الحقوقية مريم البريبري بمواجهة النقابات الأمنية: “نقابات لم تقبل يوما بسلطة الشعب”


2021-12-28    |   

الحقوقية مريم البريبري بمواجهة النقابات الأمنية: “نقابات لم تقبل يوما بسلطة الشعب”

انعقدت صبيحة يوم 24 ديسمبر 2021 ندوة صحفية على خلفية الحكم الصادر ضدّ الناشطة مريم البريبري بمقر النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين، بمشاركة هذه الأخيرة وفريق دفاعها ومدافعين عن حقوق الإنسان من أفراد وجمعيات. حيث صدر حكم ضد المعنية بالأمر يقضي بسجنها لمدة 4 أشهر وبخطية مالية قدرها 500 دينار على خلفية إعادة نشرها فيديو يوثق الانتهاكات البوليسية ضدّ مواطن بمنطقة نابل. تطرق المشاركون خلال الندوة لمختلف التجاوزات والإخلالات التي شهدها الملف القضائي ولحيثيات المحاكمة كما عبروا عن تخوّفهم من تغوّل النقابات الأمنية ومدى هيمنتها وتأثيرها على المسار القضائي ممّا يهدّد لا فقط حرية التعبير بل مبادئ المحاكمة العادلة ودولة القانون ككل. 

التضييق على حرية التعبير أو على هامش ما بقي من حريات

تمّ الاستماع للمواطنة مريم البريبري يوم 08 أكتوبر 2020 من قبل الضابطة العدلية بمدينة صفاقس بعد أن تمّ استدعائها عبر الهاتف للمثول أمامها وهو ما يخالف قواعد الإجراءات الجزائية والاستدعاءات حسب ما أفاد به المحامي نعمان مزيد الذي يتولى ملف المعنية بالأمر. أكّد المحامي أنه خلال الاستماع، لم يتمّ تقديم المحضر أو الشكاية المقدمة على أنظار المستمع لها بل تمّ عرض عدة صور لتدوينات لمريم بريبري كانت قد نشرتها على حسابها الخاص بموقع التواصل الاجتماعي فايسبوك من بينها صورة تكشف إعادة نشرها لفيديو يوثق الاعتداءات البوليسية ضد مواطن بمنطقة نابل. خلال الاستماع، تبيّن بأن الكاتب العام الجهوي لنقابة الأمن الداخلي بصفاقس تقدّم بشكاية ضد الناشطة متهما إياها بالإساءة له وللأمنيين عبر تدوينتها ونشرها لفيديو الاعتداءات. وتمّ بذلك تكوين الملف القضائي وإحالتها على المجلس الجناحي لمقاضاتها من أجل تعمّد الإساءة للغير عبر شبكات الاتصال والتواصل طبقا للفصل 86 من مجلة الاتصالات. خلال فترة المحاكمة، تعرّضت الناشطة للعديد من التضييقات والهرسلة. حيث تضمنت شهادتها خلال المؤتمر الصحفي نبذة عن هذه المضايقات الدورية على غرار قيام أعوان الأمن بزيارة محلّ عملها كل أسبوعين تقريبا لتهديدها وهرسلتها مما استوجب في العديد من المرّات تهريبها أو حمايتها من قبل أصدقائها. فترة طويلة، تجاوزتها الناشطة بكثير من الخوف والاستفزاز من قبل الأعوان خاصة في الطريق العام. 

بعد مرور ما يزيد عن سنة منذ بداية المسار القضائي، صدر الحكم يوم 21 ديسمبر 2021 القاضي بسجن الناشطة لمدة 4 أشهر وبغرامة مالية مقدرة بـ 500 دينار. حكم يضيّق على حرية الأفراد في التعبير ويجرّم ضمنيّا التبليغ عن التجاوزات الأمنية ويمثّل دليلا آخر ينسف مقولة أن حرية التعبير مكتسب ثابت لا يمكن التراجع عنه في تونس ما بعد الثورة. حكم استنكره نقيب الصحفيين محمد ياسين الجلاصي الذي أكّد بأن مرحلة ما بعد 25 جويلية شهدت ارتفاع وتيرة التضييق على الحريات والتتبعات ضد المدنيين من قبل المحكمة العسكرية. كما أفاد بأن هذه الفترة شهدت تصاعدا لاستغلال الأجهزة الأمنية والعسكرية والقضائية لإسكات الأصوات المدافعة عن الحقوق وللتضييق على حرية التعبير وهو ما يهدد المكتسبات والمبادئ الأساسية التي جاءت بها الثورة. كما أكد رمضان بن عمر ممثل عن المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية بأن الدولة البوليسية لازالت تنتهج نفس الممارسات القمعية للتضييق على حرية تعبير الأفراد (وهو أمر بات بيّنا بفعل تواتر عملية فضحه من قبل ضحاياه) مؤكدا بأن التتبع القضائي لا يشمل الناشطة المعنية بهذا الملف فقط بل هو عبارة عن سياسة ممنهجة تقودها الدولة ضدّ عدة نشطاء فاعلين بعدة جهات كالكاف وسيدي بوزيد وقفصة وغيرها من الولايات. كما أكّد المحامي نعمان مزيد أن لمحاكمة الناشطة مريم بريبري عدة دلالات رمزية مذكّرا بدفاع هذه الأخيرة ومناصرتها لعائلات الشهداء وجرحى الثورة ومواكبتها لمحاكمات ضحايا الاعتداءات الأمنية. من جهتها، أكدت الناشطة بريبري أنها على قناعة بأن المستهدف الرئيسي هم الأفراد الذين آمنوا بالثورة وبالحقوق والحريات وأن هذه النقابات الأمنية لم تقبل يوما بأن تكون السلطة للشعب التونسي وأن لا تكون لهم. 

النقابات الأمنية: هياكل فوق القانون 

على صعيد آخر، كشف المحامي نعمان مزيد مختلف التجاوزات التي لحقت بهذا الملف، فأشار بأنه تمّ الاستماع إلى مريم بريبري دون تقديم محضر الشكاية والاكتفاء بتقديم بعض الصور التي تمّ التأشير عليها من قبل العدل منفّذ مؤكّدا بأنه تمّ إعداد المحضر بعد الاستماع لموكّلته لا قبله ممّا يستوجب استبعاده من الملفّ. كما أضاف بأنه تمّ الاستناد على الفصل 86 من مجلة الاتصالات في الحكم الصادر ضدها رغم أن المرسوم 115 لسنة 2011 المتعلق بحرية الصحافة والطباعة والنشر كان قد قضى بإلغائه. في هذا الإطار، استنكر وكيل الحقوقية مريم البريبري التعامل القضائي الذي يكيل بمكيالين بين المتقاضين، مشيرا لانتهاج محاكم عدة معايير مختلفة في التعامل مع القضايا المقدمة. فيولي الأولوية للشكايات المقدمة من قبل النقابات الأمنية ويؤخّر تلك المقدمة ضدّها. وأضاف  أنه تمّ تقديم شكاية جزائية ضدّ الكاتب العام الجهوي لنقابة الأمن الداخلي بصفاقس، وهو نفس الشخص الشاكي ضدّ مريم البريبري، على خلفية ظهوره في مقطع فيديو وهو يقوم خلاله بتكفير وتخوين وشتم المدافعين عن الحقوق والحريات وعلى رأسهم ممثّلين عن الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان. لكنّ هذه الشكاية لم تبرح أدراج الضابطة العدلية إلى الآن بينما تمّ إصدار الحكم في القضية الأخرى. 

من جهته، أكّد المحامي حمادي الهنشيري أن ثمة نقابات أمنية متغوّلة ومهيمنة تفرض قواعدها الخاصة في انتهاك صريح للقواعد القانونية الأساسية للإفلات من العقاب وعدم الامتثال لأي نوع من الرقابة. واقع يؤكّده الذي أفاد بأنه لا يتمّ احترام الاجراءات القانونية إذا كانت النقابات الأمنية طرفا في القضية في غياب تامّ لأي دور رقابي من قبل وكيل الجمهورية. ليضيف قائلا: “يمكن أن تجد نفسك في أي لحظة في السجن إن كانت النقابات الأمنية هي خصمك لأنها وبكل بساطة من يتحكّم بمفاتيحه“. وأضاف بأنه أصبح للانتهاكات الواقعة ضدّ المواطنين نوع من القبول لدى القضاة الذين يتسترون عليها. كما دعا هذا الأخير القضاة لتحمّل مسؤولياتهم والقيام بدورهم الرقابي على أعمال الضابطة العدلية خاصة من قبل وكيل الجمهورية أو الحكم ببطلان الإجراءات إن تمّ رصد التجاوزات، مؤكدا في هذا الإطار بأن الحكم بعدم سماع الدعوى في هذه الحالات يعدّ هروبا من المسؤولية، ليتّهم في مداخلته “القضاء التونسي بكونه قضاء زجريّا وغير حقوقي وغير قادر على أن يكون عادلا“. 

في هذا الإطار، استنكرت مريم بريبري ممارسات النقابات البوليسية معلنة بأنها قررت مقاضاة النقابات والأطراف الذين قاموا بهرسلتها وتعنيفها مؤكدة بأنه: “آن الأوان لأن نتخطّى مرحلة الدفاع والخضوع إلى مرحلة ردّ الفعل والمطالبة بالحقوق والحريات التي دفعنا الدم ثمنا من أجلها خلال الثورة“.

انشر المقال

متوفر من خلال:

حريات ، المرصد القضائي ، أجهزة أمنية ، محاكم جزائية ، حرية التعبير ، استقلال القضاء ، مقالات ، تونس ، حراكات اجتماعية ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني