالية لا تتعدى 15% من قيمة الودائع. فتبعا لهذا المعطى، يظهر أنه كان بإمكان المشرع أن يكرس ضمانة فعلية وكاملة لجميع هؤلاء مع حصر عمليات قص الشعر بالودائع الكبرى فقط والتي هي أكثر قابلية، من زاوية عدالة توزيع الأعباء والخسائر، لهذه العمليات. أن لا يفعل ذلك وأن يفتح الباب لقضم الجزء الأكبر من قيمة ضمانة الودائع على النحو الذي تقدم، يعني عمليا أنه ينتقص إلى الحد الأدنى من حسّ العدالة الاجتماعية، بما يناقض مقدمة الدستور.

4- انطلاقا من كل تقدم، يظهر رفع الودائع هنا بمثابة خدعة إعلامية أو حقنة مورفين للمودعين، وبخاصة الصغار منهم، وهي خدعة لا تصمد أمام أي تحليل جدّي.

مقالات ذات صلة:

ملاحظات حول اقتراح رفع ضمانة الودائع: حماية القطاع المصرفي يحصل بضمان الودائع

انشر المقال

متوفر من خلال:

مصارف ، لبنان ، مقالات ، اقتصاد وصناعة وزراعة



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني