رفع سن تقاعد القضاة: إجراء ضروري أم مسعى لمجابهة التشبيب؟


2022-04-01    |   

رفع سن تقاعد القضاة: إجراء ضروري أم مسعى لمجابهة التشبيب؟

أثار مشروع لتعديل قانوني المجلس الأعلى للسلطة القضائية والنظام الأساسي للقضاة بالمغرب حالة من الجدل بسبب مقترح لرفع سنّ تقاعد القضاة إلى خمس وسبعين سنة، في وقت ترتفع فيه معدلات البطالة في صفوف الطلبة خريجي كليات القانون الحاصلين على شهادات عليا.

السياق العام لمقترح التعديل

يأتي مقترح التعديل بعد مرور أكثر من 5 سنوات على دخول قوانين السلطة القضائية حيّز النفاذ. فقد سبق للمجلس الأعلى للسلطة القضائية أن تطرّق في تقريره السنوي الأول لعدد من الثغرات التي كشف عنها التطبيق العملي، وبخاصة في مجال إسناد المسؤولية القضائية. كما كشفت تقارير رئاسة النيابة العامة عن تفاقم مشكلة الموارد البشرية داخل المحاكم، وهو ما تزايد نتيجة تداعيات جائحة كورونا حيث تأخر تنظيم مباريات جديدة لتوظيف القضاة في وقت ارتفع فيه عدد القضاة الذين يصلون إلى سنّ التقاعد.

مقترح تعديلات “سرية” و”توافقية” على قوانين السلطة القضائية

بحسب ما نشرته وسائل إعلام وطنية، يحمل مشروع القانون الجديد -الذي لم يتم نشره في موقع وزارة العدل خلافا لمشاريع قوانين أخرى-عدة تعديلات تهمّ قانونيْ المجلس الأعلى للسلطة القضائية والنظام الأساسي للقضاة، من بينها:

  • تمديد سن تقاعد القضاة إلى 75 سنة بطلب منهم، على أن يظلّ حدّ سن التقاعد هو 65 سنة مع إمكانية تمديده إلى 67 سنة لأجل المصلحة دون موافقة المعني بالأمر.
  • إقرار صفة “قاض نائب” للملحق القضائي المتدرب الذي سيتولى ممارسة مهام القضاء ابتداء من السنة الأولى، وذلك لسدّ مشكلة الخصاص في المحاكم ومواكبة مشاريع قضاء القرب.
  • تعزيز صلاحيات الرئيس المنتدب للمجلس وتمكينه من اتخاذ عدد من القرارات خلال الفترة الفاصلة بين انعقاد الدورات.
  • إعادة النظر في مسطرة تأديب القضاة.

وأوضح مصدر من وزارة العدل أن هذه التعديلات تأتي بناء على تقييم قامت به الوزارة المذكورة والمجلس الأعلى للسلطة القضائية بعد دخول القانونين المذكورين حيز التنفيذ منذ سنة 2016، كما أكد أن هذا التعديل اقتضته ضرورة الاستفادة من الخبرة التي راكمها عدد من القضاة الذين يصعب تعويضهم خلال فترة وجيزة.

تذكير بكرونولوجيا تحديد سنّ تقاعد القضاة بالمغرب

بحسب دراسة لكرونولوجيا تحديد سنّ تقاعد القضاة بالمغرب، يمكن التمييز بين مرحلتيْن:

  • مرحلة منع التمديد للقضاة:كان النظام القانوني المعمول به في المغرب قبل الاستقلال يمنع تمديد حدّ سنّ تقاعد القضاة. فبمقتضى ظهير 6 يوليوز 1954 نجده قد حدد مقتضيات استثنائية لسنّ تقاعد القضاة، إذ نصّ في فصله الأول على أنه: “يحدد في 70 سنة السنّ الذي يُحال فيه القضاة على المعاش وذلك حيادا على المقتضيات المحددة للسنّ الذي يحال فيه على التقاعد الموظفون والأعوان التابعون للمصالح العمومية للدولة الشريفة”. ويلحظ أنّ هذا النص لم يكن يتيح إمكانية تمديد سنّ التقاعد بشكل مطلق، وهو الحظر الذي استعاده  ظهير 30 دجنبر 1958 المتعلق بالنظام الأساسي لرجال القضاء (العبارة وردت في تسمية الظهير) وإن خفض سنّ التقاعد بالنسبة للقضاة إلى 65 سنة باستثناء قضاة المجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا). وقد كرّس هذا النص باعتباره أول تشريع ينظّم للوضعيات الفردية للقضاة بعد الاستقلال  مبدأ منع التمديد للقضاة بجميع درجاتهم ومسؤولياتهم .
  • مرحلة إمكانية التمديد بناء على اقتراح وزير العدل:بصدور ظهير 11 نونبر 1974 المعتبر بمثابة النظام الأساسي لرجال القضاء، يلاحظ أنه نصّ ولأول مرة على إمكانية تمديد سنّ التقاعد للقضاة. فقد ميز الفصل 65 منه بين سن تقاعد قضاة المجلس الأعلى وباقي القضاة، وحدد سن التقاعد في 65 سنة بالنسبة للقضاة المعينين بصفة نظامية بالمجلس الأعلى أي بمحكمة النقض حاليا، و60 سنة بالنسبة لباقي القضاة. وقد نظّم لأول مرة إمكانيّة تمديد سنّ التقاعد بظهير لمدّة أقصاها سنتين قابلة للتجديد مرة واحدة باقتراح من وزير العدل بعد استشارة المجلس الأعلى للقضاء، وذلك بالنسبة لقضاة جميع الدرجات عندما يثبت أنّ الاحتفاظ بهم ضروري لمصلحة العمل.

بمقتضى ظهير 12 يوليوز 1977، تمّ تعديل الفصل 65 من النظام الأساسي للقضاة حيث أصبح سن التقاعد بالنسبة لجميع القضاة محددا في 60 سنة، مع إمكانية التمديد لمدة أقصاها سنتان قابلة للتجديد مرتين.

مرحلة إمكانية التمديد بناء على موافقة المجلس الأعلى للسلطة القضائية: بدخول قوانين السلطة القضائية الجديدة حيّز التنفيذ، تمّ رفع سن تقاعد القضاة الى 65 سنة، مع إمكانية التمديد لمدة سنة، أربع مرات، أي أنّ سن التقاعد الأقصى أصبح محددا في 69 سنة.

نادي قضاة المغرب يطالب باحترام المقاربة التشاركية ويتشبّث بالمعايير الدولية

دعا نادي قضاة المغرب في بلاغه وزارة العدل إلى الكشف عن مشروعيْ تعديل القانونين التنظيميين المتعلقين بالسلطة القضائية، احتراما لمبدأ التشاركية والشفافية والحقّ في الوصول الى المعلومة.

وسجّل النادي أنّ مبدأ تمديد سنّ تقاعد القضاة لمدة معينة قابلة للتجديد بقرار من الجهة المختصة، مخالفٌ لما أجمعتْ عليه كلّ المعايير الدوليّة المعنيّة باستقلالية القضاء، نظرا لما ينطوي عليه ذلك من “تعيين مؤقت” للقضاة، تتوقف إعادة تعيينهم في مناصبهم من جديد على ضرورة تقييم أدائهم المهني. وهو ما يشكل خطرا على استقلالية القضاء وعلى حقوق المتقاضين وحسن سير العدالة وجودة العمل القضائي.

وأكّد النادي رفضه التام لمضمون هذه التعديلات داعيا السلطة التشريعية إلى تصحيح هذا المسار بعدم المصادقة عليها.

كما نبّه “نادي قضاة المغرب” في بلاغه، إلى أن الخصاص الكبير في صفوف القضاة مقارنة بحجم الأعباء الموكولة إليهم، يقتضي من وزارة العدل، بدلا عن التوسع التشريعي في آلية تمديد سن التقاعد، تنفيذ التزام الحكومة بالإجراء الخامس من الإجراءات الفعالة لتنفيذ المبادئ الأساسية لاستقلال السلطة القضائية، والمعتمدة بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الصادر بتاريخ 15 دجنبر 1989، تحت رقم 44/162، والذي ينص على ما يلي: “يتعيّن على الدول أن تولي اهتماما خاصا لضرورة توفير الموارد الكافية لعمل النظام القضائي، ويشمل ذلك تعيين عدد كاف من القضاة لمواجهة الأعباء القضائية، وتوفير الدعم اللازم للمحاكم من الموظفين والمعدات”.

مواضيع ذات صلة:

مشكل الخصاص في المحاكم المغربية

في قراءة نقدية للنسخة الثالثة لمشاريع قوانين السلطة القضائية في المغرب(1): في أبرز اعتراضات ومطالب الجمعيات المهنية للقضاة

في قراءة نقدية للنسخة الثالثة لمشاريع قوانين السلطة القضائية في المغرب (2): المتغير والثابت في فلسفة المشاريع الحكومية

لهذه الأسباب، رفض نادي قضاة المغرب مسودة النظام الأساسي للقضاة

تهرم جسد قضائي شاب .. التصورات

شبح التمديد الانتقائي للقضاة المتقاعدين في تونس مجددا: هياكل القضاة تعارض موحدة صونا لاستقلال القضاء

الترفيع في سن الإحالة على التقاعد: الاتفاق أم التصادم؟

هيئة القضاء العدلي تبارك التمديد بعد التقاعد في تونس

اعتكاف غامض لوزير العدل في تونس، وأسئلة حول إصراره على التمديد لقضاة بلغوا سن التقاعد

التمديد للقضاة بعد سن التقاعد في تونس: لماذا تتمسك الحكومة بارث الفساد القضائي؟

هكذا تطورت مشاريع اصلاح القضاء بعد ثورة 2011، وهكذا ماتت

انشر المقال

متوفر من خلال:

قضاء ، إقتراح قانون ، استقلال القضاء ، مقالات ، المغرب ، المهن القانونية



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني