اقتراح يخوّل النواب تحريك ديوان المحاسبة: فتح أبواب الديوان قبل تعزيز موارده


2023-09-20    |   

اقتراح يخوّل النواب تحريك ديوان المحاسبة: فتح أبواب الديوان قبل تعزيز موارده

قدّم عدد من نواب “التغيير” اقتراح قانون معجّل مكرّر يرمي إلى منح النواب الحق بالطلب من ديوان المحاسبة النظر بمخالفة معينة تقع ضمن اختصاصه، إضافة إلى صلاحية الديوان بالنظر في المخالفة عفوا أو بناء على طلب النائب العام لديه. النواب الذين قدموا الاقتراح هم فراس حمدان  وبولا يعقوبيان وإبراهيم منيمنة ومارك ضو وميشال الدويهي وياسين ياسين وحليمة القعقور ونجاة صليبا. وقد برّر هؤلاء اقتراحهم في أسبابه الموجبة بالدور الرقابي للنائب على أداء الوزراء وبأنّ للمجلس النيابي اختصاص مالي وقضائي بموجب الدستور وأنه يُفترض على النائب خدمة مصالح الشعب وحماية المال العام. وقد ربطت الأسباب الموجبة الرقابة السياسية التي يمارسها النائب على السلطة التنفيذية بضرورة تقيّد السلطة التنفيذية بالدستور والقوانين وإمكانية محاسبتها عند المخالفة. يستدعي هذا الاقتراح الملاحظات التالية:

تعديل قانون لم يعدْ نافذا

يرمي الاقتراح إلى تعديل المادة 61 من المرسوم الاشتراعي 118/1959 المتعلّق بتنظيم ديوان المحاسبة والتي تنصّ على أن “ينظر ديوان المحاسبة في المخالفة إما عفوا وإما بناء على طلب المدعي العام لديه أو وزير المالية أو الإدارة المختصة”. إلّا أنّ تدقيقا بسيطا بهذا النص يُظهر بأنّه نصّ مُلغى، حيث صدر مرسوم اشتراعيّ آخر تحت الرقم 82 في العام 1983 لتنظيم ديوان المحاسبة وهو النصّ المعمول به حاليا. أمّا النص المطلوب تعديله بحسب الاقتراح، فمعمول بالمواد من 3 إلى 14 منه فقط والمتعلّقة بتنظيم القضاة والموظفين حصرا داخل الديوان.

إذ ذاك، كان يُفترض أن يطال التعديل المادة 68[1] من المرسوم 82/1983 والمتعلّقة بكيفية نظر ديوان المحاسبة بالمخالفات. وقد أتت هذه المادة لتفصّل فعليا كيفية وضع ديوان المحاسبة يده على المخالفات وأصل التحقيقات فيها، على عكس المادة المُختصرة التي طلب النواب تعديلها. لا بل أنّ المادة المعمول بها لا تتيح لوزير المالية طلب تحرّك ديوان المحاسبة على عكس المادة المطلوب تعديلها والتي ستصبح سارية المفعول في حال إقرار هذا الاقتراح. وفي حال إقراره، سنعود إلى ما قبل المرسوم الاشتراعي 82/1983، لجهة آلية النظر بالملفات التي لم يفصلها قط القانون المقترح تعديله ولا التعديل نفسه.

وبالتالي، يقتضي على مقدّمي الاقتراح تصحيح الخطأ في اقتراحهم ليصبح طلب تعديل المادة 68 من المرسوم الاشتراعي 82/1983 وليس المادة 61 من المرسوم الاشتراعي 118/1959.

تأكيد جديد على دور ديوان المحاسبة في مكافحة الفساد

برز اسم ديوان المحاسبة في السنتيْن الماضيتيْن لكونه الجهة الوحيدة التي استطاعت إصدار قرارات وتقارير وعقوبات بحقّ وزراء نافذين في قضايا تتعلّق بالمال العام، لا بل استطاعت في غير مرّة حماية المال العام من الهدر. آخر هذه المحطات كان القرار الذي أصدره الديوان بحجب الموافقة المسبقة عن توقيع صفقة تشغيل قطاع البريد لمدة تسع سنوات نظرا للعديد من المخالفات فيه، كتعديل المؤهلات على مقاس عارض محتمل وعلى نحو لا يتناسب مع الوظائف المتوخاة من الصفقة ووضع مهلة غير كافية لتقديم العروض وقبول العرض الواحد خلافا لمبادئ قانون الشراء العام ولعدم إجراء دراسات تحليلية أو جدوى للمشروع.

وكان سبق للديوان أن اتّخذ قرارا آخر بالغ الأهمية لجهة إخضاع صفقة المطار لقانون الشراء العام، في مواجهة القراءة المغلوطة له من قبل وزير الأشغال العامة علي حمية، ما أدّى إلى منع الإجراءات غير القانونية التي كانت تُحضّر حينها والتي كانت لتمسّ بالمال العام والمصلحة العامة. كما أصدر الديوان تقريريْن حول قطاع الاتصالات: فبالإضافة إلى تقريره  الأول الذي تناول فيه مجمل أبواب الهدر والفساد والمخالفات القانونية التي تعاقبتْ على هذا القطاع منذ العام 2010 إلى العام 2020 والتي قدرها بأكثر من 5 مليار د.أ، أصدر مؤخرا تقريرا خاصا حول صفقتيْ استئجار مبنى تاتش وما عُرف إعلامياً بفضيحتي مبنى قصابيان في الشياح ومبنى “تاتش” الجديد في الباشورة. كما أصدر الديوان العديد من القرارات الأخرى فائقة الأهمّية كرأيه الاستشاري في صفقة الخدمات الإكترونية لهيئة إدارة السير مع شركة إنكريبت، والقرار الذي أصدره بتغريم الوزير السابق محمد الصفدي بسبب المخالفات الحاصلة في ملف تلزيم مشروع إقامة جسور في منطقة البحصاص-طرابلس والقرار الذي أصدره في قضية اختبارات ال PCR.

وعليه، يُعدّ هذا الاقتراح بمثابة تنبّه من النواب إلى الدور الهام الذي بإمكان ديوان المحاسبة أن يؤديه، رغم نقص موارده البشرية والمالية.

استعادة لاقتراح منح النواب الصفة للطعن في القرارات الإدارية

يستعيد اقتراح القانون الراهن توجه اقتراح سابق كانت قدّمته النائبة بولا يعقوبيان عام 2019 يرمي إلى منح النائب في مجلس النواب الصفة والمصلحة لطالب إبطال الأعمال الإدارية. وقد هدف هذا الاقتراح إلى ضمان شرعية القرارات الإدارية من خلال منح النواب صفة الطعن بها، بعدما تبيّن أنّ العديد من هذه القرارات تكون عمليّا محصّنة لغياب من يملك صفة الطعن فيها أو لوجود عوائق عملية ومنها الخوف من ردود أفعال انتقامية تثني أصحاب الصفة عن تقديم الطعن فيها. وإذ دخل ضمن المساعي الآيلة إلى توسيع حالات قبول الصفة في المراجعات الإدارية بما يسقط حصانة العديد من القرارات الإدارية، فإن مجلس النواب انتهى إلى ردّ الاقتراح في هيئته العامة بحجة أن إعطاء النوّاب الصفة للطعن بالقرارات الإداريّة يشكّل مسّاً غير مقبول بمبدأ فصل السلطات والتوازن فيما بينها. وقد صرّح نائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي في معرض تعليقه على اقتراح القانون أن النوّاب “يبالغون في الميل الشعبي لزيادة اختصاص القضاء مع منع أيّ تدخّل في القضاء” مردفا أن “القضاء الحالي بحاجة إلى تغيير شامل. فإما نغيّره كلّه وإمّا نبقى على ما نحن من دون زيادة صلاحياته. لكن عيب أن نسنّ القوانين وتفرّحنا لدقائق أمام جمهور ثمّ لا تطبّق”. ثم سارع إلى إعلان رفضه لأن تتعرّض السلطة لأيّ محاسبة في ظل القضاء الحالي: “هل يجوز أن نفسح المجال للقضاة الحاليين ليقدّموا تقارير عن متلبّسين، ويكون أحدٌ منا بينهم؟” في المقابل، اعتبر نوّاب آخرون، من بينهم رئيس مجلس النواب نبيه برّي، أن هذا الإقتراح يشكّل ضرورة أمام تقاعس المجلس عن القيام بدوره الرقابي على الحكومة “بسبب الطائفيّة”. كما أكّد النائب جورج عقيص على ضرورة هذا الإقتراح بسبب “الكمّ الهائل من القوانين التي لا تطبّق” في غياب المحاسبة البرلمانيّة. إلا أن التصويت أفضى إلى إسقاطه علما أن مراقبي المفكرة القانونية نقلوا آنذاك “أن الأيادي التي ارتفعت تأييدا له كانت أكثر من الأيادي التي لم ترتفع”.

الديوان يحتاج إلى ورشة تشريعية أكبر

أخيرا، تجدر الإشارة إلى أن أكثر ما يحتاج إليه تفعيل دور الديوان حاليا هو تأمين الموارد البشرية والمالية ليتسنى له القيام بعمله بصورة فعالة فضلا عن ضمان استقلاليته. وعليه، فإن مقاربة دوره تتطلب عملا استراتيجيا ورؤية شاملة تندرج ضمن خطة تدعيم هيئات الرقابة والسلطة القضائية، تتجاوز بكثير ما قد يقدم من اقتراحات معجلة مكررة من هنا أو هنالك.

للاطّلاع على اقتراح القانون، إضغطوا هنا


[1] المادة 68:

1- ينظر الديوان في المخالفة عفوا او بناء على طلب المدعي العام لديه. للمدعي العام, لهذه الغاية ان يجري التحقيق حول القضية او ان يتوسع في التحقيق الجاري في شأنها وله ان يستمع الى الموظفين والشهود وان يطلب الى الإدارة او الهيئة المختصة ايداعه المستندات والايضاحات والمعلومات التي يحتاج اليها وان يكلف المراقب الذي يعاونه اجراء اي تدقيق محلي يتعلق بالقضية على ان يبلغ التكليف الى الرئيس المباشر للموظف قبل مباشرة المهمة. تطبق على الموظفين والشهود احكام المادة 80 من هذا المرسوم الاشتراعي وتطبق على طلب المستندات و الايضاحات والمعلومات احكام الفقرة 2 من هذه المادة. في حال الاثارة العفوية تتبع الأصول المبينة اعلاه على ان يتولى القاضي المختص مهمة المدعي العام المبينة فيها.

2- يحيل رئيس الغرفة المعاملة على المستشار المختص فيتولى درسها بنفسه أو يحيلها على مراقب لمعاونته في درسها. للمستشار أن يطلب إلى الادارة المختصة الإيضاحات والمعلومات الخطية التي يحتاج إليها, وان يستجوب الموظف المنسوبة إليه المخالفة وان يستمع الى الشهود, وان يقترح على الهيئة تعيين الخبراء, وله ان يكلف خطيا المراقب اجراء أي تحقيق او تدقيق محلي يتعلق بالمعاملة المحالة عليه, على ان يبلغ التكليف الخطي الذى رئيس الإدارة قبل مباشرة المهمة. وعلى الادارة المختصة الاجابة عن الطلب خلال المهلة المحددة فيه على ان لا تقل هذه المهلة عن العشرة أيام. ويمكن تمديد هذه المهلة عند الاقتضاء اما عفوا او بناء على طلب الادارة المختصة. وللديوان ان يطلع على كل ملف او وثيقة, حتى السرية منها اذا كانت علاقة بالقضية موضوع الدرس

انشر المقال



متوفر من خلال:

المرصد البرلماني ، البرلمان ، إقتراح قانون ، لبنان ، مقالات ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني