أبرز التوجّهات في تعديل قانون مجلس السلطة القضائية في المغرب: وزارة العدل تقطع الحوار مع الجمعيات المهنية


2022-11-28    |   

أبرز التوجّهات في تعديل قانون مجلس السلطة القضائية في المغرب: وزارة العدل تقطع الحوار  مع الجمعيات المهنية

أعلن مؤخرا بالمغرب عن مشروع تعديل جزئي لقانون المجلس الأعلى للسلطة القضائية، تزامنا مع مشروع تعديل النظام الأساسي للقضاة، ويتصل هذا التعديل بإعادة هيكلة الأمانة العامة للمجلس، وتدبير الإدارة القضائية، وتحسين شروط انتخابات ممثلي القضاة، وتحسين نجاعة أداء المجلس وتدبيره للشأن القضائي.

ملاحظات من حيث الشكل والمنهجية

انصبّت التعديلات الجزئية على 20 مادة من قانون المجلس الأعلى للسلطة القضائية، وبالرجوع إلى مذكرة التقديم، يلحظ أنها لم تحدّد أسباب إعطاء الأولوية للفصول موضوع المراجعة، علما بأن مقتضيات عديدة في القانون التنظيمي الحالي لم يتمّ تنزيلها لتأخّر إصدار النصوص “التطبيقية” لها. والملاحظ أنه على خلاف طريقة إعداد المشاريع السابقة والتي عرفت اعتماد مقاربة تشاركية واسعة، بإشراك الجمعيات المهنية للقضاة وباقي مكونات المجتمع المدني، اكتفت وزارة العدل باستشارة المجلس الأعلى للسلطة القضائية في تغييب تام لجمعيات القضاة، وذلك في إطار ترسيخ موقف جديد للوزارة مفاده قطع مجال الحوار المباشر مع الجمعيات المهنية القضائية، واعتبار مجلس القضاء هو المخاطب الرسمي مع الوزارة.

ملاحظات حول مضامين تعديلات مشروع قانون المجلس

سبق للمجلس الأعلى للسلطة القضائية أن طالب بتعديل مواد في قوانين السلطة القضائية من أجل التغلب على بعض الصعوبات العملية التي كشفت عنها الممارسة، في نفس السياق، أوردت التقارير السنوية الصادرة عن رئاسة النيابة العامة عدة توصيات تخص مراجعة بعض المواد قصد تدعيم دور هذه المؤسسة، وفي هذا السياق، جاءت مضامين المشروع الجديد متناغمة تماما مع  هذه التوصيات، ويمكن اجمال أهم التعديلات المقترحة في العناصر التالية:

1.إعادة هيكلة الأمانة العامة للمجلس

يقترح مشروع تعديل قانون المجلس إعادة مأسسة الأمانة العامة، من خلال إحداث آليات إضافية لمساعدة الأمين العام للمجلس في أداء مهامه، تتمثل في :

  • أمين عام مساعد، يعينه الرئيس المنتدب من بين القضاة المصنفين في الدرجة الأولى على الأقل أو من بين الأطر الإدارية العليا، تتمثل مهمته في مساعدة الأمين العام في تسيير المصالح الإدارية للمجلس، والنيابة عنه في حالة غيابه أو تعذر قيامه بمهامه.
  • كاتب للمجلس: وهو قاض يعينه الرئيس المنتدب، يحضر اجتماعات المجلس ويدون مداولاته وقراراته ويساعد الأمين العام في تنفيذ مقررات المجلس، كما ينوب عنه في اجتماعات المجلس في حالة غيابه؛
  • تقنيين يساعدون المجلس في تدبير الأمو التقنية والرقمية خلال الاجتماعات.

والملاحظ من خلال هذا المقترح أنه انتصر للتعيين المباشر في هذه المناصب المستحدثة عوض فتح باب الترشيح  لها للانتقاء أو التباري علها.

2.تعديل شروط انتخابات ممثلي القضاة بالمجلس

يقترح المشروع رفع أجل البت في طلبات الترشيح لعضوية المجلس من 48 ساعة الى 72 ساعة وذلك بهدف توفير الوقت المناسب للاطلاع على ملفات القضاة المترشحين ودراستها واستجماع المعطيات اللازمة للبت في الترشح، ويلحظ أن هذا المشروع يتنافى مع الجهود المبذولة في مجال رقمنة الإجراءات القضائية والتي تروم بالأساس تقليص الآجال لا تمديدها،

كما يقترح المشروع نشر التعديلات اللاحقة على اللائحة النهائية للمترشحين وإلى غاية تاريخ إجراء الاقتراح بسبب حذف المترشح من أسلاك القضاء، أو التشطيب عليه بسبب حدوث أو ظهور سبب من الأسباب المنصوص عليها في المادة 27 أو في حالة سحبه ترشيحه اختياريا، وهو ما يكرس لفتح أبحاث “إدارية” بخصوص أي طلب للترشح لعضوية المجلس.

كما يقترح المشروع تحديد شروط تعريف المترشحين بأنفسهم بمراعاة الأخلاقيات المهنية وحسن سير المحاكم، ومراعاة الشروط والإجراءات التي يقررها المجلس وتوفير الشفافية والمساواة بين المترشحين (المواد 23-31-32)، وهو ما يعني تخويل المجلس صلاحية وضع شروط إضافية لإجراءات تعريف القضاة بأنفسهم خلال الاستحقاقات الانتخابية، غير واردة في القانون، قد يكون من بينها منع عقد الاجتماعات خارج المحاكم، أو منع استعمال مواقع التواصل الاجتماعي، أو منع اللجوء إلى خدمات شركات إشهارية، ومن شأن إقرار هذا المقتضى تضييق صلاحيات المرشحين في اختيار وسائل عملهم خلال “حملات” تعريفهم بأنفسهم.

3.تعديلات تهم نجاعة أداء المجلس

تضمن المشروع الجديد تعديلات وردت بمبرر تحقيق نجاعة أداء المجلس من بينها:

مراجعة مدة ولاية الأعضاء المعينين، حيث يقترح مشروع القانون الجديد رفع مدة ولاية الأعضاء المعينين من 4 سنوات الى 5 سنوات أسوة بمدة ولاية الأعضاء المنتخبين، وذلك بمبرر ضمان استمرارية التجربة في تشكيلة المجلس، ويبدو أن هذا المقترح غير مبرر على مستوى الواقع خاصة إذا استحضرنا أن ولاية الأعضاء المعينين هي ولاية قابلة للتجديد لفترة واحدة، على خلاف مدة ولاية الأعضاء المنتخبين التي هي غير قابلة للتجديد. ومن شأن إقرار هذا التعديل إيجاد نوع من التراتبية والهرمية بين الصنفين، علما بأن أفضل التجارب الدولية في هذا المجال تتجه إلى إقامة نوع من التوازن العادل بين الأعضاء القضاة والأعضاء من غير القضاة[1] .

من جهة أخرى، يقترح المشروع إشراك رئاسة النيابة العامة في عملية اختيار قضاة الاتصال الملحقين ببعض السفارات، -وهي توصية سبق أن أوردها تقرير رئاسة النيابة العامة-بعدما كان هذا الاختصاص يعود إلى المجلس الأعلى للسلطة القضائية ووزارة العدل ووزارة الخارجية.

4- مسطرة التأديب

سبق أن أشار التقرير الأول للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، إلى الطول والتعقيد الذي يطال المسطرة التأديبية للقضاة، حيث تتم عبر عدة مراحل[2] يضطلع فيها المجلس بكامل تشكيلته بمهام تبدو متكررة، كما أنها تجعل منه جهة متابعة وجهة تأديب، وفي هذا السياق يقترح المشروع الإبقاء على اختصاص المجلس في البت في المسطرة التأديبية بكامل تشكيلته. لكنه يقترح إسناد بعض الاختصاصات المتعلقة بالتأديب لبعض هياكل المجلس وخاصة اللجان، أو للرئيس المنتدب، أو لكلاهما معا، كما يقترح رفع أجل البت في المساطر التأديبية الى 5 أشهر عوض أربعة، وجعل تمديد الأجل المذكور للرئيس المنتدب عوض المجلس، لتلافي الإشكاليات المتعلقة ببعض حالات عدم توافر النصاب القانوني لانعقاد المجلس بسبب انتهاء ولاية الأعضاء المعينين. كما يقترح إيقاف احتساب  الأجل إذا اتخذ المجلس قرارا بإجراء بحت تكميلي أو إذا كان القاضي هو المتسبب في تأخير البتّ.

5- رفع آجال تقادم بعض الأفعال

تنص المادة 100 من قانون المجلس على تقادم المتابعة التأديبية بمرور خمس سنوات على ارتكاب الفعل، أو بتقادم الدعوى العمومية، إذا كان الفعل المرتكب يشكل عملا جرميا، وعلى انقطاع الأجل بكل إجراءات التفتيش أو البحث الذي يقوم به القاضي المقرر. وقد أورد التقرير السنوي الأول للمجلس أنه لوحظ وجود غموض في بعض النصوص في بعض القضايا، كتلك المتعلقة بتتبع ثروة القضاة، والتي تبقى خاضعة للقواعد العامة للتقادم، مما لا ينسجم مع فلسفة التخليق التي تنهجها الدولة، وفي هذا المجال يقترح المشروع أن يراعى في  احتساب التقادم  مدى التزام القضاة بتقديم التصريح بالممتلكات للمجلس، وأن يكون في حدود ملائمة، لا تقل عن أمد تقادم الدعوى العمومية في الجنايات أي جعل مدة التقادم محددة في 15 سنة، تحتسب من تاريخ التصريح بالممتلكات المعنية بتقدير زيادة الثروة، مع تقرير قاعدة جديدة مفادها عدم تقادم المخالفات المتعلقة بالممتلكات التي لم يصرح بها للمجلس.

6-مراجعة مسطرة التباري على مناصب المسؤولية

أشار التقرير الأول للمجلس أن انتقاء المسؤولين القضائيين عن طريق مسطرة التباري هي أمر صعب وتستغرق وقتا أطول لأنها تستوجب اجراءها من طرف المجلس بكامل أعضائه، خاصة أمام كثرة عدد المرشحين، وفي هذا السياق اقترح المشروع:

  • إمكانية الإعلان عن شغور مناصب المسؤولية بوقت كاف قبل شغورها الفعلي[3] ؛
  • إجراء مسطرة الانتقاء بواسطة لجنة أو أكثر يشكلها المجلس تعمل على دراسة الملفات وتصورات المرشحين، وترفع إلى المجلس اقتراحات تتعلق بثلاثة مرشحين على الأكثر مرتّبين بحسب الاستحقاق، بخصوص كل مهمة من مهام المسؤولية المتبارى عنها؛
  • الاحتفاظ بالإمكانية التي تتيح للمجلس تعيين مسؤول قضائي في مسؤولية جديدة، وإضافة هذه الامكانية بالنسبة لنواب المسؤولين القضائيين عوض الصيغة الحالية التي تنص على عبارة “من نفس المستوى” التى تطرح إشكاليات في تحديد مفهومها.

ويلحظ أن المشروع لم ينصّ على جعل مسطرة التباري هي الأساسية في اختيار المسؤولين القضائيين، وهو ما قد يؤدي إلى افراغ هذه المسطرة من محتواها من خلال الإبقاء على إمكانية تعيين المسؤولين دون الخضوع إلى فتح باب التباري بعد إعلان المناصب الشاغرة وهو ما يتنافى مع مبادئ الشفافية والتحفيز وربط المسؤولية بالمحاسبة.

7- إشراك رئاسة النيابة العامة في آلية التنسيق المشتركة وفي تعيين قضاة الاتصال

سبق أن أوصى تقرير رئاسة النيابة بضرورة تعديل المادة  54 من  القانون  التنظيمي  للمجلس  لجعل رئاسة النيابة العامة معنية مباشرة بالتنسيق في مجال الإدارة القضائية فيما يرجع لاختصاصاتها إلى جانب المجلس الأعلى للسلطة القضائية والوزارة المكلفة بالعدل[4]، كما أوصى بتوفير “نافذة لرئاسة النيابة العامة للإشراف على عمل قضاة الاتصال أو تقييمه، و المشاركة فـي مسـطرة انتقائهـم وتعيينهـم “[5].

واستجابة لهذه التوصيات، تضمّن المشروع الجديد مقتضيات تروم تنظيم مؤسسة قاضي الاتصال، وإشراك رئاسة النيابة العامة في مسطرة انتقائه إلى جانب المجلس الأعلى ووزارة العدل، كما تمّ إشراك النيابة العامة أيضا في آلية التنسيق المشتركة بين المجلس ووزارة العدل.

وأخيرا يلاحظ أن مشروع تعديل قانون المجلس الأعلى للسلطة القضائية جاء متطابقا إلى حد كبير مع التوصيات الواردة في التقرير السنوي الأول للمجلس والتقارير السنوية الصادرة عن رئاسة النيابة العامة بحيث استجاب لغالبية توصياتها، في المقابل، تمّ تغييب الجمعيات المهنية من ورش إعداد مشروع التعديل وعدم القيام بأي تقييم موضوعي لحصيلة تطبيق قوانين السلطة القضائية بعد مرور زهاء 6 سنوات على دخولها إلى حيز التنفيذ وهو ما انعكس بشكل واضح على مستوى المقترحات التي جاءت لتعزيز الالتزامات الملقاة على عاتق القضاة دون توسيع نطاق حقوقهم.

يمكنكم هنا الاطلاع على مشروع تعديل قانون المجلس الأعلى للسطة القضائية

مواضيع ذات ضلة

مشروع تعديل النظام الأساسي للقضاة في المغرب: التشاركية المغيبة وتعديلات على مختلف مراحل الحياة المهنية للقضاة

اختبار قضائي جديد في المغرب: النيابة العامة تضع تقريرها الأول حول تنفيذ السياسة الجنائية

مجلس القضاء بالمغرب يضبط التصريح بممتلكات القضاة

الرئيس المنتدب للسلطة القضائية بالمغرب يراسل المسؤولين القضائيين لمباشرة التصريح بممتلكات القضاة

مقترح قانون جديد حول التصريح الإجباري بالممتلكات في المغرب

أبحاث المفتشية حول ثروات القضاة بالمغرب: استراتيجية تخليق أم حملات إنتقائية؟

تتبع ثروات القضاة و حق المواطن في المعلومة


[1] – تقرير المقررة المعني باستقلال القضاء لسنة 2018 رقم الوثيقة  A/HRC/38/38

[2] – تمر المتابعة التأديبية بعدة مراحل تدعو المجلس الى دراسة نفس القضية ثلاث مرات على الأقل بالإضافة الى مراحل التحري والبحث.

أ-بعد اجراء الأبحاث والتحريات بواسطة المفتشين المنتمين الى المفتشية العامة للشؤون القضائية يتم عرض نتائجها على المجلس الذي يقرر اما حفظ القضية أو تعيين مقرر فيها- المادة 88 .

ب-يمكن للقاضي موضوع مسطرة التأديب تجريح القاضي المقرر، فيتم توقيف إجراءات البحت في القضية الى حين بت المجلس في طلب التجريح؛

ت-بعد اجراء القاضي المقرر الأبحاث، يطلع المجلس على تقريره ويتخذ قرارا إما بحفظ القضية أو بإحالة المعني الى المجلس إذا تبين له جدية ما نسب اليه؛ المادتان 89-90.

ث-اذا قرر المجلس المتابعة التأديبية، يتخذ الإجراءات لاستدعاء القاضي للمثول أمامه لمساءلته، طبقا للإجراءات الواردة في 95-96.  

[3] – كحالة التقاعد، ونهاية مدة الولاية  المنصوص عليها في المادة 70 من القانون التنظيمي رقم 100.13 على سبيل المثال.

[4] – تقرير رئاسة النيابة العامة لسنة 2018 ص 296.

[5] – تقرير رئاسة النيابة العامة لسنة 2019 ص 74.

انشر المقال



متوفر من خلال:

قضاء ، قرارات قضائية ، استقلال القضاء ، مقالات ، المغرب



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني