بسبب نشاطها في مجال الهجرة: الجمعيات في مرمى السلطة


2024-05-10    |   

بسبب نشاطها في مجال الهجرة: الجمعيات في مرمى السلطة

يتعرّض عدد من الجمعيات الناشطة في مجال الهجرة وحقوق الإنسان إلى إيقافات وتتبّعات عدلية على خلفيّة نشاطها، في الوقت الّذي ينتعش فيه خطاب الكراهية إزاء المهاجرين غير النظاميين الوافدين من أفريقيا جنوب الصحراء. توصَم هذه الجمعيات بأنّها تتلقّى أموالًا طائلة بهدف توطين المهاجرين، والحال أنّ هؤلاء لا رغبة لهم سوى في العبور إلى الضفة الشمالية للمتوسّط، ولا منافذ أمامهم سوى بوّابة تونس.

تتقاطع الحملة ضدّ وجود المهاجرين غير النظاميين بتونس مع فتح ملفّ الجمعيات التي تتلقّى تمويلا من الخارج، لتنتج توليفة من المضايقات والهرسلة (الضغط) والتتبّعات، بدأت منذ أكثر من سنة ولكنّها تخمد وتثور في كلّ مرّة تُنفَث فيها النيران.

إثر اجتماع مجلس الأمن القومي يوم 06 ماي الجاري، فُتح بحث تحقيقيّ ضدّ الجمعيات المعنيّة بملفّ الهجرة وحماية طالبي اللجوء، حيث تمّ إيداع رئيس المجلس التونسي للاجئين ونائبه السّجنَ في اليوم الموالي، يوم 07 ماي، على خلفيّة نشر هذه المنظّمة طلب عروض بإحدى الصّحف لفائدة النّزل التونسية بغرض إيواء عدد من المهاجرين، دون تنسيق مع السلط الإدارية والأمنية. ووُجّهت لهما تهمة تكوين وفاق قصد مساعدة شخص على دخول التراب التونسي من دون وثيقة سفر، على معنى الفصل 25 من القانون المتعلق بحالة الأجانب بالبلاد التونسية لسنة 1968. وإذ حاولنا الاتّصال بالجمعية للحصول على تعليق منها على موضوع الاتهام، تعذّر علينا ذلك. كما تمّ الاحتفاظ بالناشطة الحقوقية ورئيسة جمعية “منامتي” لمناهضة التمييز العنصري سعديّة مصباح ليلة خطاب الرئيس، لمدّة خمسة أيّام، بعد تفتيش منزلها واستنطاقها من فرقة مكافحة الجرائم الاقتصادية لشبهة تبييض أموال. فيما تُواجه شريفة الرياحي الرئيسة السابقة لجمعية تونس أرض اللجوء بدورها تهمة غسيل الأموال وهي بحالة احتفاظ لمدّة خمسة أيام قابلة للتجديد بداية من يوم 08 ماي الجاري. 

“يريدون جعل منظّمات المجتمع المدني شمّاعة لفشل السلطة في حماية حدودها البرية. بعد التثبّت والتمحيص، لا توجد أيّ منظّمة تدعو إلى التّوطين، وتونس منذ التاريخ أرض عبور”، هكذا قال رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بسام الطريفي في تصريح لإذاعة محلية خاصة. كما تمّ الاحتفاظ بمواطن أصيل منطقة تالة من ولاية القصرين الواقعة في الوسط الشرقي للبلاد على حدود الجزائر، يوم 07 ماي، من أجل شبهة “استقطاب وإيواء مهاجرين من جنسيات دول إفريقية من جنوب الصحراء”.

فيما تطال المضايقات عددًا من الجمعيات والمواقع المستقلّة، مثل “نواة” التي ذكرها المعلّق رياض جراد المساند لسياسات الرئيس قيس سعيّد، في سياق حديثه عن “أشخاص و جمعيات و بعض وسائل الإعلام منخرطة في مشروع تخريبي يستهدف إسقاط الدولة وتأجيج الأوضاع”، على خلفية مقال رأي نشره الموقع للباحثة شريا بريكه بعنوان “من الكرامة إلى النقاء العرقي؟ أجندة سعيّد المعادية للأفارقة”. كما نشر الحزب القومي التونسي ذو الخلفيّة العنصرية المعادية لأفارقة جنوب الصحراء الموصومين باختزال “الأجصيين”، بيانًا “من أجل تونسة النشاط الجمعياتي في تونس“، تعرّض فيه باستفاضة إلى المفكرة القانونية وأهدافها وتركيبة مكتبها بتونس، وذكّر بمطالب “الحملة القومية ضدّ التدخلات والتمويلات الأجنبية في تونس من خلال جملة من النقاط، أهمّها “حل الجمعيات  التونسية التي تلقت تمويلات أجنبية لخدمة مشروع توطين الأجصيين بتونس”.

وجد هذا الخطاب أرضية سياسيّة ملائمة لينمو ويتجذّر شيئا فشيئا. فخلال اجتماع مجلس الأمن القومي يوم 06 ماي الجاري الّذي كان جدول أعماله الأساسي يتعلّق بموضوع الصلح الجزائي، قدّم الرئيس سعيّد طرحًا حول الهجرة غير النّظامية، مؤكّدًا أنّ “تونس لن تكون أرضًا لهم (يقصد المهاجرين)، وتسعى إلى ألّا تكون معبرًا لهم”. ثمّ توجّه بالخطاب إلى الجمعيات التي تشتغل على ملفّ الهجرة، مُختزلًا دورها في مجرّد “إصدار البيانات”، قائلا: “هذه الجمعيات الّتي تتباكى وتذرف الدّموع أمام وسائل الإعلام تتلقّى أموالًا طائلة من الخارج. هذه الجمعيّات أكثرهم خونة وعملاء. وعلى لجنة التحاليل المالية[1] أن تقوم بدورها، ولا مجال لجمعيات يمكن أن تحلّ محلّ الدولة”. كما أدرجت الجلسة العامّة بالمجلس التشريعي ليوم 07 ماي نقطة إضافية بطلب من عدد من مُمثّلي الكتل حول الهجرة “غير الشرعية”، قال في بدايتها رئيس مجلس نواب الشعب إبراهيم بودربالة إنّ “تعامل الدّولة مع المهاجرين غير الشرعيين كان وفقًا للمواثيق الدّولية وللقانون الإنساني”، وإنّهم “لقوا الرعاية التامّة والمعاملة القانونية التي تليق بحقوق الإنسان”، مُكذّبًا “الادّعاءات” التي وُجّهت لتونس فيما يتعلّق بتعاملها مع ملفّ الهجرة النظامية، ودعّم مقولة الرئيس حول محدودية دور المنظّمات غير الحكومية الناشطة في مجال الهجرة بالقول إنّ “المنظّمات الدّولية التي تدّعي حماية المهاجرين أكّد رئيس الدّولة أنّها اقتصرت على البلاغات ولم تقدّم أيّ معونة للدّولة التونسية”. فيما أودع عدد من نواب البرلمان من كتلة الخط الوطني السيادي طلب إحداث لجنة تحقيق بخصوص موضوع مهاجري أفريقيا جنوب الصحراء.  

 مهّد خطاب الرئيس قيس سعيّد قبل سنة من الآن لحملة كراهية وعنف مسلّط على المهاجرين غير النظاميين الوافدين من أفريقيا جنوب الصحراء، باتّجاه الضفة الشمالية للمتوسّط. تبنّى الرئيس آنذاك نظريّة “الاستبدال العظيم” التي يطرحها اليمين المتطرّف الفرنسي، على اعتبار أنّ هؤلاء المهاجرين يسعون إلى تغيير “التركيبة الديمغرافية” لتونس وسلخها عن انتمائها العربي الإسلامي، حسب رأيه. 

أيقظ هذا الخطاب مشاعر الكراهية والعنصرية الخامدة لدى عدد كبير من الأفراد، وأصبح المهاجرون مستهدَفين ومُهدَّدين في سلامتهم الجسدية، وقضوا ساعات يتنقّلون تحت أشعّة الشمس الحارقة بلا ماء ولا دواء ولا غذاء، يُطردون أينما حلّوا، رغم المساعدات الّتي بذلتها المنظّمات والمتطوّعون والمتساكنون الّذين تعاطفوا مع الحالات الإنسانية بتقديم المعونة، كلّ حسب قدرته.


[1] هي وحدة تحرّيات مالية ذات صبغة إدارية، وهي مسؤولة على تلقّي التصاريح بالشبهة ومعالجتها

انشر المقال

متوفر من خلال:

حركات اجتماعية ، حرية التعبير ، فئات مهمشة ، لجوء وهجرة واتجار بالبشر ، مقالات ، تونس



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني