تسجيل الزواج المدني في لبنان: “العدل” تؤيّد و”الداخلية” تتمرّد على القانون


2021-06-25    |   

تسجيل الزواج المدني في لبنان: “العدل” تؤيّد و”الداخلية” تتمرّد على القانون
الزوجان ماري جو وعبد الله في المؤتمر الصحافي

“بدنا إخراج قيدنا العائلي” هذه العبارة هي خلاصة المؤتمر الصحافي الذي عقده الزوجان “الثائران” المحاميان ماري جو أبي ناصيف وعبد الله سلام في نادي الصحافة الخميس 24 حزيران. أراد الزوجان من خلال المؤتمر إطلاع الرأي العام على مسار “معركتهما” مع وزارة الداخلية اللبنانية لتسجيل زواجهما المدني الذي عقد على الأراضي اللبنانية وآخر المستجدّات في القضية. واتّهم الزوجان الوزارة بـ”التمرّد على القانون وتجميد المعاملة تعسّفياً”.


وزارة الداخلية “تتريّث” منذ خمس سنوات 

بتاريخ 15-6-2019 آذار الزوجان حقهما في عقد زواجهما المدني في لبنان بعد شطب قيدهما الطائفي، وكانا أوّل من احتفل بزفافهما المدني علانيةً بحضور الكاتب العدل جوزيف بشارة بدلاً من رجل دين وفقاً لأحكام الدستور، وقانون الموجبات والعقود، والقانون التنظيمي للأحوال الشخصية 60 ل.ر. تم تسجيل الزواج من قبل وزارة الداخلية في سجلّ الوارد في 18 حزيران 2019،  إلّا أنه لغاية اليوم لم يتمّ نقله إلى سجل التنفيذ الذي على أساسه يتم إصدار وثائق الزواج في مخالفةٍ واضحةٍ للمادة 21 من القرار 60 ل.ر التي تنصّ صراحةً على وجوب إتمام التسجيل “خلال أربع وعشرين ساعة من استلام العقد”. من هنا يعتبر الزوجان أنّ الوزارة وتحديداً المديرية العامّة للأحوال الشخصية برئاسة الياس خوري لا تزالان تتعمّدان حجب إخراج قيدهما العائلي.

لم يرضخ الزوجان لأساليب المماطلة وقررا المضي قدماً ومتابعة معاملات تسجيل زواجهما، من هنا استحصل وكيلهما المحامي حسان رفعت في 10 تشرين الأول 2019 على رد من  الخوري، الذي جاء جوابه “وطلب التريّث لحين ورود جواب من وزارة العدل” على بعض الأسئلة التي أرسلت إليهم منذ خمس سنوات بحسب الخوري، ورفضت المديرية العامة طلب الزوجين بالاطلاع على مضمون “الأسئلة” المزعومة.

لم ييأس الزوجان العنيدان بل زادا إصراراً وعزيمةً على ملاحقة ملفهما، فوجّها في 13 تموز 2020 كتاباً إلى وزارة العدل للاستفسار عن الأسئلة المرسلة من قبل وزارة الداخلية، وفي 27 تموز 2020 صدر كتاب رسمي من وزارة العدل يؤكّد على مضمون الرأيين الصادرين عن الهيئة الاستشارية العليا في وزارة العدل، اللذين “خلصا إلى إمكانية تنظيم عقود الزيجات المدنية في لبنان وتسجيلها أصولاً في دوائر النفوس”، كذلك أكّدت الوزارة في كتابها أنّ أحد هذين الرأيين تضمّن جواباً عن الأسئلة القانونية كافّة الناتجة عن هذه المسألة، بشكلٍ واضح لا يحمل أي تأويل ولا يحتمل أي لبس، وتمّ على أساسه تسجيل عدد من العقود في دوائر النفوس في حالاتٍ مماثلة”.

وكانت الهيئة العليا أصدرت رأيين هما ما تستند عليهما الزيجات المعقودة على الأراضي اللبنانية، الأوّل في شباط 2013 وبإجماع قضاتها، أكّد قانونية الزيجات المدنية المعقودة في لبنان بين لبنانيَّين شطبا القيد الطائفي، والقرار الثاني صدر في نيسان 2013  ردت فيه وزارة العدل على أسئلة إضافية من وزارة الداخلية أكدت خلالها الهيئة من جديد على قانونية الزيجات المذكورة. وشرح القضاة بالتفصيل الإطار القانوني الذي ينظّم الزواج المدني المبرم في لبنان، بما في ذلك: أنّ القانون المدني الذي يختاره الزوجان في عقدهما ينظّم كامل مفاعيل العقد الشخصية والمالية، وأنّ لكاتب العدل اللبناني أن يقوم بتصديق وتوثيق الزيجات المدنية المعقودة في لبنان، بالإضافة إلى أنّ المحاكم المدنية اللبنانية هي المختصّة بالفصل والبتّ في النزاعات الناشئة عن الزيجات. 

بعدها حمل الزوجان بتاريخ 13 آب 2020 جواب وزارة العدل إلى وزير الداخلية محمد فهمي، وأرسلت وزارة العدل مباشرةً كتاباً ثانياً إلى وزارة الداخلية في 2 تشرين الثاني 2020 للتأكيد على قانونية الزيجات المعقودة في لبنان بين لبنانيين شطبا القيد الطائفي المذكورة أعلاه وعلى “إعطاء طلب المستدعيين مجراه القانوني”.

من هنا يعتبر الزوجان أنّ جواب وزارة العدل يجرّد المديرية العامّة للأحوال الشخصية في وزارة الداخلية حتّى من الغطاء الذي اعتمدته للتستّر على مخالفاتها للقانون. ويعتبران أنّ ادّعاء وزارة الداخلية هو مجرّد ذريعة للتهرّب من المسؤولية إذ أنّ كتاب أسئلة لا يعلّق حقوق المواطنين الأساسية ولا يعفي باعثها من أي واجبات يفرضها القانون. 

الداخلية تخالف القوانين 

لم يكن عقد زواج أبي ناصيف وسلام هو الزواج المدني الأول الذي يعقد على الأراضي اللبنانية، بل تم عقد عدد من الزيجات في عهد الوزير مروان شربل تمّ تسجيل 15 منها وأوّلها زيجة نضال درويش وخلود سكرية، ولا تزال وزارة الداخلية تصدر إخراجات قيد عائلية لهم وتقوم باضافة الأطفال حديثي الولادة إلى السجل العائلي لذويهم.

مع انتهاء عهد شربل استلم الوزير نهاد المشنوق الذي منع تسجيل عقود الزواج المدنية المعقودة على الأراضي اللبنانية مطلقاً جملته الشهيرة “لي بدّو يتجوّز مدني يتجوّز، قبرص مش بعيدة”، وقد لحظت أبي ناصيف في المؤتمر الصحافي أنّ قبرص في ظلّ الأوضاع الاقتصادية التي تمرّ بها البلاد أصبحت “كثير بعيدة”، ويستغرب الزوجان رفض تسجيل عقد زواجهما على الرّغم من أنّه مطابق حرفياً لعقود الزيجات الـ15 السابقة الذكر.

من هنا يعتبر الزوجان أنّ الرفض يتعارض مع رأيي أعلى هيئة قانونية في وزارة العدل، والتطبيق المستقر في وزارة الداخلية نفسها. ويضرب عرض الحائط مبادئ قانونية أساسية، لا سيما مبدأ وحدة واستمرارية الإدارة، ومبدأ استقرار المعاملات، ومبدأ الأمن القانوني ومن دون هذه المبادئ لا يمكن وجود أي دولة قانون ومؤسسات. 

ووجّه الزوجان اتهاماً إلى وزارة الداخلية والمديرية العامة للأحوال الشخصية بخرق القانون والتعدّي على حقوق أساسية سواء أمام المحاكم اللبنانية أو الهيئات الدولية، مذكّرين بأنّ الحقوق الأساسية مكرّسة في الدستور اللبناني والمواثيق الدولية التي التزم بها لبنان، وبأنّ لا أحد فوق سقف القانون والمحاسبة. 

سجال عن بعد بين فهمي والزوجين

وحصلت “المفكرة القانونية” على جوابٍ مقتضب من وزير الداخلية محمد فهمي عبر مستشارته فانيسا متّى جاء فيه حرفياً “أنّ الزواج المدني في لبنان يحتاج إلى قانون”، ونقلنا الجواب إلى الزوجين اللذين ردّا عليه بنقاطٍ أربعة: 

أوّلاً: أنّ الهيئة الاستشارية العليا في وزارة العدل حدّدت عام 2013 بعبارة واضحة أنّه لا حاجة لوجود قانون جديد للبنانين الذين قاموا بشطب القيد الطائفي كي يتمكّنوا من عقد زيجاتهم في لبنان وتسجيلها أصولاً في وزارة الداخلية.

ثانياً: أنّ قانونية الزواج المدني في لبنان محسومة ليس فقط من الهيئة الاستشارية العليا بل من وزارة الداخلية ذاتها التي سبق وسجلت 15 زيجة مدنية. 

ثالثاً: أنّ جواب الوزير ما هو إلاّ ذريعة لا يستطيعون كتابتها خطياً بل يتفوّهون بها شفهياً لوسائل الإعلام للتستّر على مخالفتهم للقوانين، ويتساءل الزوجان لو كانت الذريعة حقاً هي الحاجة إلى القانون لماذا كانت حجّتهم “التريث” لحين ورود جواب وزارة العدل. 

رابعاً: أنّه من الناحية القانونية لا صلاحية لوزارة الداخلية أو الوزراء المتعاقبين  لكي تقرّر إن كان الزواج المدني قانوني أو غير قانوني، بل هي مسائل تبتّ فيها وزارة العدل، وأنّ وزارة الداخلية تتعدّى على صلاحيات وزارة العدل. 

ويعتبر وزير الداخلية السابق زياد بارود الذي في عهده صدر التعميم الذي يسمح للمواطنين بشطب القيد الطائفي، وهو الشرط الأساسي للأفراد الذين يودّون عقد زواجهم المدني في لبنان، في تصريح لـ”المفكرة” على هامش المؤتمر الصحافي، أنّ أهمية ما قام به الزوجان أبي ناصيف وسلام تكمن في جرأتهما في عقد زواجهما بعد أن أوقفت وزارة الداخلية تسجيل الزيجات. ويضيف بارود أنّهما يتسلّحان بالقوانين من خلال رأي  الهيئة الاستشارية العليا في وزارة العدل التي هي من أعلى المرجعيات الاستشارية في البلاد، معتبراً أنّ المشكلة اليوم ليست بين الزوجين ووزارة الداخلية بل بين الداخلية واحترام ما يصدر عن هيئة استشارية عليا. وعن إمكانية مقاضاة المخالفين يعتبر بارود أنّ المشكلة هي أنّ وزارة الداخلية لم ترفض: “ما صار في رفض للذهاب إلى المقاضاة والطعن”، بل ارتأت “التريّث” المبني على رأي وزارة العدل إلّا أنّ وزارة العدل قامت من جهتها بإبداء الرأي، من هنا انتفت الذريعة.  

 كتاب وزارة الداخلية

جوابي وزارة العدل

 

انشر المقال

متوفر من خلال:

حراكات اجتماعية ، حريات ، قضايا ، أطراف معنية ، مؤسسات عامة ، أنواع القرار ، تشريعات وقوانين ، قرارات إدارية ، مسائل ، لبنان ، مقالات



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني