عقد المطار من منظار ديوان المحاسبة: كلّ البناءات القانونية التي اعتمدها حميّة خاطئة


2023-04-25    |   

عقد المطار من منظار ديوان المحاسبة: كلّ البناءات القانونية التي اعتمدها حميّة خاطئة
من صفحة الوزير علي حمية الرسمية على تويتر

عندما كشف وزير الأشغال العامة والنقل علي حميّة، في 20 آذار الماضي، عن توقيعه عقداً مع الشركة اللبنانية للنقل الجوي LAT لبناء مبنى جديد للركاب في مطار بيروت، أسهب في الدفاع عن قانونية خطوته، إلى حد إشارته إلى أنه إذا أخطأ 1% في تنفيذ القانون تكون الكرسي “مش لابقتلنا”. لكن لم يمض شهر آذار حتى كان الوزير يستبق اجتماعاً للجنة الأشغال العامة النيابية خُصص لمناقشة صوابية العقد، معلناً تراجعه عنه “بناء على طلب من حزب الله”. وللتذكير كان النائب حسين الحاج حسن، قد تولّى في بداية تلك الجلسة (عقدت في نهاية  آذار) حفظ ماء وجه الوزير، وفي الوقت نفسه التأكيد على إسقاط الحزب للصفقة. وقال إن الوزير استند إلى دراسة قانونية، ولكن ثمة وجهة نظر ثانية تعتبر أن السند القانوني المُعتمد لم يكن صحيحاً، آملاً وضع أسس واضحة لإجراء هذه التلزيمات في المستقبل.

توقيع سرّي للعقد

في هذا الوقت، كان ديوان المحاسبة قد بدأ بالفعل دراسة الملف، الذي كان طلبه من خلال مذكرة رسمية قدمها رئيس الغرفة المعنية عبد الرضى ناصر إلى الوزارة، طالباً فيها السند القانوني والطريقة التي اعتمدت في التلزيم.

حينها ظهرت مفاجأة أولى تتعلق بتاريخ التوقيع. فإذا كان المؤتمر الصحافي الذي عقده حمية مع رئيس الحكومة للإعلان عن توقيع العقد قد حصل في 22/3/2023، فإنّ التوقيع الفعلي كان جرى في 26 كانون الثاني 2023، أي قبل شهرين من الإعلان عنه، وأُحيط بسرّية كاملة، إلى درجة إخفائه عن الوحدات والمصالح المعنية في مطار بيروت. وفيما لم يُعرف حتى اليوم سبب التكتّم طيلة تلك المدة، زاد منسوب القلق من احتمال مطالبة الشركة الموقّع معها بأي تعويضات عن فسخ العقد، حتى لو طمأن الوزير إلى أن ذلك لن يحصل وحتى لو اعتبر كأنما العقد لم يكن. إذ أنّ الواقع القانوني يظهر بوضوح أن الوزارة وقعت عقداً ثم تراجعت عنه بعد شهرين، ما قد يؤدي إلى أضرار في مصالح الشركة المتعاقد معها. ذلك الاحتمال تنبّه له ديوان المحاسبة في معرض دراسته الملف، ولذلك قطع الطريق على أي مطالبة بالتعويض، من خلال اعتباره العقد، في التقرير الصادر في 18 نيسان الحالي، “باطل(اً) بطلاناً مطلقاً لا بل عديم الوجود ولا يترتب عليه أي أثر”.

امتياز بحاجة إلى قانون

الأهم من حسم مسألة عقد المطار، هو وضع الديوان، من خلال الهيئة الاستشارية المؤلفة من رئيس الديوان محمد بدران ورؤساء الغرف عبد الرضى ناصر وإنعام البستاني ونللي أبي يونس، والمستشاريْن إيلي معلوف وروزي بو هدير، حداً للفوضى الحاصلة في توقيع العقود العامة المشابهة، من خلال تقديمه “خارطة طريق للاستثمار الأمثل للمرافق العامة وتأمين نجاحها وتأديتها للمصلحة العامة مع مراعاة معايير الشفافية والنزاهة والمساواة”، بدلاً من البحث عن طرق ملتوية للتوقيع على العقود. وهو كان حاسماً في اعتبار أن الاتفاقية المتعلقة بتشييد وتشغيل مبنى للمسافرين (Terminal 2) بالطريقة المطروحة تشكل امتيازاً لمرفق عام بطريقة BOT ويقتضي منحه بموجب قانون تطبيقاً للمادة 89 من الدستور”. 

أما بشأن الحجج التي استند إليها حميّة لتبرير توقيعه عقد بناء مبنى جديد للركاب، فقد دحضها الديوان كلها، ولاسيما منها اعتماده على قانون رسوم المطارات كسند قانوني لتوقيع عقد تأجير مساحات مكشوفة، مع التذكير أن هذا القانون، ربطاً بالجدول رقم 9 للعام 1999، سمح بتأجير شركات النقل الجوي والخدمات الأرضيّة وشركات النفط حصراً مساحات مكشوفة في المطار لتنفيذ إنشاءات على نفقتها الخاصة على تلك الأراضي “لأعمالها الخاصة” على أن تُعفى من الإيجار لعشر سنوات (تدفع إيجار الأرض المكشوفة فقط). في حين اعتبر الديوان أن المشروع لا يرمي إلى تحقيق منفعة أصحابه فقط بل يرمي إلى تحقيق مصلحة عمومية هي تأمين حسن سير مرفق المطار، الأمر الذي يستتبعه عدم جواز خضوع مثل هذا الإشغال والاستثمار بنظام الإشغال المؤقت الذي يمنح وفق قانون رسوم المطارات، ولا يصح بالتالي أن تكون حصة الدولة إيجار أو بدل إشغال مسلحة من الأرض فقط، بل هي أكثر من ذلك ولا يمكن الركون إلى الشركة لتحديد بدلات الخدمات التي تستوفيها بل يجب أن تكون كل المسائل مضبوطة مسبقاً بما يؤمن المصلحة العامة.

انطلاقاً من هذا التوصيف للعقد (امتياز)، يعتبر الديوان أنه يختلف عن الصفقات العمومية التي وضع لها المشرّع أصولاً خاصّة لتلزيمها والمبادئ التي ترعاه. وعليه، وعلى الرغم من أن هذه العملية لا تخضع لقانون الشراء العام بمضمونه المطلق، إنما يبقى وجوب خضوع الإجراءات السابقة لعملية منح الامتياز أو الاحتكار للمبادئ العامة المنصوص عنها في قانون الشراء وبالتالي يجب أن تجري عملية المنح بشفافية وعلنية وتنافسية ومساواة (المادة الأولى من قانون الشراء) وعلى ضوء ذلك تتخذ الإجراءات المناسبة لمنح الامتياز.

لكن الديوان يعتبر أن العقد يمكن أن يخضع لقانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص، انطلاقاً من أن أي مشروع ذا منفعة عامة يساهم فيه القطاع الخاص عن طريق التمويل والإدارة وإحدى العمليات التالية: الإنشاء، التصميم، التشييد، التطوير، التشغيل… تخضع لقانون الشراكة لكن المطلوب أولاً إنجاز المراسيم التطبيقية الخاصة به وتشكيل الهيئة الناظمة واكتمال أعضاء المجلس.

لا توقيع في ظل حكومة مستقيلة

بعيداً عن القانون الواجب تطبيقه، حسم الديوان أيضاً مسألة عدم إمكانية توقيع العقد في ظل حكومة مستقيلة، باعتبار أنه لا يدخل في إطار تصريف الأعمال المتمثل بالنفقات العامة التي تقضي المصلحة العامة استمرارها، وليس من ضمنها المشاريع الكبرى والممتدة على سنوات طويلة ينتج عنها إيرادات كبيرة متداخلة ونفقات متنوعة مما يستوجب إقرارها بقوانين خاصة في ظل حكومة كاملة الصلاحية تتحمل مسؤوليتها أمام السلطة التشريعية.

التحقيق يطال “مبنى الشحن”

وزير الأشغال كان اعتبر أن العقود الموقّعة بالطريقة نفسها تشكل عاملاً مؤكداً على صوابية خياره. وهو استعرض في كتابه للديوان سلسلة من هذه العقود. إلا أنّ الديوان اعتبر أنّها كلّها لا تعدو كونها تراخيص للإدارة المسؤولة عن المطار لتأجير مساحات داخله للأعمال الخاصة. وهو ميّز فقط عقد إنشاء هنغار للشحن (Cargo Center) في 28/1/2011 الموقع مع شركة طيران الشرق الأوسط الاعتماد على قانون رسوم المطارات. واعتبر أنه كان حينها مخالفاً للمخطط التوجيهي للمطار، ولم يجزه مجلس الوزراء إلا في 7/9/2011، أي بعد 9 أشهر من توقيعه. علماً المبنى الذي أنشئ هو مبنى خرساني في حين أن العقد أشار إلى هنغار، أضف إلى أنه يتم استثماره من الباطن عبر تأجير مساحات للغير، الأمر الذي وجد فيه الديوان مبرّراً كافياً لإحالته إلى الغرفة القضائية المختصة للتحقيق به. وعليه اعتبر الديوان أنه كان ينبغي بوزير الأشغال العامة اللجوء إلى المبادئ والأصول للنظر في مدى صحة العقد لا البناء على عقد الشحن كسند قانوني للعقد الجديد. وبذلك يكون الديوان، إضافة إلى حسمه مسألة مبنى الركاب، قد قطع الطريق على إمكانية تمديد العقد مع طيران الشرق الأوسط، والذي حُدد بداية بعشر سنوات وأضيف إليه سنة بموجب قانون تمديد المهل، ثم تم تأخير احتساب تاريخ بداية التشغيل سنتين بموجب ملحق العقد، ما يؤدي بالنتيجة إلى وجوب تسلّم الدولة للمنشأة في الشهر الأول من العام 2024، وإعادة تأجيرها وفق قواعد جديدة تحفظ حقوق الدولة، ولا يتم الاكتفاء فيها بالحصول على إيجار المساحة المكشوفة.

للاطّلاع على تقرير ديوان المحاسبة، إضغطوا هنا

انشر المقال



متوفر من خلال:

تشريعات وقوانين ، لبنان ، مقالات ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني