ملاحظات “المبادرة الأمازيغية” حول مشروع تعديل قانون المسطرة المدنية في المغرب


2024-01-30    |   

ملاحظات “المبادرة الأمازيغية” حول مشروع تعديل قانون المسطرة المدنية في المغرب

قدمت المبادرة المدنية لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية بالمغرب -وهي اتحاد يجمع عددا من المنظمات غير الحكومية- مذكرة ترافع من أجل استئصال كلّ أشكال التمييز ضدّ اللغة الأمازيغية بمشروع قانون المسطرة المدنية. المبادرة تأتي سنوات بعد تعثر مشروع القانون الجديد والذي يعول عليه كثيرا من أجل تسهيل ولوج المتقاضين للعدالة عموما، والفئات الهشة على وجه الخصوص، خاصة وأنّه ينظم مجال إجراءات التقاضي أمام المحاكم العادية في المجال المدني.

مبادرة تروم مصالحة المغاربة مع تاريخهم

انطلقت المذكرة من تحليل الأسباب التاريخية لتهميش اللغة الأمازيغية في المغرب، ومن أبرزها أنّ “دولة ما بعد الاستقلال سعتْ إلى جعل الهوية المغربية تتركب من ثنائي العروبة والإسلام، في تهميش وإقصاء واضحين لباقي المكونات اللغوية والدينية، وطمسٍ مقصود لروافد تكوين الشخصية المغربية”، وأشارت المذكرة أن هذا الوضع انعكس بشكل كبير على قطاع العدالة خاصة بعد صدور قانون توحيد المحاكم الذي نص فصله الخامس على: “أن العربية هي وحدها لغة المداولات والمرافعات والأحكام في المحاكم المغربية”، فضلا عن صدور قرار وزير العدل بتاريخ 29 يونيو 1965 الذي نصّ في فصله الأول على “وجوب أن تحرّر باللغة العربية ابتداء من فاتح يوليوز 1965 جميع المقالات والعرائض والمذكرات المقدمة أمام مختلف المحاكم” .

واعتبرت المذكرة أن التطبيق العملي لهذه النصوص استبعد بشكل جدلي كل إمكانية لاستحضار التعدد اللغوي في فضاءات العدالة، مما خلف آثارا قانونية غير دستورية لا تخلو من تجليات التمييز، التي كرست لمحاكمة غير عادلة للناطقين باللغة الأمازيغية، خاصة مع رَبط ممارسة المهن القضائية بإتقان اللغة العربية كامتداد لفلسفة تعريب حقل العدالة. ومن صور ذلك ما نصت عليه المادة 18 من القانون المنظم لمهنة المحاماة، من وجوب اجتياز المحامين المنتمين لإحدى الدول الأجنبية المتعاقدة مع المغرب لممارسة مهنة المحاماة، امتحانا لتقييم معرفتهم باللغة العربية وبالقانون المغربي قبل البت في طلباتهم”، أو القانون المتعلق بتنظيم مهنة النساخة الذي ينص في مادته الثالثة على ضرورة التوفر على شهادة الإجازة في اللغة العربية كمؤهل علمي لولوج المهنة في استثناء واضح للحاصلين على نفس المؤهل العلمي في مجال الدراسات الأمازيغية، أو غيرها من اللغات المتداولة بالمغرب.

التزام المغرب بالتوصيات الأممية

استندت المذكرة على توصيات أممية عدة موجهة إلى المغرب من بينهاتوصيات لجنة القضاء على التمييز العنصري التابعة للأمم المتحدة[1] والتي أوصت الدولة المغربية بتكثيف جهودها الرامية إلى تنفيذ المقتضيات الدستورية والقانون التنظيمي المتعلق بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وكيفيات إدماجها في مجالات التعليم ومجالات الحياة العامة ذات الأولوية، ومراجعة الإطار التشريعي ولا سيما القانون المتعلق بالتنظيم القضائي، .., بشكل يتيح اعتماد اللغة الأمازيغية كما هو الشأن بالنسبة للغة العربية أمام المحاكم، بما في ذلك في المرافعات والأحكام”. كما استندت إلى توصيات اللجنة الأممية المكلفة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لسنة 2015، والتي أوصتْ الدولة المغربية صراحة بوضع وتبنّي إجراءات ذات طابع قانوني ومؤسساتي لإخراج الأمازيغية من وضع الدونية، فضلا عن توصيات الخبيرة الأممية المستقلة في مجال الحقوق الثقافية التي دعتْ إلى سنّ قوانين فورية لإنفاذ الحكم الدستوري الذي يمنح اللغة الأمازيغية صفة رسمية.

في نفس السياق، حثت توصيات اللجنة المعنية بحقوق الإنسان في ملاحظاتها الختامية الموجهة إلى المغرب بتاريخ 1 ديسمبر 2016 على تسريع الجهود من أجل “إتاحة استعمال اللغة الأمازيغية في المساطر القضائية والإدارية”.

ملاحظات المبادرة الأمازيغية حول مشروع تعديل قانون المسطرة المدنية

طالبت المبادرة بنسخ قانون تعريب المحاكم لكونه لم يعد له أيّ أساس دستوري، استنادا إلى المرجعيات القانونية الوطنية والحقوقية الجديدة، إلى جانب تعديل 18 مادة من مواد مشروع قانون المسطرة المدنية. وفي هذا السياق، دعتْ المبادرة إلى تعديل المادة 76 من المشروع لتنصّ على أن “تقدم الدعوى أمام محاكم الدرجة الأولى، بإحدى اللغات الرسمية للدولة، ما لم ينصّ القانون على خلاف ذلك، بمقال مكتوب يودَع بكتابة ضبط المحكمة، ويكون مؤرخا وموقعا من قبل المدعي أو وكيله أو محاميه”.

كما طالبت بإضافة عبارة “يوجه الاستدعاء وشهادة التسليم وجوبا باللغتين الرسميتين للدولة” وذلك في صلب المادة 81، التي تحدد شروط استدعاء الأطراف للجلسة المدرجة فيها القضية.

وبخصوص المادة 85، اقترحت التنصيص على أنه: “يتعين على المكلف بالتبليغ أن يكون متمكنا من اللغتين الرسميتين للدولة”.

أما بخصوص الفصول المنظمة لجلسات المَحاكم، فقد طالبت المبادرة بتعديل المادة 90 من مشروع قانون المسطرة المدنية، لتنصّ على تهييئ جدول كل جلسة وتبليغه إلى النيابة العامة وتعليقه بباب قاعة الجلسات أو تشهيره داخل المحكمة بجميع الوسائل المعدّة لهذا الغرض وباللغتين الرسميتين للدولة.

كما طالبت في السياق ذاته بتعديل المادة 91 لتنص على إجراء إجراءات التحقيق وإجراءات الجلسات بالمحاكم، بما فيها الأبحاث والتحقيقات التكميلية والترافع، وكذا إجراءات التبليغ والطعون والتنفيذ، باللغة الأمازيغية، ومراعاة حق الأطراف أو أحدهم خلال المناقشة في جلسة سرية إذا استوجب ذلك النظام العام أو الأخلاق الحميدة أو حرمة الأسرة أو المصلحة الفضلى للطفل، في استعمال اللغة التي يعرفها أو يتقنها.

وبخصوص المادة 109 المحددة لشروط إصدار الأحكام في جلسة عمومية، اقترحتْ المبادرة تعديلها لتنص على حقّ المتقاضين بناء على طلب منهم في “سماع النطق بالأحكام باللغة الأمازيغية”، وعلى أن “يتم تضمين منطوق الحكم، من طرف كاتب الضبط، باللغتين الرسميتين للدولة، في محضر الجلسة وفي سجلها”.

وتعليقا على هذه المقترحات يؤكد المحامي والناشط الحقوقي الحسين بكار السباعي على أهمية القيام بإجراءات أخرى مواكبة من أجل إنجاح ورش تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية في كافة المجالات بما فيها مجال العدالة، من بينها الاهتمام بورش تكوين القضاة ومهني العدالة في اللغة الأمازيغية، وذلك حتى تتحول إلى لغة تواصل داخل المؤسسات، وفتح ورش ترجمة جميع القوانين إلى اللغة الأمازيغية حتى يتيسر كتابة المقالات والمذكرات القانونية. كما يقترح في هذا المجال إمكانية تقديم الدعاوي أمام محاكم الدرجة الأولى إما باللغتين الرسميتين للدولة، أو على الأقل باللغة العربية وجوبا واختيارا بالنسبة للغة الأمازيغية، مع إمكانية البدء تدريجيا في تطبيق اللغة الأمازيغية في بعض القضايا الشفوية، قبل تعميم التجربة على المقالات والمذكرات المكتوبة باللغة الأمازيغية.

مواضيع ذات صلة

الأمازيغية في مشروع التنظيم القضائي الجديد

هل تصبح الأمازيغية لغة مقبولة للترافع والمناقشات أمام المحاكم المغربية؟

مشروع تعديل قانون المسطرة المدنيّة بالمغرب: مسألة إلزامية الاستعانة بمحامٍ في الواجهة

مقترح قانون جديد لتسريع ترسيم اللغة الأمازيغية بمحاكم المغرب

المحكمة الدستورية بالمغرب تقر قانون اللغة الأمازيغية

اشكالية تسجيل المواليد الجدد بالأسماء الأمازيغية بالمغرب

مقترح قانون جديد بشأن تسجيل الأسماء الأمازيغية في سجلات الحالة المدنية بالمغرب

تدريس الأمازيغية للملحقين القضائيين بالمغرب

مطالب متجددة في المغرب بجعل بداية السنة الأمازيغية يوم عطلة رسمي بالمغرب

بعد تكريس تمازيغت لغة رسمية في التعديل الدستوري الأخير: الإعتراف برأس السنة الأمازيغية في الجزائر

المحكمة التجارية في المغرب تقضي بصرف شيك محرّر باللغة الأمازيغية


[1] يتعلق الأمر بتوصيات لجنة القضاء على التمييز العنصري التابعة للأمم المتحدة (CERD) المنبثقة عن دراستها لتقرير المغرب في جلستيها 3024 و3026 المنعقدتين يومي 22 و23 نونبر، وجلستيها 3043 و3044 المنعقدتان يومي 5 و6 دجنبر 2023.

انشر المقال

متوفر من خلال:

محاكم دستورية ، إقتراح قانون ، فئات مهمشة ، مقالات ، المغرب



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني