المغرب يواجه تداعيات ما بعد الزلزال: تفعيل التضامن وسيناريوهات إعادة الاعمار


2023-09-18    |   

المغرب يواجه تداعيات ما بعد الزلزال: تفعيل التضامن وسيناريوهات إعادة الاعمار
المصدر: وكالة فرانس برس

بعد مرور أزيد من أسبوع على فاجعة الزلزال الذي ضرب منطقة الحوز بإقليم مراكش جنوب المغرب، ناهز عدد القتلى  3 آلاف شخص فيما تجاوز عدد الجرحى 6 آلاف، وما تزال السلطات المغربية تواصل عمليات الإغاثة والبحث عن مفقودين تحت الأنقاض، في الوقت الذي أعلنت فيه مشاريع إعادة اعمار المناطق المتضررة من الزلزال.

أقوى زلزال تشهده المنطقة مند أزيد من قرن

ستبقى ليلة التاسع من شهر سبتمبر 2023 ليلة استثنائية في ذاكرة الآلاف من ساكنة المغرب، فبعيد الساعة 23:00 بالتوقيت المحلي (22:11 بتوقيت غرينتش) ضرب زلزال عنيف أجزاء واسعة من البلاد، أعاد الى الأذهان مآسي سابقة عرفها المغرب غداة زلزال أغادير سنة 1960، وزلزال الحسيمة بإقليم الريف سنة 2004.

وفي هذا السياق قال ناصر جابور، رئيس قسم بالمعهد الوطني للجيوفيزياء بالمغرب، “إنها المرة الأولى منذ قرن التي يسجل فيها المركز هزة أرضية عنيفة بهذا الشكل بالمغرب حيث أن قوة الزلزال بلغت 7 درجات على مقياس ريختر، وقد تم تحديد  مركزه في إقليم الحوز، وبالضبط في جماعة إيغيل التي تقع على بعد حوالي 80 كلم جنوب غرب مدينة مراكش”، موضحا أن “قوة الزلزال تم استشعارها بالعديد من المدن المغربية في محيط تجاوز 400 كلم”.

من جهتها ذكرت وزارة الداخلية المغربية في آخر بيان محين لها إن حصيلة قتلى الزلزال بلغت 2946 سقطوا في أقاليم وعمالات الحوز ومراكش وورزازات وأزيلال وشيشاوة وتارودانت، فيما وصل عدد المصابين إلى 5674. وأوضحت وزارة الصحة أن من بين المصابين 873 شخصا إصاباتهم خطيرة، ونحو 3400 إصاباتهم طفيفة، كما أفادت بأن عدد المصابين حاليا في المستشفيات بلغ 476 شخصا، منهم 81 في أقسام العناية المركزة.

الفوارق المجالية تسائل جهود الإغاثة وإعادة الاعمار

 كشف زلزال إقليم الحوز عن هوة الفوارق التنموية بين المدن والقرى البعيدة، في جبال الأطلس، حيث أعادت هذه الفاجعة الإنسانية طرح إشكالية الهشاشة الاجتماعية والتنموية التي تعاني منها عدد من المناطق القروية بالمغرب.

بلغة الأرقام، تبرز معطيات المندوبية السامية للتخطيط أنه يقطن بإقليم الحوز حوالي 572 ألف نسمة، ويصل إجمالي السكان القرويين إلى 488 ألف شخص، مقابل 84 ألفا يعيشون في المراكز والمناطق الحضرية التابعة للإقليم الذي يضم 37 منطقة قروية، مقابل 3 مقاطعات حضرية فقط.

وبحسب عبد الرحيم العلام، وهو أستاذ في جامعة القاضي عياض في مراكش، فإن زلزال الحوز يعري حالة الفقر والحاجة التي يعاني منها سكان الإقليم و يكشف عن ضعف البنيات التحتية والخدماتية. فإقليم الحوز وبالرغم من كل مشاريع التنمية القروية المعلن عنها ما يزال يعاني من تخلف تنموي كبير، حيث يضم أفقر المناطق على المستوى الوطني، ويعرف تواجد عدد من القرى في حالة “شبه عزلة” عن العالم الخارجي نظرا لوعورة التضاريس، في ظل غياب طرق معبدة نحوها، وضعف الخدمات الاجتماعية والاقتصادية المقدمة لها.

وأمام هذا الوضع، بدأت العديد من الأصوات تنادي بتجميع سكان القرى المتناثرة التي دمرها الزلزال في مناطق سكنية موحدة، وذلك في خطوة استباقية لتجنيبهم برودة الطقس خلال فصل الشتاء القادم أمام صعوبة ترميم المنازل وإعادة تعبيد الطرق وإعمار المنطقة التي كانت تعاني من ضعف البنيات التحتية قبل الزلزال.

قرارات فورية لتعجيل جهود الإنقاذ والتضامن الشعبي يسائل التزام المؤسسات الاقتصادية والمالية الكبرى

أعلنت عدد من بلدان العالم تضامنها مع المغرب على إثر الزلزال العنيف الذي ضرب إقليم الحوز، مقترحة تقديم دعم عاجل للمنكوبين. وقد وافقت السلطات المغربية وكخطوة أولى على عروض دول إسبانيا وبريطانيا وقطر والإمارات، التي أعلنت عن ارسال فرق إنقاذ وإسعاف ومستلزمات المأوى للمتضررين، فيما أعلنت عن تأجيل النظر في باقي عروض الدعم والمساندة من طرف باقي الدول لأسباب لوجستيكية الى حين تحديد قائمة احتياجاتها.

وانطلقت حملات تضامن شعبي في كافة أنحاء المغرب قصد جمع المساعدات الإنسانية العاجلة للأقاليم المتضررة، وهي جهود عرفت مساهمة فاعلة لمنظمات غير حكومية، في الوقت الذي أعلنت فيه الحكومة عن حزمة من الإجراءات ضمن خطتها لمعالجة تداعيات الزلزال  وتشمل منح الدولة مساعدة طارئة بقيمة 30 ألف درهم مغربي (نحو 3000 دولار أميركي) للأسر المتضررة، وتوفير مبادرات طارئة للإيواء المؤقّت لساكنة 50 ألف مسكن، من خلال “صيغ إيواء ملائمة في المناطق نفسها، وفي مساكن مقاومة للبرد وللاضطرابات الجوية، أو في مراكز استقبال مهيّأة تتوفّر على كلّ المرافق الضرورية”.

من جهته، دعا المرصد المغربي لحقوق الإنسان –وهي منظمة غير حكومية- أثرياء المغرب والمؤسسات الاقتصادية والمالية الكبرى التي حققت نسبا كبيرة من الأرباح، في السنوات الأخيرة، إلى إعلان التزامها الرسمي بتشييد مشاريع تنموية كبرى في المناطق التي ضربها الزلزال. وأكّد المرصد، على ضرورة استفادة المناطق المنكوبة، وباقي مناطق المغرب العميق وساكنته، من مختلف أشكال المساعدة والإغاثة والدعم الدولي الذي بدأ يتقاطر على البلد من دول عربية وغربية ومؤسسات مالية دولية مانحة، وذلك في إطار عدالة مجالية تستهدف كل الفئات. وثمن المرصد المجهود الشعبي المبذول لمساعدة المتضررين، رغم ما تعانيه الطبقات الاجتماعية الفقيرة والمتوسطة من غلاء فاحش في الأسعار بسبب الزيادات المتتالية في أسعار المحروقات، والتي راكمت على إثرها أرباحا طائلة العديد من المؤسسات والشخصيات النافذة.

زلزال إقليم الحوز يسائل فعالية عدد من القوانين

أعادت فاجعة زلزال إقليم الحوز بالمغرب السؤال حول فعالية عدد من القوانين التي صدرت في الآونة الأخيرة، وفي مقدمتها قانون التغطية ضد الوقائع الكارثية. ويتيح هذا القانون تعويضا عن الأضرار البدنية والمادية لجميع الأشخاص الموجودين فوق التراب الوطني، ضد الوقائع الكارثية سواء كانت طبيعية، كالزلازل والفيضانات، أو من فعل الإنسان مثل الأفعال الإرهابية والفتن أو الاضطرابات الشعبية.

ورغم أهمية هذا القانون إلا أن ضعف التوعية به تجعل العديد من الأشخاص لا ينخرطون في هذا التأمين، حيث تبقى الاستفادة منه في حالة وقوع الكارثة مقتصرة على نظام الإعانات الذي يدبره صندوق التضامن ضد الوقائع الكارثية دون أن تشمل باقي التعويضات التي تقتصر على المنخرطين في نظام التأمين.

كما يعيد زلزال إقليم الحوز إلى الواجهة إشكالية مدى فعاليّة الترسانة القانونية التي تكفل ضمان سلامة المباني في مواجهة المخاطر الزلزالية، حيث صدر مرسوم يحدد ضوابط البناء المضاد للزلزال بحسب تقسيم التراب الوطني إلى مناطق زلزالية تبعا لدرجة توقع الزلزال فيها، وترتيب البنايات إلى أصناف باعتبار درجة الوقاية الواجب توفرها فيها، غير أن المناطق القروية تبقى غير معنية بهذا المرسوم تبعا للمادة الأولى من مدونة التعمير والتي يقتصر تطبيقه على المناطق الحضرية.

من جهة أخرى أعلن العاهل المغربي محمد السادس عن قرار منح صفة مكفولي الأمة للأيتام الذين فقدوا أسرهم نتيجة الزلزال، وبموجب ذلك يستفيدون من عدة امتيازات من قبيل الاستفادة من الرعاية المعنوية والمساعدة المادية إلى حين بلوغهم سن الرشد أو الانقطاع عن دراستهم، والحق في الخدمات التي يمكن أن تقدمها لهم مؤسسة الأعمال الاجتماعية لقدماء العسكريين وقدماء المحاربين، ومجانية العلاجات الطبية والجراحية والاستشفاء في التشكيلات الصحية المدنية والعسكرية التابعة للدولة” بمقتضى القانون، فضلا عن الأولوية في الاستفادة من المنح الدراسية والأسبقية في الولوج إلى المناصب العامة بإدارات الدولة والمؤسسات العامة والجماعات العمومية وكذا للمشاركة في مباريات الالتحاق بالكليات والمدارس الوطنية الكبرى.

ويطرح هذا القرار وبالرغم من أهمية ضرورة مراجعة ظهير 25 أغسطس 1999 والذي حدد نطاق تطبيقه  حيث يشمل فقط الأطفال المغاربة الذين فقدوا أباهم أو سندهم الرئيسي نتيجة الاستشهاد إثر مشاركتهم في الدفاع عن حوزة البلاد أو أثناء قيامهم بمهام المحافظة على السلم أو عمليات إنسانية بأمر من القائد الأعلى ورئيس الأركان العامة للقوات المسلحة داخل المغرب أو خارجه، أو أصبح آباؤهم عاجزين من الناحية البدنية نتيجة ذلك، وهو ما يعني أن ضحايا الزلزال لا يدخلون ضمن هذه الفئة.

مواضيع ذات صلة

مبادرات فردية متواضعة من لبنان إلى منكوبي سوريا: “الناس تتبرّع من أغراضها ومقتنياتها”  

ناجون من زلزال 1956 يعارضون السدّ: “اللي مقررين السد ما بيعرفوا شو يعني يحطّوا العالم ع فوهة زلزال

الخوف يزداد بين سكان الأبنية المتصدّعة في طرابلس بفعل الهزّات: الناس يبيتون لياليهم في الشارع

الزلزال وسلامة الأبنية (1): تسليع السكن يفرّغ القوانين من أهدافها

الزلزال وسلامة الأبنية (2): عمر البناء لا يحسم سلامته والمسح الشامل ضرورة

سلطة لا تتعلّم من الكوارث: من يسأل عن المباني المتصدّعة في لبنان؟

سدود لبنان بين الصخور الكلسية والفوالق الزلزاليّة… د.طوني نمر للمسؤولين: كفى استهتارا بأصحاب الكفاءات والاختصاص

Qanuni Podcast (S02 E03): مشروع سد بسري: بين مخاطر الزلزال والمجزرة البيئية

حراك يبرز المخاطر الزلزالية والإقتصادية وهدر المال العام: هكذا تم استخدام العلم والقضاء وتفنيد الحجج الرسمية

إنذارات إخلاء في الشمال والسكان يرفضون المغادرة: إلى أين نذهب؟

لبنان يواجه الزلازل بحبر على ورق

انشر المقال

متوفر من خلال:

الحق في الحياة ، الحق في الصحة ، مقالات ، المغرب



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني