بعد تكريس تمازيغت لغة رسمية في التعديل الدستوري الأخير: الإعتراف برأس السنة الأمازيغية في الجزائر


2018-01-30    |   

بعد تكريس تمازيغت لغة رسمية في التعديل الدستوري الأخير: الإعتراف برأس السنة الأمازيغية في الجزائر

لم تتوقف مطالب المجموعات السكانية الأمازيغية في الجزائر بالإعتراف لها بجملة من الحقوق تمكنها من التعبير عن هويتها خصوصيتها في إطار تكوين دولة تجمع كل مكوناتها دون تمييز. ولقد أثمرت هذه المطالب تدريجيا لتعرف توجها نحو تكريس اللغة الأمازيغية عبر مختلف التعديلات الدستورية، والإعتراف منذ 2018 بيناير كعيد وطني.

 

التعديل الدستوري لسنة 2002: الإعتراف بتمازيغت لغة وطنية

تعود المطالبات للإعتراف بالهوية الأمازيغية والخصوصية الثقافية في الجزائر إلى فترة بعد الإستقلال التي تشكلت فيها جمعيات طالبت بالإعتراف بالهوية الأمازيغية كمكون أساسي للشعب الجزائري إلى جانب المكون العربي الإسلامي. لم تلق هذه المطالب استجابة بالنظر لحداثة الدولة، وتركيزها على مجالات حيوية لتأكيد السيادة الوطنية وبناء الدولة، وظلت هذه الحركات تناظل باستمرار مطالبة بالإعتراف بحقوقها في استعمال لغتها وإدراجها ضمن الدوائر الرسمية. عرفت الحركة النضالية من أجل تكريس الثقافة الأمازيغية عدة مبادرات منظمة، أهمها سنة 1980 في جامعات منطقة القبائل عرفت بالربيع البربري أو الأمازيغي، تجسدت في تظاهرات سلمية وأيام دراسية تبعها تسليم عرائض ممضية من الطلبة والأساتذة الجامعيين لوزارة التعليم العالي سنة 1981 تضمنت جملة مطالب أهمها إدماج الدراسات الأمازيغية في الجامعة الجزائرية. وقد أعلن على إثرها وزير التعليم العالي آنذاك السيد عبد الحق رفيق برارحي في ندوة صحفية بتاريخ 2391981 فتح قسم الثقافات واللهجات الشعبية في صيف 1982 وعيّنت جامعة تلمسان غرب الجزائر مركزا لهذا القسم.

شكّل دستور التعددية السياسية لسنة 1989 سياقا مناسبا للإستجابة لهذا المطلب. فقد أعلن وزير التعليم العالي سنة 1990 السيد مصطفى شريف عن إنشاء قسم الدراسات الأمازيغية في جامعة مولود معمري بتيزي وزو. كما شكّلت الذكرى العشرون للربيع الأمازيغي مناسبة لتنظيم مسيرة من عدة مناطق نحو العاصمة للمطالبة بالاعتراف باللغة الأمازيغية كلغة وطنية رسمية، واستجاب التعديل الدستوري الحاصل في 10-42001 لهذا المطلب جزئيا بالإعتراف بتمازيغت لغة وطنية إلى جانب اللغة العربية، وبالتأكيد على التزام الدولة بالعمل على ترقيتها وتطويرها بكلّ تنوعاتها اللسانية المستعملة عبر التراب الوطني.

أكد هذا التعديل الدستوري على الهوية الأمازيغية منذ أول مرة في تاريخ الجزائر. فقد تمّ إدراج اللغة الأمازيغية إلى جانب اللغة العربية باعتبارها إحدى المكونات الأساسية لمرجعية الدولة، الأمر الذي تحقق بعد مطالبات ونضال للمجتمع المدني بغية إبراز هذا المكوّن الذي لا يمكن إنكاره للشعب الجزائري في عمق امتداده التاريخي والثقافي والاجتماعي.

 

تعزيز مركز تمازيغت في التعديل الدستوري الأخير لسنة 2016: لغة وطنية ورسمية

لا يكفي اعتبار لغة ما لغة وطنية من أجل الجزم بتبوئها لمكانة أساسية في الدولة، طالما لا يكون لها استعمال في الدوائر الرسمية، وهو ما بقي ناقصا في تعديل 2002. الحقيقة أنه تم بذل جهود حتى في خضم الأزمة التي عاشتها الجزائر في ظل العشرية السوداء لمحاربة الإرهاب، حيث تم إنشاء المحافظة العليا للأمازيغية سنة 1995 على إثر الإضراب المدرسي الذي عرفته منطقة القبائل من أجل المطالبة بإدراج الأمازيغية في المدارس، بموجب المرسوم الرئاسي رقم 94 147  مؤرخ في 2751995 نص على أن مهام المحافظة العليا تتمثل في رد الاعتبار للأمازيغية وترقيتها باعتبارها أحد أسس الهوية الوطنية، وإدخال اللغة الأمازيغية في منظومتي التعليم والإتصال.  

لم يدرج التعديل الدستوري لسنة 2008 باقي المطالب المتعلقة بالهوية الأمازيغية، إذ انصرف إلى مجالات أخرى، و جاءت الفرصة في آخر تعديل للدستور سنة 2016 ليتم تجسيد أهم المطالب، فبالإضافة للإشارة في الديباجة إلى البعد الثلاثي للهوية الجزائرية المتمثلة في الإسلام والعروبة والأمازيغية والتي تعمل على ترقية وتطوير كل منها، تم النص على أن تمازيغت هي لغة وطنية ورسمية، مما يمنحها مكانة تجعلها لغة تندمج في الدوائر الرسمية. مواصلة في نفس النهج، نص التعديل على إنشاء مجمع جزائري للغة الأمازيغية يتم وضعه مباشرة لدى رئيس الجمهورية.

 

الإعتراف بيناير من كل سنة عيدا وطنيا

بعد سنوات من المطالبة، قرر رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة بتاريخ 27122017 الإعتراف بيناير (رأس السنة الأمازيغية) الذي يصادف 12 جانفي من كل سنة عيدا وطنيا، و يمثل هذا القرار الذي أدرج يناير في الرزنامة الرسمية للأعياد الوطنية عاملا لتقوية الترابط الإجتماعي ومناسبة تاريخية مهمة مرتبطة بالتقويم الفلاحي السائد عند السكان الأمازيغ في الجزائر ومنطقة شمال إفريقيا. تم تفعيل هذا القرار الرئاسي في 12-12018 الذي يوافق رأس السنة الأمازيغية 2968 حيث كان لأول مرة يوم عطلة مدفوعة الأجر. فقد تم إلحاق هذا العيد الوطني برأس السنة الميلادية ذات البعد الإداري ورأس السنة الهجرية، وكذلك بالأعياد الوطنية الأخرى. يشار إلى أن هذا التكريس الرسمي ما هو إلا تأكيد لعيد كان منتشرا ويتم الإحتفال به كل سنة في مختلف مناطق الجزائر رغم غياب الإعتراف الرسمي به جيلا بعد جيل. وقد أخذت الذاكرة الجماعية والممارسة الإجتماعية بعدا جديدا تبعا لهذه الإعتراف به ونقله تاليا إلى الدوائر الرسمية. إلا أن هذا التكريس يتعدى المظهر الاحتفالي البحت الذي يكتفي بالتظاهرات والنشاطات الثقافية، كونه يمثل قرارا سياسيا سيكون له وقع اجتماعي إيجابي على المجتمع الجزائري بأكمله.

إن الإعتراف بيناير كعيد وطني يسمح بإجراء مصالحة بين الشعب الجزائري وتاريخه الممتد عبر الزمن، حيث أن التعريف بأصول هذا العيد سيعزز من غوص المجتمع بكل مكوناته في ماض يشكل تاريخا مشتركا لكل الجزائريين، مما سيدعم الوحدة الوطنية . 

 

الإنجازات المتبقية: ترقية اللغة الأمازيغية

تم إدراج تعليم اللغة الأمازيغية في المدارس سنة 1995 تزامنا مع إنشاء المحافظة العليا للأمازيغية، بداية في بعض الولايات بسبب نقص الطاقم التعليمي الذي يغطي احتياجات التدريس. وتدريجيا تم تعميم تدريس تمازيغت ليشمل 38 ولاية سنة 2017، وبلغ عدد التلاميذ الذين يدرسون هذه اللغة 343725 خلال السنة الدراسية 2017/2018، في انتظار تعميم تدريسها على باقي الولايات. كما تم إدراج اللغة الأمازيغية في الدوائر الوزارية بإتاحة استعمالها ضمن المعاملات الرسمية لتسهيل التعامل مع المواطنين وتحقيق المصلحة العامة، كما تم اعتماد النشرة الإخبارية باللغة الأمازيغية.

تضمن التعديل الدستوري الأخير إنشاء مجمع جزائري للغة الأمازيغية يكون ملحقا برئيس الجمهورية، وينتظر من هذا المجمع الذي سيكون بمثابة أكاديمية تتكون من خبراء أن يوفر الشروط اللازمة لترقية تمازيغت من أجل تجسيد وضعها كلغة رسمية في المستقبل، وأحال على قانون عضوي كيفيات تفعيل هذا المجمع. وتعتبر تشكيلة المجمع أهم عنصر يضمن فعالية هذه الهيئة، فيفترض أن يجمع من بين أعضائه كبار الخبراء والمختصين في اللغة الأمازيغية والذين يكون لهم دراية كاملة بتحديات هذه اللغة، وهو رهان يعتمد عليه إنشاء المجمع الذي طال انتظاره والذي سيتمكن من ضبط أبجديات اللغة على اختلاف تنوعاتها اللسانية المستعملة في مختلف المناطق، سواء تعلق الأمر بالقبائل، المزاب، الشاوية، الطوارق، وحتى الشلح والزناتة في الدول المجاورة (تونس وليبيا).

يختلف الخبراء حاليا حول الأبجدية المستعملة لكتابة اللغة الأمازيغية بين مشجع على استخدام التيفيناغ، ومؤيد لاستعمال الحروف العربية، في حين يقترح البعض استخدام الحروف اللاتينية. ويؤسس كل اتجاه خياره على حجج ، ومن المؤكد أن هذه المسألة ستطرح للنقاش والحسم عند تفعيل مجمع اللغة الأمازيغية الذي سيكون له دور محوري في ترقية اللغة من الناحية العلمية الأكاديمية.

من المستجدات خلال مناقشة البرلمان لقانون المالية لسنة 2018 هو مطالبة بعض نواب المعارضة تخصيص باب لترقية اللغة الأمازيغية، وقد لقي هذا الطلب رفضا من قبل لجنة المجلس الشعبي الوطني بسبب تدابير ترشيد النفقات التي اعتمدت لمواجهة الأزمة المالية الحالية. يبقى إنشاء المجمع هو التحدي الذي سيمكن من ترقية الأمازيغية بطريقة تعيد لها الإعتبار وتضعها في المكانة التي تجعلها مكونا بارزا للهوية الجزائرية بمختلف أبعادها، دون أي إقصاء.

 

قائمة المراجع:

الدستور الجزائري المؤرخ في 28 نوفمبر 1996 المعدل في: 10042002 ثم في 15112008 ثم في 632016.

مرسوم رئاسي رقم 95 147 مؤرخ في 27 5 1995 يتضمن إنشاء محافظة عليا مكلفة برد الإعتبار للأمازيغية وبترقية اللغة الأمازيغية.

انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، بلدان عربية أخرى



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني