هل يسمح كارتيل المدارس الخاصة بإعادة تمرير “قانوني” صندوق التعويضات والتقاعد؟


2024-02-21    |   

هل يسمح كارتيل المدارس الخاصة بإعادة تمرير “قانوني” صندوق التعويضات والتقاعد؟
من اعتصام الأساتذة المتقاعدين أمس أمام المجلس النيابي

بعد حوالي شهرين من ردّ مجلس الوزراء اقتراحيْ قانون يرميان إلى زيادة رواتب الأساتذة المتقاعدين وإيرادات صندوق التعويضات إلى مجلس النوّاب، قرّرت اللجان المشتركة في اجتماعها أمس الثلاثاء إرسالهما مجدّدًا إلى الهيئة العامّة، بهدف إرسالهما مجددا إلى مجلس الوزراء بحجة أن الردّ مخالف للأصول. يعلّق الأساتذة المتقاعدون أملًا كبيرًا على هذه الخطوة باعتبارها أعادت القانونين إلى السكّة التشريعيّة رغم كلّ الضغوطات التي مورست من أصحاب المدارس الخاصّة ومرجعيّاتها الروحيّة قبل إقرارهما ومن ثمّ لردّهما من قبل مجلس الوزراء، أي من قبل “كارتيل المدارس” الذي رأى أحد النوّاب في اجتماع اللجان أمس أنّه “يجب الاعتراف بأنّه أقوى من الدولة”، والذي اعترف نائب آخر في الجلسة نفسها بمصلحة هذا الكارتيل في ردّ “القانونين” مع تأكيده “ليس كلّ المدارس”.

اعتراف النائبين بسلطة “كارتيل المدارس” بطبيعة الحال لم يكشف مستورًا، ولكنّه يُحيلنا إلى التساؤل عن إمكانيّة استفادة هذا الكارتيل من ردّ “القانونين” لـ “إبقائهما معلّقين”، بحسب الخبير الدستوري في “المفكرة القانونيّة” وسام اللحام. ويشرح اللّحام أنّه في حال كانت الرغبة عدم تمرير الاقتراحين، قد تلجأ الهيئة العامة إلى القول بأنّ الرد لم يكن صحيحًا، وأنّ مجلس النوّاب قام بما عليه وأقرّ القانونين راميًا الكرة في مرمى الحكومة على اعتبار أنّها خالفت الدستور والقوانين. وهنا تعود الحكومة وتردّ الكرة إلى المجلس النيابي، مؤكّدة أنّ ردّها قانونيّ وأنّ المطلوب من مجلس النوّاب أنّ يصوّت مرة ثانية على الاقتراحين. ويُضيف اللحّام أنّ النتيجة ستكون في هذه الحال إبقاء الاقتراحين معلّقين على وقع تراشق المسؤوليات والدخول في بازار السياسة وتنازع الصلاحيات.

تنازع الصلاحيّات قد يكون هو ذاته عاملا إيجابيا يُعوّل عليه لإقرار الاقتراحين حسب مصادر نيابيّة. وما يُعزّز هذه الفرضية حسب المصادر نفسها أنّ النقاش في اللجان المشتركة لم يكن في مضمونهما، إذ كان معظم النوّاب، ما عدا عدد قليل من نواب لجنة التربية، يناقشون موضوع صلاحيات مجلس النوّاب والصلاحيات اللصيقة لرئاسة الجمهوريّة التي تجاوزها رئيس الحكومة، طالما أن من مصلحتهم سياسيا تمريرهما.

وأحالت اللجان المشتركة اقتراحيْ القانون إلى الهيئة العامة من دون أيّ تعديل كما أكّد نقيب المعلمين في المدارس الخاصة نعمة محفوض. ويرمي الاقتراح الأوّل إلى تعديل بعض المواد لكلّ من قانون تنظيم الهيئة التعليمية في المعاهد الخاصة وقانون تنظيم الموازنة المدرسية في المدارس الخاصة غير المجانية ونظام التقاعد والصرف من الخدمة. والهدف زيادة رواتب وإيرادات صندوق التعويضات والحفاظ على تعويضات ورواتب المتقاعدين من أفراد الهيئة في المدارس الخاصة مع التوسّع لمراقبة وضمانة الدولة للتعويضات ورواتب المتقاعدين بالإضافة إلى ضمان دفع المستحقات المتوجبة على المؤسسات التربوية الخاصة إلى صندوق التعويضات لأفراد الهيئة التعليمية في هذه المدارس.

أمّا الاقتراح الثاني فيرمي إلى إعطاء مساعدة ماليّة بقيمة 650 مليار ليرة تُرصد في موازنة وزارة التربية والتعليم العالي لسنة 2023 لحساب صندوق التعويضات لأفراد الهيئة التعليمية في المدارس الخاصة وفقًا للمادة 41 من القانون 15/6/1956 وتعديلاته.

من اعتصام الأساتذة المتقاعدين أمس أمام المجلس النيابي

وكان المجلس النيابي أقرّ الاقتراحين في جلسته التشريعيّة التي عُقدت في 15  كانون الأوّل الماضي، إلّا أنّهما لم يُنشرا في الجريدة الرسميّة رغم موافقة مجلس الوزراء على إصدارها في جلسته المنعقدة في 19 كانون الأول الماضي. وأعلنت المديرية العامة لرئاسة مجلس الوزراء في بيان صدر في 27 كانون الأول 2023 أنّ رئيس الحكومة أعطى توجيهاته بعدم نشر ثلاثة قوانين (منها القانونين المتعلّقين بالهيئة التعليميّة).

وتأتي خطوة إعادة إرسال الاقتراحين إلى الهيئة العامة، في وقت تخلّف فيه عدد من المدارس الخاصّة عن الالتزام باتفاق وُقّع برعاية وزارة التربية بين نقابة المعلمين واتحاد المؤسّسات التربوية الخاصة يُلزم المؤسسات التربوية الخاصة غير المجانية بتأمين مبلغ يقدّر بستين مليار ليرة لبنانية شهريًا على الأقل، وذلك لتغطية دفع المعاشات التقاعدية مضاعفة ستّ مرات لمن يتقاضونها من صندوق تقاعد أفراد الهيئة التعليمية في المدارس الخاصة.

وقد أتى الاتفاق كبديل مؤقّت على ردّ الاقتراحين وبعد تصعيد من نقابة المعلمين وصل إلى حدّ التهديد بالإضراب.

ويُشير النقيب محفوض إلى أنّه كان من المفترض أن تدفع المدارس الخاصة حتى 15 شباط الحالي 180 مليار ليرة كجزء من مساهمتها في دعم رواتب المتقاعدين عن ثلاثة أشهر إلّا أنّ ما دُفع لم يتجاوز 85 مليار ليرة، موضحًا أنّ عددًا من المدارس تخلّف عن دفع مستحقّاته بحجّة عدم اكتمال الحسابات وتعهّد بالدفع خلال أسبوع. وفي هذا السياق يتخوّف عدد من الأساتذة المتقاعدين أن تكون إعادة طرح الاقتراحين حجّة للمدارس لمتابعة تهرّبها من الالتزام بالاتفاق البديل بانتظار إقرارهما.

وكانت نقابة المعلمين رضيتْ بالاتفاق البديل على مضض فهو يعطيهم بالشكل ما كانوا سيحصلون عليه في حال تنفيذ قانون تعديل بعض أحكام قوانين تتعلق بالهيئة التعليمية في المدارس الخاصة وتنظيم الموازنة المدرسية أي مضاعفة الراتب ست مرات أسوة بزملائهم في التعليم الرسمي، إلّا أنّه لا يحمل صفة إلزاميّة  بينما كان القانون يفرض على المدارس تقديم براءة ذمة مالية سنوية تلحقها بالموازنة المرسلة إلى وزارة التربية. وهي براءة ذمّة تصدر عن إدارة صندوق التعويضات تُثبت أنّ المدرسة سدّدت ما عليها من محسومات ومساهمة عن المتقاعدين. وعدم تضمين الموازنة براءة الذمّة يعني عمليًا عدم قدرة المدارس على استيفاء أقساطها.

وكانت براءة الذمّة نقطة اعتراض أساسيّة من قبل أصحاب المدارس، إذ تمتنع بعض المدارس الخاصّة عن دفع المساهمة على الرغم من تقاضيها من الأستاذ. وكان المنسق العام لرابطة المعلّمين المتقاعدين محمد ملحم قال في حديث سابق مع “المفكرة” إنّ إيراد هذه المادة لم يكن سهلًا وجاء نتيجة إصرار نقيب المعلمين، إذ إنّها قوبلت برفض من بعض من أسماهم “مافيا المدارس” حتى في مجلس النوّاب والذين يُعارضون دائمًا ما يمسّ بمصالحهم.

من جهة أخرى، وبينما يؤدي الاقتراح إلى رفع نسبة مساهمة المدارس في صندوق التعويضات من 6 إلى 8% على أن تكون “بحسب العملة التي تدفع لأفراد الهيئة التعليمية” ما يعني تحويل جزء من الإيرادات بالدولار الأمر الذي اعترضت عليه المدارس، حُدّد المبلغ الذي يتوجّب تسديده من جانب كلّ مؤسّسة حسب الاتفاق الجديد بالاستناد إلى عدد التلامذة لديها مضروبًا برقم معيّن يتمّ تحديده على ضوء عدد هؤلاء التلاميذ. وهذا يعني الاستنسابيّة وعدم وجود آليّة واضحة لتحديد هذا المبلغ، وهو لن يتجاوز بأحسن أحواله مليون ليرة أي 10 دولارات.

ويعيش نحو 6000 مدرّس متقاعد من أفراد الهيئة التعليميّة في المدارس الخاصّة ظروفًا صعبة إذ تتراوح رواتب هؤلاء من صندوق التعويضات الخاص بهم بين 15 و40 دولارًا بعد عشرات السنوات في التدريس. ويُعاني هؤلاء من صعوبات في سحب رواتبهم بسبب السقوف التي تُحدّدها المصارف والتي يمنع بعضها حتى سحب الراتب ويفرض استخدامه عن طريق البطاقات المصرفية حصرًا. كما أنّ وضع بعض المتقاعدين أسوأ بعد إذ يتعذّر عليهم الحصول على رواتبهم بسبب رفض المصارف توطينها على الرغم من صدور تعميم من قبل مصرف لبنان بهذا الخصوص.

من اعتصام الأساتذة المتقاعدين أمس أمام المجلس النيابي
انشر المقال

متوفر من خلال:

البرلمان ، إقتراح قانون ، الحق في التعليم ، لبنان ، مقالات ، حقوق العمال والنقابات



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني