الخوف يزداد بين سكان الأبنية المتصدّعة في طرابلس بفعل الهزّات: الناس يبيتون لياليهم في الشارع


2023-02-09    |   

الخوف يزداد بين سكان الأبنية المتصدّعة في طرابلس بفعل الهزّات: الناس يبيتون لياليهم في الشارع
أبنية مأهولة في طرابلس على وشك السقوط

منذ الزلزال الذي ضرب جنوب تركيا وشعر به سكان لبنان بشكل كبير، لا يزال العديد من أهالي طرابلس يعيشون في حالة خوف بسبب حال الأبنية المتصدّعة التي ازدادت أوضاعها سوءًا في المدينة خوف تعزز أمس بعد الهزة التي كان مركزها لبنان معيدة العديد من أهالي طرابلس والمحيط إلى الشارع، فغادر الناس منازلهم، نحو الأماكن المفتوحة، حيث ازدحم معرض رشيد كرامي بالخائفين، وكذلك الساحات في الأحياء. وأصدر رئيس بلدية طرابلس أحمد قمر الدين قرارًا بفتح الحدائق العامة أمام المواطنين بينها حديقة الملك عبد العزيز في جانب مستشفى النيني، وحديقة الرسالة في منطقة القبة. 

في المقابل، اختار آخرون البقاء في منازلهم رغم الخطر، من بينهم أم وسيم وهي من سكان القبة التي قالت لـ “المفكرة”: “خلينا نموت في بيتنا احسن من الشارع والبرد”. ولم يقتصر الأمر على الطرابلسيين فقد نزل عدد سكان مناطق النبعة وبرج حمود أيضًا إلى الشارع نظرًا إلى كون الأبنية في مناطقهم قديمة وبعضها متصدّع وغير آمن. 

الأبنية المتصدعة مجددًا

يتعاظم خطر الأبنية المتصدّعة في طرابلس بعد الهزّات الأخيرة، وتكشف إيمان الرافعي منسقة هيئة إدارة الكوارث والأزمات في الشمال عبر “المفكرة” عن إخلاء مبنى مجمّع مطر في بحنين بسبب خطر كبير على ساكنيه، وكذلك إنذار بإخلاء مبنى آخر في القلمون، ومبنى في رشعين زغرتا، بالإضافة إلى الكشف على خطر جدي في مبنيين اثنين في الميناء، ناهيك عن الحاجة الملحّة للكشف العاجل على أبنية طرابلس لأنها تعاني في الأصل من ضعف في البنية قبل الزلزال، معربة عن اعتقادها بتزايد الأخطار على المباني بعد الهزة الأرضية. 

ومساءً، تم إخلاء أحد المباني المتصدّعة في جبل محسن لناحية المنكوبين. وأفاد أهالي المنطقة أنّ المبنى قديم العهد وتعرّض لأضرار كبيرة خلال جولات العنف المسلح، كما أنّ سكان مبنى زيلع عند سكّة الشمال،  تلقوا إنذارًا بوجوب إخلاء المبنى المتصدّع. كما أُبلغ عن تساقط أجزاء من واجهات مباني في القبة، والزاهرية. 

فدوى خالد إحدى ساكنات ضهر المغر تتحدث عن عدم مغادرة المنازل من دون تأمين مأوى بديل

من ناحية أخرى، أوضحت الرافعي الدور الذي يجب أن تؤدّيه البلديات التي تمتلك دوائر هندسة، “عليها التحرّك من أجل الكشف على المباني التي تقع في نطاق عملها”. وتضيف الرافعي التي تتولى مهمة قائمقام القلمون والميناء “على البلديات العمل ولا حجة أن تكون منحلّة لأنّ هناك هيكلية إدارية وموظفين”. 

كما تلفت الرافعي إلى تنسيق بدأ مع نقابة المهندسين حيث تم انتداب مجموعة من المهندسين للكشف العاجل على المباني، وأنّ لجنة إدارة الكوارث تنسّق بين المواطنين والجهات الرسمية، وتشير إلى العمل مع الهيئة العليا للإغاثة من أجل الاستجابة العاجلة في موضوع تأمين المأوى للعائلات التي تحتاج ذلك، وتأمين بدل إيواء مؤقّت، معتبرة أنّ على الدولة مسؤولية اتخاذ بإجراءات عاجلة أقلّه لتدعيم المباني لعدم سقوطها على رؤوس قاطنيها، وإلزام المالكين ترميم بيوتهم.  

مبنى متصدع في عقبة الزاهد في القبة

الخطر جدي جدًا

في موازاة ذلك، تابعت “المفكرة” طوال نهار أمس أوضاع القاطنين في أحياء طرابلس القديمة، ويسود انطباع أنه “لو حدث زلزال لما بقي أحد في المدينة”، فيما تكررت على الألسنة مقولة “الله يقطّع هالليلة والعاصفة على خير”. تروي أم ذكي التي تقطن في ضهر المغر، أنه بعد الهزة قضت الليل مع أحفادها على الجسر الذي يعلو مجرى نهر أبو علي، فقد ازدادت الفسوخ والشقوق في المبنى حيث تسكن ما يجعل البقاء فيه خطرًا. وتخشى من تكرار مشهد انهيار المبنى في ضهر المغر الذي حدث الصيف الماضي. 

لا تختلف شكوى جيران أم ذكي عن شكواها. فيتحدث ربيع بصراحة كبيرة عن عدم قدرته على ترميم المنزل الذي يعاني من شقوق وتصدّعات في السقف والجدران التي تساقطت أجزاء منها، وظهرت من خلفها قضبان الحديد الصدئة التي تستخدم في أساسات الأبنية. يطالب ربيع الجهات الرسمية التحرك السريع لتدعيم  الأبنية، قائلًا “والله لا قدرة لنا على الترميم، لأن يوميّتنا لا تكفي لشراء الخبز، وكما تعلم فإنّ سعر كيلو الباطون مرتفع كما أنّ المالك ليس لديه القدرة أيضًا على الترميم”.  

أبنية مأهولة على وشك السقوط

كما يتكرّر الأمر في منطقة المهاترة، حيث استسلمت عائلات للخطر، وقبلت بالسكن ضمن بيوت قديمة غير صحّية بسبب عدم وجود بديل. وتوضح العائلات أنّها مجبورة للعيش هنا لأنه لا وجود لأماكن بديلة ولا قدرة على الإيجار. 

وكانت منطقة ضهر المغر شهدت في ٢٦ حزيران ٢٠٢٢، سقوط مبنى مؤلف من ٤ طبقات. واليوم، استعاد أهالي المنطقة ذكريات تلك الليلة، حيث تقول فدوى خالد “الهزة أعادت إلينا ذكرى انهيار المبنى الواقع مقابل مدرسة العهد الجديد”، وتخشى “تكرار سقوط المباني، لأن المنطقة مليئة بالمباني ذات الشقوق الكبيرة”. ويروي محمد دندل أحد السكان، أنه “في ليلة الهزة تشققت جدران الصالون، وهربنا على عجل”. ويضيف “حملنا جدتي الكبيرة بالعمر، وأنزلناها من الطابق الرابع من أجل نقلها إلى منزل آمن، لأن البناء الملاصق يعاني من شقوق كبيرة، وميَلان”.

أولاد يلعبون وسط خطر الأبنية المتصدعة

جهود بديلة 

يوضح الناشط خالد الصباغ أنّ هناك محاولة لتأسيس مجموعة من الناشطين لتنسيق الجهود، والضغط على الجهات الرسمية اللبنانية للقيام بواجباتها حيال المواطنين. يقول الصباغ “في ليلة الهزة، كان الناس متروكين لوحدهم لمواجهة مصيرهم، وقد أمضوا ليلتين في الطرقات من دون وجود عناصر أمنية أو رسمية لتنظيم السير”. في موازاة حديثه عن تهميش طرابلس، يتطرّق إلى السعي لتأمين مأوى بديل للسكان ريثما يتم تدعيم المنازل، وأنّ عملية مسح المباني المتصدعة والمتضرّرة بدأت من أجل مطالبة الجهات الرسمية المختلفة القيام بواجباتها من بلدية، نقابة مهندسين، وزارة داخلية وغيرها، متحدثًا عن حاجة جدّية إلى تنظيم الجهود لوصول الخدمات إلى من هم بحاجة إليها.

من جهة أخرى، سبقت الهزّة جهود قام بها مرصد السكن في استوديو أشغال عامة الذي يوثّق الانتهاكات السكنية ويصدر التقارير حولها ويقدم استشارات ودعمًا قانونيًا للسكان. وتشير المهندسة يارا عبد الخالق من المرصد إلى ارتفاع عدد البلاغات التي يتلقّوها حول مبانٍ متضرّرة إنشائيًا خصوصاً في طرابلس وتشير إلى بلاغات تم من خلالها الكشف على ٤ مبان مؤخرًا في ضهر المغر وتوثيق المخاطر الإنشائية فيها مع تصوّر لأولويات التدخّل بعد كشف مهندس إنشائي عليها. وتوضح عبد الخالق طبيعة العمل، فالجهة التي تمثلها ليست جمعية تقدم إعانة أو تقوم بتغطية جهود الترميم بشكل مباشر، ولكنها تعمل على مناصرة حق هؤلاء الناس بالسكن ودعمهم لضمان حقوقهم في مواجهة أي محاولة لانتهاكها من قبل سلطات أو مطوّرين عقاريين.  

جدار منهار من داخل أحد المنازل في السويقة عقبة الحمراوي

وتعتقد أنّ مشكلة طرابلس أكبر بكثير من ٤ أبنية، وقد ازدادت بفعل الهزة بحيث تشير إلى بلاغات تلقاها المرصد عن سكان في طرابلس أخلوا مبانيهم وهم خائفون من العودة قبل الكشف على هذه المباني، والخطر لا يقتصر على أبنية محددة وإنما يمتد إلى مناطق واسعة في المدينة. لذلك، تم إنشاء لجنة أو مجموعة عمل من الناشطات والناشطين ومن المتضررين تحت اسم “لجنة الحق بالسكن في طرابلس” بهدف الضغط لوضع خطط شاملة لبدء أعمال الترميم، وتأمين سكن بديل مؤقت، وضمان عودة السكان إلى مساكنهم الأصلية فور إتمام الأعمال كي لا يتحوّل السكن المؤقت إلى دائم، لتتعامل معه الدولة لاحقًا على أنه غير شرعي. وتضيف عبد الخالق أنه على المسؤولين من بلديات ونقابة مهندسين في الشمال التحرك سريعاً لوضع خطط شاملة نحو إجراء مسوحات شاملة ووضع هذه المعطيات على طاولة تجمع ممثلات وممثلين عن السكان المتضررين والجهات المعنية لصياغة خطط تساهم في استباق الكوارث التي قد تحدث في المستقبل.

تزدحم منطقة القبة في طرابلس بالأبنية المتصدعة المهددة في السقوط، ويؤكد الأهالي أنه لم يتم الكشف عليها من اية جهة سواء البلدية او نقابة المهندسين
انشر المقال

متوفر من خلال:

بيئة ومدينة ، تحقيقات ، الحق في الحياة ، لبنان ، مقالات



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني