القاضي يضيق صدره بغضب أهالي جريمة أنصار ويكاد يوقف اثنين منهم


2023-03-06    |   

القاضي يضيق صدره بغضب أهالي جريمة أنصار ويكاد يوقف اثنين منهم
زكريا والد الفتيات المغدورات الثلاث وعمّتهنّ

يرافق الغضب قضيّة “جريمة أنصار” منذ إحالتها إلى القضاء قبل عام. ملف الجريمة التي وقع ضحيتها ريما وتالا ومنال صفاوي ووالدتهنّ باسمة في بلدة أنصار في جنوب لبنان، لم يشهد يوماً جلسة هادئة بسبب ضيق صدر الأهالي الّذين يستعجلون إصدار الحكم بحق المتهمين بالقتل حسين فياض وحسن الغنّاش ولا يحتملون أي إجراءات قد تؤجّل ذلك. ولم تشذّ جلسة اليوم في محكمة الجنايات في بيروت برئاسة القاضي سامي صدقي وهذه المرة ثار غضب الأهالي على وقع قرار تأجيل الجلسة إلى 10 أيّار لتعيين طبيب شرعي نفسي لمعاينة المتهم فياض. وأخذ الأهالي يصرخون داخل قاعة المحكمة غضباً من قرار التأجيل، فتعامل القاضي صدقي مع هذا الغضب باتخاذ قرار بتوقيف والد الفتيات المغدورات وخالتهنّ لمدّة 24 ساعة، قرار لم يلبث أن تراجع عنه بعد نحو ساعة. 

والمفارقة أنّ الأهالي خارج المحكمة وقبل الدخول إلى الجلسة كانوا يتحدّثون عن تدهور أوضاعهم النفسية ليفاجأوا بقرار طلب طبيب نفسي لأحد المتّهمين وهو ما زاد غضبهم من القرار.

كانت الجلسة مخصّصة لاستجواب المتهميّن فياض والغنّاش، وهي الجلسة الثالثة في هذه القضية أمام محكمة الجنايات في بيروت. فالجلسة التي سبقتها في تاريخ 18 كانون الثاني قد أرجئت إلى اليوم إمهالًا لوكيل المتهم الغنّاش المحامي إيدي رزق للاطّلاع على الملف. وليست المرّة الأولى التي تثير فيها هذه القضية حالة غضب، فمنذ انطلاق التحقيق فيها ومن ثم إحالتها إلى محكمة الجنايات لا يبدو أنّ الأهالي يطيقون الانتظار حتى صدور الحكم ويُطالبون بالإسراع فيه، وكلما أرجئت الجلسة يعودون إلى التمنّي لو كان بإمكانهم أخذ حقهم بيدهم بدلًا من التوجّه إلى القضاء. 

شقيقة الضحية باسمة “نحن الّذين نحتاج لطبيب نفسي” 

يأتي الأهالي كلّ مرّة من الجنوب متأمّلين أن تكون الجلسة مختلفة عن سابقاتها، وهذه المرّة لا كاميرات تنتظرهم خارج قاعة المحكمة ولا حشدٌ من الداعمين يؤازرونهم. “الناس لم تعد قادرة على المجيء من الجنوب كلّ مرّة ليفاجأوا بتأجيل الجلسة” يقول مختار بلدة أنصار ووالد الفتيات المغدورات والمدعي زكريا صفاوي لـ “المفكرة” خلال وقوفه أمام قصر العدل صباح اليوم الاثنين منتظراً مناداته للدخول لحضور الجلسة. زكريا الذي لم يضع آمالًا كبيرة على الجلسة بسبب شعوره أنّ “القضاء بطيء” متوقعاً تأجيلها هذه المرّة أيضًا، ذهبت الأمور إلى أبعد من توقعاته. إذ تقدّم وكيل المتهم حسين فيّاض المحامي إبراهيم الروّاس بمذكرة للمحكمة تضمّنت “طلب تعيين طبيب شرعي متخصص بالصحّة النفسية للكشف على فياض”. وفي المقابل، طلب الأهالي ووكلاؤهم المحامون حسين قازان وماهر جابر وماريان نخله من المحكمة رفض الطلب. ولكن القاضي صدقي اتخذ القرار بتكليف طبيب نفسي للكشف على فيّاض وتسليفه مبلغ 250 دولار أميركي خلال أسبوع تحت طائلة الرجوع عن القرار، على أن يُصدر الطبيب المكلّف تقريره في أقصى سرعة. وعليه تقرر إرجاء الجلسة إلى 10 أيّار 2023. 

وسرعان ما أحدث قرار القاضي بلبلة في القاعة إذ اعتبر الأهالي طلب تعيين طبيب نفسي حيلة للتهرّب من المعاقبة. وبعدما ختم القاضي صدقي الجلسة، تقدم زكريّا صفاوي خطوات قليلة باتجاه قوس المحكمة حيث يجلس القاضي مستنكرًا التأجيل بصوت مرتفع تزامنًا مع ارتفاع صوت بعض السيدات من عائلة الضحايا اللواتي جلسن على المقاعد الخلفية في المحكمة. وخرجت عبارة “نحن من يحتاج لطبيب نفسي” من فم أمل عبّاس شقيقة المغدورة باسمة التي وقعت أرضًا وما عادت قادرة على تمالك نفسها. وأمل أتت إلى المحكمة لتُطالب بالعدالة لشقيقتها وبناتها بعد أسابيع من وضعها مولودتها التي اختارت لها اسم “منال” تيمّناً بـ منال أصغر الأخوات الثلاث المغدورات، حسبما صرّحت لـ “المفكرة”. 

القاضي يردّ بتوقيف اثنين من الأهالي ثمّ يعود عن قراره

وبدلاً من تهدئة الجو وتفهّم غضب أهالي الضحايا، لم يتمالك القاضي صدقي أعصابه راح يصرخ على زكريا طالباً منه السكوت. وتقدّم عشرات من عناصر القوى الأمنيّة إلى أمام قوس المحكمة محاولين تهدئة زكريا والأهالي الّذين تجمّعوا حوله. ونادى القاضي صدقي على العناصر الأمنية “عسكر جبلي لي عم تصرّخ” قاصداً أمل شقيقة المغدورة باسمة. فتقدّمت أمل بخطوات بطيئة مستعينة بسواعد أقاربها، ووقفت أمام القاضي وهي تجهش بالبكاء. وطلب منها أن تنطق باسمها وطلب الأمر نفسه من زكريا، ثم طلب من كاتب المحكمة التدوين على المحضر: “على خلفية ما جرى في المحكمة يُقرّر توقيف أمل عبّاس وزكريا صفاوي لمدّة 24 ساعة”. فاستنكر المحامون قرار القاضي، وطالبته وكيلة نشيمة عبّاس (والدة باسمة) المحامية ماريان نخلة التراجع عن هذا القرار. وخلال مشادّة كلامية بين الاثنين، توجّه إليها القاضي صدقي بقوله “أستاذة اسكتي”. وأُصيب زكريا بنوبة عصبية وقع على إثرها أرضًا وغاب عن الوعي لبضعة دقائق.  

ووصل صوت الصراخ إلى خارج قاعة المحكمة ما دفع حشدًا من الموظفين والوافدين إلى قصر العدل إلى التجمّع على باب المحكمة الذي أغلقته العناصر الأمنية ومنعتهم من الدخول. وقادت القوى الأمنية زكريا إلى نظارة قصر العدل فيما وقف الأهالي سدًا منيعًا أمام اقتياد أمل إلى النظارة. ثم توجّهوا جميعاً إلى الطابق الأرضي وأُدخلت أمل إلى مكتب أحد الضباط الأمنيين. 

حالة البلبلة استمرّت نحو ساعة والأهالي على موقف واحد “كان علينا أخذ حقنا بيدنا”، فيما غاب المحامون عن المشهد لنحو نصف ساعة وعادوا وأعلموا الأهالي أنّ القاضي صدقي تراجع عن قراره. وخرج الأهالي من قصر العدل متوعّدين بطلب رد القاضي صدقي عن النظر في هذه القضية. وصرّح زكريا حالما خرج أنّ “القاضي صدقي حاول ضربي على وجهي” خلال المشادّة معه. وأوضح أحد المحامين أنّ ذلك “يُعتبر جرمًا ونحن سنذهب إلى الاجراءات القانونية إمّا للادعاء عليه أو لطلب رده عن النظر في الملف”. 

وكان الأهالي قبل الدخول إلى الجلسة يتحدثون عن سوء أحوالهم النفسية نتيجة مصابهم وهو ما زاد تأثّرهم بقرار القاضي تعيين محام لأحد المتهمين. وبعد الجلسة قالت شقيقة زكريا (والد الفتيات الثلاثة) إنّ “الأهالي هم من يعانون نفسيًا” مستنكرة عرض فيّاض على طبيب نفسي. وأكدت المحامية ماريان نخلة لـ “المفكرة” أنّ “القاضي بدا وكأنّه يُقدّر الوضع النفسي للمجرم أكثر ممّا يقدر وضع الأهالي”.  

وكانت الجلسة السابقة قد شهدت تلاسنًا بين الرئيس صدقي ووالد الضحية باسمة على خلفية تعبير الأخير عن امتعاضه من تأجيل الجلسة السابقة بسؤاله “أين العدالة” وهو يخرج من القاعة. وما أن سمع القاضي صدقي كلامه، حتّى سأل “من الذي يتكلم عن العدالة؟”، وبعد أن عاد والد باسمة لناحية قوس المحكمة، وشرح للقاضي أنّه يشعر بالأسى من تأخّر المحاكمة وقد مرّ عام على الجريمة، لم يتقبّل القاضي صدقي  تعليقه وقال له أن يرحل كي لا “كبّر الكلام معك أكثر” وطلب منه عدم التدخل بعمل المحكمة. ويُعرف القاضي صدقي في أروقة قصر العدل بانفعالاته السريعة وضيق صدره حيال أي حركة غير مألوفة في قاعة المحكمة.  وفي كانون الثاني 2020، قام بطرد المحامي الثمانيني مالك عويدات من قاعة المحكمة على خلفية تحدثه بصوت مرتفع بسبب سمعه الضعيف، مما دفع نقابة المحامين في بيروت إلى مقاطعة جلساته لعدّة أسابيع. 

الطبيب النفسي شاهد “دائم” في جرائم القتل

لطالما وافقت محكمة الجنايات على طلبات المتهمين بالقتل بالكشف الطبّي النفسي، التي غالباً ما تهدف إلى محاولة إثبات أنّ المتهم بالقتل يُعاني من اضطراب نفسي دفعه لارتكاب الجريمة وذلك بهدف تخفيف الحكم. ومن أبرز هذه القضايا مقتل جورج الريف التي حوكم فيها طارق يتيم حيث وجد الأطباء النفسيين أنه واع ومدرك لأفعاله، وقضية مقتل الشاب روي حاموش والتي حوكم فيها محمد الأحمر وتبيّن من معاينة الأطباء أنّه لا يُعاني من أي اضطرابات نفسية تدفعه لارتكاب جريمة وهو مدرك لأفعاله أيضًا.  

ويُذكر أنّ سنة كاملة مرّت على جريمة أنصار التي نُفذت في 3 آذار 2022، ويومها انتشرت شائعات عن هروب الأم وبناتها إلى خارج لبنان إلى أن انكشفت الجريمة في 25 آذار 2022 وتبيّن أنّ المغدورات قُتلن ودُفنّ جميعاً في مغارة تقع في خرّاج بلدة أنصار جنوب لبنان. ونُقلت القضيّة من الجنوب إلى قاضي التحقيق الأول في بيروت شربل أبو سمرا الذي أصدر القرار الظنّي خلال نحو أربعة أشهر، في 12 تمّوز 2022. 

وانتهى القرار الظنّي إلى اعتبار أنّ الغنّاش وفياض أقدما على قتل باسمة وبناتها تالا وريما ومنال بإطلاق عدّة عيارات ناريّة عليهن بسلاح صيد وآخر حربي غير مرخص، وذلك بعد التخطيط والتجهيز. وهذا ما يؤلّف جرم القتل العمد المنصوص عنه في قانون العقوبات بالمادة 549. كما ظنّ بهما بموجب المادتين 72 و73 من قانون الأسلحة لحيازتهم أسلحة غير مرخصّة. وخلال مدّة لم تتخطّ الأسبوع، أصدرت الهيئة الاتهاميّة في بيروت قرارها الاتهامي في 27 تموز 2022 الذي صادق على القرار الظنّي واتهم المدعى عليهما بالجرائم نفسها. وأحيل الملف إلى محكمة الجنايات في بيروت التي عقدت أولى جلساتها في تاريخ 12 كانون الأول 2022، وأرجأتها بسبب عدم سوق المتهمين إلى المحكمة. 

انشر المقال

متوفر من خلال:

قضاء ، المرصد القضائي ، محاكم جزائية ، قرارات قضائية ، لبنان ، مقالات ، محاكمة عادلة



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني