يفضي إلى الموت: ما وراء العنف ضد المرأة في مصر


2022-08-15    |   

يفضي إلى الموت: ما وراء العنف ضد المرأة في مصر
الطالبتان نيرة أشرف وسلمى بهجت اللتان قتلتا على يد زميليهما

كتب هذا المقال بعد مرور فترة على مقتل نيرة أشرف وأثناء الانتهاء من كتابته انتشرت أخبار جديدة عن مقتل طالبة جامعية في الشرقية على يد زميل سابق لها بسبب رفضها الارتباط به. أبقينا تركيز المقال على نيرة للاحتفاظ بمسافة زمنية وفكرية لكن تشابه الحادثتين يؤكّد المقترحات التحليلية للمقال فيما يخصّ العنف المفضي للموت وإشكالية الرضا والرفض في العلاقات.

أضيفت حادثة جديدة صادمة إلى الحوادث العديدة التي تثير النقاش والقلق حول العنف ضد المرأة في مصر والمجتمعات العربية وهو مقتل الطالبة نيرة أشرف في مدينة المنصورة على يد زميل لها لرفضها الارتباط به. ثم تبع مقتل نيرة، حادثة ممثالة في الأردن حيث قتلت الطالبة إيمان رشيد على يد زميل لها داخل حرم جامعة العلوم التطبيقية الخاصة شمال العاصمة. وعلى الرغم من وقوع حادثة مقتل نيرة في وضح النهار ووجود تسجيل بالفيديو للجريمة، برزت أصوات عديدة متعاطفة مع الجاني ولائمة للضحية بخاصّة مع سرعة إنزال عقوبة الإعدام به. هذا بالإضافة إلى جزء من تغطية الحادث من منظور “هوس الحب” أو “طيش العشاق“.

مع مرور بعض الوقت على الحادثة وخفوت الجدل حولها، يهدف هذا المقال لأخذ مسافة زمنية وفكرية منها بهدف إعادة قراءتها في ضوء حوادث عنف أخرى سابقة وقعت في مصر أدت إلى مقتل نساء وأثارت قدراً كبيراً من الجدل العام.

انطلاقاً مما اتبعته العديد من التحليلات من المنظور النسوي لحادثة مقتل نيرة أشرف، يبدأ هذا المقال بقراءة الحادثة بالتوازي مع حوادث عنف أخرى كصدى لمشكلة عالمية لها تجليات محلية تتشابك فيها عوامل تاريخية وحالية وهي مشكلة الـ  femicideوالتي تترجم حرفياً: قتل النساء لكن تعني العنف الذي يستهدف النساء لكونهنّ نساء (نفصّل المفهوم في الفقرة التالية).

ثم ننتقل في ضوء القراءة المتوازية لتحليل إشكاليات متكرّرة في حوادث العنف ضد المرأة والجدل حولها: الأولى هي إبهام مفهوم الرضا في العلاقات أو غياب فكرة العلاقات الرضائية والثانية هي التباس مفهوم المسؤولية المجتمعية وأخيراً تردّد ثنائية الكشف والستر عند تناول جسد المرأة في الجدل العام.

ليست حادثة منفردة

إذا ذهبت إلى ميدان Santissima Annunziata أحد الميادين الصغيرة في مدينة فلورنسا الإيطالية، تجد عشرات الرايات الوردية التي علّقتها مجموعة نساء في “ذكرى نساء قتلن على يد أحد افراد عائلتهنّ”. ومنذ مارس 2021 تجتمع النساء المحليات في الثامن من كلّ شهر أمام الرايات لـ “يتذكّرن ضحايا العنف وليجددن الدعوة لمقاومة ظاهرة الـfemicide .

يعتبر قتل النساء مشكلة ذات بعد عالمي ويعرف أنّه القتل الناتج عن العنف ضدّ المرأة لكونها امرأة أو الناتج عن ممارسات محدّدة ضد النساء. ويعتبر العنف المفضي إلى الموت الموجّه ضد النساء من الأزواج أو الشركاء الشكل الرئيسي لهذه الظاهرة. يمتدّ التعريف ليشمل أيضاً العنف الذي يمارسه أفراد الأسرة بشكل عام نظراً لاعتبار القتل باسم الشرف وأيضاً الموت الناتج عن إصابات عمليات ختان الإناث أو تشويه الأعضاء الجنسية من الأشكال التي تندرج تحت الظاهرة نفسها.

صورتان من ميدان Santissima Annunziata في فلورنسا الإيطالية

ساهمت منظمات المجتمع المدني المصرية، والدولة ـ منذ وقت قريب ـ في التوعية بمشكلة العنف ضد المرأة في المجال الخاص والعام وإحياء النقاش العام حوله مع الدفع بعدة خطوات واستراتيجيات وسياسات لمواجهة العنف بأشكاله المختلفة: من عنف جنسي- عنف في المجال العام- والعنف الأسري بخاصة مع ثبوت تفاقمه بعد أزمة فيروس الكورونا.[1] لكن تأتي حادثة نيرة أشرف كجريمة قتل بسبب رفض شريك محتمل، كتجلي محلي لمشكلة الـ femicide العالمية.

تكشف الأبحاث والدراسات النسوية المختلفة عن تداخل الأطر العالمية والمحلية وأنّ كلّاً منها يغذّي الآخر ويثريه بهدف قراءة وفهم أفضل ومواجهة أكثر فعالية للعنف ضد المرأة في مصر والعالم العربي. إن قراءة حادث مقتل نيرة أشرف في إطار الـfemicide  بخاصة مع تكرار حادثة مشابهة في الأردن مع الطالبة “إيمان شديد” (وأخيراً حادثة طالبة الشرقية سلمى بهجت) ليس هدفه فرض هذا المفهوم بقدر ما هو إبراز المدى الذي قد يصل إليه العنف ضد المرأة وخطورة الظاهرة. كما أنّ مقتل نيرة قد أعاد إلى أذهان الجميع حوادث أخرى من عنف قد لا ينطبق عليه المفهوم الضيق للـ femicide لكن يجمعها بمقتل نيرة أنّ العنف قد أفضى بشكل مباشر أو غير مباشر إلى موت امرأة لكونها امرأة.

 نذكر هنا حادثة بسنت خالد فتاة شابة من محافظة الغربية انتحرت بسبب انتشار صور مزوّرة لها تظهرها في أوضاع جنسية وابتزازها من قبل عدة شباب من القرية. نجد في هذه الحالة فتاة لم تتعرّض لعنف أسري مباشر لكنها انتحرت كردّ فعل للابتزاز الجنسي مع وجود احتمالية كبيرة أن يكون ذلك هرباً من شبح جرائم الشرف أو من عنف أسري متوقّع أن يوجّه ضدها مع انتشار الصور أو كنتيجة لخضوعها للابتزاز. نذكر أيضا حادثة، داليا، طبيبة كانت تسكن عقاراً في مدينة السلام في مارس 2021 ألقت بنفسها من الشرفة من الطابق السادس نتيجة تهجّم سكان العقار عليها والتعدي عليها بالضرب خلال استقبالها رجلاً (زميل أو صديق) داخل منزلها.

نقترح أن نركّز على هاتين الحادثتين كعلى سبيل المثال وليس الحصر جنباً إلى جنب مع حادثة نيرة ليس بالضرورة من إطار الـ femicide في شكله الرئيسي كما تظهر في حالة نيرة (قتل من الشريك) لكن لأنها تتضمّن أشكالاً مختلفة من العنف ضد المرأة أفضت في الحالات الثلاث إلى الموت. فبسنت خالد تعرّضت لابتزاز جنسي وضغط نفسي أفضى لموتها خوفاً من الكشف وخوفاً من التعامل العنيف المتوقع من الأسرة أو من المجتمع المحيط متوقعة أنّه لن يصدّق أحد روايتها عن زيف الصور. أما طبيبة السلام فموتها كان نتيجة مباشرة للهجوم عليها بحجّة أنّها كانت “تمارس الرذيلة” داخل منزلها.

أزمة مفهوم الرضا في العلاقات

تظهر حادثة مقتل نيرة أشرف إشكالية مفهوم الرضا في العلاقات سواء علاقات الزواج أو العلاقات العاطفية أو الحميمة خارج إطار الزواج. فأساس الحادثة فكرة القتل كعقاب للمرأة لرفضها الارتباط. وتجلّي منطق العقاب على الرفض بشكل جاهر في الجدل في وسائل التواصل الاجتماعي حول صدور حكم الإعدام للقاتل وتصويره على أنه شخص محترم مجتهد في دراسته لدرجة انتشار وسم يراه ليس مجرماً بل “ضحية” امرأة “استغلّته ” و”أذتْه نفسياً”.

كما ربط البعض الحادثة بغياب ثقافة قبول الرفض في العلاقات ذاكرين على الأخصّ أغنية إشكالية يظهر فيها صوت رجل غاضب من امرأة بسبب رفضها له وتحمل لهجة تهديدية أو انتقامية. وإن غلبت على التحليلات علاقة سببية بين العنف والمنتجات الثقافية، فالأكثر وقعاً أنّ هذه المنتجات هي تعبير عن وجود هذا التصوّر العنيف والانتقامي للمرأة التي ترفض العلاقة وليس سببه. ويربط طبيب نفسي مشهور فكرة العقاب على الرفض بطريقة تربية الأبناء وبناء الشخصية الذكورية بشكل ينتج ذاتاً متضخّمة وشعوراً بالاستحقاق.

وبدون محاولة الربط المباشر بأسباب نفسية واجتماعية وثقافية متداخلة ومعقدة، لا يخفى على أيّ ملاحظ لأوضاع المرأة في مصر هيمنة فكرة الاستحقاق الذكوري وغياب فكرة الرضا كأساس للتفاعل الجسدي أو الجنسي واستباحة جسد المرأة في المجال العام مع استمرار ظاهرة التحرّش الجنسي أو في المجال الخاص مع ظاهرة الاغتصاب الزوجي. لكن تبدو هنا إشكالية أعمق في مفهوم الرضا بشكل أكثر عمومية في العلاقات العاطفية وبخاصّة مع وجود زاوية “الحب المهووس” أو “العشق” كعنصر في الحادثة.

الإشكالية التي نشير إليها هي تصوّر المرأة ليس كطرف فاعل أو شريك في العلاقة بقدر ما هي شيء يحظى الطرف الآخر به أو يسعى للوصول إليه لتملّكه وينافس عليه الآخرين. ففي حالة نيرة، كشفت مراسلات القاتل مع الضحية ليس فقط إصراره على التودّد إليها وتكرار مطالبته بالدخول في علاقة. لكن عند تكرار رفضها، كان ردّ الفعل هو إعلان ملكيته لها ورفضه أن تكون ملك رجل آخر. يتكرّر هذا التصوّر في حوادث أخرى. فمثلاً في حادثة انتحار بسنت خالد تظهر بالطبع فكرة العقاب على الرفض والعلاقات القهرية إذ أنّ الابتزاز بصور مزوّرة بدأ بعد رفضها الدخول في علاقة رضائية. لكن مع الكشف عن تورّط أحد أقربائها في الابتزاز، يتبلور منطق “التشييء” والتنافس في منطق كونه “أولى من الغريب” ممّا يعكس تصوّر العلاقة كغنيمة أو حظوة.

وتظهر حادثة طبيبة السلام مدى التناقض الذي ينتجه غياب تصوّر المرأة كفاعل أصيل ذي صوت في العلاقة. فإذا كانت كلّ من نيرة وبسنت قد عبّرتا عن رفضهنّ لعلاقات، كان العنف ضدّ طبيبة السلام نتيجة لرفض الجيران وأهل المنطقة استقبالها لصديق رجل داخل منزلها بكامل رضاها. بل إنّ تأكيد التغطيات الإعلامية والتحقيقات جنائية على كونهما كانا “يتحدثان بشكل طبيعي” نافين فرضية وجود علاقة عاطفية أو حميمة كأنّ افتراض وجود المرأة كطرف راضٍ في علاقة حميمة مبرّر للعنف المجتمعي.

مسؤولية المجتمع: ضبط النساء؟

لا يخلو نقاش عن حادثة عنف ضد امرأة من أصوات لائمة لها سواء بشكل مباشر في حالة نيرة أو سلمى عند الحديث عن “استغلال” لقاتليها أو بشكل غير مباشر عند ربط التعليق على الحادثة بتوجيه نصائح للنساء عن الخروج: للدراسة أو الملبس الملائم. ولا تخلو المناقشة أيضاً من نقد لهذه المفاهيم من منطلق أنّها تشكّل “لوم الضحية” بدلاً من تحميل الجاني مسؤولية جنائية وأخلاقية عن أفعاله ونقداً للتصوّرات المغلوطة التي تعكسها هذه الخطابات عن مسؤولية المرأة بألّا تقدم على أي فعل يثير مشاعر الرجل أو غرائزه (بافتراض عدم إمكانية ضبط الأفعال الناتجة عن هذه المشاعر أو الغرائز). 

لكن ما يمكن أن نضيفه على هذه النقطة من الجدل هو نقد التصوّر العام عن المسؤولية المجتمعية: المشكلة ليست فقط تحميل المرأة مسؤولية العنف الموجّه ضدّها ولكن هيمنة تصوّر مفاده أنّ مسؤولية المجتمع لمنع هذا العنف تترجم في ضبط (أخلاق) النساء وأنّ هذا التصوّر في ذاته لا يبرّر العنف فقط بل يعيد إنتاجه. تجلّى هذا المفهوم في أسوأ وأعنف أشكاله في حادثة طبيبة السلام. فتظهر الروايات المختلفة عن الحادثة أنّ جيرانها الذين تسبّبوا في موتها أعطُوا أنفسهم الحقّ باسم المسؤولية المجتمعية لممارسة العنف ضدّها بهدف ضبط أخلاقها بل عقابها على اختياراتها. وهكذا يرجع جزء من العنف ضد المرأة إلى فكرة أحقية المجتمع في الرقابة الأخلاقية وضبط تأديب النساء بل وعقابهنّ فقط.   

وتظهر قضية بسنت تناقض هذا المفهوم مع مشاركة أحد مدرّسيها في التنمّر عليها بسبب انتشار صور مزيفة لها بدلاً من ممارسة سلطته في التوعية والحماية.   

جسد المرأة في الجدل العام في مصر: ثنائيات العنف وزيفها

أثار النقاش التالي لمقتل نيرة أشرف إطاراً إشكالياً آخر إذ توجّه الجدل على بعض وسائل التواصل الاجتماعي لمناقشة ما إذا كانت الضحية ترتدي الحجاب أم لا مع الخوض في مناقشة أخلاقها. كما تصاعدتْ أصواتٌ تستغلّ الحادثة للدعوة بأهميّة الحجاب والحشمة بحجّة أنّ الفتاة أو المرأة إذا أرادت ألّا تقتل لا بدّ أن تغطي نفسها بالكامل. يكرّر هذا الجدل ثنائية مألوفة وهي ثنائية الكشف/الستر أي أنّ المرأة غير المغطاة تستحق العنف في مقابل أنّ المرأة المغطاة هي محتشمة وعفيفة وذات أخلاق حميدة لا تستحق العنف. تظهر هذه الثنائية في أشكال عدّة أبرزها تبرير التحرّش والعنف الجنسي بلبس المرأة. لكنها أصبحت أمراً شبه حتمي في كلّ النقاشات التي تتناول المرأة حتى حينما يكون الموضوع الأساسي إيجابياً.

يتّضح ذلك مع تسليط مزيد من الأضواء على الإنجازات الرياضية للفتيات. نجد أنّه حتى حينما تكون مناقشة جسد المرأة في المجال العام ليست في موقع ضحية العنف لكن في موقع قوة وإنجاز فردي ذي صدى جماعي ومجتمعي، فلا مفرّ من إعادة إنتاج ثنائية الكشف والستر في الجدل. فمثلاً، مؤخراً، في وسط الاحتفاء ببسنت حميدة الفائزة بميدالية ذهبية في العدو في دورة ألعاب البحر المتوسط، ظهرت أصوات ناقدة على أنّها ترتدي زيّ اللعبة الكاشف. وبالرغم من الوجود الفعلي لحركة عالمية داخل أوساط رياضية مختلفة لرفض فرض أزياء رياضية فيها شبهة تشييء لجسد النساء بخاصة مع المقارنة بأزياء الرجال في الألعاب نفسها، إلّا أنّ المنظور كان مختلفاً في هذه الحالة إذ كان التركيز على الأخلاق والحشمة وتغطية الجسد نقداً للاعبة. وهذا دفع والدة بسنت أن تدافع عن أخلاق ابنتها وتديّنها، مؤكّدة أنّها ترتدي هذا الزي فقط أثناء السباق فأصبحت “الأخلاق” محلّ نقاش بدلاً من الاحتفاء بالإنجاز الرياضي.

تشمل هذه الثنائية طبقة أخرى وهي التمييز بين المجال العام والمجال الخاص على أساس أنّ المرأة مكانها الطبيعي هو في المجال الخاص وأنّ خروجها للمجال العام أو الشارع يجعلها أكثر عرضة للعنف. بل تشير التحليلات المفسّرة للتحرّش الجنسي في المجال العام من مدخل بنيوي أحياناً أنّ العنف الجنسي يرى كأنّه نتيجة (بل عقاب) على تواجد المرأة خارج المجال الخاص.

تأتي حوادث العنف ضد المرأة لتكشف زيف هذه الثنائيات بل عن كونها أساسية في إعادة إنتاج العنف. فمن ناحية تكشف حوادث العنف الأسري (تكرار حوادث آباء يلقون ببناتهن من الشرفة) أن العنف يقع في قلب المجال الخاصّ وليس له علاقة مباشرة بالكشف/الستر. كما تظهر أيضا حالات مختلفة مثل حادثة طبيبة السلام إبهام هذه الثنائية، فحرص التغطيات الإعلامية وتصريحات النيابة على تأكيد أن الضحية كانت “بكامل ملابسها” يكرّر ثنائية الكشف والستر، ولكن يؤكّد زيفها إذ أنّ الستر (كونها ترتدي ملابسها) وتواجدها داخل المجال الخاص لم يقِ الضحية من العنف المجتمعي.

من ناحية أخرى تستخدم هذه الثنائية ليس فقط في تبرير العنف ولكن أيضاً في تفعيله: ففي حالة بسنت خالد كان التهديد بالكشف (من خلال تركيب صورة الضحية على أجساد عارية مزوّرة وتدوير الصور وتوزيعها) هو في حد ذاته فعل العنف الذي أفضى لموتها خوفاً من عواقب الثنائية التي تربط بين الأخلاق وشرف العائلة والستر.

أخيراً، استُخدمت هذه الثنائية بشكل متناقض يؤكد زيفها في إطار العنف السياسي. فبينما كانت مشاركة النساء السياسية في المجال العام عادة تستخدم للطعن في أخلاقهنّ وتبرير العنف الممارس ضدّهنّ (مثل كشوف العذرية) أياً كانت درجة التغطية، أظهرت حادثة كشف جسد امرأة ترتدي الحجاب والعباءة في إطار عنف سياسي في ديسمبر 2011 التناقض في هذه الثنائية. فممارسة العنف كانت بكشف الجسد بالإضافة إلى العنف الجسدي بالضرب. ومع ذلك، توجّه الجدل العام لمناقشة ما ترتديه المرأة تحت العباية كاسرين ثنائية الكشف/الستر مبرّرين العنف بما أظهره الكشف. اضطرّ هذا التوجّه المدافعين عنها لإعادة إنتاج الثنائية وتأكيد أخلاقها وأنّها “ست البنات” فلا تستحق العنف.[2]

خلاصة

أطلق المجلس القومي للمرأة في 2015 استراتيجية وطنية لمناهضة العنف ضد المرأة ولا شك أنّ مصر تشهد مع النظام الحالي دفعة كبيرة للخطاب الرسمي حول حقوق المرأة. لكن يكشف تزايد حوادث العنف المفضي للموت وتكرار العنف المجتمعي بأشكاله المختلفة أنّ الجانب البنيوي لمواجهة العنف وعلاج توازنات القوى التي تنتجه ما زال غائباً عن هذه السياسات. كما تؤكّد دراسة نقدية صادرة عن مركز “نظرة” للدراسات النسوية “غياب التوجّه النسوي” بشكل شبه تامّ عن هذه السياسات مع استبعاد المجموعات النسوية ومنظمات المجتمع المدني من المشاركة في كتابتها وتفعليها. وإن كان هناك تحرّك مشهود من المؤسسات القانونية والدينية والإعلامية للتعامل مع العنف وملاحقة الجناة إلّا أنّ هناك حاجة لسياسة أكثر شمولاً وأكثر تكامليّة لمواجهة كافة أشكال العنف ضد المرأة بخاصّة ما يفضي منها إلى الموت.


[1] Magdy, Diana, and Hind Ahmed Zaki. “After COVID-19: mitigating domestic gender-based violence in Egypt in times of emergency.” Social Protection in Egypt: Mitigating the Socio-Economic Effects of the COVID-19 Pandemic on Vulnerable Employment (2021).

[2] Hafez, Sherine. “Bodies that protest: The girl in the blue bra, sexuality, and state violence in revolutionary Egypt.” Signs: Journal of Women in Culture and Society 40, no. 1 (2014): 20-28.

انشر المقال

متوفر من خلال:

مصر ، جندر ، أجهزة أمنية ، البرلمان ، سلطات إدارية ، أحزاب سياسية ، الحق في الحياة ، فئات مهمشة ، مقالات ، جندر وحقوق المرأة والحقوق الجنسانية ، لا مساواة وتمييز وتهميش



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني