سدود لبنان بين الصخور الكلسية والفوالق الزلزاليّة… د.طوني نمر للمسؤولين: كفى استهتارا بأصحاب الكفاءات والاختصاص

،
2023-02-20    |   

سدود لبنان بين الصخور الكلسية والفوالق الزلزاليّة… د.طوني نمر للمسؤولين: كفى استهتارا بأصحاب الكفاءات والاختصاص
المصدر: الاستراتيجية الوطنية لقطاع المياه في لبنان (2012)

لم يتوقّف عدّاد ضحايا الزلزال الذي ضرب جنوب شرقي تركيا بقوة 7.8 درجات على مقياس ريختر، وطال أجزاءً واسعة من شمال وغرب سوريا ووصل لبنان بقوة 4.8 درجات على المقياس عينه، منذ فجر 6 شباط 2023 لغاية اليوم. ومع العداد نفسه، يحتدم نقاش، بعضه علمي والبعض الآخر تحليلي، على وقع عمليات الإنقاذ ورفع الأنقاض، حول ما إذا كانت السدود التركية نفسها وراء تحرّك فالق الأناضول، وما أعقبه من كوارث زلزالية ومآسٍ إنسانية إثر تخطّي عدد الضحايا 46 ألف شخص في البلدين ما عدا المفقودين لغاية السبت 18 شباط 2023.

وعلى وقع النقاش، نُشرت فيديوهات عن بدء تركيا بتفريغ بعض السدود، منها سدّ سلطان صويو، وهو ما أكده نائب الرئيس التركي فؤاد أوكطاي، لافتاً إلى أن لا خطر على عشرات السدود المائية الأخرى في البلاد. وبُرّر التفريغ التدريجي لبعض السدود في تركيا تارة بالخوف من انهيارها بسبب الهزّات الأرضية المتتالية بعد الزلزال، فيما تساءل البعض عما إذا كان الهدف تخفيف ثُقل خزاناتها المائية عن الطبقات الأرضية، في إشارة إلى أثر بعض الأنشطة البشرية على تحرّك الزلازل. وهو ما نفاه وزير الزراعة والغابات التركي من أضنة (جنوب البلاد) إثر الزلزال، مؤكداً أن المناطق المتأثرة بالزلزال تتضمن 110 سدّا و30 بحيرة و”لا يوجد ما يهدد السلامة في منشآتنا المائية”، أي لا خوف من تأثّرها بالهزات الارتدادية.   

ودعمًا لنظرية تأثير السدود على الزلازل، نشر كريستيان كلوزه (من مؤسسة “باحثون في شمال غرب أمريكا”) تقريرًا مصوّرًا عن سدّ “هوفر” في أميركا الذي يعتبر رمزاً للعبقرية الهندسية الأميركية، بني في 1936 على نهر كولورادو، لتوليد الكهرباء والمساعدة في ريّ الجنوب الغربي للبلاد. يقول التقرير إنه “قبل بناء السدّ في الثلاثينيات من القرن الماضي، لم يكن لهذه المنطقة الواقعة على حدود أريزونا ونيفادا تاريخ معروف للزلازل، ولكن مع بدء ملء بحيرته، بدأ هذا الأمر يتغير، إذ ازداد النشاط السيزمي (الزلزالي) مع مرور الوقت وحدثت عدة مئات من الزلازل بالقرب من هذا الخزان”. ويختم: “اليوم، يتقلّب مستوى الزلازل كاستجابةً مباشرة لمستوى المياه. المزيد من المياه، المزيد من الزلازل”.

“علينا دراسة حركة الزلازل قبل السدود وبعدها”

في مقابلة مع “المفكرة”، للإضاءة على الواقع اللبناني ربطًا بالسدود المزمع إنشاؤها، يرفض الاختصاصي في علم الزلازل في الجامعة الأميركية في بيروت د. طوني نمر الجزم بعلاقة السدود التركية بزلزال 6 شباط: “قد يكون لها علاقة. ولكن لا يمكن الجزم أو الإجابة بخفّة قبل دراسة حركة الفوالق الزلزالية، وتحديدًا تطوّرها قبل إقامة السدود وما بعدها”. ويؤكّد أنّه نبّه في مقابلات إعلامية السلطات العامّة التركية إلى “خطورة تفريغ السدود الكبيرة اليوم بعد الزلزال، إن كانت تنوي القيام بذلك. والسبب أنّه، في حال كان للسدود من علاقة بالحركة الزلزالية، فسينتج عن التفريغ تداعيات عكسيّة”. وهذا يعني أنّ: “الزلزال قد نفّس الضغوطات في الأرض وهي تتموضع لتعود إلى حالتها الطبيعية، فأي عملية إفراغ لمياه السدود ستتسرّب إلى الفوالق الزلزالية، ما يغيّر مجددًا الضغوطات في باطن الأرض. وبالتالي يحتّم ردّات فعل عكسية كون الأرض قد اعتادت على وجود السدود”. ويشدد: “خبرية السدود ما فينا نلعب فيها. نحن نتكلّم عن كميات كبيرة من المياه، وعن فوالق زلزالية مهولة متحرّكة، رأينا للأسف كلفة تحرّكها”.

“تحويل الخوف إلى معرفة”

أعادت تداعيات الزلزال التركي، فتح النقاش المحتدم أساساً في لبنان على وقع خطّة السدود في العام 2000 التي تتضمن إنشاء 27 سداً وبحيرة [1]، خصوصًا إثر المعركة التي خيضت لوقف مشروع سد بسري لأسباب عدة ومن بينها النقاش العلمي المدعّم بدراسة د. طوني نمر، (نُشرت في المجلة الأكاديمية العالمية Engineering Geology، وضمنت “المفكرة القانونية” ملخّصًا عنها في عددها الخاص عن مرج بسري) تثبت خطر تحريك سدّ بسري المزعوم لفوالق زلزالية بسبب وجود فالقيْ روم وبسري في منطقة مرج بسري حيث كان يعتزم إقامة السدّ. وقد دعّم د. نمر دراسته العلمية الأولى بثانية نُشرت لاحقاً، وهو، وفق ما أكد لـ”المفكرة”، بصدد وضع اللمسات الأخيرة على دراسة علمية ثالثة حول الموضوع، استعدادًا لنشرها.  

وفي سبيل إلقاء مزيد من الضوء على طبيعة تكوين الطبقات الأرضية في لبنان وخصائصها، وللإضاءة على الحقيقة العلمية للفوالق الزلزالية في البلاد ومدى تأثيرها على السدود أو تأثير الأخيرة على حركتها الزلزالية، ينطلق د. نمر كما قال في تغريدة من ضرورة: “تحويل الخوف إلى معرفة، والرعب إلى وقاية، والذعر إلى تعايش مع الواقع… فالخطر يبقى قائماً ما دامت الأسباب ( أي تحرّك الصفائح ) قائمًا”.

ويتمنّى د. نمر في حديثه إلى “المفكرة” “أن يكون زلزال تركيا جرس إنذار لنا كشعب لكي نعي ونعرف نحن أين نعيش، وماذا يوجد لدينا وحولنا وليس للخوف والرعب، ولكن لنعرف أننا في منطقة زلزالية ولنأخد احتياطاتنا ونقوم بما علينا القيام به”. ويتمنّى أن يكون السياسيون قد اتعظوا وعرفوا أنّ “الاستهتار بالعلم وبالكفاءات العلمية بيفوّتنا بكتير حيطان، ويدمّر البلد أكثر مما دمروه على طريقتهم اقتصاديًا”. ويشدد، خلال دعوته المسؤولين على ضرورة أن “يستمعوا إلى الآراء العلمية وألّا يعتبروها مسيّسة أو مدفوعة من السفارات”.

ويسأل د. نمر القيّمين على قرارات إنشاء مشاريع السدود: “ألم يشعروا بالرعب عند وقوع الزلزال؟ ألم يخافوا على أولادهم إن لم يخافوا على عامة الشعب؟ هل فكروا في إمكانية أن يحصل الشيء نفسه عندنا بسبب قراراتهم؟ حتى لو بنسبة 1%؟”، ليدعوهم إلى الاتّعاظ “ليقفوا أمام المرآة ويُراجعوا أنفسهم، وليصحّحوا خطأهم، فالرجوع عن الخطأ فضيلة”.   

بناء السدود يقرّره العلم قبل السياسة 

قبل الخوض في خصائص التكوين الجيولوجي للبنان، يؤكد د. طوني نمر أنّه ليس ضد السدود بالمطلق “في حال تمّت دراستها بطريقة علمية شفافة ودقيقة وذات مصداقية، ولم تُنفذ لأسباب سياسيّة بعيدًا عن العلم وما يقول”. ويعطي مثلًا عن الدولة النرويجية: “النروج تنتج 98% من حاجتها إلى الكهرباء من الطاقة الكهرومائية بواسطة السدود، ولكنهم يعرفون ماذا يفعلون وكيف يفعلونه بعد دراسات علمية ودقيقة وعبر احترام البيئة وبعيدًا عن تهديد بلادهم وشعبهم”. أما في لبنان “فنحن نفتقد للدراسات العلمية الدقيقة والاستماع إلى الاختصاصيين من غير الذين يحيط بهم السياسيون أنفسهم ولا يفعلون سوى الموافقة على ما يُطلب منهم”.    

وفي شرح عام، يتحدث د. نمر عن خصائص التكوين الجيولوجي للبنان، فمن جهة هناك 80% من جبال لبنان كلسية كارستية، وهي صخور معروفة بامتصاصها للمُتساقطات الثلجية والمطرية لتخزينها في جوف الأرض، أي أنها لا تُخزّن سطحيًا، وهناك الفوالق الزلزالية التي يقع لبنان عليها من جهة ثانية.      

وفي تفصيله، يؤكد د. نمر أن لبنان يقع على فالق البحر الميت، وهو الخط الزلزالي الممتد من خليج العقبة وصولاً إلى جنوب تركيا، مرورًا بوادي عربة بين فلسطين والأردن، وتباعًا بالبحر الميت في وادي الأردن. وعندما يصل فالق البحر الميت إلى لبنان يتفرّع إلى 4 فروع، هي اليمّونة، وهو الفرع الرئيسي، وهناك فالق روم لناحية الغرب وفالق راشيا وفالق سرغايا.   

المصدر: المجلس الوطني للبحوث العلمية

ويشير د. نمر إلى أنّ “تكويعة” فالق البحر الميت، منذ ملايين السنين، هي وراء تكوّن لبنان وجباله بسلسلتيْه الشرقية والغربية، وتشكّل سهل البقاع الممتدّ بينهما”. ويتابع شارحاً: “أنّ ‘التكويعة’ أسهمت في انفصال فالق البحر الميت في لبنان إلى فرع رئيسي عرف بفالق اليمّونة وهو يمتد على طول الأراضي اللبنانية، وفرع غربي هو فالق روم ويبلغ طوله قرابة 35 كيلومترًا، وينتهي عند وادي بسري، وفرعين باتجاه الشرق، الأول فالق راشيا بطول 40 كيلومترًا، وينتهي باتجاه منطقة ينطا في أقصى البقاع الشرقي، والثاني فالق سرغايا الممتدّ قرابة 80 كيلومترًا، وصولاً إلى جنوب القاع بالبقاع الشمالي”.

ويعود نمر إلى تجربة السدود اللبنانية التي أثبتت فشلها حيث يضرب من هم في السلطة، كل الدراسات والمقاربات والأصول العلمية عرض الحائط، ويذكُر على سبيل المثال، لا الحصر: “أمامنا سد المسيلحة حي يرزق”، ليسأل “أهو نموذج يفتخر به؟”.

سدّ بسري سيحرّك فالق روم 1000%

سبق أنْ نشرتْ “المفكّرة” في العدد الخاصّ الذي أعدّته بعنوان “مرج بسري في قلب الانتفاضة” ملخّصًا عن دراسة د. طوني نمر، المنشورة بدورها في مجلة Engineering Geology، حذّر فيها من المخاطر الزلزاليّة الكارثيّة التي سيؤول إليها تنفيذ مشروع سدّ بسري. وقد استند نمر في دراسته إلى الطبيعة الجيولوجية للمنطقة غير الصالحة لإقامة سد بسري، وبخاصة أن تاريخ المنطقة الزلزالي يشهد تحرّك فالقي روم وبسري، كما لم تنس المنطقة حجم الخسائر والكارثة التي حلّت إثر زلزال العام 1956 الذي دمّر المنطقة. يكرر د. نمر خطورة بناء سد بسري وما قد ينجم عنه جراء “الزلزالية الناجمة عن خزّان” والتي إن حرّكت فالق روم يستحيل توقّع أو مواجهة تداعيات الزلازل آنذاك، والتي لن تقتصر على منطقة السدّ وحسب بل ستهدّد  كل لبنان. كما يشدّد نمر على ضرورة إعادة النظر بموقع سدّ بسري وضرورة الإنصات إلى ما تقدّمه الدراسات العلمية الموضوعية حول التركيبات الجيولوجية وطبيعة الأرض وحركة الفوالق: “فالدراسات باتت في متناول من هم في السلطة وبيد الرأي العام وبالتالي تسقط أيّ حجج واهية بعدم معرفة العواقب”.

لدى سؤال “المفكّرة” عن نسبة خطورة سد بسري، وإذا ما كان سيحرّك زلازل فيما لو نفّذ، يحسم د. نمر الوضع: “علميًا الخطر 1000%، السدّ حتماً كان سيحرّك الزلازل” ويعود ويشدّد: “لسنا مكتوفي الأيدي، ولا من أصحاب النظريات، وجميع معطياتنا مبنيّة على أسس علمية، لقد أجريْنا دراستين علميتيْن حول بسري ونشرناهما، ونحن في صدد نشر الثالثة، وجميعها تؤكّد المؤكّد، ألف في المئة، الوضع لا يحمل نقاشاً فسدّ بسري سيحرّك الهزّات، ومتى بدأت الهزّات وإن كانت خفيفة في البداية، لا أحد يعلم كيف يمكن أن تتطوّر الأمور“، ويتابع: ” آنذاك يستحيل السيطرة على الوضع”.

رسم رائد شرف من العدد 62 من مجلة المفكرة: مرج بسري في قلب الانتفاضة

سدّ جنة حوّل المنطقة إلى جهنم

ومن بسري إلى مشروع سد جنة حيث هُدرت ملايين الدولارات لتنفيذ ما نفذ من أعمال تشييد السد قبل توقفه إثر الأزمة المالية الحالية. أعمال خلفّت خرابًا وتشويهًا في جبال وأحراج وادي نهر إبراهيم الذي يعدّ من أهم الأودية في لبنان نظراً لغناه البيولوجي وتنوعّه الحيوي. يصف د. نمر لـ “المفكّرة” حجم الدمار البيئي المريع، لدرجة أنه خُيّل إليه عندما زار منطقة جنة وكأنه قد دخل إلى “موقع كسّارة مدمرة”، ويوضح أنّ مراقبة طبيعة المنطقة من قرطبا تشير إلى حداثتها، بمعنى أنّ “عوامل التعرية والتآكل لم تنتهِ فيها بعد، أي أنّ المنطقة ما زالت قيد التكوّن، وتباعاً الفوالق الموجودة فيها لا زالت تتحرك”.

ولدى سؤال “المفكرة” عمّا أثير من هواجس حول تأثير سدّ جنّة على الفوالق الزلزالية الثلاثة التي تقع تحت جسم السد، وهو ما أثارته “المفكرة” سابقًا في تحقيق لها عن المشروع، يؤكّد د. نمر: “المنطقة نشطة زلزاليًا كون فوالقها قيد التحرّك”، ويشدد على ضرورة الابتعاد عنها لدى اختيار مواقع السدود: “المنطقة النشطة زلزاليا تكتونياً هي غير صالحة أو ملائمة لإقامة السدود”.

سدّ المسيلحة: أسطورة الفشل

في جولة علمية على السدود الأخرى، يصف د. نمر سدّ المسيلحة بأنه: “أسطورة الفشل” حيث عاثت أعمال السدّ في المنطقة دمارًا، وما زالوا يحاولون الترقيع وإصلاح العيوب التي صادفتهم”، ليؤكد أنهم حتى “لو بلّطوا أرضه وفلشوها بالإسمنت ونجحوا في تجميع المياه فيه، فإنّ السؤال الذي يطرح نفسه هو إلى أين سيجّرون هذه المياه؟ والسد يقع على ارتفاع 45 مترًا عن سطح البحر، ما يعني ضعف الجاذبية، وتجمّع الترسبّات خلف السد، والحاجة إلى كلفة ْمرتفعة للضخ، فضلاً عن بنائه بمحاذاة فالق البترون، وأرضيته الجيولوجية الهشّة بدليل الزحولات الأرضية بجواره وآخرها الانهيار الجبلي قبيل نفق شكا”.

ويذكّر أنّ الغاية من السدّ تكمن في ري قرى البترون التي تقع كلها فوق السد، ما يحتّم تركيب مضخّات مكلّفة. وهذا يتنافى ومفهوم إقامة السدود وجدواها، والتي ترتكز بشكل أساسي على مبدأ الجاذبية”.

ويستنكر نمر بشدة الاستعراض والتهليل الذي جرى في بحيرة السد بحجة تنمية السياحة في البترون على حساب تفاقم الهدر العامّ وتراكم ديون الشعب اللبناني، ناهيك عن الدمار الذي لحق بالمنطقة، ويتساءل: “أيعقل هدر أكثر من 70 مليون دولار، (وهي الكلفة المعترف بها) في سبيل ممارسة رياضة الكاياك في بحيرة؟ على مسافة قريبة جدًا لا بل محاذية للبحر المتوسط بكل تميزّه؟”

ولدى السؤال عن مدى تأثيره على الفوالق الزلزالية، ينقل د. نمر ما توصّل إليه في  دراسة أخيرة أجراها حول بسري وتطرّق فيها إلى سدّ المسيلحة، وستنشر قريبًا: ” قد يحرّك فالق البترون ويؤثّر على حركته الزلزالية، ولكن المشكلة الأساسية تكمن في موقعه وعلى الصعيد البنيوي”.  

يؤكد د. نمر أنّه بصدد استكمال دراسات عن سدود بلعا وبقعاتا وجنة (بالتفصيل) وبريصا. “أما اليمونة والقيسماني فهما أشبه ببحيرات جبيلة، وبحيرة اليمونة كانت موجودة بشكل طبيعي، فيما القيسماني فهو أشبه بصحن ماء”.

سد المسيلحة

بريصا “تنفيعة”

وينتقد د. نمر تشييد سد بريصا على رأس الجبل وتحديدًا قريبًا من بدء الانحدار من جرود الهرمل نحو سير الضنية، وبمسافة لا تزيد عن 400 أو 500 متر عن مقلب المياه، وهذا يعني افتقاره إلى المدى الجغرافي الكافي لتعبئته من مياه الأمطار والثلوج المتساقطة في المنطقة، وكون كلّ سد يتعرّض لتسرّب مياهه بنسبة ما، فإنّ المياه التي يمكن أن تتجمّع في بريصا ستتسرّب منه، ليستنتج “شكله تنفيعة”. ولا يتحدث د. نمر عن طبيعة أرض سد بريصا التي قيل أنها لا تخزن المياه “كوني لم أدرسها لغاية اليوم”.  وكانت “المفكرة” قد نشرت مقالاً حول سد بريصا إثر جلسة تشريعية لمجلس النواب في 24 أيلول 2019، حيث شهدت قضية طلب اعتمادات إضافية لإنجاز سد بريصا نقاشات صاخبة بين النوّاب بعدما تبيّن أنّ كلفة مشروع السدّ تكاد تبلغ 3 مرات ونصف كلفته الأساسية التي بدأت بنحو 10 ملايين دولار. وإذ ادّعت النيابة العامة المالية بعد ذلك في هذه القضية ضدّ مجلس الإنماء والإعمار أمام قاضي التحقيق الأول بالإنابة في بيروت شربل أبو سمرا، لا تزال الدعوى عالقة أمامه. 

سد بريصا

بقعاتا تسبب بزحل ضيعة كفتَيّ

يقول د. نمر إنّ منفّذي سد بقعاتا قاموا بجرفه بهدف توسعة بركته فتسبّبوا بـ “زحل ضيعة كفتَيّ” التي يقع بمحاذاتها: “جرفوا ع حدود النهر، صارت تزحل كل الضيعة لأنّ الأرض رملية. كانوا عارفين إنها رملية وما بتعبّي مي أصلًا. واليوم عم يصبّوها باطون ويزفّتوا أرضه”. ويؤكد أنّ هناك فالقًا زلزاليًا يمرّ عند سدّ بقعاتا “لكنني لم أدرسه بعد، ولا يمكنني الجزم إن كان السد سيؤثر على حركته أم لا”.

بلعا “ضد المنطق”

يبدأ د. تمر حديثه عن سد بلعا من عشرات البحيرات الجبلية التي حفرها وأنشأها أهالي المنطقة منذ عشرات السنين “بحيرات صديقة للطبيعة وتجمع حاجاتهم ويزيد من المياه من دون تخريب الطبيعة ودفع أكلاف مالية هائلة، كما أنها تعطي بعدا جماليا وسياحياً للمنطقة ولا تشوهها كما السد”، وهو ما أضاءت عليه المفكرة في تحقيق خاص عن سد بلعا.

ويتوقف عند اسم المنطقة: “بلعا، يعني منطقة بواليع، فيها بالوع بعتارة الذي يعرفه الناس ب بالوع بلعا وهذه منطقة بواليع وضد المنطق أن ننفذ فيها سداً”. وينتقل إلى حجم بحيرة سد بلعا “سعتها مليون ونصف مليون متر مكعب مكسيموم، يعني سطل مي، كان الأجدى بهم تنمية المنطقة سياحيًا عبر استثمار المغاور الجوفية المنتشرة بكثافة فيها وتربطها ببعضها البعض، كما أنّ بواليعها متّصلة تحت أرض السدّ ويمكن العمل على استثمارها مع هواة استكشاف المغاور وهي إمكانيات لا أدري إذا كانت موجودة في أوروبا أو أميركا الجنوبية”. وبدل تنمية المنطقة سياحيًا دفعوا أموالًا طائلة على الكلفة وعلى الباطون الذي حاولوا عبره تسكير البواليع في جسم بحيرة لن تتسع لأكثر من مليون ونصف مليون متر مكعب من المياه إذا نجحوا في سد البواليع. لكن الواضح أنّ التركيز ليس على الجدوى بل على السدود بعينها”.  ويختم بالقول “أشعر وكأنّ في حدا بيمرق بأي منطقة وبيضرب إيده بالهوا وبيقلّهم اعملولي سدّ هون، وما في حدا يقول لا”.


[1] حظيت الخطة بموافقة مجلس الوزراء في عدة قرارات (القرارات الرقم 14/99 والرقم 12/2000 والرقم 18/2003 والرقم 3/2003) وتمّ تفويض الوزارة بتنفيذها من قبل مجلس النوّاب عام 2003 .

انشر المقال

متوفر من خلال:

تحقيقات ، لبنان ، مقالات ، بيئة وتنظيم مدني وسكن ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني