استمرار “المحاكمات عن بعد” رغم انتهاء “الطوارئ الصحية” في المغرب


2023-03-06    |   

استمرار  “المحاكمات عن بعد” رغم انتهاء “الطوارئ الصحية” في المغرب
المحاكم عن بُعد في المغرب

أنهى المغرب وبشكل ضمني سريان حالة الطوارئ الصحية، التي فرضت في البلاد منذ حوالي ثلاث سنوات للتصدي لتفشي وباء كورونا، بحيث دأبت الحكومة المغربية على تمديد هذه الحالة نهاية كل شهر منذ مارس 2020، وكان آخر تمديد يمتد الى نهاية فبراير من دون الإعلان عن أي تجديد آخر. ما يعني نهاية حالة الطوارئ الصحية في المغرب .

مخاوف حقوقية من تحول حالة الطوارئ الصحية من استثناء الى قاعدة

مند تحسن المؤشرات الوبائية وتراجع معدلات الإصابة والوفيات بفيروس كورونا، شرعت عدد من المنظمات الحقوقية بالمغرب في دق ناقوس الخطر أمام استمرار تمديد حالة  الطوارئ بشكل روتيني، حيث اعتبرتْ كوسيلة تُتيح للسلطات استعمالها لتضييق هامش الحريات العامة بمنع انعقاد عدد من الأنشطة وحظر التجمعات الاحتجاجية. وفي هذا السياق، أكّد عزيز غالي، رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، أن الإبقاء على حالة الطوارئ الصحية “ليس الهدف منه صحيا بقدر ما هو سياسي، وهدفه  الأساسي الحجر على مجموعة من الحقوق”، وأضاف “كل المؤشّرات تدلّ على أنّ الأوضاع تحسّنت. ومن هذه المؤشرات، عودة الأنشطة الرسمية وظهور المسؤولين الحكوميين من دون استعمال كمامات أو مراعاة التباعد الاجتماعي. ومنها أيضا، عودة جماهير كرة القدم إلى الملاعب بالآلاف من دون أيّ إجراءات احترازية.. في المقابل، ما تزال السّلطات تمنع التظاهرات المناوئة للحكومة بدعوى الطوارئ الصحية”، وهو ما يعني أن لهذا الوضع “أهداف سياسية تهم بالأساس التضييق على الحقوق والحريات”.

انتهاء حالة الطوارئ الصحية واستمرار المحاكمات عن بعد

أولى الإشكاليات التي طرحها انتهاء فترة الطوارئ الصحية هو استمرار عدد من المحاكم في اعتماد المحاكمات عن بعد رغم غياب السند القانوني لإجراء هذه المحاكمات الافتراضية ورغم ما تطرحه من إشكاليات حقوقية.

فخلال فترة الطوارئ، اعتمدت المحاكم على مرسوم الطوارئ الذي يتيح للسلطات إمكانية اتّخاذ أيّ اجراء احترازي لمواجهة خطر تفشي فيروس كورونا. وهكذا عللت المحاكم اعتماد تقنية المحاكمة عن بعد استنادا إلى مرسوم الطوارئ، جاء في قرار لمحكمة النقض:

“تستمد تقنية المحاكمة عن بعد مرجعيتها من المادة 3 من المرسوم رقم 2.20.292 المتعلّق بسنّ قانون الطوارئ الصحية بالمغرب، وتعتبر محاكمة صحيحة وسليمة من الناحية القانونية ما دام أن التواصل بين مختلف المتدخلين في المحاكمة وهيئة الحكم كان واضحا وغير مشوب بأي إخلال مسطري. والمحكمة لما وصفت تبعا لذلك حكمها بالحضوري لم تخرق أي مقتضى قانوني”.

لكن بعد انتهاء العمل بالمرسوم فإن سؤال  احترام مبدأ الشرعية الجنائية الإجرائية سيطرح أمام غياب أي سند قانوني. وفي هذا السياق قال محمد أغناج المحامي بهيئة الدار البيضاء : “لاحظت مؤخرا أن محاكم الدار البيضاء (الابتدائية والاستئناف) لا زالت مستمرة في تطبيق ما سمّي بالمحاكمة عن بعد. ورغم إيماني الجازم بأن هذا الاجراء غير قانوني في أصله ويعدم ضمانات المحاكمة العادلة، فإن محكمة النقض أصدرت بضعة قرارات اعتبرت فيه هذا الإجراء مشروعا في إطار الإجراءات المُرتبطة بالسّلطات الواسعة للإدارة في إطار حالة الطوارئ الصحية. لكن، بعد انتهاء حالة الطوارئ منذ يوم 28 فبراير من العام الجاري وعدم تمديد الحكومة لها، فإن استمرار هذا الإجراء أصبح غير مبرّر نهائيا”. وأضاف: “أعتقد أن جميع المحاكمات التي لا زال يطبق فيها هذا الإجراء باطلة ولو لم يطلب الدفاع ذلك نظرا لأن الحضوريّة هي إجراء مسطري جوهري يفرضه القانون”.

ماذا بعد انتهاء حالة الطوارئ الصحية؟

في تقريره السنوي الذي يحمل عنوان: “كوفيد 19 وضع استثنائي وتمرين حقوقي جديد“، خلص المجلس الوطني لحقوق الانسان إلى أن اعتماد حالة الطوارئ الصحية بالمغرب شابتها اختلالات عدة، من قبيل أن السلطات بدأت في اتخاذ التدابير الاحترازية وفرض حالة الطوارئ قبل إصدار المرسوم حيث تم إيقاف عدد من الأشخاص ووضعهم رهن الحراسة النظرية في اطار تدابير الشرطة الإدارية. كما أن هذا المرسوم لم يستوجب الرجوع إلى البرلمان إذا اقتضت الضرورة تمديد مدة سريان مفعول حالة الطوارئ الصحية، على اعتبار أن تمديد الحكومة لمدة سريان مفعول حالة الطوارئ الصحية بموجب مراسيم من دون الرجوع إلى البرلمان يطرح إشكالات تمس بمقومات دولة الحق والقانون ويطلق اليد للسلطة التنفيذية ويقوض أدوار باقي السلطات، وخاصة السلطة التشريعية.

وفي هذا السياق، أوصى المجلس بضرورة وضع إطار قانوني يحدّد حالات الطوارئ وتدبيرها، مع الأخذ بعين الاعتبار المقاربة المرتكزة على حقوق الإنسان فضلا عن التنصيص على ضرورة الرجوع إلى المؤسسة التّشريعية في حالة تمديد مدة سريان مفعول حالة الطوارئ الصحية من أجل ضمان التوازن بين السلط وإخضاع الإجراءات المتخذة، وخاصة تلك المتعلقة بتمديد مدة سريان مفعول حالة الطوارئ الصحية، للرقابة البرلمانية.

مواضيع ذات الصلة

المغرب يعلن حال الطوارئ الصحية: احترام مبدأ الشرعية الجنائية في زمن “الطوارئ الصحية

استمرار التشريع العادي في زمن الطوارئ في المغرب

بالمغرب متابعة أكثر من 1000 شخص بسبب خرق قانون الطوارئ

تفاخر الأمن بتعنيف مواطنين خرقوا الحجر الصحي في المغرب: “حالة الطوارئ لا تبرر انتهاك الكرامة الانسانية

المحاكمات عن بعد بالمغرب بعد سنتين من التطبيق

ملاحظات نادي قضاة المغرب حول مقترح قانون المحاكمة عن بعد: مراعاة المحاكمة العادلة على ضوء مبدأي الضرورة والتناسب

فدرالية المحامين الشباب بالمغرب تقدم تقريرها حول سير المحاكمات عن بعد: التركيز على خطاب الإنتاجية على حساب شروط المحاكمة العادلة

المحاكمة عن بعد: قراءة في تجربة تحتاج أن تتطور

تمديد جديد في حالة الطوارئ في تونس: عندما يصبح الوقتي دائما والاستثناء قاعدة

وقف العمل بحالة الطوارئ المستمرة في مصر: ماذا بعد؟

الاستراتيجية الوطنية لحقوق الانسان: ماذا بعد إلغاء حالة الطوارئ في مصر؟

تعديلات قانون الطوارئ في مصر: ضرورية لمواجهة الكورونا، ولكن..

انشر المقال

متوفر من خلال:

أجهزة أمنية ، قرارات قضائية ، الحق في الصحة ، مقالات ، المغرب ، جائحة كورونا



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني