التعويض عشوائياً


2021-07-27    |   

التعويض عشوائياً
مبنى مدمّر في حي مار مخايل في بيروت، الأربعاء 26 آب 2020 (تصوير داليا خميسي)

هذه نسخة معدّلة من مقالة نشرت سابقاً على موقع “المفكرة” على جزئين الأوّل بتاريخ 26/02/2021 والثاني بتاريخ 25/05/2021.

إزاء كارثة تفجير المرفأ، سارعت السلطات اللبنانية إلى إصدار عدد من القوانين والقرارات والتعاميم بهدف تعويض المتضرّرين وإقرار إعفاءات ضريبية. وبمراجعة هذه الإجراءات، يتبيّن أنّها صدرت بمعزل عن أيّ رؤية واضحة وبقيت قاصرة عن إرساء مبدأ التعويض الكامل والعادل للمتضرّرين، وحتّى عن ضمان المساواة بينهم في التعويضات.

خصائص التعويضات الممنوحة لضحايا التفجير

سنضيء في هذه الفقرة على أربع خصائص رئيسية للتعويضات التي أقرّتها السلطات المختصّة في ما يخصّ الأضرار الناتجة عن تفجير المرفأ. من ناحية أولى، إنّها تعويضات مجزّأة لا تراعي مبدأ التعويض الكامل المعادل للضرر، وهي من ناحية ثانية تمييزية لا تراعي مبدأ المساواة بين المتضرّرين، ومن ناحية ثالثة، غير عادلة ولا تستند إلى معايير واضحة لتحديد قيمة التعويض، ومن ناحية رابعة تعترضها عقبات لوضعها حيّذ التنفيذ.

1- تعويضات مجزّأة، لا تراعي مبدأ التعويض الكامل المعادل للضرر

إنّ التعويض حقّ أساسي للمتضرّر ينبثق من الاعتداء على مصالحه المحمية قانونياً، وهو يهدف إلى إعادة التوازن إلى حياة المتضرّر وتمكينه من التعافي من الأضرار التي حلّت به بفعل التفجير سواء أكانت الأضرار مادّية أو جسدية أو نفسية.

وبالفعل، كرّس المشرّع الحقّ بالتعويض الكامل المعادل للضرر من خلال نصّ المادّة 134 من قانون الموجبات والعقود التي تنص على ما حرفيّته: “أنّ العوض الذي يجب للمتضرّر من جرم أو شبه جرم يجب أن يكون في الأساس معادلاً للضرر الذي حلّ به. والضرر الأدبي يُعتَدّ به كما يُعتدّ بالضرر المادّي”.

إلّا أنّ السلطات خالفت هذا المبدأ على الرغم من تكريس المشرّع لهذا الحقّ بصورة صريحة لا جدل فيها. هذا ما سوف نوضحه من خلال عرض كلّ من أحكام القانون رقم 196-2020 تاريخ 3 كانون الأوّل 2020، والقرار رقم 103-2020 تاريخ 21 آب 2020، وفقاً للنقاط القانونية الثلاث التالية.

تعويضات لا تعادل الأضرار المادّية والنفسية للضحايا الذين أصيبوا بإعاقات دائمة أو مؤقّتة

لقد أقرّ القانون رقم 196-2020 للذين أصيبوا بإعاقة من التفجير الحقّ في الاستفادة من التقديمات الصحّية للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الواردة في القانون الصادر بالمرسوم رقم 13955-1963 ومن القانون المتعلّق بحقوق ذوي الاحتياجات الإضافية رقم 220 تاريخ 29 أيّار 2000.

إلّا أنّ المشرّع قد حصر حقوق هؤلاء الضحايا بالتقديمات الصحّية للصندوق فقط (وهي تقديمات تضمن لهم نفقات الطبابة المضمونة أصلاً بموجب القانون رقم 220-2000، كما أكّد على تمتّعهم بجميع المعينات والحقوق والإعفاءات التي يستفيد منها أصلاً “أصحاب الاحتياجات الإضافية” عملاً بأحكام هذا القانون علماً أنّ العديد منها لا يزال غير مضمون في الواقع [1]. وعليه، خلا هذا القانون من أيّ حقّ جديد وبدا بمثابة لزوم ما لا يلزم. في المقابل، حرم القانون هؤلاء من سائر التقديمات، كالتقديمات العائلية والتعليمية وكلّ ما يرتبط بالضرر الناجم عن إصابتهم بإعاقة.

في الحقيقة، تبيّن هذه الخطوة التشريعية أنّ الدولة قد آثرت عدم الحفاظ على حقوق الأشخاص، الذين أصيبوا بإعاقات جزئية أو كاملة، دائمة أو مؤقّتة، بالتعويض الكامل المعادل للضرر. ولم تأخذْ بعين الاعتبار عوامل عدّة لتحديد التعويض بصورة علمية، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر فقدان مَن أصيب بإعاقة كاملة أو جزئية لعمله ومدخوله بصورة مؤقّتة أو نهائية، وذلك في ظلّ سوء تطبيق القانون رقم 220-2000 وفقدان قدرته على العمل والإنتاج وعلى تدبّر مسؤوليّاته الشخصية والعائلية والمهنية. بالإضافة إلى فقدان مَن أصيب بإعاقة دائمة أو مؤقّتة لمكان سكنه أو عمله بسبب الانفجار وتأثير كلّ ذلك على السلام الداخلي، والقدرة على الاستمرار في ممارسة الحياة الطبيعية بسبب الصدمات النفسية الناتجة عن الانفجار.

وممّا لا شكّ فيه، أنّ أيّ تعويض كامل معادل للضرر لا بدّ أن يأخذ بعين الاعتبار كلّ الخسائر والأضرار التي أصابت كلّ ضحيّة من هؤلاء الضحايا وإلّا يكون التعويض مجتزأ وغير كامل ومخالفاً للمبادئ القانونية المكرَّسة بموجب النصوص التشريعية.

  • تعويضات لا تعادل الأضرار الناتجة عن الخسائر المادّية والآلام النفسية لعوائل الضحايا

لقد أصدرت السلطات اللبنانية قرارات وقوانين عدّة بهدف “مساعدة” و”تعويض” أصحاب الحقوق وورثة الضحايا الذين سقطوا جرّاء كارثة 4 آب. ويمكن التمييز بين نوعين من التعويضات أو المساعدات الممنوحة لهؤلاء، تمثّل النوع الأول بمبلغ مالي مقطوع تمّ إقراره على سبيل الإغاثة لورثة المتوفّين وذلك من قِبل الهيئة العليا للإغاثة، أُطلق عليه تعبير “المساعدة المالية”، ويمثّل النوع الثاني تعويضاً “مدى الحياة” عن طريق إخضاع أصحاب الحقوق إلى نظام خاصّ بالجيش اللبناني عبر مساواة الضحايا الذين سقطوا بجندي شهيد الواجب في الجيش اللبناني.

إلّا أنّ تحليل هذه القوانين والقرارات يدفعنا إلى الاستنتاج أنّها لا تتلاءم مع مبدأ التعويض الكامل المعادل للضرر اللاحق بالضحايا.

فمن جهة أولى،

لقد اعتبر القانون رقم 196–2020 [2] الأشخاص المدنيين الذين استشهدوا في انفجار المرفأ بمثابة شهداء في الجيش اللبناني يستفيدون من التعويضات ومعاشات التقاعد نفسها التي يستفيد منها جندي استشهد أثناء تأدية الواجب وتسري عليهم الأحكام عينها المتعلّقة بالتقديمات العائدة لعوائل شهداء الجيش اللبناني.

في الواقع، إنّ إخضاع أصحاب حقوق الضحايا إلى النظام التعويضي المكرَّس في قانون الدفاع الوطني من شأنه أن يؤمّن لهم الإطار التنظيمي والتمويلي الذي يضمن لهم الحصول على التعويض بمعزل عن انتهاء التحقيقات وصدور الأحكام وتوزيع المسؤوليّات الجزائية والمدنية التي قدّ تمتد لوقت طويل.

إلّا أنّ النظام التعويضي المكرَّس في هذا القانون لا يراعي التعويض الكامل المعادل للضرر:

فهو من ناحية، لا يستجيب لمبدأ أساسي في عمليّة تحديد التعويض يتمثّل بوجوب تقديره بصورة ذاتية أي بالاستناد إلى الأضرار اللاحقة بكلّ شخص، وهذا يعني أنّه لا بدّ من أن يتمّ التعويض على كلّ ضحيّة بالاستناد إلى حاجاتها وخسائرها الناتجة عن التفجير. وعليه، إنّ التعويض الكامل المعادل للضرر، إلى جانب وجوب تقديره بصورة ذاتية، لا بدّ أن يأخذ بعين الاعتبار كلّ عنصر من عناصر الضرر بهدف التعويض عن كافّة عناصر الضرر وبصورة كاملة.

وهو من ناحية أخرى، يقتصر على تعويض جزء من الأضرار المادّية ولا يشمل الأضرار المعنوية العادية أو الأضرار المعنوية الاستثنائية الناجمة عن فقدان المتضرّرين لأفراد من عائلاتهم بفعل كارثة التفجير. علماً أنّ الأثر النفسي الذي سبّبته هذه الكارثة يدخل في إطار الأضرار المعنوية الاستثنائية [3] التي تنتج عن الكوارث الجماعية العنيفة وتؤدّي إلى أضرار شاملة وتترك أثراً استثنائياً مؤلماً على العديد من المتضررين، كالاضطراب النفسي الجماعي الناجم عن التفجير (الاكتئاب أو الغضب، الاستحالة في التركيز أو الاستمرار في نشاطات فكرية أو جسدية، شعور بالذنب لمن بقي على قيد الحياة أو نجا من التفجير)، وقلق الانتظار الذي يصيب الضحايا والمتضرّرين (المتعلّق مثلاً بالبحث عن الضحايا من بين الأنقاض، صحّة الأقارب والأحباب، تأمين السكن وإعادة الإعمار والمعيشة، سير العدالة ونتائج التحقيقات، نوعية التعويضات ومدى الاستفادة منها) وكيفيّة تناول وسائل الإعلام للتفجير (تغطية إعلامية متطفّلة تمسّ بكرامة وخصوصيّة المتضرّرين والضحايا وحقوقهم الأساسية، تغطية إعلامية متكرّرة لمشاهد التفجير والدمار والدماء والضحايا والمآسي) [4].

ومن جهة ثانية،

لقد منحت السلطات العامّة بموجب القرار رقم 103-2020 في تاريخ 21 آب 2020 مساعد مالية، وهي عبارة عن مبلغ مقطوع لأهالي الضحايا يتراوح ما بين الخمسة عشر مليوناً والثلاثين مليون ليرة وفقاً لسنّ الضحية. في الواقع، بالإضافة إلى كون قيمة هذا المبلغ زهيدة جدّاً ولا تكفي مستلزمات مراسم الدفن والعزاء في ظلّ انهيار قيمة سعر صرف الليرة لا تأخذ هذه المساعدة بعين الاعتبار أيضاً الحاجات الملحّة لكلّ عائلة منكوبة أو حالتها المادّية وخسائرها الفعلية سواء كانت مادّية أو معنوية بفعل فقدان أحد أفراد العائلة بسبب التفجير. استناداً إلى ما تقدّم، من المؤكَّد أنّ المساعدات المقدَّمة لا ترتقي إلى مستوى تأمين الحماية الحقيقية للمتضرّرين وتعويضهم عن أضرارهم بصورة كاملة ومعادلة للضرر.

  • تعويضات لا تعادل الأضرار المادّية التي لحقت بالمباني والممتلكات

الأمر نفسه نجده عند مراجعة القانون 194-2020 لحماية المناطق المتضرّرة ودعم إعادة إعمارها. فجلّ ما التزم به المشرّع في هذا القانون هو تسديد “مساهمة مالية” تُسدَّد “بالأولوية للفئات الأكثر حاجة بين مستحقّي التعويض، لا سيّما الذين لم ينالوا أيّ مساعدة من أيّ جهة كانت”. وقد فتح المشرّع لهذه الغاية اعتماداً بقيمة 1500 مليار ليرة لبنانية. وهذا الأمر إن نمّ على شيء فهو ينمّ على تجنّبه الاعتراف بالتعويض الكامل المعادل للضرر بما يخالف القاعدة القانونية المكرَّسة في قانون الموجبات والعقود التي تقرّ بوجوب التعويض الكامل المعادل للضرر.

وبالفعل، جاءت الوقائع لتؤكّد نيّة السلطات اللبنانية عدم التعويض بصورة كاملة على المتضرّرين من خلال انتهاج الجيش لآلية التعويض التي  تعتمد على فكرة الأضرار الأكثر إلحاحاً أي “المنشآت” من زجاج وأبواب وشبابيك [5]، دون سائر الأضرار والخسائر الباهظة التي تعرّض لها الضحايا (كالأضرار اللاحقة بالسيارات وأثاث المنزل وسائر الأضرار المادّية المرتبطة على سبيل المثال بفقدانهم لمداخيلهم وغير ذلك). وبذلك، ظلّ المتضرّرون بدون حماية كاملة وبدون معرفة لمصير تعويضاتهم في ظلّ غياب الخطط الواضحة والشفّافة والكاملة لملاحقة ملفّات هؤلاء الضحايا والتعويض عليهم بصورة كاملة.

2-  تعويضات تمييزية، لا تراعي مبدأ المساواة بين المتضرّرين

في ظلّ غياب نظام تعويضي متكامل لضحايا الكوارث، يتبيّن من خلال تحليل النصوص القانونية والقرارات الصادرة عن السلطات المختصّة أنّها جاءت مخالفة لمبدأ المساواة بين المتضرّرين لناحية إخضاع كلّ منهم للنظام الذي يتناسب مع أضراره أو قدراته الاقتصادية والمادّية، هذا ما سوف نناقشه من خلال النقاط الثلاث التالية.

  • قوانين تمييزية بحقّ الضحايا الذين أُصيبوا بجروح

إنّ القراءة المنطقية الأولى لنصّ القانون رقم 196-2020 الذي صدر إثر كارثة تفجير المرفأ قد تجعلنا نعتقد أنّ المشرّع قد أراد حماية كافّة جرحى الانفجار من خلال إخضاعهم للنظام الصحّي للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، إلّا أنّ تفحّص مضمون القانون رقم 196-2020 تجعلنا ندرك سريعاً أن المشرّع قد قصد بصورة حصرية: “الأشخاص الذين أُصيبوا بإعاقات دائمة أو مؤقَّتة” دون سائر الجرحى. وهذا يعني أنّ المشرّع قد تخلّى عن حماية الجرحى الذين لم تتحوّل إصاباتهم إلى إعاقات مؤقَّتة أو دائمة، ولم يضع لهؤلاء الضحايا أيّ نظام قانوني خاصّ يهدف إلى حمايتهم على المدى الطويل من تداعيات ممكنة لهذه الإصابة. وعليه، لا يزال هؤلاء الجرحى يخضعون لكلا التعميمين الصادرين في 4 آب و4 أيلول من العام 2020 عن وزارة الصحّة العامّة بُعيْد التفجير التي أكّدت بموجبهما التزامها بتغطية النفقات الطبية والاستشفائية التي قد تنتج عن متابعة الحالة الصحّية لضحايا التفجير.

وفي هذا السياق، لا بدّ أن نلحظ أنّ التطبيق العملي لهذه التعاميم، أثبت أنّ وزارة الصحّة لا تتكفّل بكافّة أنواع العلاجات، كالجراحات التجميلية للتشوّهات الناجمة عن التفجير على سبيل المثال. وقد أدّى هذا الأمر إلى حرمان الجرحى من حقّهم بتكفّل جميع علاجاتهم من قِبل الدولة ودفع بهم إلى تسديد العديد من الفواتير الاستشفائية والصحّية على نفقتهم الخاصّة [6].

  • قوانين تمييزية بحقّ الضحايا الذين أُصيبوا بإعاقات دائمة أو جزئية

إنّ تحليل مضمون القانون رقم 196-2020 يبيّن أنّ المشرّع قد ميّز بين التعويضات الممنوحة لعوائل الشهداء وتلك الممنوحة للأشخاص الذين أُصيبوا بإعاقات دائمة أو مؤقَّتة. إذ أخضع الفئة الأولى إلى الأحكام القانونية المكرَّسة في قانون الدفاع الوطني التي تمنح الضحايا التعويضات والتقديمات المتنوّعة العائدة لعوائل شهداء الجيش اللبناني. في حين أنّه أخضع الفئة الثانية إلى أحكام الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والقانون رقم 220-2000 ، وبالتالي إلى أحكام لا تضمن نظاماً تعويضياً كالذي يمنحه قانون الدفاع الوطني لجرحى الجيش مثلاً ولم يأخذ بعين الاعتبار أنّ هؤلاء الضحايا قد أُصيبوا بالإعاقة بفعل كارثة جماعية ممّا يستدعي إخضاعهم لنظام يؤدّي لهم الحدّ الأدنى من تقديمات فعلية وتعويضات حقيقية في ظلّ عدم وجود نظام تعويضي خاصّ لحماية ضحايا الكوارث.

  • مساعدات تمييزية بحقّ ذوي ضحايا الانفجار

أصدرت الهيئة العليا للإغاثة برئاسة رئيس مجلس الوزراء القرار رقم 98-2020 في تاريخ 12 آب 2020 الذي قضى بإعطاء “مساعدات مالية” بقيمة 30 مليون ليرة لورثة كلّ ضحيّة سقطت نتيجة الانفجار. ولقد استندت الهيئة في صرفِ هذا المبلغ على مبدأَيْ تأمين السلامة العامّة للمواطنين وتأمين حاجاتهم الملحّة والتخفيف من وطأة الكارثة التي حلّت بهذه العائلات. إلاّ أنّه بعد نحو عشرة أيّام على صدور هذا القرار، أصدرت الهيئة قراراً آخر حمل الرقم 103-2020 في تاريخ 21 آب 2020 ميّزت فيه بين فئتين عمريتين من ضحايا التفجير، وأعطت مساعدة مالية بقيمة 30 مليون ليرة لورثة كلّ ضحية فوق العشر سنوات و15 مليون ليرة لورثة كلّ ضحية دون العشر سنوات. في الواقع، إنّ المساعدة التي مُنحت لأهالي الضحايا هي مساعدات تميّز بين عوائل الشهداء بالاستناد إلى سنّ الضحية: العشر سنوات. ولا بدّ من الإشارة هنا إلى أنّ السلطات المختصّة لم تبرّر سبب هذا التمييز ودوافع ربطه بسنّ الضحيّة، لا سيّما أنّه ( أي التمييز) غير مرتبط بالسنّ الذي يصبح فيها الشخص معيلاً لعائلته، ممّا يطرح أسئلة جدّية حول سبب تبنّي هذه المنهجية غير العلمية في التعويض أو منح المساعدة، وسبب غضّ النظر عن مراعاة الحاجات الملحّة لكلّ عائلة منكوبة وتعويضها بصورة معادلة لخسائرها.

  • إعفاءات ضريبية تمييزية بين ضحايا الانفجار

 أقرّ المشرّع اللبناني القانون رقم 185-2020 الذي يرمي إلى تمديد المهل ومنح بعض الإعفاءات من الضرائب والرسوم. وقد جاءت “الفقرة رابعاً” من هذا القانون لتعفي ورثة اللبنانيين الذين قضوا في انفجار المرفأ من رسوم الانتقال على جميع الحقوق والأموال المنقولة وغير المنقولة المتعلّقة بتركات مورّثيهم.

في الحقيقة، على الرغم من ضرورة التضامن مع ضحايا التفجير لا بدّ أن يراعي الإعفاء من الأعباء الضريبية، كما فرض الضرائب، مبدأ المساواة بين المكلَّفين. والمقصود بمبدأ المساواة هنا تحديد التكليف الضريبي أو الإعفاء منه وفقاً للوضع القانوني أو القدرات المالية لكلّ مكلَّف. وبالتالي، يقضي عدم التمييز بين المكلَّفين بانتهاج إجراءات ضريبية مختلفة وفقاً لأوضاع المكلَّفين القانونية المختلفة [7]. فبنتيجة إعفاء من هذا القبيل، سيحصل بعض الورثة على “منفعة” مادّية كبيرة نتيجة الإعفاء (وهي حال الذين يرثون من ضحايا أثرياء)، فيما يحصل آخرون على لا شيء (حال الذين يرثون ممَّن لا يملكون إلا القليل) [8].

في الواقع، لقد اعتبر المشرّع أنّ هذا القانون يهدف إلى “إعطاء المواطنين والمؤسّسات لحظة لالتقاط الأنفاس” إلّا أنّ التحليل القانوني لأحكامه يبيّن بصورة لا جدل فيها جملة من المخالفات الدستورية والقانونية [9]:

لقد خالف هذا القانون المبدأ الدستوري القائم على المساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين بدون تمايز، مع الإشارة إلى أنّ تطبيق هذا المبدأ في نطاق القانون الضريبي يقضي بأن تتمّ المساواة في تحمّل الأعباء الضريبية أو الإعفاء منها وفقاً للأوضاع القانونية وللقدرات المادّية لكلّ مكلَّف.

لقد أساء هذا القانون استخدام فكرة المنفعة المطبَّقة في القانون الضريبي التي ترمي إلى تطبيق مبدأ المساواة بين المكلَّفين أمام الأعباء الضريبية والإعفاءات منها بحسب القدرات المادّية لكلّ مكلَّف. كما أنّه طبّق هذه الفكرة بصورة تخالف المنطق ومنح جانباً من المتضرّرين منافع مادّية على حساب الماليّة العامّة من دون الاستناد إلى معايير محدَّدة وواضحة.

لقد استكمل هذا القانون تكريس مبدأ التمييز بين المواطنين المتضرّرين إزاء المشاركة في تحمّل  الأعباء الضريبية أو الإعفاء منها، حيث حرّر بعض الورثة من الرسوم المتوجّبة عليهم التي قد تصل إلى مبالغ من غير الممكن تبرير الإعفاء منها [10] من دون أن يؤسّس لنظام تعويضي يحمي جميع المتضرّرين من تفجير المرفأ [11].

3- تعويضات لا تستند إلى معايير محدَّدة لتقدير قيمة التعويض

 إنّ عمليّة التعويض هي عمليّة تقنية معقَّدة، تبدأ بتصنيف المتضرّرين أو الضحايا (المتضرّرين بصورة مباشِرة، والمتضرّرين بصورة غير مباشِرة)، ومن ثمّ تحديد الأضرار اللاحقة بهم وتجزئة كلّ عنصر من عناصر الضرر (الأضرار المادّية، الأضرار المعنوية، الأضرار الجسدية)، وتحديد وسائل إثباتها ومن ثمّ وضع قواعد محدَّدة لاحتساب التعويض على أن تؤخذ بعين الاعتبار معايير عدّة: نوع الإعاقة، كاملة أو جزئية، دائمة أو مؤقَّتة، الوضع العائلي للضحيّة ومسؤوليّاته، الوضع الاقتصادي للضحيّة، خضوع الضحيّة لنظام تعويض كالصندوق الوطني للضمان أو لصندوق التعاقد أو غير ذلك، ومدى وجود عقد تأمين لضمان الأضرار وما إلى هنالك من المعايير التي تسمح بتحديد قيمة التعويض العائد لكلّ متضرّر وذلك بصورة موضوعية وعلمية لكي يصبح تعويضاً كاملاً ومعادلاً للضرر.

يتّضح من تحليل القوانين والقرارات التي صدرت بموضوع التعويضات أنّها لا تستند إلى دراسات علمية أو رؤية جدّية تحدّد ماهيّة الحاجات الملحّة للضحايا، والمعايير التي تؤخذ بعين الاعتبار لتحديد قيمة التعويض لكي يكون كاملاً ومعادلاً للضرر.

فنحن نجد أنّ القرار رقم 103-2020 المؤرَّخ في 21 آب 2020 الذي منح مبلغاً مقطوعاً لذوي الضحايا وميّز بينهم وفقاً لسنّ الضحيّة لم يحدّد أيّ معايير علمية وواضحة لتحديد قيمة المساعدة الممنوحة، ولم يبرّر سبب التمييز بين الضحايا، مع العلم أنّ كارثة التفجير كانت تستدعي الرأفة بكلّ الضحايا، وإقرار المساعدات الطارئة التي تتيح لكلّ فئة متضرّرة من متابعة حياتها بعد كارثة بحجم انفجار المرفأ.

كما نجد أنّ القانون رقم 196-2020، الذي يساوي شهداء الانفجار بشهداء الجيش ويمنح ذويهم التعويضات والتقديمات التي تُمنح لعائلات شهداء الجيش، قد أتى تكريساً لمنهج سابق في تعويض شهداء الاغتيالات والتفجيرات إذ جرى تكريس هذا النوع من التعويض في العام 2001، حيث صدر القانون رقم 381 [12] الذي ساوى الأشخاص المدنيين الذين استشهدوا مع الرئيس رينيه معوّض بشهداء الجيش اللبناني.

وبالتالي، إنّ عمليّة إقرار هذه الأنظمة للتعويض لا تستند إلى منهج واضح لحماية الضحايا والتعويض عليهم، كما أنّها لا تحدّد الوسائل المتاحة للضحايا للحصول على تعويضاتهم الكاملة في حال اعتبر هؤلاء أنّ التعويض الممنوح بموجب قانون الدفاع المدني غير كافٍ ولا يعادل أضرارهم الحقيقية الحالّة بهم.

كذلك الأمر بالنسبة إلى إخضاع الذين أُصيبوا بإعاقات دائمة أو مؤقَّتة إلى أحكام الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وأحكام القانون 220-2000، فمن البيّن أنّ السلطات المختصّة لم ترغب بإجراء أيّ دراسة معمَّقة لتحديد المعايير الواجبة الاعتماد لتعويض هؤلاء الضحايا عن أضرارهم البالغة، لا سيّما أنّ كلّاً من هؤلاء الضحايا قد أُصيب بضرر مختلف عن الآخر، ممّا يجعل النص القانوني بعيداً عن واقع الأضرار التي لحقت بهم، وغريباً عن الإجراءات الواجبة الاعتماد لتعويض الأضرار اللاحقة بضحايا الكوارث.

 

4- تعويضات تعترضها عقبات لوضعها حيّز التنفيذ

كشف وضع القوانين التي أُقرّت حيّز التنفيذ عن الصعوبات التي يواجهها المتضرّرون عند تحصيلهم حقوقهم في التعويض، لا سيّما أنّ السلطات لم تُصدر مراسيم تطبيقية لتوضيح الأصول والإجراءات الواجب اعتمادها لضمان حقوق الضحايا بالحصول على التعويضات المكرَّسة بموجب القانون رقم 196-2020.

فمن ناحية أولى، يجد الضحايا الذين أُصيبوا بإعاقات جسدية دائمة أو مؤقَّتة صعوبات في الخضوع إلى أحكام الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وتقديماته في ظلّ عدم وضوح الإجراءات والأصول واجبة الاعتماد للاستفادة من التقديمات الصحّية.

ومن ناحية ثانية، يجد ذوو ضحايا التفجير عقبات في إطار الاستفسار واتّباع الإجراءات اللازمة للحصول على حقوقهم. ففي الحقيقة، توحي السلطة المولَجة تسيير عمليّة التعويض أي الجيش اللبناني بأنّ التعويض الوحيد الذي يُمنح لعائلات الضحايا هو التعويض المرتبط بالمعاش التقاعدي وتحديداً ما نسبته 75% من قيمته، دون سائر التعويضات المنصوص عنها بصورة صريحة بموجب القانون المذكور والمرتبطة بتقديمات عوائل الشهداء. وممّا يزيد الصعوبات حدّة وتعقيداً، عدم قدرة الضحايا كما الباحثين القانونيين عن الوصول إلى المعلومات المرتبطة بالقرارات والتعاميم التي توثّق بصورة مفصّلة ما تشمله تقديمات وتعويضات عوائل الشهداء، ممّا يمسّ بحقّ عوائل الضحايا بالحصول على المعلومات لمعرفة حقوقهم والقيام بما يلزم لحمايتها وتحصيلها.

في الحقيقة، إنّ انتهاج السلطات المختصّة لهذه الوجهة يبرز الصعوبات العملية المرتبطة بتطبيق قواعد وأحكام قانون الدفاع الوطني على المدنيين، لا سيّما أنّ عمليّة احتساب التعويضات ترتبط بصورة أساسية بسنوات خدمة المتطوّعين في الجيش والتعويضات المتمِّمة لراتب المتطوّع خلال خدمته. كما إنّ سلوكها يعكس النيّة المبطَّنة لدى السلطة بعدم الاعتراف بحقوق الضحايا بالتعويضات المكرّسة بموجب القانون 196-2020، وينمّ عن عدم رغبة المؤسّسة العسكرية أو استعدادها لاحتضان الضحايا أصحاب الحقوق ومعاملتهم بصورة متساوية مع عوائل شهداء الجيش.

بالإضافة إلى ذلك، وفي ما خصّ التعويض عن الأضرار المادّية وتحديداً الأبنية السكنية، كشف تنفيذ عمليّات التعويض أنّ المبالغ التي رُصدت للتعويض لا تكفي لتعويض جميع المتضرّرين وهي مبالغ لا تتجاوز نسبتها 10% من قيمة المبالغ التي خصّصها القانون رقم 194-2020 من أجل دفع التعويضات للمباني المتضرّرة والبالغة 1500 مليار ليرة لبنانية. أضف إلى ذلك، تبيّن من الرصد الميداني الذي أجرته المفكّرة أنّ عدداً كبيراً من المتضرّرين لم يتمّ الكشف على أضرارهم إمّا لعدم تواجدهم في منازلهم أثناء الكشف أو لعدم اعتبار أضرارهم ضمن الأضرار الأولوية وبالتالي لقد تمّ حرمان هؤلاء من التعويض عليهم، ممّا يطرح أسئلة مصيرية حول ما تقوم به السلطات لإزالة  كلّ هذه العقبات وضمان عمليّات التعويض حماية للمتضررين.

المقاربة العلمية الموضوعية في موضوع التعويضات: إنشاء صندوق وطني للتعويضات

من الملاحَظ أنّ تعدّد الجهات المولَجة التعويض (الهيئة العليا للإغاثة، الجيش، شركات التأمين، الجمعيّات الوطنية والجمعيّات الدولية وغيرها) وغياب نظام متكامل لتنظيم وتحديد أصول التعويض على ضحايا الكوارث قد أثّر بصورة سلبية على حقوق ضحايا تفجير المرفأ بضمان حصولهم على التعويض الكامل المعادل للضرر، كما أثّر بصورة مباشرة على عدالة التعويض والمساواة بين المتضرّرين لناحية حصول كلّ منهم على التعويض المعادل للضرر اللاحق به.

إزاء التحدّيات والعقبات التي نتجت عن سوء تنظيم عمليّات التعويض برمّتها كان من الأجدى على السلطات المختصّة أن تعمّق البحث في مسألتين أساسيتين:

المسألة الأولى ترتبط بضرورة العمل على تشريع المسؤوليّة المدنية الخاصّة المتعلّقة بالكوارث الجماعية. يحتّم هذا الأمر البحث في قواعد وآليّات جديدة للتعويض تختلف عن القواعد التقليدية المكرَّسة في قانون الموجبات والعقود (أي المسؤوليّة المدنية الكلاسيكية) على أن يكون الأساس القانوني لهذه المسؤوليّة مبدأ التعويض على الضحيّة، وذلك بهدف حماية الضحايا والمتضرّرين من الكوارث الجماعية وضمان حقّهم بالتعويض الكامل المعادل للضرر وذلك بصورة سريعة وعادلة.

المسألة الثانية ترتبط بضرورة البحث عن كيفيّة حماية المتضرّرين من الكوارث عن طريق ضمان تعويضهم بصورة كاملة ومعادلة من خلال “مركزة” الجهة المولَجة تنظيم عمليّات التعويض وتوحيد معايير تحديدها، وذلك من خلال إنشاء صندوق وطني لتعويض ضحايا ومتضرّري كارثة تفجير مرفأ بيروت على أن يساهم هكذا صندوق في تحقيق الأهداف التالية:

  • أن ينظم عمليّة التعويض لكي تشمل كافّة الضحايا والمتضرّرين وتغطية كافّة أنواع الأضرار، وأن يضمن تالياً الحقّ بالحصول على التعويض الكامل المعادل للأضرار الناتجة عن كارثة هزّت العالم بنتائجها المدمّرة على الصعيد الإنساني.
  • أن ينظّم الإجراءات ويسمح بتأمين التعويض السريع للمتضرّرين. ومن هنا أهمّيّة تحديد القواعد التي تحدّد أصول إنشاء الملفّ التعويضي لكلّ متضرّر وتحديد مهل النظر به والالتزام بالمهل المحدَّدة لاقتراح التعويض، كلّ ذلك مع الأخذ بعين الاعتبار الوضع النفسي للمتضرّرين والضحايا الذين ينتظرون معاملة لائقة وتفهّم لوضعهم بعدما أفقدتهم الكارثة الشعور بالأمان والسلام النفسي والاجتماعي.
  • أن يعفي الضحايا والمتضرّرين من عناء اللجوء إلى المحاكم للحصول على تعويض، مع ما يستتبعه سلوك هذا الطريق من وقت وجهد وتكلفة.
  • أن يسمح للضحايا والمتضرّرين بالحصول على التعويض بمعزل عن الشروط التقليدية لقواعد المسؤوليّات المدنية والإدارية. إذ إنّ الفكرة الأساسية من إنشاء هذا النوع من الصناديق هو تعويض الضحيّة أو المتضرّر بغضّ النظر عن توفّر شروط المسؤوليّة المدنية أو الإدارية.

 

في الحقيقة، إنّ فكرة إنشاء الصناديق المرتبطة بتعويض الكوارث ليست جديدة في التشريع اللبناني. ففي إثر الزلزال الذي ضرب لبنان في العام 1956، تفجّرت الخلافات السياسية حول الصناديق والمؤسّسات المخصَّصة للإغاثة والإسكان وكيفيّة التصرّف بالهبات وأموال الدولة. وفي ظلّ هذه الأجواء، تشكّلت لجنة للإغاثة والتعمير مهمّتها إغاثة المنكوبين بشكل سريع وفعّال لكنّ عملها كان بطيئاً ولم يُغطّ كامل المناطق المنكوبة، في وقت بقيَ جزء من منكوبي الزلزال شهراً تقريباً في العراء يناشدون الدولة مساعدتهم وتأمين الخيم والبطّانيات على الأقلّ [13]. كما أنشأ المشرّع اللبناني منذ العام 1977 “المؤسّسة الوطنية للضمان الإلزامي”، وهي عبارة عن صندوق لتعويض ضحايا حوادث السير، إلّا أنّه لم يتمّ وضع مهامّ هذه المؤسّسة موضع التنفيذ ولم يتمّ تفعيلها حتّى عام 2003 بعد أن جرى حجب العديد من مهامّها وصلاحيّاتها بفعل المراسيم والقرارات التنظيمية.

وعليه، إنّ وجوب حماية ضحايا تفجير المرفأ وتعويضهم بصورة كاملة يحتّم إنشاء مؤسّسة تعويضية مستقلّة تعمل إلى جانب شركات التأمين والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وسائر الصناديق التعاضدية.

على أن يحدّد القانون الذي سينشئ هذا الصندوق طبيعةَ عمله (شخصيّته القانونية، هيئاته، استقلاليّته المادّية، وأصول وآليّات التعويض، كاقتراح التعويض ضمن مهلة محدّدة) وإمكانيّة الطعن في اقتراح التعويض والجهة المختصّة بقبول الطعن والنظر فيه واتّخاذ القرار في شأنه وحلول الصندوق محلّ الضحايا لاسترداد التعويض من قِبل الجهات المسؤولة عن الكارثة.

وفي هذا المضمار، ثمّة سؤال يُطرح حول كيفيّة أو إمكانيّة تمويل هذا الصندوق في ظلّ الصعوبات الاقتصادية التي تمرّ بها الدولة.

في الحقيقة، إنّ الجواب عن هذا السؤال يحتّم الإشارة بداية على أهمّيّة وجود إرادة ووعي لدى السلطة السياسية لحماية مواطنيها وتأمين حقوقهم الأساسية. وفي هذا المضمار، ضمان حقوق الضحايا عن طريق تعويضهم بصورة كاملة عن أضرارهم الجسدية والمعنوية والمادّية وذلك حماية لممتلكاتهم وسلامتهم الجسدية وكرامتهم الإنسانية.

إنّ هذه الإرادة والوعي لضرورة حماية الضحايا وتعويضهم تشكّل الخطوة الأولى التي من شأنها أن تمهّد لإنشاء هذا الصندوق وتحديد مصادر تمويله بصورة شفّافة. ونشير هنا إلى أنّ صناديق تعويض الكوارث غالباً ما تُموَّل على أساس التضامن الاجتماعي والوطني الكامن في الشعور الإنساني العميق بوجوب التكاتف لمساعدة الضحايا ومشاركتهم آلامهم [14]. وبهذا المعنى يمكن أن تتعدّد مصادر تمويل الصندوق كأن تشمل مساهمات من الدولة اللبنانية ودول أجنبية ومنظّمات لبنانية ودولية ومؤسّسات من القطاع الخاصّ كاقتطاع جزء من الضرائب المفروضة على عقود الضمان المعقودة على الأموال المنقولة وغير المنقولة أو عقود تجارية أخرى لصالح الصندوق، أو اقتطاع جزء من  عائدات وموارد المرافئ في لبنان لتمويل هذا الصندوق.

إنّ ضمان التعويض الكامل والمعادل للضرر في ظلّ الصعوبات الاقتصادية الحالّة بالمجتمع ممكنة، وذلك بشرط انتهاج وسائل شفّافة في سبيل تأمين وحماية موارد الصندوق، وتحديد آليات واضحة لصرف تعويضات الضحايا، مع الإشارة إلى أنّ تَحقُّق التعويض الكامل للضحايا يمرّ في مراحل متعدّدة، ودفع القيمة المتوجِّبة لتعويض كلّ ضحية قد تكون قصيرة أو طويلة المدى وذلك وفقاً للآليّات والمنهجيّات التي لا بدّ أن يضعها خبراء في مجال الأضرار والتعويضات والالتزام بتنفيذها بصورة شفّافة.

مع الإشارة أخيراً إلى أنّ ضرورة إنشاء الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بهدف تسريع التعويض الكامل المعادل للضرر لضحايا انفجار بيروت لا يتعارض مع حقّ المتضرّرين والضحايا بالاحتفاظ بحقوقهم باللجوء إلى القضاء العادي والإداري للمطالبة بالتعويض وفقاً للطرق الكلاسيكية. كما لا يحدّ من حقّ المتضرّر باللجوء إلى القضاء الإداري أو المدني للمطالبة باستكمال التعويض في حال عدم الاكتفاء بالتعويض المطروح أو المقدَّم من الصندوق.

 

 

[1] المفكّرة القانونية، تكريس حقّ ذوي الإعاقة بتعويض البطالة، المفكّرة القانونية، 18 نيسان 2017.

[2] صدر هذا القانون في 3 كانون الأوّل 2020.

[3] Cass.Civ., 2e Ch., 16 janv. 2014, n°13-10-566 ;  Matthieu Poumarède, Processus d’indemnisation des victimes de catasrophe industrielle : divergence quant aux pouvoirs du juge, Dalloz, II, 10112.

[4] إنّ الأمثلة عن الأضرار المعنوية الاستثنائية مستوحاة من جدول Dinthillac وهو دليل لتقدير قيمة التعويضات عن الأضرار الجسدية والمعنوية.

[5] نبيلة غصين، “تعويضات 4 آب (1): متضرّرون مستاؤون وآخرون ما زالوا ينتظرون“، المفكّرة القانونية 16 آذار 2021؛ نبيلة غصين، “تعويضات 4 آب (2): كيف وزّع الجيش المساعدات للمنازل المتضرّرة“،  المفكّرة القانونية 18 آذار 2021.

[6]  نبيلة غصين، استفاقوا من انفجار بيروت بأجساد لا يعرفونها: عن المعوّقين الجدد المتروكين من دون أيّ عناية، المفكّرة القانونية 26 تشرين الثاني 2020.

[7] Didier Ribes, Le principe constitutionnel d’égalité fiscale , Revue juridique de l’économie publique , n°650, fév.2008, étude 2

[8] حسين خليفة، “كارثة الطائرة الاثيوبية: المجاملة في التشريع”، نُشر في العدد صفر من المفكّرة القانونية، 20 نيسان 2011. المفكّرة القانونية “ظاهرة تشريعية أولى مخالفة للدستور: الإعفاء من رسم الانتقال تعويضاً”، نُشر في العدد 47 من المفكّرة القانونية، 24 شباط 2017.

[9] مقابلة المفكّرة القانونية مع كاترين قوبر، دكتورة في القانون الضريبي ومحامية في نقابة المحامين في Aix –En-Provence، في 17 أيّار 2021.

[10] المفكّرة القانونية “ظاهرة تشريعية أولى مخالفة للدستور: الإعفاء من رسم الانتقال تعويضاً”، نُشر في العدد 47 من المفكّرة القانونية، 24 شباط 2017.

[10] تمّ تعديل أحكام القانون 194-2020 وقد تمّ إعفاء ورثة الضحايا وجميع المتضرّرين من جميع الرسوم القضائية المتعلّقة بالأضرار الناجمة عن الانفجار أو الحقوق المترتّبة عليه.

[12]  القانون رقم 381 تاريخ 14 كانون الأوّل 2001، المنشور في الجريدة الرسمية في 24  كانون الأوّل 2001.

[13] رازي أيّوب، زلزال 1956… كارثة طبيعية تفضح هشاشة الدولة، المفكّرة القانونية، 10 شباط 2020.

[14] Jonas Knetsch, Le droit de la responsabilité et les fonds d’indemnisation,L.G.D.J , 2013, p.258.

 

انشر المقال

متوفر من خلال:

حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة ، سياسات عامة ، فئات مهمشة ، أطراف معنية ، لبنان ، البرلمان ، مقالات ، حركات اجتماعية ، حراكات اجتماعية ، تشريعات وقوانين ، لا مساواة وتمييز وتهميش ، إقتراح قانون ، عدالة انتقالية ، الحق في الحياة ، الحق في الصحة والتعليم ، الحق في الصحة ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد ، الحق في السكن ، مجزرة المرفأ ، عدالة انتقالية



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني