تقاليد افتتاح السنوات القضائية بعد حرب 1975-1990


2017-12-20    |   

تقاليد افتتاح السنوات القضائية بعد حرب 1975-1990

لم يكن الاحتفال الذي نظمه مجلس القضاء الأعلى في مناسبة “افتتاح السنة القضائية” في تشرين الأول 2017 الأول من نوعه في تاريخ لبنان. لكن هذه السنة، تميز الحفل بكيفية دعوة القضاة إليه: ففيما حث رئيس مجلس القضاء الأعلى جان فهد رؤساء المحاكم على إعلام القضاة بوجوب الحضور، طلب منهم إبلاغه لائحة من سيتغيبون وأسباب تغيّبهم[1]. كما تميّز الاحتفال بنقل أحداثه مباشرة على الهواء وبتضمينه عزفا وإنشادا لأغنية مبتذلة أعدت خصيصا للمناسبة. وقد شهدت هذه السنة عرض فيلم تضمن بيانات معينة عن القضاء، ووضع تقرير عن أوضاع العدالة تضمن بيانات عن أعمال المحاكم خلال سنوات 2012-2015 وذلك للمرة الأولى منذ ما بعد حرب 1975-1990. ويشار أيضا سعي مجلس القضاء الأعلى إلى تولي إدارة الحفل: فبخلاف الأعراف التي كانت تولي مدير عام وزارة العدل مهمة تقديم الحفل، أنيطت المهمة في هذه السنة للرئيسة الأولى لمحاكم الاستئناف في الجنوب القاضية رلى جدايل[2]. في هذا المقال، نستذكر الاحتفالات التي نظمت بعد العام 1990 وأبرز ما رافقها من اجراءات وخطابات، لنتبين أوجه المشتركات والتباينات فيما بينها.

التقليد لا نقلّده سنويا

جرت عدة محاولات بعد انتهاء الحرب الأهلية في لبنان (1975-1990) لإعادة إحياء تقليد “افتتاح السنة القضائية” في قصر العدل في بيروت في حضور الرؤساء الثلاثة وقضاة ومحامين وشخصيات سياسية وعسكرية وديبلوماسية. إلا أنّ الانقسامات السياسية الكثيرة بعد التسعينات بالإضافة إلى الأوضاع الأمنية المتوترة حالت دون تثبيت موعد هذا الاحتفال السنوي الذي كان يقام عادة في شهر تشرين الأول، باستثناء سنة 1993 حيث جرى الاحتفال في تشرين الثاني. وعليه، وبمراجعة أرشيف الصحافة، نتبين أنه تمّ تنظيم خمسة احتفالات فقط، إثنين في عهد الرئيس الياس الهراوي في عامي 1993 و1995، واحد في عهد الرئيس إميل لحود في عام 2002 وإثنين في عهد الرئيس ميشال سليمان في عامي 2009 و2010. وقد حضرها الرؤساء الثلاثة باستثناء حفل 1993 حيث تغيّب رئيس مجلس النواب نبيه بري بداعي السفر. واللافت أن معظم هذه الاحتفالات جاءت بعد إنجاز التشكيلات القضائية، تماماً كما حصل في 2017. وقد شكلت مناسبة للتفاخر بهذا “الإنجاز” والاحتفال به بحضور السلطة السياسية المشرفة على إنجاز هذه التشكيلات وصدورها. فقد كشف وزير العدل الأسبق ابراهيم نجار عام 2009 أن الوزارة تمكنت من تنظيم الاحتفال “بفضل استكمال التشكيلات القضائية وتوزيع الأعمال[3]“.

في المشهدية

حرص رؤساء مجلس القضاء الأعلى بدرجات مختلفة إلى تذكير القضاة بوجوب الحضور. كما أنهم كانوا يطلبون إقفال قصور العدل والتوقف عن العمل خلال يوم الافتتاح ليتمكن الجميع من المشاركة فيه[4]. فقد دعا الرئيس فيليب خيرالله “القضاة لعدم التخلف عن الحضور والوصول باكراً توفيراً للمشقات عليهم وتوفيراً للاجراءات[5]” في عام 1995. ولطالما رافق الحفل اجراءات أمنية مشددة وتسكير لجميع الطرقات المؤدية إلى قصر العدل في بيروت.

وكان يتم تزيين مدخل قصر العدل بالسجاد الأحمر لاستقبال الرؤساء، في حين كان يدخل هؤلاء على وقع عرض موسيقي برفقة الأعضاء الحكميين في مجلس القضاء الأعلى الذين كانوا يلاقونهم في الخارج لمرافقتهم. ولم تقتصر المشاهد الاحتفالية على السجاد والموسيقى. ففي عام 2002، خلال عهد رئيس مجلس القضاء الأعلى نصري لحود، تزيّن قصر العدل بالورود الصفراء وبصورة ضخمة للرئيس لحود، فيما توّلت التشريفات فتيات تابعات لشركة خاصة ساهمت في استقبال المدعوين على أنغام موسيقى كلاسيكية[6]. وأزيلت الستارة عن تمثال حجري أبيض للعلّامة في القانون الروماني إيميليوس بابنيانوس وعن ثلاث لوحات من الموزاييك طلب رئيس مجلس القضاء وضعها في ساحة البهو على الأرض[7].

وقد شارك وزراء العدل العرب في افتتاح السنة القضائية عام 2009 وعدد من سفراء الدول الأوروبية عام 2010.

تجدر الإشارة هنا إلى أن إفتتاح السنة القضائية عام 1996 اقتصر على حفل في ديوان المحاسبة، حضره وزير العدل ورئيس مجلس شورى الدولة والنائب العام التمييزي ورئيس معهد الدروس القضائية وعدد من القضاة. وقد دعا حينها رئيس ديوان المحاسبة عفيف المقدم إلى جعل هذا الحفل “تقليداً سنوياً نحافظ عليه ونهدف منه إلى تقوية الصلات الوثيقة وتعزيزها بين القضاء بفروعه الثلاثة[8]“. وكان من المفترض أن تحتفل السلطة السياسية في هذه المناسبة أيضاً في قصر العدل في بيروت إلا أن الحفل ألغيَ بسبب الخلافات المشتعلة آنذاك بين أقطاب الحكم.

في الخطابات الرسمية

كما أشرنا في المقدمة، فإنّ مهمة تقديم الحفل والخطباء كانت توكل سابقاً إلى مدير عام وزارة العدل. وكان كلّ من وزير العدل ونقيب المحامين في بيروت ورئيس مجلس القضاء الأعلى ورئيس الجمهورية يتناوبون على الكلام، علما أن الرئيس لحود امتنع عن إلقاء كلمة في عام 2002. ونشير هنا إلى أن نقيب المحامين رمزي جريج وصف رئيس الجمهورية عام 2009 بأنه “القاضي الأول”، كما فعل النقيب أنطونيو الهاشم هذا العام.

ربط نقباء المحامين حسن سير المرفق القضائي بتطوّر وتحسن الوضع الاقتصادي في البلاد، وهو خطاب غالباً ما نسمعه اليوم. إذ يطالب المعنيون بتحصين القضاء بغية جذب المستثمرين وتحسين الانتاج. فبحسب نقيب المحامين ميشال خطار، “العدل أساس صالح لتشجيع العالم على استمرار علاقات اقتصادية ومالية وتمتينها معنا[9]“. بالمقابل، تمّ التركيز من جانب رؤساء مجلس القضاء الأعلى على استقلالية القضاء ووجوب التصرف معه فعلياً على أنه سلطة ثالثة. فقد طالب الرئيس خيرالله بأن “يكون للسلطة القضائية موقعها في المناسبات الرسمية إلى جانب السلطتين الشقيقتين[10]“. ورأى الرئيس غالب غانم أن “استقلال المؤسسة القضائية يتوافر بشرطين: أن يتاح لها تدبر شؤونها الإدارية بنفسها، بلا إزدواجية أو وصاية، وأن تتاح لها مواجهة حاجاتها المالية، بلا منّة أو تقتير[11]“. وكشف غانم أنه تمّ إعداد مشروع لإنشاء سلطة قضائية مستقلة، بقي طبعاً في الأدراج ولم يتسنّ لأحد مناقشته.

من جهتهم، أصر ممثلو السلطة التنفيذية، أي وزير العدل ورئيس الجمهورية، على دعوة السياسيين لكف أيديهم عن القضاء. فقد اعتبر الرئيس الياس الهراوي أن “استقلالية القضاء من انكفاء السياسة عن التدخل في القضاء”. ودعا القضاة إلى التصدي لهذه التدخلات. “لا تسمعوا للسياسيين، أقفلوا بينكم وبينهم الأبواب[12]“. أما الرئيس ميشال سليمان، فأكد حرصه على أن “تقوم سلطة قضائية مستقلة بالكامل” ودعا المعنيين إلى تقديم “المشاريع حول استقلال القضاء[13]“. وطالب القضاء كما الهراوي إلى تحصين نفسه “من المحسوبيات السياسية والمصالح الشخصية وكافة الاغراءات[14]“.

وفي هذا الإطار، طلب وزير العدل بهيج طباره بعدم “زج القضاء في نزاعاتنا السياسية وأن نحترم جهوده واستقلاليته”. وكان جميع وزراء العدل يعرضون “الانجازات” التي تحققت خلال عهدهم، إن من ناحية ازدياد عدد الفصل في الدعاوى وسد النقص في عدد القضاة، أو من ناحية التطوير الإداري. وكانوا جميعاً يرفضون في خطاباتهم التهجم على القضاء. فـ”التطاول على القضاء”، حسب الوزير سمير الجسر، “يتضمن دعوة غير مباشرة إلى الخروج عليه وإلى اللجوء إلى بدائل سلطوية رسمية أم غير رسمية تجهض فكرة العدالة وتدخلها في نفق المجهول[15]“. وشدد رؤساء الجمهورية ووزراء العدل دوماً على أهمية تحسين وضع القضاة المادي في مقابل ضمان هؤلاء التسريع في المحاكمات وحماية أنفسهم من الفاسدين.

نشر هذا المقال في العدد | 52|كانون الأول 2017، من مجلة المفكرة القانونية | لبنان |. لقراءة العدد اضغطوا على الرابط أدناه :

“قوانين الطوائف في مغازل النساء”

 


[1]  حول هذا الموضوع، أنظر نزار صاغية. احتفال “التشكيلات القضائية”: طقوس الطاعة في قصور العدل. المفكرة القانونية، 23 تشرين الأول 2017
[2]  للعودة إلى تفاصيل إحتفال افتتاح السنة القضائية 2017، أنظر: رانيا حمزة. افتتاح السنة القضائية 2017-2018: نشيد ومجاملات وكاتو دايت إكراما للرؤساء والوزراء. المفكرة القانونية، 1 تشرين الثاني 2017
[3]  سليمان وبري والسنيورة يشاركون في افتتاح السنة القضائية. جريدة النهار، 15 تشرين الأول 2009
[4]  المحاكم تتوقف لاستقبال الرئيس. جريدة النهار، 10 تشرين الثاني 1993
[5]  افتتاح السنة القضائية. جريدة النهار، 7 تشرين الأول 1995
[6]  افتتاح السنة القصائية في احتفال رسمي حضره لحود وبري والحريري. جريدة النهار، 26 تشرين الأول 2002
[7]  احتفال اليوم في العدلية افتتاحاً للسنة القضائية. جريدة النهار، 25 تشرين الأول 2002
[8]  السنة القضائية في ديوان المحاسبة. جريدة النهار، 9 تشرين الأول 1996
[9]  المرجع المذكور أعلاه
[10]  احتفال حاشد في قصر العدل افتتاحاً للسنة القضائية. جريدة النهار، 16 تشرين الأول 1995
[11]  الرؤساء الثلاثة وكل الأطراف السياسيين شاركوا في افتتاح السنة القضائية. جريدة النهار، 16 تشرين الأول 2009
[12]  السنة القضائية في ديوان المحاسبة. جريدة النهار، 9 تشرين الأول 1996
[13]  الرؤساء الثلاثة وكل الأطراف السياسيين شاركوا في افتتاح السنة القضائية. جريدة النهار، 16 تشرين الأول 2009
[14]  افتتاح السنة القضائية في احتفال رسمي حضره الرؤسلء الثلاثة. جريدة النهار، 7 كانون الأول 2010
[15]  افتتاح السنة القصائية في احتفال رسمي حضره لحود وبري والحريري. جريدة النهار، 26 تشرين الأول 2002

انشر المقال

متوفر من خلال:

قضاء ، المرصد القضائي ، استقلال القضاء ، مجلة لبنان ، لبنان ، مقالات



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني