هل تصبح الأمازيغية لغة مقبولة للترافع والمناقشات أمام المحاكم المغربية؟


2015-11-24    |   

هل تصبح الأمازيغية لغة مقبولة للترافع والمناقشات أمام المحاكم المغربية؟

تناقلت عدد من الصحف المغربية أنباء عن تسجيل سابقة تعد الأولى من نوعها بالمحاكم المغربية حيث قرر قاض في جلسة علانية بإحدى محاكم الجنوب تمكين المتقاضين من التواصل باللغة الأمازيغية في مناقشة مختلف الملفات المعروضة على هيئة المحكمة. وحرص القاضي أثناء تسييره للجلسة على التواصل باللغة الأم للمتقاضين وفق طريقة جديدة لم يألفوها من قبل، لتلافي صعوبات عملية التواصل توفيرا لمتطلبات النجاعة القضائية. وظل القاضي يراوح بين التواصل مع المتقاضين باللغة الأمازيغية التي يتقنها ويتحدث بها بطلاقة وبين مترجم لباقي هيئة المحكمة الذين لا يتقنون هذه اللغة.

السياق العام للمبادرة

تأتي هذه المبادرة “الفردية” التي قام بها قاض مغربي بعدما يناهز أربع سنوات على التنصيص على الأمازيغية في الدستور المغربي الجديد كلغة رسمية إلى جانب اللغة العربية (مادة 5)[1]، حيث لا يزال نشطاء الحركة الأمازيغية يطالبون بتنزيل أكبر للقرارات الرامية لتجسيد هذا المكسب على أرض الواقع، خاصة فيما يتعلّق بميادين التربية والتعليم والإعلام وولوج العدالة والإدارات العمومية.

ويعود مطلب دسترة اللغة الأمازيغية كلغة رسمية بالمغرب إلى عقود طويلة. فقد استطاع الحقوقيون توحيد مطالبهم والانتظام في جمعيات مدنية للمطالبة بالاعتراف الرسمي باللغة الأمازيغية التي يتكلم بها أكثر من نصف سكان المغرب.
لغة التقاضي أمام المحاكم المغربية بين قانون التعريب ودسترة الأمازيغية

شكل قانون التعريب والمغربة والتوحيد الصادر سنة 1965، نقطة تحول جذري في لغة التقاضي بالمغرب الذي كان يعرف تعددية في مجال اللغات المعمول بها أمام القضاء. فقد كان استعمال اللغة العربية مقتصرا على نطاق ضيق يتمثل في القضاء الشرعي الذي كان عربيا صرفا، فضلا عن القضاء المخزني كلما تعلق الأمر بالترافع أمام القائد أو الباشا في درجته الابتدائية، بينما ظلت الفرنسية والاسبانية كلغتين مهيمنتين على معظم المحاكم المغربية إلى غاية الاستقلال.

ومنذ سنة 1965، أصبحت العربية هي اللغة الرسمية للقضاء والتقاضي لدى المحاكم بجميع أنواعها وعلى مختلف درجاتها. واستثني من ذلك فقط العقود المحررة باللغة الفرنسية والتي يخضع تقييدها للسجلات التجارية بمحاكم المملكة. وكان للقرار الذي أصدره وزير العدل بتاريخ 29/06/1965 دور بالغ الأهمية في تفعيل مقتضيات الظهير المذكور. فعلى إثره، تكرّس الاتجاه الرسمي العام الذي يرمي إلى اعتماد العربية لغة للترافع والتداول والحكم، مع جعل الترجمة آلية للتواصل بين الأطراف التي لا تجيد اللغة العربية ضمانا لحقوق الدفاع، وإعمالا لشروط المحاكمة العادلة.

وإذا كانت الترجمة المتخصصة من وإلى لغات أجنبية متوفرة نظرا لوجود مترجمين متخصصين خريجي معاهد متخصصة في المجال، فإن ضمانات الترجمة المتخصصة من وإلى الأمازيغية لا تزال غير ممكنة طالما أنه لا يوجد أي ترجمان محلف متخصص في اللغة الأمازيغية. ويتم الاكتفاء في غالب الأحيان أمام المحاكم بتكليف بعض المتطوعين من العموم لترجمة الأسئلة أو الأجوبة للمتقاضين الذين لا يتكلمون إلا اللغة الأمازيغية.

وغالبا ما يتم الاكتفاء بتعيين بعض الأعوان ممن لا يتوفرون حتى على حدّ أدنى من التكوين القانوني اللازم للقيام بعملية ترجمة ما يروج في الجلسة، الشيء الذي أدى الى ارتفاع عدة أصوات حقوقية منادية بضرورة ترسيم اللغة الأمازيغية في التقاضي خاصة بالنسبة للمغاربة الذين لا يتحدثون سوى بهذه اللغة. وتعتبر هذه الأصوات المحتجة الابقاء على الوضع الحالي الذي يمنع على المحكمة المناقشة وسماع المرافعات بغير اللغة العربية، وعدم توفر مترجمين متخصصين في اللغة الأمازيغية من قبيل الاختلالات التي تمس بمبدأ المحاكمة العادلة.
القضاء واستعمال اللغة الأمازيغية

رغمأن دستور 2011 اعترف بالأمازيغية كلغة رسمية في المغرب إلى جانب اللغة العربية، إلا أن أمر تنزيل هذه المقتضيات لا تزال معلقة على صدور القوانين اللازمة لترسيم الأمازيغية. كما أن القوانين الجاري العمل بها تجعل من اللغة العربية اللغة الرسمية الوحيدة التي يجوز التقاضي بها اعمالا لقانون التعريب والمغربة الصادر سنة 1965.

وبالرغم من ذلك، دأب القضاة الذين يتقنون الحديث باللغة الأمازيغية خلال بعض الجلسات إلى الاستئناس بتوجيه بعض الأسئلة إلى المتقاضين باللغة الأمازيغية. وجرى في بعض الجلسات التنقلية التي عقدت خارج أسوار المحاكم بغية تقريب القضاء على المواطنين (جلسات توثيق الزواج بالأرياف) استعمال واسع للغة الأمازيغية بشكل غير رسمي.

ورغم اعلان وزارة العدل عن مراعاتها لمعيار الالمام باللغة الأمازيغية كمعيار معتمد في البت في تعيينات القضاة الجدد والمنتقلين، إلا أنه لم يتم الشروع في تفعيل هذه المقتضيات. فالعديد من المحاكم تقع في مناطق يتكلم أغلبية ساكنتها اللغة الأمازيغية ولا تتوفر على أي قاض يستطيع التواصل بهذه اللغة لعدة اعتبارات، أهمها غياب قاعدة بيانات محينة بخصوص استعمال اللغة الأمازيغية بالمحاكم وإجادة القضاة لهذه اللغة. كما أن التفاوت الجهوي على مستوى التنمية يجعل عدداً كبيراً من القضاة المنحدرين من مناطق تتكلّم غالبيتها بالأمازيغية يرغبون في العمل بعيدا عن الأرياف أو المناطق النائية بالمدن والحواضر لا سيما أمام انعدام أي محفزات للعمل بهذه المناطق.

هل التقاضي بلغة لا يفهمها المتقاضي يعد مسا بحقوق الدفاع؟

طرحت هذه المسألة على محكمة النقض في قضية مثيرة خلال الآونة الأخيرة، وجاء في قرار المحكمة[2]ما يلي:
“في شأن الوسيلة الثانية المتخذة من خرق حقوق الدفاع ذلك أن الطاعن يتكلم اللغة الأمازيغية ولا يتقن اللغة العربية، والمحكمة لم تمكنه من مؤازرة محام ولم تسأله إن كان يحسن اللغة العربية، ولم تسأله عن سبب استئنافه، مما يعرض القرار المطعون للنقض.

لكن حيث أن الطاعن لم يطلب مترجما في أي مرحلة من مراحل الدعوى ولا الاستعانة بمحام لمؤازرته، والمحكمة تأكدت من هويته وعرضت عليه التهمة المتابع بها، وناقشت القضية وأبدى دفاعه عنها مما تكون معه الوسيلة على غير أساس”.

وقد بدت محكمة النقض وكأنها تقرّ مبدأ مفاده أن التقاضي بلغة غير مفهومة يعدّ مسّاً بحقوق الدفاع، وان استبعدت تطبيقه في القضية المطروحة أمامها لأسباب ظرفية ليس هنا المجال المناسب لتحديد مدى سدادتها.
اللغة الأمازيغية أمام المحاكم: أية آفاق؟

يعد القانون المتعلق بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وكيفيات إدماجها في مجال التعليم وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولويةمنبين أهم القوانين التي ينبغي أن تصدر قريبا قصد تفعيل تنزيل الدستور الجديد. فلا شك أن العدالة تبقى من أهم مجالات الحياة ذات الأولوية التي ينبغي أن يستهدفها القانون الجديد.

وإلى جانب القانون الجديد ينبغي أن يتم اعتماد استراتيجيات عملية قصد تسهيل ولوج العدالة على المواطنين المغاربة غير الناطقين باللغة العربية من قبيل:
– فتح المجال لتكوين مترجمين متخصصين في اللغة الأمازيغية يجمعون بين الدراية القانونية والإلمام باللغة الأمازيغية[3].
– تكوين القضاة في اللغة الأمازيغية ومراعاة الإلمام بهذه اللغة كمؤشر عند تعيين القضاة الجدد أو عند البت في طلبات انتقالهم.
– تحفيز القضاة والموظفين للعمل في المناطق النائية سواء من خلال تسريع ترقياتهم أو من خلال التعويضات.

للإطلاع على النص مترجما الى اللغة الإنكليزية يمكنك/ي الضغط هنا
 نشر في العدد 3 من مجلة المفكرة القانونية – تونس 


[1]– ينص الفصل 5 من دستور 2011 على أنه: “تظل العربية اللغة الرسمية للدولة. وتعمل الدولة على حمايتها وتطويرها، وتنمية استعمالها.
تعد الأمازيغية أيضا لغة رسمية للدولة، باعتبارها رصيدا مشتركا لجميع المغاربة، بدون استثناء.
[2]– قرار الغرفة الجنائية بمحكمة النقض عدد 56 بتاريخ 15/02/2012، عدد 16321/11، غير منشور.
[3]– سبق للعديد من الجمعيات الأمازيغية أن احتجت على وزارة العدل والحريات التي نظمت مباراة لولوج مهنة التراجمة في عدة لغات من بينها اللغة العبرية، وقد احتجت هذه الجمعيات على اقصاء اللغة الأمازيغية من بين التخصصات المطلوبة في هذه المباراة، وكان جواب وزارة العدل والحريات أن اللغة الامازيغية تعتبر لغة وطنية، وأن أمر تنزيل المقتضيات الدستورية الجديدة على أرض الواقع يبقى متوقفا على صدور قانون تنظيمي لتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية.
انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد القضائي ، محاكمة عادلة وتعذيب ، مقالات ، لا مساواة وتمييز وتهميش ، المغرب ، مجلة تونس



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني