المحكمة الدستورية بالمغرب تقر قانون اللغة الأمازيغية


2019-09-10    |   

المحكمة الدستورية بالمغرب تقر قانون اللغة الأمازيغية

بتاريخ 05/09/2019 أصدرت المحكمة الدستورية بالمغرب قرارها بشأن مشروع القانون التنظيمي رقم 26.16 المتعلق بتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية، ويتكون هذا القانون من 35 مادة تهم تحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وكيفيات إدماجها في مجال التعليم وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية، وعلى رأسها القضاء والتشريع والتنظيم والعمل البرلماني والإعلام والاتصال والإبداع الثقافي والفني، إضافة إلى الإدارات وسائر المرافق العمومية والفضاءات العمومية.

وقد قضت المحكمة بمطابقة جميع مواد هذا القانون للدستور[1]، لكنها قدمت تفسيرات لعدد من مقتضياته التي كانت مثار جدل من طرف الفاعلين المدنيين المهتمين بملف الأمازيغية.

مدلول اللغة الأمازيغية

من جهة أولى اعتبر قرار المحكمة الدستورية أن مدلول اللغة الأمازيغية المخول لها طابع الرسمية، والمعنية بمجال هذا القانون، ينصرف إلى “اللغة الأمازيغية المعيارية الموحدة، المكتوبة والمقروءة بحرف تيفيناغ“، والمكونة من “المنتوج اللساني والمعجمي الأمازيغي الصادر عن المؤسسات والهيئات المختصة“، ومن مختلف التعبيرات الأمازيغية المحلية، بشكل متوازن ودون إقصاء، والتي لا تتخذ طابع المكونات اللغوية القائمة الذات، ولا تمثل بدائل عن اللغة الأمازيغية الرسمية، وإنما روافد تساعد على تشكيلها.

إدماج اللغة الأمازيغية في التعليم

بخصوص المادة الثالثة من مشروع هذا القانون والتي تنص على أنه: “يعد تعليم اللغة الأمازيغية حقا لجميع المغاربة بدون استثناء”، اعتبرت المحكمة الدستورية أن إقرار الأمازيغية لغة رسمية للدولة، واعتبارها رصيدا مشتركا لجميع المغاربة دون استثناء، تترتب عنه حقوق لغوية وثقافية يتمتع بها المواطنات والمواطنون دون تمييز، وهي تتمثل على وجه الخصوص في استعمال اللغة الأمازيغية، لغة رسمية للتواصل بمختلف أشكاله ووظائفه وعبر مختلف دعاماته، كما يترتب عنه، التزام على عاتق الدولة، يتمثل في ضمان تعليمها وتعلمها، تفعيلا لطابعها الرسمي؛ وهو ما لا يتحقق إلا بضمان تنزيل إلزامية تعليم اللغة الأمازيغية.

مراعاة الخصوصية في اعتماد “اللهجات المحلية في التعليم”

من جهة أخرى توقف قرار المحكمة الدستورية عند مضمون المادتين الخامسة والثامنة (الفقرة الأولى) من مشروع القانون، واللتين تنصان بالتتابع، على أنه:

“مراعاة للخصوصيات الجهوية، يمكن اعتماد التعبيرات اللسانية الأمازيغية المتداولة في بعض المناطق بجهات المملكة، إلى جانب اللغة العربية، لتيسير تدريس بعض المواد التعليمية في سلك التعليم الأولي والابتدائي بالمؤسسات التعليمية الموجودة بهذه المناطق”، وعلى أنه “يراعى في إعداد المناهج والبرامج والمقررات الدراسية الخاصة بتدريس اللغة الأمازيغية مختلف التعبيرات اللسانية الأمازيغية المتداولة في مختلف مناطق المغرب”.

حيث خلصت المحكمة في ملاحظاتها التفسيرية أنه يستفاد من هذه المقتضيات “أن إمكانية اعتماد التعبيرات اللسانية الأمازيغية المتداولة في بعض المناطق بجهات المغرب، لا تتجاوز نطاق تيسير تدريس بعض المواد التعليمية في سلك التعليم الأولي والابتدائي” و”أن اعتبار سائر التعبيرات اللسانية الأمازيغية المتداولة في مختلف مناطق المغرب في إعداد المناهج والبرامج والمقررات الدراسية الخاصة بتدريس اللغة الأمازيغية، يتم في إطار المراعاة، ولا يتعدى نطاق استحضار التعبيرات اللسانية المذكورة، تحقيقا لهدف تيسير التعليم والتعلم، ولا يمس بالطابع الرسمي للغة الأمازيغية”.

استعمال اللغة الأمازيغية داخل قبة البرلمان

بخصوص المادة 9 من مشروع القانون والتي تنص على أنه “تستعمل اللغة الأمازيغية إلى جانب اللغة العربية في إطار أشغال الجلسات العمومية للبرلمان وأجهزته، ويجب توفير الترجمة الفورية لهذه الأشغال من اللغة الأمازيغية وإليها.

تحدد كيفيات تطبيق أحكام الفقرة السابقة بموجب النظامين الداخليين لمجلسي البرلمان”.

اعتبرت المحكمة الدستورية أنه “لئن كان تحديد كيفيات التطبيق، المشار إليه في الفقرة الثانية من هذه المادة، يترتب عن إدماج اللغة الأمازيغية في سائر أشغال البرلمان، فإن استقلال مجلسي البرلمان بوضع نظاميهما الداخليين، سواء فيما أسنده الدستور إليهما، أو في شأن باقي قواعد سير أشغال أجهزة المجلسين، يجعل، تخويل تحديد كيفيات تطبيق الأحكام المتعلقة باستعمال اللغة الأمازيغية في إطار أشغال الجلسات العمومية للبرلمان وأجهزته إلى النظامين الداخليين للمجلسين، بالنظر لطبيعة الموضوع، مطابقا للدستور”.

استعمال اللغة الأمازيغية داخل أروقة العدالة

بخصوص المادة 30 (الفقرتان الأولى والثالثة) من مشروع القانون والتي جاء فيه: “تكفل الدولة للمتقاضين والشهود الناطقين بالأمازيغية، الحق في استعمال اللغة الأمازيغية والتواصل بها خلال إجراءات البحث والتحري بما فيها مرحلة الاستنطاق لدى النيابة العامة، وإجراءات التحقيق وإجراءات الجلسات بالمحاكم بما فيها الأبحاث والتحقيقات التكميلية والترافع وكذا إجراءات التبليغ والطعون والتنفيذ”، وعلى أنه “يحق للمتقاضين، بطلب منهم، سماع النطق بالأحكام باللغة الأمازيغية”.

اعتبرت المحكمة الدستورية أن عبارة “الناطقين بالأمازيغية”، الواردة في الفقرة الأولى من المادة المذكورة، قد توحي بدلالات تمييزية بسبب اللغة أو الثقافة أو الانتماء إلى جهة معينة؛ إلا أن سياق استعمال هذه العبارة من قبل المشرع، في معرض كفالة حق استعمال اللغة الأمازيغية للمتقاضين أو الشهود، في مجال التقاضي، لا يستهدف تمييز الناطقين بالأمازيغية عن غيرهم، وإنما تيسير ممارسة حق الراغبين في استعمال اللغة الأمازيغية، ضمانا لحقهم في محاكمة عادلة؛”. وأضاف القرار أنه: “لئن نصت الفقرة الثالثة من هذه المادة، على أن إعمال حق المتقاضين في سماع النطق بالأحكام باللغة الأمازيغية، يتم بطلب منهم، فإن الطلب المذكور يعني الكفالة التلقائية، لحق كل متقاض في سماع النطق بالأحكام باللغة الأمازيغية”.

استعمال اللغة الأمازيغية في وسائل الاعلام

في شأن المادة 13 من مشروع هذا القانون والتي تنص على أنه “تعمل الدولة على تأهيل القنوات التلفزية والإذاعية الأمازيغية العمومية لتأمين خدمة بث متواصلة ومتنوعة، تغطي كافة التراب الوطني، مع تيسير استقبال هذه القنوات خارج المغرب. كما تعمل الدولة على الرفع من حصة البرامج والإنتاجات والفقرات باللغة الأمازيغية في القنوات التلفزية والإذاعية العامة أو الموضوعاتية في القطاعين العام والخاص بما يتناسب ووضعها كلغة رسمية للدولة إلى جانب اللغة العربية”.

وتتولى الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري اتخاذ التدابير الكفيلة بذلك في نطاق اختصاصها لضمان تطبيق أحكام هذه المادة”؛

اعتبرت المحكمة الدستورية أن الاختصاصات المخولة، بمقتضى هذه المادة إلى الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، تدخل في صميم مهمة السهر على احترام التعددية اللغوية والثقافية للمجتمع المغربي التي أوكلها الدستور إلى الهيئة المذكورة بمقتضى الفصلين 28 (الفقرة الأخيرة) و165 منه، مما تكون معه المادة 13 المشار إليها مطابقة للدستور.

وبهذا القرار تكون المحكمة الدستورية قد أعطت الضوء الأخضر لنشر القانون التنظيمي المتعلق بتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية في الجريدة الرسمية من أجل تطبيق مقتضياته، بعد ثماني سنوات من دسترة هذه اللغة سنة 2011[2].

مقالات ذات صلة:

 الأمازيغية في مشروع التنظيم القضائي الجديد

هل تصبح  الأمازيغية لغة مقبولة للترافع والمناقشات أمام المحاكم المغربية؟

أمر قضائي بالمغرب لإلزام الادارات العمومية باحترام اللغات الرسمية في مراسلتها للمواطنين

سابقة في المغرب: أول حكم قضائي معلل يقر بإمكانية التقاضي باللغة الامازيغية

 


[1] يتعلق الأمر بقرار المحكمة الدستورية رقم: 97/19 م.د، في ملف رقم:  047/19، صادر بتاريخ 05/09/2019.

[2]أنظر لمزيد من التفاصيل:

أنس سعدون:  منهجية تنزيل الدستور في المغرب تاملات على ضوء تجرية دستور 2011، دراسة أنجزت في اطار مشروع تعاون بين المفكرة القانونية ومبادرة المساحة المشتركة، سنة 2015.

انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد القضائي ، المرصد البرلماني ، دستور وانتخابات ، لا مساواة وتمييز وتهميش ، المغرب



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني