لبنان يواجه الزلازل بحبر على ورق


2023-02-28    |   

لبنان يواجه الزلازل بحبر على ورق
خريطة توزّع الفوالق الزلزاليّة في لبنان بحسب الخطة التي حصلت عليها المفكرة

“كأنو هلق فقنا إنو نحنا عايشين على فوالق زلزالية”، عبارة تختصر واقع البلاد والعباد بعد زلزال 6 شباط المأساوي الذي ضرب تركيا وشكّل جرس إنذار عنيف ليذكّر بحقيقة وقوع لبنان على فوالق زلزالية نشطة. لكن لدى التدقيق في الصدمة، وللإنصاف، نجد أنّ حال الدولة، بما هي مؤسسات وأجهزة، ليس كحال الناس، حيث تُبيّن خطة الاستجابة الوطنية خلال الكوارث والأزمات، التي حصلت “المفكّرة” عليها، أنّ لبنان الرسميّ يدرك بقوة الواقع الجيولوجي ومخاطر الزلازل النشطة. ولكن السؤال هو كيف يُترجِم هذا الإدراك إلى أفعال استباقية ووقائية وإنقاذية؟ خصوصاً مع إعلان مجلس الوزراء رفع الجهوزيّة التامة، برغم عدم نشره الخطة التي تبيّن أنّها نفسها التي تغطّي السنوات من 2012 حتى 2017 مع تعديل جوهري ربما وحيد يتعلّق بنقل فقرة الزلازل إلى رأس المخاطر الأساسية.

الجواب الأول عن الجهوزية الفعلية يأتي من مصدر حكومي معني بمواجهة الكوارث، ويقول “لنبدأ من التجاذبات السياسيّة التي منعت تشكيل الهيئة الوطنية لإدارة الكوارث، والتي تتمتع بصلاحيات -تنفيذية واسعة تحررها من البيروقراطية القاتلة لأي استجابة فعالة”. تجاذب تعطيلي أدّى إلى تشكيل لجان عدّة تتضارب صلاحياتها وتتنافر أحياناً، عدا عن ضرورة طرح أسئلة حول فعالية هذه اللجان فعلياً على أرض الواقع.

والتعليق الثاني حول الجهوزيّة التامّة نفسها نجده عند المديرية العامة للدفاع المدني، الجهاز الأول الذي تقع على عاتقه مهمة الاستجابة وأعمال الإنقاذ والإغاثة على كامل الأراضي اللبنانية لدى وقوع الكوارث. إذ يستنكر منصور سرور، رئيس شعبة الخدمة والعمليات في المديرية تعبير “كامل الجهوزية”، ويقول لـ “المفكرة”: “جهوزيّتنا بالموجود فقط، ما حدا يناور وما يعملوا أبطال على شي مش موجود (…) سياسيين ورجال أعمال عم يأمّنوا لنا التصليح والمازوت، الناس عم تساعدنا مش الدولة”.

أما الأمين العام للهيئة العليا للإغاثة اللواء محمد خير، فيثني على أهمية عقلية الجهوزية الكاملة، ليكشف أنّ لدى الهيئة 100 ألف دولار (مع النفقات الإدارية) للتدخل، وهو ما قد يكفي لترميم مبنى واحد مهدّد بالانهيار من آلاف الأبنية المتصدّعة في لبنان.

ولا يبقى أمام النائب عبد الرحمن البزري الذي خاض تجربة مكافحة جائحة كورونا بصفته رئيس اللجنة الوطنية لإدارة لقاح كورونا، وإزاء هذا الواقع، إلّا أنْ يتمنّى أن يبقى لبنان “بمنأى عن أي كارثة، نظراً لغياب جهوزية الدولة، وافتقارها إلى القدرة على الاستجابة. ويؤكّد في حديث لـ “المفكّرة” أنّ: “الخطط على الورق موجودة ولكن لم نشعر يوماً بترجمتها على أرض الواقع”.

“المفكّرة” تحاول في هذا التحقيق أن تلقي الضوء على الخطة والسياق العامّ للتعامل مع حقيقة وضعنا الزلزالي من جهة، وترجمة خطّة الاستجابة على الأرض، وبالتالي عن أي خطط وجهوزية نتحدث؟ خصوصاً أنّ مجلس الوزراء أعلن رفع كامل الجهوزيّة والاستنفار في كلّ المناطق ولدى كلّ الأجهزة. فهل لدى الأجهزة والمؤسسات المعنية قدرات تسمح لها بتنفيذ هذه القرارات، أم أنّنا مجددًا أمام خطط الحبر على ورق؟ 

تاريخ من النشاط الزلزالي

بالعودة إلى الخطة الوطنية للاستجابة للكوارث، تتصدّر الهزّات الأرضيّة والزلازل رأس المخاطر الأساسية في لبنان، وربما هو التعديل الجوهري الوحيد الذي تغيّر في خطة موضوعة في 2012 لتغطي خمس سنوات لغاية 2017، وهي التي اعتمدت اليوم.

تقول الخطة حرفياً: يقع لبنان على امتداد فالق جيولوجي رئيسيّ يتوسّط أراضيه، ويبلغ طوله 1000 كلم، ويمتدّ من البحر الأحمر جنوباً حتى جبال الأناضول في جنوب تركيا، ويسمّى فالق البحر الميت، وهو: “من الفوالق المسبّبة لأعظم الأحداث الزلزالية في منطقة الشرق الأوسط”.

وتشير الخطّة إلى تفرّع فالق البحر الميت بعد دخوله الأراضي اللبنانية، إلى فالق اليمّونة الذي يقطع لبنان من أوّله إلى آخره، وفوالق روم، وحاصبيا، وراشيا وسرغايا. وتوضح وجود فوالق بحريّة ممتدّة بمحاذاة الشاطئ اللبناني “بين الدامور والبترون، يمكن أن تكون بالغة الأهمية من حيث الخطر الزلزالي”، مع خارطة مرفقة لتبيان الفوالق المتعدّدة والكثيرة والكفيلة وحدها بالتعبير عن واقع الصفائح التكتونية في عمق الأراضي اللبنانية.

وتستعرض الخطّة تاريخ لبنان الزلزالي الذي “تعرّض قبل 2000 عام قبل الميلاد لهزّات أرضية قويّة تسببت بالكثير من الخراب والدمار والخسائر بالأرواح”، وتشير إلى الهزّات التي ضربته وبخاصّة في أعوام 551 و1202 و1759 وفاقت قوّتها 7 درجات على مقياس ريختر، مسبّبة دماراً في معظم المدن الساحلية، بما فيها بيروت وطرابلس وجبيل وصيدا وصور والداخلية منها بعلبك. أما آخر حدث زلزالي مهمّ في لبنان فقد ضرب بلدة شحيم على فالق روم في منطقة إقليم الخروب (1956).

المصدر: الاستراتيجية الوطنية لقطاع المياه في لبنان (2012)

 تتصدّر الهزّات الأرضيّة رأس المخاطر الأساسية في لبنان، وربما هو التعديل الجوهري الوحيد الذي تغيّر في خطة موضوعة في 2012 لتغطي خمس سنوات

“خطة عمل” و”تكليف” بالجهوزية التامّة

على وقع هذه المعرفة الرسمية بواقع البلاد، ومعها زلزال تركيا الأخير، اجتمعت لجنة تنسيق عمليات مواجهة الكوارث والأزمات الوطنية، في السراي الحكومي برئاسة رئيس مجلس الوزراء وحضور الوزارات والجهات المعنية، ووضعت خطة تنفيذية، كلّفت بموجبها البلديات بصورة فوريّة بإجراء مسوحات للمباني، وإفادة وزارة الداخلية والبلديات ضمن مهلة 72 ساعة حول عدم أهلية أي مبنى للسكن. تكليف استتبع رفع البلديّات الصوت فورًا لتؤكّد افتقارها للإمكانيّات والموارد المالية اللازمة لتنفيذ المطلوب منها.

وشملتْ الخطة تفعيل عمل غرف عمليات الطوارئ في المحافظات (محافظين، قائممقام، رؤساء بلدية) والبقاء على جهوزية تامة، وهي غرف، علمت “المفكّرة” من أحد موظفيها أنّ إحدى المنظمات العاملة في لبنان تمنح هؤلاء مساعدات مالية ليتمكّنوا من الوصول إلى أشغالهم. فماذا عن إمكانيات غرفهم؟ 

كما تمّ تشكيل لجنة برئاسة وزارة الأشغال العامة والنقل لإجراء المسوحات الجيوفيزيائية للمباني المتصدّعة مع منح الأولوية للمدارس، الجامعات، المستشفيات، السدود، الجسور، والمباني السكنية.

كما أوجبت خطة العمل استنفار ورفع جهوزية الطواقم المتخصصة لدى كل من وزارة الصحة، والأشغال العامة والنقل، الدفاع المدني، وأفواج الإطفاء والصليب الأحمر اللبناني، للاستجابة الفوريّة لأي طارئ، على أن تتولى وحدة إدارة مخاطر الكوارث، بالتنسيق مع الدفاع المدني والصليب الأحمر اللبناني مهمة تعميم الإرشادات والإجراءات الواجب اتّباعها في حال حصول زلزال. وكُلّفت وزارة الإعلام تعميم المعطيات الصادرة عن المجلس الوطني للبحوث العلمية بهدف التوعية ومنع الهلع بين المواطنين.

خطة للاستجابة لا للتحضّر للكوارث

برغم تداعي لبنان الرسمي، ومنذ أكثر من 10 سنوات، لحشد الجهود وبلورة الخطط إلّا أنّنا ما زلنا في إطار الاستجابة كرد فعل، وليس التحضّر والوقاية والاستعداد الاستباقي.

ويتوقّف المصدر نفسه، عند مساوئ التجاذبات السياسية التي عطّلت إنشاء الهيئة الوطنية لمواجهة الكوارث في ظل تطوّر مفهوم إدارة الكوارث، ليشير إلى أنّ إدارة المخاطر هي اليوم “علم قائم بحد ذاته ويتطلّب متابعة متخصصة وتقنيّة ومتعمّقة في كلّ المراحل من الوقاية إلى الاستعداد للكوارث، مروراً بالاستجابة لها وصولاً إلى التعافي والنهوض المبكر”.

ويلفت المصدر إلى ضرورة الاستثمار في التحضّر والاستعداد للكارثة وليس فقط في الاستجابة بالمعنى الضيّق. فقد تم التوصّل وفق إطار “سِنداي للحد من المخاطر” THE SENDAI FRAMEWORK OF ACTION، لمعادلة من شأنها حثّ الدول الفقيرة المتقاعسة عن الاستعداد للمخاطر، ومفادها أنّ:” كل دولار يصرف بالاستعداد يوفّر من 7 إلى 8 دولارات في الاستجابة”. أما في لبنان، وفي غياب الآليات الوطنية والسياسات الشاملة الموحّدة، تتوقف فعالية الإجراءات والتدابير عند حماس بعض الوزراء المعنيين، أو المدراء العامين والمحافظين والذي لا يترجم عملياً على الأرض في ظلّ غياب الإمكانيات…”.

ويأسف المصدر لواقع الحال: “عم نعمل خطط ولكن من دون تنفيذ فعليّ على الأرض، أو إنْ تمّ، فيبقى خارج أي مخطط تنفيذي شامل للدولة ككل. والسبب هو غياب الهيئة الوطنية لإدارة مخاطر الكوارث كجهاز متخصص تناط به صلاحية فرض أو تكليف باقي الأجهزة”.

كما يشرح أنّ الخطط التي تضعها الدول الأوروبية غالباً ما تكون لخمس سنوات، “كونها تجري تقييماً لتطوّر إمكانيات الأجهزة كل خمس سنوات”، ويعود ويتأسّف بالمقارنة مع وضع لبنان: “معظم الأجهزة التي كلّفتها الخطة، قدراتها اليوم معدومة”.

ويذكّر بأنّ الموارد البشرية المتخصصة متوفّرة ولكن “التدريبات وحدها لا تكفي، بل تحتاج إلى هيكلية إدارية وتمويل مادي شامل وسليم، وإلّا تبقى في عداد المعارف المكتسبة”. ولدى سؤال “المفكّرة” عن التمويل، إذ أوجبت خطة الاستجابة في معرض تحديد وجهات الاستعداد للكوارث والأزمات “تأمين التمويل الضروري من أجل تطبيق الإطار العام وخطة الاستجابة الوطنية”، يحسم المصدر الأمر ويقول: “لا أموال مرصودة، ولا وجود لما يعرف بصندوق الطوارئ، هناك فقط اتصالات بين رئيس الحكومة وبعض الجهات المموّلة ولكن لا شيء ملموس لغاية اليوم”.

كما استفسرت “المفكرّة” عن “نشر التوعية في المدارس، وإشراك المجتمع المحلي”، وهو من البنود المنصوص عنها في الخطة منذ 11 عاماً، حيث أنّ حالة القلق والبلبلة التي شهدها سكان لبنان بمعظمهم إثر زلزال تركيا، ودهشتهم بالاستفاقة التي بدت فجائية على حقيقة الفوالق الزلزالية التي يقع عليها لبنان، حيث يتبيّن أنّ بند نشر التوعية، على سبيل المثال وليس الحصر، بقي حبراً على ورق على طول تاريخ البلاد.

برغم تداعي لبنان الرسمي، ومنذ أكثر من 10 سنوات، لحشد الجهود وبلورة الخطط إلّا أنّنا ما زلنا في إطار الاستجابة كرد فعل، وليس التحضّر والوقاية والاستعداد الاستباقي.

لجان عدّة.. والفشل واحد

يعود المصدر الحكومي إلى جذور نشأة اللجان ويشرح: “بعد حادثة سقوط الطائرة الأثيوبية، أنشأ لبنان عام 2010، بالشراكة مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وحدة إدارة مخاطر الكوارث لدى مجلس الوزراء، كمثيل للنموذج الفرنسي المعروف بخليّة أو مركز الأزمات Cellule ou Centre Interministériel de Crise-CIC، والوحدة وفق توصيفها على موقعها الإلكتروني، هي الجهة الوطنية الوحيدة المعنية بكافة مراحل الحدّ من مخاطر الكوارث، من وقايةٍ واستعدادٍ واستجابةٍ وتعافٍ من الكوارث. وهو ما يطرح تساؤلات حول تشابك مهمّاتها مع مهام الهيئة العليا للإغاثة من جهة، ومع لجنتي الطوارئ والتنسيق لدى مجلس الوزراء.

ويستعرض المصدر عينه التجربة الفرنسية، مشيراً إلى ما يعرف بمركز عمليات إدارة الأزمات Centre opérationnel de gestion interministérielle des crises-COGIC، ويوضح لـ “المفكرة” أنّها “بمثابة الجهاز التنفيذي على الأرض وتدير البلد ككل في حال وقوع أي كارثة”، وهو ما يفتقر لبنان إليه بسبب التجاذبات السياسية.

ويتطرّق المصدر في حديثه إلى وجود “3 اقتراحات قوانين في مجلس النواب لإنشاء الهيئة الوطنية لإدارة الكوارث الشبيهة بمركز العمليات الفرنسي (COGIC)، من حيث المفهوم، والهيكلية، والصلاحيات، إلّا أنّها  لم تعرض على الهيئة العامة، رغم إحالتها إلى اللجان لدرسها، بسبب التجاذبات السياسية”.

وعليه، يرى المصدر أنّ تعدّد اللجان “جاء للاستعاضة عن الفشل في إنشاء هيئة وطنية لإدارة الكوارث”، في محاولة لسدّ تقاعس سلطات الدولة. ولذا تمّ تشكيل:

لجنة أولى: عرفت باللجنة الوطنية لوضع خطة طوارئ لمواجهة الكوارث على أنواعها وهي تضمّ ممثلين عن الإدارات المعنية كافة، 

لجنة ثانية: منشأة لدى رئاسة مجلس الوزراء، تعرف بلجنة تنسيق عمليات مواجهة الكوارث والأزمات الوطنية، ويترأسها أمين عام المجلس الأعلى للدفاع، وتضمّ المدراء العامّين لدى الوزارات المعنية،

والهيئة العليا للإغاثة التي يقتصر دورها على الإغاثة ما بعد وقوع الكارثة: “ليس لديها هيكلية إدارية مقرّة بموجب مراسيم تطبيقية، ما حدّ سلطتها التنفيذية، لينحصر دورها في تقييم الأضرار عبر الجيش اللبناني وتقديم التعويضات، لا أكثر”.

ويوصي المصدر بضرورة إنشاء هيئة أو مديرية أو وزارة لإدارة مخاطر الكوارث: “بغض النظر عن التسميّات، شرط الاتفاق على منحها الصلاحيات التنفيذية الواسعة والكفيلة بضمان الاستعداد والاستجابة والتعافي، لا أن نقوم، خوفاً من إثارة الحساسيات، بتفريغها من جوهرها وماهيتها لنتمكن من تمريرها في المجلس النيابي”.

الهيئة العليا للإغاثة جاهزة بـ “100 ألف دولار”

يُثني الأمين العام للهيئة العليا للإغاثة اللواء محمد خير على التحلّي بعقلية الجهوزيّة وفق أقصى الدرجات المطلوبة والممكنة.

ويوجز دور الهيئة في مسألة الأبنية والمنشآت العامة المتصدّعة والذي يأتي، وفق آلية العمل، بعد استكمال المسح من قبل البلديات، بالتنسيق مع مهندسين أخصائيين يعيّنون من قبل مصلحة الهندسة لدى البلديات أو نقابتيْ المهندسين في بيروت والشمال. ويستند اللواء إلى نص المادة 18 من قانون البناء 646/2004، ليوضح أنّ نتيجة الكشف ترتّب على المالك أعمال الصيانة، أما في حال الحاجة إلى التدعيم فتكون على المالك، إلّا في حال عجزه لأسباب مختلفة، فعليه حينئذ أن يعود للبلدية التي تقوم بالكشف مجدداً. ولدى التأكّد من وجود الخطر وضرورة الإخلاء، على البلديات أن تنذر المالك بالإخلاء، وأن ترفع تقارير المباني التي تشكل خطراً إلى وزارة الداخلية والبلديات، والتي بدورها تُحيلها إلى الهيئة العليا للإغاثة لدى مجلس الوزراء، ليصار إلى تكليف لجنة مسح وتخمين الأضرار تابعة للجيش اللبناني.

وبعد أن يصار إلى تصنيف الأضرار وتحديد الوحدات غير الصالحة للسكن والتي تشكل خطرًا على السلامة العامة، تأتي مهمة الإغاثة بالدعم ضمن الموازنة المتوفّرة وبقرار من مجلس الوزراء إلّا في حالة الضرورة القصوى، إذ تتحرّك تلقائياً، وفق ما أفاد اللواء لـ “المفكّرة”.

ولدى الحديث عن الموازنة، يؤكّد اللواء خير: “كل موازنتنا 10 مليارات ليرة لبنانية، أي حوالي 100 ألف دولار اليوم”. ويتابع: “ضمن 100 ألف دولار، نحن على أتمّ الجهوزية والاستعداد”. ويتساءل: “إذا 10 بنايات بدنا نعملّن إخلاء، من وين منجبلن بدل إيواء؟ وإذا صاروا 100 بناية شو منعمل؟”

كيف الحال إذًا، بعد الهزّات الارتدادية الأخيرة، حيث أعلن رئيس بلدية طرابلس أنّ عدد المباني المتصدّعة يبلغ 700 مبنى، في حين أكّدت جهات أخرى لـ “المفكّرة”، في معرض تحقيق أجرته حول المباني المتصدعة في طرابلس: “أنّ الأرقام قد تكون أكبر بكثير” مما أعلن رسمياً؟

وأمام هذا العجز في موازنة الهيئة العليا للإغاثة، وافق مجلس الوزراء في جلسته المنعقدة في تاريخ 27 شباط 2023، على تأمين سلفة بقيمة 100 مليار ليرة لبنانية كبدل إيواء للوحدات التي توصي لجان الكشف بإخلائها، على أن يحدّد بدل الإيواء بقيمة 30 مليون ليرة لبنانية عن مدة ثلاثة أشهر، لكلّ وحدة سكنية مأهولة ومتضرّرة ومصنّفة غير صالحة للسكن.

اللواء خير: “كل موازنتنا 10 مليارات ليرة لبنانية، أي حوالي 100 ألف دولار اليوم”.

الدفاع المدنيّ: مجموعة واحدة للبحث والإنقاذ في لبنان

أكّدت المديرية العامة للدفاع المدني، أنها قد أبرقت إلى المراكز المنتشرة على كافة الأراضي اللبنانية (والتي تتألف من 25 مركزاً إقليمياً و223 مركزاً عضوياً وستة مراكز بحرية)، طلبا برفع الجهوزية، وفقاً للإمكانيات المتوفّرة، لتنفيذ عمليّات البحث والإغاثة والإنقاذ الموكلة إليها وفق الخطة.

ولكن عن أيّ جهوزيّة نتحدّث؟ يجيب منصور سرور، رئيس شعبة العمليات والتدخل، عن ذلك بعرض التحديات والمعوقات: “لدينا عدد كبير من الآليات معطّل ولا يوجد اعتمادات من الدولة. وبالنسبة للمحروقات نحن على تنسيق مع الجيش اللبناني ولكن الكميات غير كافية، لدينا نقص كبير، كما كل أجهزة الدولة اليوم”. ويضيف: “فليعلموا أننا لسنا عصافير تطير وتغطّ حيث تريد، نحن بحاجة إلى آليات ومعدّات تلبّينا“. ويعلّق على الوضع الراهن: “عظيم بلّغنا واستنفرْنا، ولكن ماذا عن المعدّات؟ هناك قسم خربان، والماشي ما بيمشي على الميّ (متسائلًا بتهكّم)؟؟! بدنا كميات من المحروقات”. ويطلق سرور صرخته عبر “المفكرة”: “الجرّافة التي تجرف الثلج أو ترفع الأنقاض تحتاج كل ساعتين إلى 220 ليتر مازوت؟ مين عم يأمنن؟ من وين بدنا نجيبهم؟”

من جهته، يؤكد نبيل صالحاني، رئيس قسم التدريب في المديرية العامة، على جهوزية العناصر الضليعة بالبحث والإنقاذ والإغاثة والمتدرّبة على مدار السنة، ولكن: “لدينا مجموعة واحدة لكل لبنان، من المعدّات المخصّصة للبحث والإنقاذ، يعني بتكفي لفريق واحد”، مشيراً إلى أنّ “تنفيذ المهمّات في حال وقوع كارثة يتطلّب المزيد من المعدّات المتخصصة والمكلّفة بطبيعتها”. أما بالنسبة لباقي المعدّات، فيشير صالحاني إلى توفّرها بما يؤمّن جهوزية الدفاع المدني، لمواجهة مختلف أنواع التدخّل.

وهنا تلفت المديرية العامّة إلى أنّ الآليات والمعدّات المتوفّرة، بغالبيتها، قديمة العهد وتحتاج إلى صيانة دائمة، وأنّ التصليحات الطفيفة تتم بدعم من البلديات والفعاليات والسفارات أحيانًا، كما تؤكّد أنّه لا وجود لآليات مركونة من دون تصليح إلّا في ما ندر، وهي تلك التي تتطلب مبالغ كبيرة.

وفي الإطار عينه، تشدّد المديرية العامّة على عدم التقاعس عن تلبية نداء الواجب الوطني والإنساني، بالرغم من التحديات التي لم تعد خافية على أحد، وأوّلها الأزمة الاقتصادية التي ترخي بثقلها على كافة مرافق القطاع العام. إضافة لانتشار جائحة كورونا والتي تسبّبت بتأجيل الخطط الاستراتيجية والبرامج والدورات التدريبية المقرّرة حول الوقاية من أخطار الكوارث والأزمات.

ومردّ ذلك إلى عدم الاستقرار في توريد السلع والخدمات والأشغال وبسبب المشاكل المرتبطة بالقدرة على التخطيط واستشراف التدفقات المالية وإعداد السياسات الاستباقية ونقص السيولة والتأخير في دفع المستحقّات وإدارة المخزون، ما انعكس على جهوزيّة المعدّات والآليات، إضافة إلى انخفاض القدرة على شراء المعدات والآليات الجديدة.

وسلّطت المديرية العامة الضوء على استمرار النقص في عدد الموظفين نظراً لإنهاء خدمات عدد كبير منهم، إضافة إلى إقدام عدد من المتعاقدين، من ذوي الاختصاصات العلميّة والخبرات المتعدّدة، على تقديم استقالتهم في إثر الأزمة الخانقة.

كما لم تغفلْ المديرية العامة عن ذكر أزمة التأمين، التي عانتْ منها خلال السنة الفائتة. فغالبية العناصر من المتطوعين (يبلغ عددهم 7671 مقابل 459 موظفاً ثابتا)، وبالتالي لا يستفيدون من خدمات الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي أو تعاونية موظفي الدولة. وأصل هؤلاء العمل من دون تأمين إلى أن تقدّمت مجموعة من الشركات بمنحهم بوالص تأمين تغطّي الآليات أيضاً لمدة سنة شارفت على نهايتها، ليواجه الدفاع المدني، بعد شهرين المشكلة عينها إذا لم يتمّ تجديد البوالص، مع الإشارة إلى أن الدعم المقدّم من جهات مختلفة محلية وخارجية، يشكّل الرافعة الأساسية لتمكين المراكز من تلبية نداء الإغاثة.

لسنا عصافير تطير وتغطّ حيث تريد، نحن بحاجة إلى آليات ومعدّات تلبّينا

الرهان على المواطن اللبناني

في قراءة موضوعية عامّة لمدى الجهوزية المعلنة من قبل مختلف أجهزة الدولة في الآونة الأخيرة، يذكّر النائب د. عبد الرحمن البزري، بأداء سلطات الدولة: “ما شفنا جهوزية لا وقت انفجار مرفأ بيروت ولا بالتصرّف العشوائي الذي أعقب الزلزال بالأمس”. ويتابع: “وحده المواطن اللبناني قد أثبت كفاءته، تحديداً في انفجار بيروت. كما فوجئ العالم بأسره بقدرة المستشفيّات اللبنانيّة على التعامل بفعالية مع الجرحى، رغم هول الكارثة وأنها كانت مربكة بكورونا ومثقلة بانهيار العملة وبتوقّف الدولة عن دفع مستحقاتها”.

كما يعرب البزري عن قلقه حيال فعالية دور وحدة إدارة مخاطر الكوارث، وغرف العمليات المنشأة في المحافظات والمرتبطة بغرفة العمليات الوطنية، ليقول إنّ: “نصف محافظي المناطق غير موجودين فيها، ونصف بلدياتها شبه منحلّة أو تفتقر للإمكانيات.. وقوى الإسعاف والإنقاذ التابعة للدولة كلّها تعاني من أزمات ومثقلة بالمشاكل”.

وأمام هذا الواقع، يشدّد البزري على أنّ قوّة لبنان، تكمن في شعبه وفي رغبته للتطوّع والمساعدة، مستبعداً الاتكّال على الحكومة: “لا نعوّل عليها أبداً. فالرهان يبقى على المواطن اللبناني وليس على المؤسسات الرسمية اللبنانية”.

الرهان يبقى على المواطن اللبناني وليس على المؤسسات الرسمية اللبنانية

انشر المقال

متوفر من خلال:

تحقيقات ، الحق في الحياة ، الحق في السكن ، فئات مهمشة ، لبنان ، مقالات ، لا مساواة وتمييز وتهميش ، بيئة وتنظيم مدني وسكن



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني