انتهاء “قضية التمويل الأجنبي” بعد 13 سنة من القمع


2024-04-12    |   

انتهاء “قضية التمويل الأجنبي” بعد 13 سنة من القمع

بعد أكثر من عقد من الزمن، أنهت الحكومة المصرية القضية المعروفة إعلاميًا بقضية التمويل الأجنبي[1]، بعدما أصدر قاضي التحقيق المنتدب من وزارة العدل للتحقيق في القضية أمرًا قضائيًا بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية لعدم كفاية الأدلة لتوجيه اتهامات في حق المسؤولين عن المنظمات الخمس المتبقية، من أصل (85) منظمة مصرية تمّ التحقيق معها[2]. وعليه، أغلقت القضية؛ التي شغلت حيزًا واسعًا في النقاش العام، تاركةً تداعيات عميقة على أوضاع حقوق الإنسان في مصر.

تعرض خلال التحقيق-الذي استمر لأكثر من 13 عامًا- العاملون في منظمات مجتمع مدني لاتهامات تتعلق بالعمل من دون ترخيص، والحصول على تمويل من الخارج بهدف تهديد أمن الدولة واستقرارها. وقد صدرت عشرات القرارات بالتحفّظ على الأموال والمنع من السفر، والحكم بالسجن على البعض الآخر. فطالما كانت هذه المنظمات، وهي في الغالب جماعات حقوقية، على خلاف مع السلطات المصرية بشأن قضايا الحكم والحريات المدنية. وكانت الاتهامات بالتدخل الأجنبي بمثابة ذرائع لتشديد القبضة الأمنية على المجتمع المدني.

اللافت أن القرار الأخير أتي بعد مرور خمس سنوات على إصدار محكمة الجنايات المصرية حكمًا بتبرئة العاملين بمنظمات المجتمع المدني الأجنبية[3]، أدانت فيه الممارسات القمعية للسلطات المصرية تجاه المجتمع المدني، ونَوَّهت به إلى ضرورة تسهيل عملها ضمنًا. فعدا عن أنها ذكرت أن التمويل الأجنبي هو الأساس لكلّ نشاط أهلي أو حكومي أو شبه حكومي، وأنه في بعض الأحيان تتعارض أنشطة المجتمع المدني مع التوجهات الحكومية، الأمر الذي يدفع هذه الأخيرة إلى إجراءات قمعية تسئ إلى سمعة مصر. كما ذكرت المحكمة في حكمها بأن حملات التحريض المقامة من الحكومة ضد أنشطة منظمات المجتمع المدني والعاملين بها بوصفها من أعمال الجاسوسية هدفه تقليب الرأي العام ضدها. وفى ظل ثورة تكنولوجيا المعلومات، لا يمكن القول بأن الأوضاع الاقتصادية والمصرفية والاجتماعية، وتحركات الأحزاب وتوجهاتها؛ تتطلب تقارير تباع إلى جهات أجنبية. وما تحصلت عليه الجمعيات الأهلية خلال 3 سنوات من دعم أجنبي قبل صدور حكم الإدانة لا يمكن مقارنته بما تحصل عليه الحكومة من دعم أجنبي في مشروع واحد لها. كما أشارت المحكمة أخيرا إلى أنّ الاتهام المسند للمتهمين لا يعدو كونه رسالة لكل العاملين في منظمات المجتمع المدني الدولية والمحلية الذين رفضوا أن ينضموا تحت لواء أجنحة الحكم ويأتمروا بأمر الحكّام، وقوفًا في طوابير النفاق الطويلة وأن يقسموا بأن هذه الحكومة ديمقراطية.

وقد جاء قرار الإنهاء بعد مرور عدة أيام على توقيع الحكومة المصرية لاتفاقية الشراكة الاستراتيجية مع الاتحاد الأوروبي والذي بموجبه سيمنح الأخير مصر قروضًا لا تقل عن 7.4 مليار يورو مدى السنوات الأربع المقبلة لدعم الاقتصاد المصري المتعثر[4]. وربطت أنباء صحفية بين قرار إغلاق القضية واتفاق الشراكة المصري الأوروبي, فبحسب صحيفة “زاوية ثالثة”، أكّد مصدر مطلع على الاتفاق أن الوفد الأوروبي تحدث مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في عدة نقاط منها إغلاق القضية، ورفع الحجب عن المواقع الصحفية “[5].

بداية قضية التمويل الأجنبى للمنظمات الحقوقية

أثارت الحكومة المصرية القضية في شهر يوليو من عام 2011 بعدما قرّر وزير العدل حينها تشكيل لجنة تقصّي حقائق لإعداد تقرير بشأن “التمويل الأمريكي للجمعيات والمنظمات الغير حكومية المصرية والأجنبية التي تمارس نشاطها في مصر”[6]. إلا أن اللجنة وسّعت مهامها من تلقاء نفسها لتشمل الحصول على البيانات المتعلقة بالتمويل الأجنبي بصفة عامة من دون الاقتصار على التمويل الأمريكي. وأصدرت اللجنة تقريرًا ادّعت فيه أنها توصلت إلى نتيجة مفادها بأن أكثر 50 منظمة مصرية وأجنبية تتلقّى تمويلا بالمخالفة لأحكام قانون تنظيم عمل الجمعيات والمؤسسات الأهلية المثير للجدل رقم 48 لسنة 2002، وقانون العقوبات المصري. بغية التدخل في الشأن السياسي المصري[7]. بعد صدور التقرير، انتدبتْ وزارة العدل قاضييْن للتحقيق في القضية، ثم قسمتها إلى شقّين، خصص أولهما للمنظمات الأجنبية العاملة في مصر، أما الشق الثاني فيخصّ المنظمات المحلية.

الشق الأول: محاكمة العاملين بالمنظمات الأجنبية:

في غضون ديسمبر 2011، داهمت الشرطة المصرية بصحبة أعضاء من النيابة العامة، مقار 17 منظمة غير حكومية مصرية وأجنبية تعمل في مصر، بناء على طلب من قضاة التحقيق بالقضية بهدف ضبط الأوراق والمستندات والمطبوعات والأجهزة الإلكترونية “مما تكون قد استعملت في ارتكاب الجرائم محل التحقيق، أو أعدت لاستعمالها فيه”. وعليه، وُجهت اتهامات ل ـ43 شخص من بينهم 17 أجنبيًا من جنسيات مختلفة (فلسطينيين وألمان وأمريكيين وصرب)، يعمل أغلبهم في خمس منظمات دولية[8]، علما أن هذه الاتهامات شملت إنشاء وإدارة منظمات ذات صفة دولية من دون الحصول على ترخيص والحصول على تمويل مباشر غير مشروع بما يخلّ بسيادة الدولة، واستعمالها في أنشطة محظورة. وعليه، أصدر النائب العام قرارًا بمنع جميع المتهمين من السفر. إلا أنه في مطلع مارس من عام 2012 ألغي النائب العام قرار المنع من السفر بالنسبة للمتهمين الأجانب بعد تدخل الولايات المتحدة الأمريكية. وعلى أثره، تمكّن المتهمون الأجانب من مغادرة مصر. ثم أحيلت القضية للمحاكمة بذات الاتهامات، وقضت محكمة جنايات القاهرة في يونيو 2013 بالحكم بالسجن والحبس غيابيًا على جميع المتهمين الأجانب لمدد تتراوح بين خمس سنوات، وسنتين، وسنة واحدة للمتهمين المصريين مع إيقاف التنفيذ.  وفى ديسمبر 2018، أصدرت محكمة جنايات القاهرة حكمًا جديدًا “ببراءة جميع المتهمين” بعد إحالتها من محكمة النقض لإعادة المحاكمة مرّة أخرى.

الشق الثاني: التحقيق مع العاملين بالمنظمات المصرية:

التفتتْ السلطات المصرية إلى المؤسسات الحقوقية المصرية بعد صدور حكم الإدانة الأول بحق المنظمات الأجنبية، بعدما أنذرت في غضون عام 2014 وزارة التضامن الاجتماعي هذه المؤسسات بضرورة التسجيل أو توفيق أوضاعها وفقًا لقانون رقم 48 لسنة 2002 المنظم لعمل الجمعيات الأهلية المصرية، الذي وضع قيوداً على عمل المجتمع المدني المصري، ومكّن السّلطات من إغلاق أيّة منظمة متى شاءت، وتجميد أصولها ومصادرة ممتلكاتها ورفض المرشحين لمجالس إدارتها. وفى مارس 2016، باشر القاضي المنتدب إجراء تحقيقات بشأن هذه المؤسسات، في موازاة إصداره أمرا لمصلحة الضرائب المصرية بإجراء تحقيقات بشأن وجود تهرّب ضريبي من قبلها. وقد تضمّنت القائمة عدة مراكز حقوقية منها المعهد المصري الديمقراطي، والمركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، ومركز هشام مبارك للقانون، ومركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان.

ثم تسارعت وتيرة قمع الحقوقيين بإصدار سلسلة من القرارات بالمنع من السفر، والمنع من التصرف في الأموال والأصول بحق قرابة 300 من مسؤولي 85 منظمة أدرجت في القضية، فضلا عن إخضاع المعنيين للتحقيق سواء باستدعاء أو بقرارات ضبط وإحضار. منهم “حسام بهجت” مدير المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، و”جمال عيد “مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، و”بهي الدين حسن” مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، و “عبد الحفيظ السيد “مدير المركز المصري للحق في التعليم، و”مصطفى آدم “مدير مركز هشام مبارك للدراسات القانونية، ومسؤولي المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية. ورفضت محكمة الجنايات كافة طعون الحقوقيين بمنعهم من السفر والتصرف في أموالهم الشخصية. وتوالتْ إجراءات التحقيق باستدعاء المدافعين عن حقوق الإنسان للتحقيق معهم في أنشطة مؤسساتهم. ثم إخلاء سبيلهم مقابل دفع مبالغ مالية. وبالتوازي، طالبت السلطات الحكومية المنظّمات الخاضعة للتحقيق بسداد مبالغ ماليّة قدّرت بملايين الجنيهات ادّعت بأنها ضرائب مستحقة.

وبدأتْ السلطات في إصدار قرارات بإنهاء القضية بحق المنظمات ومسؤوليها المتهمين منذ ديسمبر 2020 [9] إلى أن  صدر القرار الأخير بإنهائها بصورة تامّة في حق 85 منظمة محلية.

الإدانات الدولية

لم تكن المطالبة الأوروبية الأخيرة لإغلاق القضية هي الأولى من نوعها، لكن قد تكون الأولى التي ترافقت بقروض لدعم الاقتصاد المصري في ظلّ أزمته الاقتصادية التي يعاني منها. فخلال 13 عامًا من عمر الدعوى، تعرّضت الحكومة المصرية لانتقادات وإدانات دولية من منظمات حقوق الإنسان والحكومات الأجنبية، التي اعتبرت القضية محاولة سافرة لخنق المعارضة والحدّ من أنشطة المجتمع المدني المستقل. وعلى الرغم من الضغوط المتزايدة، واصلت السلطات المصرية حملتها القمعية. فمثلاً أصدر المتحدث الرسمي للأمين العام للأمم المتحدة بيانًا في غضون إبريل 2016 صرح فيه بأن بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة يتابع عن كثب الإجراءات القضائية في مصر ضد عدد من منظمات المجتمع المدني والمدافعين عن حقوق الإنسان[10].

كما طالبت عدة منظمات دولية منها منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش في العديد من البيانات والتقارير الحكومة المصرية بإنهاء القضيّة ووقف الانتهاكات بحق المدافعين عن حقوق الإنسان، والالتزام بتعهّداتها “باحترام عمل المنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان والسماح لها بالعمل بحرية”. وقد تجلى ذلك بشكل خاصّ في  مارس 2015 في سياق الاستعراض الدوري الشامل أمام مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة.

تأثر أوضاع المدافعين عن حقوق الإنسان

منذ فتح قضية “التمويل الأجنبي”، تم التعامل مع المدافعين عن حقوق الإنسان على أنهم أعداء للدولة، وتعرضوا لحملة قمع غير مسبوقة، بما في ذلك تجميد الأصول، وحظر السفر. وقد كثّفت السّلطات المصرية من ملاحقتها والاحتجاز غير القانوني للعاملين بالمنظمات غير الحكومية لعرقلة العمل بمجال حقوق الإنسان. فقد رصدتْ مؤسسة الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان 733 حالة اعتداء بحقّ حقوقيين[11]. إذ منذ عام 2016 وحتي 2021، تنوّعت تلك الانتهاكات من أحكام بالسجن وقرارات حبس احتياطي وإخفاء قسري واحتجاز دون وجه حقّ وتعذيب ومعاملة حاطّة بالكرامة واعتداءات بدنية وحملات التشهير والتحريض على القتل ومنع من السفر والتصرف في الأموال، ورقابة أمنية.

وقد دفع مناخ الخوف والترهيب الذي صنعته الحكومة المصرية العديد من الحقوقيين إلى العمل سرًا أو الفرار خارج البلاد. يذكر على سبيل المثال أن المؤسسة التي رصدت الانتهاكات السابقة قد أوقفت نشاطها يناير 2022، مشيرة إلى البيئة القمعية وعدم قدرتها على القيام بالعمل الحقوقي في ظلّ تزايد الانتهاكات والمضايقات التي يتعرض لها فريقها. فضلاً عن المؤسسات الأخرى التي أغلقت أو نقلت مقراتها والعاملين بها إلى خارج مصر، والبعض الآخر التي قللت من أنشطتها أو قلصت من العاملين بها.

إصدار تشريعات تقييدية جديدة

بالرغم من أن إنهاء القضية بشقيها الأجنبي والمحلي قد يعطي مؤشرًا إيجابيًا تجاه عمل منظمات المجتمع المدني، إلا أن حرية عمل المؤسسات الحقوقية ما زال مقيدًا بعدد من القوانين والتعديلات القانونية أصدرها النظام الحاكم أثناء التحقيق في القضية بغية التحكم في أسلوب عمل المؤسسات الحقوقية، وتقييد تأسيسها، ومعاقبة المدافعين عن حقوق الإنسان.

ففي غضون عام 2014، قام “السيسي” بتعديل نص المادة 78 من قانون العقوبات المصري، التي فتحت الباب أمام معاقبة العاملين بمنظمات المجتمع المدني بالسجن لمدد قد تصل إلى 25 عامًا إذا كان التمويل من إحدى المنظمات أو الدول الأجنبية بقصد الإخلال بالأمن أو السلم العام أو ارتكاب أعمال تضرّ بمصلحة قومية أو المساس باستقلال البلاد ووحدتها وسلامة أراضيها أو القيام بأعمال عدائية ضد مصر[12].

كما منح قانون تنظيم ممارسة العمل الأهلي الصادر في عام 2019 السلطات صلاحيات واسعة للإشراف على تسجيل المنظمات غير الحكومية، وأنشطتها، وتمويلها، وحلّها. وقصر أنشطة عملها على “أنشطة تنمية المجتمع” بما يتماشى مع خطة الدولة التنموية وتلبية احتياجات المجتمع. وهو مفهوم غامض التعريف يمكن استخدامه لحظر عمل المؤسسات الحقوقية. مما يفتح الباب أمام تأويلات عدة تجيز رفض تسجيل الجمعيات أو وقف نشاطها لعدم مسايرتها خطط الدولة التنموية أو بزعم عدم حاجة المجتمع لأنشطة الجمعية، وهو ما ينطبق أيضًا على المنظمات الأجنبية غير الحكومية. كما منع القانون المذكور المنظمات غير الحكومية من إجراء البحوث الميدانية واستطلاعات الرأي ونشر نتائجها من دون إذن مسبق من الحكومة، للتأكد من سلامتها وحياديّتها وتعلّقها بنشاط الجمعية أو ممارسة أنشطة من شأنها الإخلال بالنظام العام أو الآداب العامة أو الوحدة الوطنية أو الأمن القومي وهي من المفاهيم العامة الفضفاضة غير المعرّفة بالقانون. وحظر القانون أيضًا على منظمات المجتمع المدني ممارسة الأنشطة السياسية أو الحزبية أو النقابية أو استخدام مقراتها في ذلك وإبرام اتفاقات مع جهات أجنبية داخل أو خارج البلاد غير مصرح لها بالعمل من قبل الحكومة المصرية قبل موافقة “الجهة المعنية”. ولم تفصح اللائحة التنفيذية عن ماهية تلك الجهة أو اختصاصها.[13]

وبالرغم من أن قانون ممارسة العمل الأهلي خفّف القيود التي وردت في القانونين السابقين عليه[14] وعلى الأخصّ قانون رقم 70 لسنة 2017، حيث ألغيَ الجهاز القومي لتنظيم عمل المنظمات الأجنبية غير الحكومية[15] الذي كان يشارك وزارة التضامن الاجتماعي صلاحية قبول أو رفض طلبات التمويل للمنظمات المجتمع المدني ويمتلك صلاحية منح ومنع تصاريح العمل للمنظمات الأجنبية الراغبة في العمل في مصر ليعيد هذا الاختصاص إلى وزارة الخارجية. إلا أن القانون الحالي عاد ومنح وزارة التضامن الاجتماعي تلك الصلاحية بالمشاركة مع جهة غير معلومة. والتي هي في الأغلب جهاز الأمن الوطني. فبحسب تجربة “الكاتب” في التعامل مع إحدى إدارات التضامن الاجتماعي لتأسيس جمعية أهلية في غضون عام 2023، تمّ إبلاغي من قبل موظف الوزارة بأن ثمة بيانات مثل (إسم المؤسسة، وأعضاء هيئة التأسيس، ونشاطها) تُعرض على جهاز الأمن الوطني أولاً قبل إصدار الموافقة من عدمها لإجراء التحريات عن خلفيات المؤسسين وتحديد نشاط الجمعية من قبل الأمن. وفى حال طلب ضابط الأمن الوطني أيّ تعديلات، فإن الوزارة تطلب من مؤسسي الجمعية الأهلية الاستجابة له تحت طائلة رفض طلب تأسيسها.

وفي إبريل 2022، أعلن رئيس لجنة التضامن الاجتماعي بمجلس النواب أن 32000 مؤسسة مجتمع مدني تقدمت بطلب توفيق أوضاعها بموجب القانون الجديد، لكن لم تتمكّن سوى 28000 منظمة فقط من الانتهاء من الإجراءات بسبب الصعوبات الإدارية[16]. وفي وقت سابق، ذكرت السلطات أن هناك 52,500 جمعية ومؤسسة أهلية في البلاد[17]. ورغم أن المادة 75[18] من الدستور أجازت للمواطنين تأسيس المؤسسات الأهلية بمجرّد الإخطار، وحددت المحظورات على أنشطة الجمعيات بأن لا يكون نظامها أو نشاطها سريًا أو ذا طابع عسكرى أو شبه عسكري، إلا أن القانون واللائحة تجاهلا النص الدستوري ووضعا قيودًا فضفاضة وغامضة على أنشطة المجتمع المدني، فضلاً عن تضييق مجالات عملها وحصرها في أنشطة تمتلك الجهة الإدارية وحدها تفسيرها؛ مما يجعل هذا التجاوز مشوبا بعدم الدستورية لانتقاصه من الحق الذي كفله الدستور.

وهو ما أدانه بعض خبراء الأمم المتحدة في يوليو 2021 حيث أعرب كلّا من المقرر المعني بالحق في التجمع السلمي وتكوين الجمعيات، والمقرر الخاص بحالة المدافعين عن حقوق الإنسان، والمقرر المعني بتعزيز وحماية حقوق الإنسان في ظل مكافحة الإرهاب[19]، عن قلقهم من أن قانون ممارسة العمل الأهلي وقانون مكافحة الإرهاب، وقانون الكيانات الإرهابية، وقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات كلها قوانين تقيّد نشاط منظمات المجتمع المدني وتمنح السلطة التنفيذية سلطات تقديرية واسعة لحلّ منظمات المجتمع المدني. وتحدّ من وصولها إلى فرص تمويل أنشطتها.


[1] – القضية مقيدة بسجلات وزارة العدل المصرية برقم 173 لسنة 2011.

[2] – خبر صحفي بالموقع الإليكتروني لصحيفة مدي مصر، بعنوان” قاضي «منظمات المجتمع المدني» ينهيها بعد 13 عامًا «لعدم كفاية الأدلة»” بتاريخ 20 مارس 2024.

[3] – الحكم براءة العاملين بمنظمات المجتمع المدني الأجنبية، الصادر من محكمة جنايات القاهرة الدائرة (15) جنوب القاهرة في القضية رقم رقم ١١١٢٠ لسنة ٢٠١٢ جنايات قصر النيل، ورقم ١٠ لسنة٢٠١٢ كلي وسط. بتاريخ 20 ديسمبر 2018.

[4] – خبر صحفي بعنوان” منح ضخمة لمصر في إطار “شراكة استراتيجية” مع الاتحاد الأوروبي” نشر بالموقع الإلكتروني DW- بتاريخ 17 مارس 2024.

[5] – خبير صحفي بعنوان” إغلاق قضيّة منظّمات المجتمع المدنيّ بعد 13 عامًا: هل ودّعنا الملاحقة؟” نشر بالموقع الإلكتروني لصحيفة زاوية ثالثة – بتاريخ 21 مارس 2024.

[6] – صدر قرار وزير العدل بتوجيه من مجلس الوزراء المصري، بعد أن أصدر الأخير قرار في جلسته رقم (17) بتاريخ 3 يوليو 2011 بتشكيل لجنة تقصي حقائق حول حجم واستخدامات المعونة الأمريكية الموجهة للمجتمع المدني المصري ومدي مشروطيه هذه المعونات. بعدما صرحت السفيرة الأمريكية آن باترسون التي كانت مرشحة للعمل كسفيرة لبلادها بالقاهرة أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي بأن الحكومة الأمريكية قدمت مبلغ 40 مليون دولار كتمويل لمنظمات المجتمع المدني المصري و منظمتين أمريكيتين لدعم الديمقراطية في مصر.

– توسعت لجنة تقصي الحقائق في تقريرها وشمل التقرير المعونات والمنح التي تلقتها منظمات المجتمع المدني من جهات غير أمريكية.

[7] – خبر صحفي بعنوان” قضية “التمويل الأجنبي” 2011.. وما زال التحقيق جاريًا (تسلسل زمني)، نشر بالموقع الإليكتروني لجريدة المنصة، بتاريخ 18 أبريل 2017.

[8] – منظمات المجتمع المدني الأجنبية التي اتهم بها العاملين هي: المعهد الجمهوري للشئون الدولية، والمعهد الوطني الديمقراطي، ومؤسسة فريدم هاوس، والمركز الدولي للصحفيين، ومؤسسة كونراد أديناور.

[9] – بيان صحفي صادر عن عدة منظمات محلية ودولية، نشر بالموقع الإلكتروني لمركز القاهرة مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان بعنوان ” مصر: قضية المجتمع المدني 173 لا تزال معلقة”، نشر بتاريخ 30 أغسطس 2023.

[10] – الموقع الإلكتروني لمنظمة الأمم المتحدة بعنوان” مصر: بان يتابع عن كثب الإجراءات القضائية ضد عدد من منظمات المجتمع المدني” نشر بتاريخ 20 أبريل 2016.

[11] – تقارير بعنوان “حالة المدافعين عن حقوق الإنسان” تقارير “المسار الديمقراطي في مصر” لأعوام 2016، 2017 ،2018 ،2019 ،2020 ،2021. صادرة عن مؤسسة الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان.

[12] – تعديل نص المادة 78 من قانون العقوبات صدر بموجب قرار رئاسي من رئيس الجمهورية بالقرار رقم 128 لسنة 2014. ونشر بالجريدة الرسمية بتاريخ 21 سبتمبر 2014.

[13] – المواد أرقام 14، 15 من قانون تنظيم ممارسة العمل الأهلي رقم 149 لسنة 2019، والمواد 108، 109 من اللائحة التنفيذية لذات القانون.

[14] – تنظيم عمل الجمعيات وغيرها من المؤسسات العاملة في مجال العمل الأهلي 70 لسنة 2017- https://manshurat.org/node/24867  – وقانون الجمعيات والمؤسسات الأهلية رقم 84 لسنة 2002.

[15] – الجهاز القومي لتنظيم عمل المنظمات الأجنبية غير الحكومية، كان يضم في عضويته ممثلين عن أجهزة الأمن القومي الرئيسية في مصر: المخابرات العامة، وزارتي الدفاع والداخلية، فضلاً عن ممثلين عن وزارة الخارجية والبنك المركزي. وكان يشرف على عمل منظمات المجتمع المدني وأي تعاون بين مؤسسات أهلية مصرية وكيانات أجنبية، كما حظر إبرام أي اتفاقات تعاون بين منظمات المجتمع المدني والهيئات الحكومية المصرية دون موافقة الجهاز.

[16] – خبر صحفي بعنوان” 22 ألف جمعية أهلية تنتظر توفيق الأوضاع.. القانون الجديد ينظم إجراءات التقنين.. ونواب: التعديل فرصة ذهبية في عام المجتمع المدني”، نشر بصحيفة برلماني، بتاريخ 4 إبريل 2022.

[17] – خبر صحفي بالموقع الإليكتروني لصحيفة الشروق، بعنوان” التضامن: عدد الجمعيات الأهلية المُسجلة بمصر 52 ألفًا و500 جمعية”، نشر بتاريخ 2 ديسمبر 2021.

[18] –  تنص المادة (75) من دستور 2014 على أنه” للمواطنين حق تكوين الجمعيات والمؤسسات الأهلية على أساس ديمقراطى، وتكون لها الشخصية الاعتبارية بمجرد الإخطار. وتمارس نشاطها بحرية، ولا يجوز للجهات الإدارية التدخل فى شئونها، أو حلها أو حل مجالس إداراتها أو مجالس أمنائها إلا بحكم قضائي. ويحظر إنشاء أو استمرار جمعيات أو مؤسسات أهلية يكون نظامها أو نشاطها سرياً أو ذا طابع عسكرى أو شبه عسكري، وذلك كله على النحو الذي ينظمه القانون”.

[19]https://spcommreports.ohchr.org/TMResultsBase/DownLoadPublicCommunicationFile?gId=26522

انشر المقال

متوفر من خلال:

قضاء ، مقالات ، مصر ، المهن القانونية



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني